ملفها كان متخماً في مديرية أمن الجيزة، ضحاياها تجاوزوا ٤٠ رجلاً وامرأة، وللأسف فكلهم من الكبار. هم كبار في كل شيء، بعضهم من رجال الأعمال، خدعهم مظهر رشا، وصدقوا معسول حديثها، وجذبهم جمالها ولباقتها. اقتنصت ابنة الثالثة والعشرين من هؤلاء ١٠٠ ألف جنيه، وكان هذا المبلغ كفيلاً بتحقيق الكثير من أحلامها. فهي كانت تبحث منذ سنوات عن وسيلة سريعة تدفعها نحو العالم الذي تحبه.
عندما كانت في الجامعة كانت تقف بعيداً تراقب عالم أبناء الذوات، تصرفاتهم، ملابسهم، أسلوبهم في الحديث. لم يكن مسموحاً لها الاقتراب من هذا العالم، فهي فقيرة، لا يمكن أن تكون مثلهم. تجرأت في إحدى المرات وحاولت، تحايلت حتى تتمكن من مصادقة إحداهن لكنها وجدت نفسها منبوذة بين بنات هذا العالم، وتعرّضت لسخرية مريرة عمّقت جروحها! كانت رشا تعود إلى منزلها باكية، تندب حظها، وتحلم بالهروب من الفقر.
كانت شبكة الإنترنت الصديق الوحيد لرشا الذي تجد فيه غايتها، وتنفث أمامه أوجاعها. كانت تأمل دائماً أن تجد عبر مواقع الشبكة السبيل الذي يعبر بها جسر الفقر، وينقلها إلى العالم الذي تحلم به.
ورغم تفوقها في دراستها كانت تُدرك جيداً أن شهادتها الجامعية لن تنفعها، كانت تعرف أيضاًأنه لن يقترب من منزل أسرتها العريس الذي يخطفها على حصان أبيض لتعيش معه في قصر، وتحقق معه أحلامها، فعصر المعجزات ولّى. أخيراً وقعت عيناها على موقع من مواقع الجريمة، وكم هي كثيرة في شبكة الإنترنت، وكانت رشا ضيفاً على أحد هذه المواقع. سارعت الحسناء الشابة الى تسجيل نفسها في الموقع، وبدأت تمضي ساعات وهي تلتهم كل المعلومات التي تهمها في صفحات موقع الجريمة. كانت شديدة السعادة وهي تجد غايتها، بدأت تتدرب، وتراسل المشرفين على الموقع وتطلب منهم المزيد من المعلومات التي ساعدتها في تكوين المزيد من الأفكار حول خطتها المستقبلية. وجذبها فصل دراسي عن تعلم النصب وطرق خداع الآخرين. وبدأت تتدرب جديا على اكتساب المهارات التي يبثها الموقع.
كشفت اعترافات رشا بعد القبض عليها الأسرار التي تعلمتها في هذا الموقع. وأولها حسن اختيار الضحية. وحددت رشا ضحاياها من أساتذة الجامعة وبعض كبار موظفي الشركات، وتعلمت من الموقع كيف تستغل جمالها ولباقتها في إقناع الضحايا، وكيف تعمي أعينهم عن أي شكوك فيها. الموقع أهداها أيضاً الفكرة التي نفذتها بعض النساء في أميركا، وهي بيع ساعات صينية مقلدة بدقة على أنها ماركات عالمية. وساعد الموقع رشا أيضاً في الحصول على شهادات ضمان مزورة لهذه الساعات!
كانت سعادتها بلا حدود، وأدركت أنها على أعتاب النجاح الذي تَنشده. اتجهت إلى إحدى الشركات الكبرى وبدأت تعرض بضاعتها أمام المديرين الذين نجحت في إقناعهم بجودة منتجها، ورخص ثمنه… خدعتهم زاعمة أن هذه الساعات هي مصادرات جمارك!
