تحيّـاتٌ ، أيتها الغاباتُ المكسوّةُ بالأخضر المستديم !
الأوراقِ المُصفَـرّةِ على العشب المتنـاثر !
تحيّـاتٌ ، أيتها الأيام الأخيرة الرائعة ! حِدادُ الطبيعة
يُـثيـرُ ألمي ويُمَتِّـعُ عينـيَّ .
أسير بخطواتٍ حالمة في طريق مهجـور ،
وأريد أن أرى ثانية ، ولآخـرِ مرةٍ ،
هذه الشمسَ المتضائـلةَ والشّاحـبةَ والتي لا ينفـذ
نورُها الواهنُ إلى ظلام الغابات عند قدمي إلاّ بجهد!
.
أجلْ، في أيام الخريف هذه ، عندما تموت الطّبيعة ،
أجد إغراءً عظيماً في نظراتها المتستِّرة ،
وَداعَ صديق ، والبسمةَ الأخيرة
من الشِّفاه التي سيغلقها الموتُ إلى الأبد .
.
هكذا أتهـيّأ لأغادر أمدَ عمري ،
أندب الأملَ المُحتضَر لأيامي الطَّوال ،
وأنظر إلى الوراء مرة أخرى ، وبأعين حاسدة
أفكر مَـليّـاً بعطاياها التي لم أنعُـمْ بها قطّ.
.
يا أرضُ ، يا شمسُ ، يا وديانُ ، ويا طبيعةً رائعةً جميلة ،
أنا مدين لكم بدموع على حافّـة قـبري ؛
يُشَمُّ الهواء عذباً ! الضياءُ جِـدُّ نقـيٍّ !
والشمسُ جميلة للمُحتضَـر !
.
الآن أريد أن أشربَ حتى آخـرَ قطرةٍ
من كأس الزَّهرة التي تمزج الرّحيق بالصّفراء!
عند قعر كأس الحياة التي شربتُ
ربما تكون ثمة قطرة من عسل رائق.
.
ربما يدّخر لي المستقبل في مستودعه
قبضةً من سعادة ، أملاً بائساً ؟
ربما تكون بين الحشد روح أُهملتْ
تتفهّم روحي فتتجاوب معـها ؟
.
تسقط الزَّهـرةُ فتمنحُ الريحَ عِطرَها ،
إلى الحياة ، إلى الشّمس ناطقةً وداعَـها الأخيـر؛
سأموت ؛ وروحي في لحظة انتهـائهـا
ستعطي صوتَ حِدادٍ هادئاً وقَـرعَ ناقوسِ موتٍ شجيّاً .
*
ترجمة : د. بهجت عباس
**
ترجمة أخرى:
**
سلاماً…
لغابةٍ يُكلِّلُها وميضُ الاخضرار
لشحوبِ الأوراقِ على عشبٍ تبعثَر..
سلاماً…
لأيامٍ جميلةٍ آخر الحياة،
للطبيعة التي أحبها
حتى في الحَدادِ..
خطوةٌ حلمٍ…
أُصبحُ بعدها معبراً وحيداً..
وللمرةُ الأخيرةُ!..
أحبُّ رؤية الشمس الشاحبة
ضياءها الناحل
وهو يكشفُ عتمة الغابة بصعوبة..
ثمة أكثر من فتنة…
في احتضار الطبيعة أيام الخريف؛
ربما وداع صديق
أو ابتسامة أخيرة من شفاهٍ
لابدَّ يُغلِقُها الموتُ للأبد…
كذلك.. أهيِّئُني لمغادرة عشب الحياة
طويلاً أبكي الأملَ ـ الوهم…
وكثيراً ..
أرغبُ تأمُّلَ الأشياءِ الجميلة التي
فاتني أن أستمتع بها؛
أرضٌ.. شمسٌ.. وأودية
إنها الجميلة الناعمة…
ودمعةٌ على ضفة موتي!..
فالأكثر من عطرٍ هو الهواءُ
الأكثر من نقاء هو الضياءُ
والأكثر من جمال هي الشمس
لكنه الوداع الأخير…
سأحتملُ حتى النهاية…
سأجرعُ حتى الثمالة
هذي الكأسُ الممزوجة بالرحيق والألم
ربَّ قطرة من العسل
في قعرِ تلك الحياة…
قد يُبقيني الغد فأعود للسعادة
حيث الأمل الذي ضيَّعَتْه الأيام
حيث روح أجهلها وسط الزحام…
والزهرةُ.. حين تودع الحياة والشمس
يمتزجُ عطرها بالنسيم العليل…
أما أنا..
ففي لحظة الاحتضار
روحي كما النغمُ الحزينُ الرخيم…
*
[COLOR="DarkOrange"]
القصيدة (23) / مجموعة (تأملات شعرية) لامارتين 1819
Les grands auteurs du XIX e siecle
**
Lamartine
Autumn
*
Greetings, forests crowned with remaining green!
Yellowing foliage on the sparse grass!
Greetings, last gorgeous days! nature’s mourning
Evokes my pain and gratifies my eyes!
I walk the lonely path in dreamy steps,
And want to see again, for the last time,
This waning sun and pale whose feeble light
Barely pierces the woods’ dark at my feet!
Yes, in these autumn days when nature dies,
In her veiled looks I find a great allure,
A friend’s farewell, and the very last smile
From the lips that death will forever close!
Thus ready to leave the span of my life,
I mourn of my long days the dying hope,
And look back once more and with envious eyes
I mull over its blessings ne’er enjoyed!
Earth, sun, valleys, and fair and sweet nature,
I owe you tears at the edge of my tomb;
The air smells so sweet! The light is so pure!
To the dying the sun is beautiful!
Now I want to drink until the last drop
This chalice that mixes nectar and bile!
At the bottom of life’s cup that I drank,
Perhaps there was a drop of honey mild?
The future may well hold for me in store
A return of happiness, forlorn hope?
Perhaps among the crowd one soul ignored
Would understand my soul and would respond?
The flower falls and yields its perfume to the wind,
To life, and to the sun, saying its last farewell;
I’ll die; and my soul at the moment it expires
Will sound a quite mournful and melodious death knell[/COLOR[/SIZE]].