تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الْأَحَادِيْثُ الْطِّوَالُ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ

الْأَحَادِيْثُ الْطِّوَالُ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ 2024.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الْأَحَادِيْثُ الْطِّوَالُ (2)
حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ
إبراهيم بن محمد الحقيل
21/8/1432
الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ [غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ] {غافر:3} نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ، وَنَتُوْبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ؛ [خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ ] {الملك:2}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ صَاحِبُ الْلِّوَاءِ المَعْقُوْدِ، وَالمَقَامِ المَحْمُوْدِ، وَالْحَوْضِ المَوْرُوْدِ، اخْتَبَأَ دَعْوَتَهُ المُسْتَجَابَةَ شَفَاعَةً لِأُمَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدَّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَىْ وَأَطِيْعُوْهُ، وَاعْمَلُوْا فِيْ يَوْمِكُمْ مَا يَكُوْنُ لِغَدِكُمْ، وَتَزَوَّدُوْا مِنَ دُنْيَاكُمْ مَا تَجِدُوْنَهُ أَمَامَكُمْ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ يَوْمًا عَسِيرًا، وَحَرَّاً شَدِيْدًا، وَزِحَامًا كَثِيْرًا، وَوُقُوْفًا طَوَيْلًا، لَا يَسْتَظِلُّ فِيْهِ إِلاَّ مَنْ أَظَلَّهُ اللهُ تَعَالَىْ فِيْ ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ [وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ] {الْزُّمَرْ:61}.

أَيُّهَا الْنَّاسُ: مِنْ نُصْحِ الْنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُمَتِهِ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، وَحِرْصِهِ عَلَى نَجَاتِهَا، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ بِمَا يَكُوْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْكَرْبِ وَالْشِّدَّةِ؛ لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ بِالْعَمَلِ الْصَّالِحِ الَّذِيْ يَكُوْنُ سَبَبًا فِيْ نَجَاتِهِمْ وَفَوْزِهِمْ..

وَهَذَا حَدِيْثٌ طَوِيْلٌ مِنْ أَحَادِيْثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَعْضِ مَا يَقَعُ فِيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ شِدَّةٍ تَجْعَلُ الْنَّاسَ يَقْصِدُوْنَ الْأَنْبِيَاءَ يَطْلُبُوْنَ مِنْهُمْ الْشَّفَاعَةَ عِنْدَ الله تَعَالَى؛ لِيَفْصِلَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ، وَيُخَلِّصَهُمْ مِمَّا يَجِدُوْنَهُ مِنْ كُرَبٍ وَشِدَّةٍ؛ فَرَوَىْ أَبُوْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:« أُتِيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ (وفي روايةِ ابنِ حِبَّانَ:«وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ رُؤوسِهِمْ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ دُنُوُّهَا مِنْهُمْ فَيَنْطَلِقُونَ مِنَ الْجَزَعِ وَالضَّجَرِ مِمَّا هُمْ فِيهِ فَيَأْتُونَ آدَمَ» وفي حديث أبي أمامة عند أحمد:«تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مِيلٍ، وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا كَذَا وَكَذَا يَغْلِي مِنْهَا الْهَامُّ كَمَا تَغْلِي الْقُدُورُ، يَعْرَقُونَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ خَطَايَاهُمْ مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى وَسَطِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ») فيقول بَعْضُ الناس لِبَعْضٍ ألا تَرَوْنَ ما أَنْتُمْ فيه؟ ألا تَرَوْنَ ما قد بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ من يَشْفَعُ لَكُمْ إلي رَبِّكُمْ

فيقول بَعْضُ الناس لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ (وفي حديث أنس:«لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا»، وَيَكُونُ ذَلِكَ حِينَ تُزْلَفُ الجَنَّةُ كَمَا في حَدِيثِ حُذَيفَةَ عِندَ مُسْلِمٍ:«فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ»، وفي حَدِيثِ أَنَسٍ عِندَ أَحْمَدَ: «يُطَوَّلُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ، فَيَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا») فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يا آدَمُ أنت أبو الْبَشَرِ خَلَقَكَ الله بيده وَنَفَخَ فِيكَ من رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لك اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه؟ ألا تَرَى إلى ما قد بَلَغَنَا؟ (وفي حَدِيثِ أَنَسٍ عِندَ الشَيخَينِ:«فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ» فَأَخَبَرَهُم أَنَّ هَذَا المَقَامَ العَظِيمَ لَيسَ لَهُ بَلْ لِغَيرِهِ، وَلِذَا قَالَ:« لَسْتُ لَهَا»، وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ عند مسلم: «لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلكَ» ويبين عليه السلام عُذْرَهُ في ذَلِكَ) فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ،

فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ الله وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى،

فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ الله فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ،

فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ الله، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ (وفي حديث أنس عند أحمد:«إِنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ الصِّرَاطِ، إِذْ جَاءَنِي عِيسَى فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ يَسْأَلُونَ -أَوْ قَالَ: يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ- وَيَدْعُونَ اللهَ، أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمْعِ الْأُمَمِ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللهُ، لِغَمِّ مَا هُمْ فِيهِ؛ فَالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ فِي الْعَرَقِ. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزَّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَتَغَشَّاهُ الْمَوْتُ») فَأَنْطَلِقُ، فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ، (وفي حديث أنس عند الترمذي:«فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا، فَيُقَالُ: من هذا؟ فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لي وَيُرَحِّبُونَ فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا فَأَخِرُّ سَاجِدًا فَيُلْهِمُنِي الله من الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ فَيُقَالُ لي: ارْفَعْ رَأْسَكَ سل تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ، وهو الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الذي قَالَ اللهُ [عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا] {الإسراء:79}» وفي روايةِ مُسْلِمٍ عَن أَنَسٍ:«آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ»، وفي حديث أنس عند البخاري:«فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ: سَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا مِثْلَهُ فِي الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، حَتَّى مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ» وَكَانَ قَتَادَةُ، يَقُولُ عِنْدَ هَذَا:«أَيْ: وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ» وفي آخر الحديث قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى» رَوَاه الْبُخَارِي وَمُسْلِم.

نَسْأَل اللهَ تَعَالَى أَن يُخَفِّف عَنَّا وَعَنِ المُسْلِمِيْن شِدَّةَ ذَلِك الْيَوْمِ، وَيُظِلَّنَا فِيْه بِظِلِّهِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَن يُيَسِّرَ حِسَابَنَا، وَيُيَمِّنَ كِتَابَنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا شَفَاعَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم، وَأَن يَسْقِيَنَا مِنْ حَوْضِهِ، وَأَنْ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ فِي زُمْرَتِه. آَمِيْنَ، آَمِيْنَ، آَمِيْنَ..
وَأَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ…

الخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيْرَاً مُبَارَكًا فِيْه كَمَا يُحِب رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَه، وَأشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْه [وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ] {الْبَقَرَة:48}.

أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: فِي حَدِيْثِ الْشَّفَاعَةِ الْعَظِيْمِ دُرُوْسٌ كَثِيْرَةٌ، وَعَظَاتٌ عَدِيْدَةٌ لِمَن تَأَمَّلَهَا وَانْتَفَعَ بِهَا..
فَفِيْه عَظَمَةُ الْجَبَّارِ جَلَّ وَعَلَا وَقُدْرَتُهُ عَلَى خَلْقِهِ حِيْنَ يَجْمَعُهُم كُلَّهُم فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، أَوَّلَهُم وَآَخِرَهُم، إِنْسَهُم وَجِنَّهُم.. وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِك إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، وَلَو أَنَّ الْبَشَرَ بِكُلِّ إِمْكَانِيَّاتِهِم حَاوَلُوا جَمْعَ سُكَّانِ دُوْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَخَلَّفُ مِنْهُم أَحَدٌ أَبَدًا لَعَجِزُوا عَن ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِسُكَّانِ قَارَّةٍ كَامِلَةٍ؟ ثُمَّ كَيْفَ بِسُكَّانِ الْأَرْضِ جَمِيْعًا، ثُمَّ كَيْف بِالْبِشْرِ مِن آَدَمَ عَلَيْه الْسَّلَامُ إِلَى آَخِرِ رَجُلٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ؟

إِن قُدْرَةَ الله تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ لْعَظِيْمَةٌ، فَأَيْنَ مَنْ يَقْدُرُ اللهَ تَعَالَى حَقَّ قَدْرِهِ، [مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا] {نُوْح:13}.
وَأَظْهَرَ هَذَا الْحَدِيْثُ مَنْزِلَةَ الْنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الله تَعَالَى، وَأَنَّه أَفْضَلُ الْخَلْقِ؛ إِذْ قَبِلَ اللهُ تَعَالَى شَفَاعَتَهُ فِي أَشَدِّ مَوْقِفٍ احْتَاجَ الْنَّاسُ لَهُ فِيْهِ، وَلَم يَتَوَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْعِ الْنَّاسِ بِالْشَّفَاعَةِ لَهُم؛ فَلَه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَضْلٌ وَمِنَّةٌ عَلَى الْبَشَرِ أَجْمَعِيْنَ بِشَفَاعَتِهِ لَهُم فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَلَه مِنَةٌ عَظِيْمَةٌ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ مِنْ أُمَّتِهِ بِشَفَاعَتِهِ لَهُم فِي دُخُوْلِ الْجَنَّةِ، وَظَهَرَ حِرْصُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم عَلَيْهِم حِيْنَ قَال فِي شَفَاعَتِهِ: أُمَّتِي أُمَّتِي.

