السلام عليكم ورحمة الله
بين أيديكم أخوتي والاخواتي العزاء تفيسر الاية الكريمة من تفسير الشيخ العلامة الفقيه / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185) التفسير: { 185 } قوله تعالى: { شهر رمضان }؛ الشهر هو مدة ما بين الهلالين؛ وسمي بذلك لاشتهاره؛ ولهذا اختلف العلماء هل الهلال ما هلّ في الأفق – وإن لم يُرَ؛ أم الهلال ما رئي واشتهر؛ والصواب الثاني، وأن مجرد طلوعه في الأفق لا يترتب عليه حكم شرعي – حتى يرى، ويتبين، ويُشهد إلا أن يكون هناك مانع من غيم، أو نحوه؛ و{ شهر } مضاف؛ و{ رمضان } مضاف إليه ممنوع من الصرف بسبب العلمية وزيادة الألف، والنون؛ مأخوذ من الرَّمْض؛ واختلف لماذا سمي برمضان؛ فقيل: لأنه يرمض الذنوب – أي يحرقها؛ وقيل: لأنه أول ما سميت الشهور بأسمائها صادف أنه في وقت الحر والرمضاء؛ فسمي شهر رمضان؛ وهذا أقرب؛ لأن هذه التسمية كانت قبل الإسلام.
وقوله تعالى: { شهر رمضان } خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هي – أي الأيام المعدودات – شهر رمضان. قوله تعالى: { الذي أنزل فيه القرآن }؛ { الذي } صفة لـ{ شهر }؛ فمحلها الرفع؛ و{ أُنزل فيه القرآن } أي أنزله الله سبحانه وتعالى فيه؛ ومعروف أن النزول يكون من فوق؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل؛ والله سبحانه وتعالى فوق السموات على العرش؛ و{ القرآن } مصدر مثل الغفران، والشكران؛ كلها مصادر؛ ولكن هل هو بمعنى اسم الفاعل؛ أو بمعنى اسم المفعول؟ قيل: إنه بمعنى اسم المفعول – أي المقروء؛ وقيل: بمعنى اسم الفاعل – أي القارئ؛ فالمعنى على الأول واضح؛ والمعنى على الثاني: أنه جامع لمعاني الكتب السابقة؛ أو جامع لخيري الدنيا، والآخرة؛ ولا يمتنع أن نقول: إنه بمعنى اسم الفاعل، واسم المفعول؛ وهل المراد بـ{ القرآن الجنس، فيشمل بعضه؛ أو المراد به العموم، فيشمل كله؟ قال بعض أهل العلم: إن «أل» للعموم فيشمل كل القرآن؛ وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين المتأخرين؛ وعلى هذا القول يشكل الواقع؛ لأن الواقع أن القرآن نزل في رمضان، وفي شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة… في جميع الشهور؛ ولكن أجابوا عن ذلك بأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في رمضان، وصار جبريل يأخذه من هذا البيت، فينزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم(138)؛ لكن هذا الأثر ضعيف؛ ولهذا الصحيح أن «أل» هنا للجنس؛ وليست للعموم؛ وأن معنى: { أنزل فيه القرآن } أي ابتدئ فيه إنزاله، كقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان: 3] ، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] أي ابتدأنا إنزاله. قوله تعالى: { هدًى للناس }؛ { هدًى }: مفعول من أجله؛ أو حال من { القرآن }؛ فإذا كانت مفعولاً من أجله فالمعنى: أنزل لهداية الناس؛ وإذا كانت حالاً فالمعنى: أنزل هادياً للناس ــــ وهذا أقرب؛ و{ هدًى } من الهداية؛ وهي الدلالة؛ فالقرآن دلالة للناس يستدلون به على ما ينفعهم في دينهم، ودنياهم؛ و{ للناس } أصلها الأناس؛ ومنه قول الشاعر: [وكل أناس سوف تدخل بينهم – دويهية تصفر منها الأنامل] لكن لكثرة استعمالها حذفت الهمزة تخفيفاً، كما حذفت من «خير» و«شر» اسمي تفضيل؛ والمراد بهم البشر؛ لأن بعضهم يأنس ببعض، ويستعين به؛ فقوله تعالى: { هدًى للناس } أي كل الناس يهتدون به ــــ المؤمن، والكافر ــــ الهداية العلمية؛ أما الهداية العملية فإنه هدًى للمتقين، كما في أول السورة؛ فهو للمتقين هداية علمية، وعملية؛ وللناس عموماً فهو هداية علمية. قوله تعالى: { وبينات } صفة لموصوف محذوف؛ والتقدير: وآيات بينات، كما قال تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49] ؛ والمعنى: أن القرآن اشتمل على الآيات البينات – أي الواضحات؛ فهو جامع بين الهداية، والبراهين الدالة على صدق ما جاء فيه من الأخبار، وعلى عدل ما جاء فيه من الأحكام. قوله تعالى: { من الهدى } صفة لـ{ بينات } يعني أنها بينات من الدلالة والإرشاد. قوله تعالى: { والفرقان }: مصدر، أو اسم مصدر؛ والمراد أنه يفرق بين الحق، والباطل؛ وبين الخير، والشر؛ وبين النافع، والضار؛ وبين حزب الله، وحرب الله؛ فرقان في كل شيء؛ ولهذا من وفق لهداية القرآن يجد الفرق العظيم في الأمور المشتبهة؛ وأما من في قلبه زيغ فتشتبه عليه الأمور؛ فلا يفرق بين الأشياء