باعت بضاعتها وحصدت الأموال، وحينما عادت إلى منزلها احتضنت جهاز الكمبيوتر وهي في قمة سعادتها، وراحت تتحسس الأموال التي حصلت عليها في ساعات قليلة. كان ثمن كل الساعات التي تبيعها لا يتجاوز ٢٠٠ جنيه وكانت تبيع الواحدة بـ٥٠٠ جنيه، وتهافت كثيرون على شراء الساعات لأن أسعار هذه الماركات تتجاوز الخمسمائة جنيه بكثير.
بعد أسابيع نجحت رشا في الحصول على مبلغ كبير، واشترت ملابس غالية وسيارة. تبدلت أحوالها، وصارت قادرة على أن تصبح مثل بنات الذوات وتعيش في المستوى نفسه الذي طالما كانت تحلم به.
بدأت تبحث عن وسيلة جديدة للنصب، وأهداها الموقع السحري فكرة جديدة وهي المجوهرات المقلدة، فأرشدها إلى مكان في القاهرة تُحضر منه الذهب الصيني لتبيعه على أنه ذهب أصلي، ولم يكن هناك فارق ملحوظ بين النوعين. لم تكن رشا محل شك من أحد، فهي لبقة، أنيقة، تستقل سيارة فارهة. كانت تتردد على الشركات وتختار بدقة ضحاياها، مؤكدة لهم أنها تبيع ذهباً مستعملاً، وبسعر رخيص. والواقع أن دقة الذهب الصيني كانت تخدع بعض المحترفين في هذا العالم.
الضحايا اكتشفوا الخدعة ولكن بعد فوات الأوان، وفي مكتب مدير مباحث الجيزة توالت البلاغات، كلها تتهم شابة حسناء أنيقة بالنصب. تأكد مدير المباحث أنها سترتكب حتما جريمة جديدة، فاستعان برسام ليرسم صورة تقريبية لملامحها، وعرض الرسم على كل الضحايا وأضاف الرسام بعض الرتوش لتقترب الصورة تماماَ من ملامحها الحقيقية. نُصبت المكامن أمام الشركات الكبرى والأبراج الإدارية التي تقع فيها بعض الشركات. ولم تمض أيام حتى توقفت سيارة فارهة، وسرعان ما اشتبه شرطي في السيدة الأنيقة التي ترجلت منها حاملة حقيبة واتجهت إلى داخل الشركة. اتجه إليها مسرعاً فحاولت السيدة الهرب، لكنه أمسك بها واتجه معها إلى قسم الشرطة، ومنذ الوهلة الأولى أدرك مدير المباحث أنها هي المقصودة بكل البلاغات.
تمت مواجهة رشا بالضحايا فأكدوا جميعاً أنها هي نفسها النصابة الحسناء التي خدعتهم جميعاً، فطلب منها مدير المباحث أن تعترف بجرائمها لأن الإنكار لن يفيدها. وبدأت رشا تتحدث وقالت: الإنترنت شريكي في هذه الجريمة، بل ان الشبكة هي المحرض الأول والأخير. ففي أحد المواقع تعلمت النصب، وشرح لي المشرف على الموقع سبل خداع الآخرين. واستفدت كثيراً من نصائح هذا الموقع، ونجحت في تنفيذ جرائمي بفضل الإرشادات التي تلقيتها… كنت أعاني من عقدة الفقر، وقررت التمرد على ظروفي التي قادتني إلى هذا المصير المظلم. لم يكن أحد في أسرتي يهتم بي، والدي مشغول بالسعي وراء لقمة العيش وأمي مشغولة برعاية أشقائي الصغار، ولهذا قررت أن أخدم نفسي بنفسي»…
وقررت النيابة حبس الحسناء بتهمة النصب والاحتيال في انتظار المحاكمة.
وأذكر هنا قول لإبن خلدون لكني لا أحفضه جيدا لكن فيما معناه
ويل للعالم إذا تميز المثقفون و إنحرف المتعلمون
فحين الذكاء يستغل في الشر سيبدع و يهلك العالم
لا حول ولا قوة إلا بالله
اللهم أهدي شبابنا و بناتنا
أخوك ساري