وَفِي هَذَا الْحَدِيْثِ شِدَّةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْنَّاسِ، وَطُوْلُ وُقُوْفِهِم فِيْه حَتَّى يَمَلُّوْا وَيَطْلُبُوْا الْشَّفَاعَةَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيْثِ أَنَّ الْكُفَّارَ كَذَلِكَ يَطْلُبُوْنَ الْفَصْلَ فِي الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ مَصِيْرَهُم إِلَى الْنَّارِ، وَعَذَابُهَا أَشَدُّ مِمَّا يَجِدُوْنَهُ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّ مَا هُم فِيْه مِنَ الْكَرْبِ يُنْسِيْهِم مَا بَعْدَهُ وَلَو كَانَ أَشَدَّ مِنْه، وَهَذَا مِن الخُذْلَانِ الْعَظِيْمِ أَنْ يَطْلُبُوْا سُرْعَةَ عَذَابِهِم، وَكَمَا خُذِلُوا فِي الْدُّنْيَا فَاخْتَارُوْا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيْمَانِ خُذِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِطَلَبِ الْخُلُوصِ مِن شِدَّتِه بِعَذَابِ الْنَّارِ، نَعُوْذُ بِالله تَعَالَى مِن الْخُذْلَانِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الْنَّجَاةَ مِنَ الْنَّارِ..

وَإِذَا رَأَى المُؤْمِنُ شِدَّةَ زِحَامِ الْنَّاسِ فِي مَوْضِعٍ مِن مَوَاضِعِ الْزِّحَامِ فَلْيَتَذَكَّرْ زِحَامَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلْيُعِدَّ لَهُ مَا يُنْجِيْه مِنْهُ بِالْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ. وَإِذَا أَحَسَّ حَرَارَةَ الْجَوِّ، وَشِدَّةَ لَهَبِ الْشَّمْسِ فَلْيَتَذَكَّرْ حَرَّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حِيْنَ تَدْنُو الْشَّمْسُ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَغْلِي بِهَا رُؤُوْسُهُم كَمَا تَغْلِي الْقُدُوْرُ، وَلْيَأْخُذْ بِأَسْبَابِ الْنَّجَاةِ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ الَّتِي تَكُوْنُ سَبَبًا لِلِاسْتِظِلَالِ بِظِلِّ الْرَّحْمَنِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّه، وَقَدْ قَالَ أَبُو ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه فِي مَوْعِظَةٍ لَه:«صُمْ يَوْمًا شَدِيْدًا حَرُّهُ لِلْنُّشُورِ وُصِلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي سَوَادِ الْلَّيْلِ لَظُّلْمَةِ الْقُبُوْرِ».

وَفِي هَذَا الْحَدِيْثِ بَيَانُ سَعَةِ الْجَنَّةِ، وَسَعَتُهَا دَلِيْلٌ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ إِذْ كَانَ عَرْضُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَر، وَهِيَ الْإِحْسَاءُ، أَو مَكَّةَ وَبُصْرَى وَهِي فِي الْشَّامِ، وَثَمَنُ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَحْمَةِ الله تَعَالَى الْإِيْمَانُ وَالْعَمَلُ الْصَّالِحُ، فَشَمِّرُوا عَن سَوَاعِدِ الْجِدِّ فِي بِنَائِهَا وَاتِّخَاذِ أَحْسَنِ الْأَمَاكِنِ فِيْهَا، وَنَيْلِ أَعْلَى دَرَجَاتِهَا؛ فَإِنَّهَا المُسْتَقْبَلُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَا مُسْتَقْبَلَ بَعْدَهُ، وَلَا فَوْقَهُ، وَلَا فَوْزَ أَحْسَنُ مِنْهُ [وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا
ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ] {آل عمران:185}
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا…

وعن بريدة رضي الله عنه قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان .*
جزاك الله وشكرا على الموضوع
جزاك الله خير
في ميزان حسناتك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لمروركم على موضوعي وهذا شرف لي ووسام على صدري

وفقكم الله لكل مايحب ويرضى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.