المفترقة الواضحة. قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر }؛ { شهد } بمعنى شاهد؛ وقيل: بمعنى حضر؛ فعلى القول الأول يرد إشكال في قوله تعالى: { الشهر }؛ لأن الشهر مدة ما بين الهلالين؛ والمدة لا تشاهد؛ والجواب أن في الآية محذوفاً؛ والتقدير: فمن شهد منكم هلال الشهر فليصمه؛ والقول الثاني أصح: أن المراد بـ{ شهد } حضر؛ ويرجح هذا قوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر }؛ لأن قوله تعالى: { على سفر } يقابل الحضر. قوله تعالى: { فليصمه } أي فليصم نهاره. قوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر }؛ هذه الجملة سبقت؛ لكن لما ذكر سبحانه وتعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }، وكانت هذه الآية ناسخة لما قبلها قد يظن الظان أنه نسخ حتى فطر المريض والمسافر؛ فأعادها سبحانه وتعالى تأكيداً لبيان الرخصة، وأن الرخصة ــــ حتى بعد أن تعين الصيام ــــ باقية؛ وهذا من بلاغة القرآن؛ وعليه فليست هذه الجملة من الآية تكراراً محضاً؛ بل تكرار لفائدة؛ لأنه تعالى لو قال: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ولم يقل: { ومن كان…. } إلخ، لكان ناسخاً عاماً. وقوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } تقدم الكلام عليها إعراباً، ومعنًى. قوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } تعليل لقوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر} إلخ؛ و{ يريد } أي يحب؛ فالإرادة شرعية؛ والمعنى: يحب لكم اليسر؛ وليست الإرادة الكونية؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد بنا اليسر كوناً ما تعسرت الأمور على أحد أبداً؛ فتعين أن يكون المراد بالإرادة هنا الشرعية؛ ولهذا لا تجد – والحمد لله – في هذه الشريعة عسراً أبداً. قوله تعالى: { ولتكملوا العدة }؛ الواو عاطفة؛ واللام لام التعليل؛ لأنها مكسورة؛ ويكون العطف على قوله تعالى: { اليسر }؛ يعني يريد الله سبحانه وتعالى بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر؛ ويريد لتكملوا العدة؛ و«أراد» إذا تعدت باللام فإن اللام تكون زائدة من حيث المعنى؛ لكن لها فائدة؛ وذلك؛ لأن الفعل «أراد» يتعدى بنفسه، كقوله تعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم} [النساء: 27] ؛ وهنا: { لتكملوا العدة } يعني: وأن تكملوا العدة؛ أي: ويريد الله منا شرعاً أن نكمل العدة. وقوله تعالى: { لتكملوا } فيها قراءتان؛ بتخفيف الميم؛ وتشديدها؛ وهما بمعنى واحد. قوله تعالى: { ولتكبروا الله }؛ الواو للعطف؛ و{ لتكبروا } معطوفة على { لتكملوا } بإعادة حرف الجر؛ أي: ولتقولوا: الله أكبر؛ والتكبير يتضمن: الكِبَرَ بالعظمة،والكبرياءِ، والأمورِ المعنوية؛ والكِبَر في الأمور الذاتية؛ فإن السموات السبع، والأرض في كف الرحمن كحبة خردل في كف أحدنا؛ والله أكبر من كل شيء. قوله تعالى: { على ما هداكم }؛ { على }: قيل: إنها للتعليل؛ وليست للاستعلاء؛ أي تكبروه لهدايتكم؛ وعبر بـ{ على } دون اللام إشارة – والله أعلم – إلى أن التكبير يكون في آخر الشهر؛ لأن أعلى كل شيء آخره؛ و{ ما هنا مصدرية تسبك هي، وما بعدها بمصدر؛ فيكون التقدير: على هدايتكم؛ وهذه الهداية تشمل: هداية العلم؛ وهداية العمل؛ وهي التي يعبر عنها أحياناً بهداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فالإنسان إذا صام رمضان وأكمله، فقد منّ الله عليه بهدايتين: هداية العلم، وهداية العمل. قوله تعالى: { ولعلكم تشكرون } أي تقومون بشكر الله عز وجل؛ و «لعل» هنا للتعليل؛ و{ تشكرون } على أمور أربعة؛ إرادة الله بنا اليسر؛ عدم إرادته العسر؛ إكمال العدة؛ التكبير على ما هدانا؛ هذه الأمور كلها نِعَم تحتاج منا أن نشكر الله عز وجل عليها؛ ولهذا قال تعالى: { ولعلكم تشكرون }؛ و «الشكر» هو القيام بطاعة المنعم بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
|
||
جزاك الله كل خير
وجعله ان شاء الله في موازين حسناتك
يعطيك العافيه
في حفظ الله ورعايته
وجعله ان شاء الله في موازين حسناتك
يعطيك العافيه
في حفظ الله ورعايته
شكرا على الموضوع
الرائع محتوى وعرضا
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى من الجنة
بانتظار المزيد من المواضيع منك
تقبل مروري
يعطيك العافية
وجزاااك ربي كـل خيـر
وجزاااك ربي كـل خيـر
في حفظ المولى..
جزاك الله خير
تقبل ودي قبل ردي