سيلفيا بلاث (1932 – 1963)
سيلفيا بلاث Sylvia Plath شاعرة وروائية أمريكية، ولدت في بوسطن، وتوفيت في لندن، وهي ابنة لمهاجر ألماني عمل أستاذاً في علم الحشرات توفي وهي لا تزال في الثامنة من عمرها، فتركت وفاته أثراً عميقاً في نفسها. تلقت بلاث تعليمها في كلية سميث Smith College، التي عملت أستاذة فيها لاحقاً، وفي جامعة كامبريدج البريطانية. تزوجت من الشاعر والمسرحي الإنكليزي تيد هيوز Ted Hughes عام 1956. نشرت روايتها الأولى «الناقوس الزجاجي» The Bell Jar قبل شهر واحد من إقدامها على الانتحار بعد إصابتها باكتئاب شديد جراء خيانة زوجها لها.
صدرت أول مجموعة شعرية لبلاث بعد وفاتها بعنوان «العملاق» The Colossus عام1960، بالإضافة إلى أجمل مجموعاتها الشعرية «آرييل» Ariel التي عالجت فيها بجرأة الحالات النفسية التي تجتاح عقل الإنسان وتتملكه. وقد كتبت أكثر قصائدها وهي في خضم معاناتها الفقدان والمرض، ومن أشهر أعمالها قصيدة «أبي» Daddy التي يظهر فيها تأثرها بفقدان أبيها، وتجمع فيها صورة الأب والزوج في شخص واحد كأنه إله قاسٍ من زمن الملاحم مخيف بسطوته، فكانت تفرغ مشاعر الغضب والألم لفقدان والدها وخيانة زوجها في صور مؤثرة مروعة. وفي هذه القصيدة، كما في شعرها عامة، يعبر ألمها الشخصي عن آلام الإنسانية جمعاء. فتربط في قصيدتها «حمّى 103» Fever 103 حالتها المرضية بمدينة هيروشيما. وتقول عن هذه المعاناة «أنا خائفة من هذا الشيء الداكن النائم في داخلي. أنا أحس بريشه وهو يتقلب».
عاشت بلاث المأساة قبل أن تكتبها متأثرة بالشاعر ييتس الذي كان يرى أن الإنسان لايعيش الحياة إلا إذا خبر مآسيها، واستخدمت في كتاباتها أكثر الصور سوداوية كالتعذيب والاختناق والتلاشي والدمار. ولعل صورة الناقوس الزجاجي أكثر هذه الصور تكراراً في شعرها، وما سحرها في الناقوس الزجاجي هو تعرجاته وتشوهاته، وكذلك فكرة السجن والشفافية. وصورت بلاث بطلة روايتها «الناقوس الزجاجي» مسجونة تحت هذا الناقوس الذي يكشف ضعفها ويخنقها.
كتبت بلاث قصائد تعكس خبرتها الشخصية مثل «السيدة لازاروس» Lady Lazarus التي استلهمتها من محاولاتها المتكررة للانتحار، و«زنابق التوليب» Tulips التي صورت فيها أيامها في المستشفى بعد خضوعها لعملية جراحية، كما كتبت عن هوايتها في تربية النحل التي ورثتها عن والدها في «لقاء النحل» The Bee Meeting و«وصول علبة النحل» The Arrival of the Bee Box. وكتبت أيضاً تصف الطبيعة المحيطة بمنزلها الريفي في ديفون Devon في «رسالة في تشرين الثاني» Letter in November، وهناك قصائد أخرى كتبتها لطفليها بأسلوب مؤثر وبعاطفة جياشة مثل قصيدة «أغنية الصباح» Morning Song. وقد نُشر الكثير من قصائدها بعد موتها في مجموعات مثل «عبور المحيط» Crossing the Water وآخر مجموعاتها «أشجار الشتاء» (1971) Winter Trees.
كتبت بلاث مجموعة قصص قصيرة ومقطوعات نثرية تحت عنوان «جوني بانيك وكتاب الأحلام المقدس» (1977) Johnny Panic and the Bible of Dreams، ومجموعة رسائل كتبتها لوالدتها بعنوان «رسائل للأهل» (1975) Letters Home.
وقد جمع زوجها هيوز أهم قصائدها وقدم لها في «مجموعة قصائد» Collected Poems نُشرت في عام 1981 ونالت عليها جائزة بوليتزر Pulitzer. كما اشتهر «كتاب السرير» وهو قصص مرحة للأطفال اختلف فيه أسلوبها عن قصائدها السوداوية.
تميز شعر بلاث بالتطرف والحساسية والجرأة، وهو يعبر عن الألم البشري ممزوجاً بنوع من الجنون، إذ تسحتضر في قصائدها جل مشاعر الغضب والألم وتثور وتطلق لخيالها العنان، فتحضر «شياطينها الداخلية» كما تسميها. وتسبر أغوار النفس البشرية بصور مرئية حسية، وتصدم القارئ وتهز مشاعره. ويعد أنصار الحركة النسوية بلاث نموذجاً للمرأة المعذبة الغاضبة في عالم يسيطر عليه الذكور، كما أنها شاعرة المرأة الحديثة
______________
الموسوعة العربية
هذا الشّتاء، هذهِ الّليلة، حُبٌّ صغير
شيءٌ كشَعْر حِصانٍ أسْود،
سِقط المتاع، أعجميٌّ فظّ
مصقول بالبريق
أي نَجْمات خضراء تلك التي تَجْعله عند أبوابنا.
أمسكُ بكَ على ذراعي.
لقد تأخّر الوقت.
الأجراسُ البليدة تنفُثُ السّاعة
والمرآةُ تعوم بنا نحو قوة وحيدة لشمعة.
هذا هو الماء
حيث نلتقي أنفُسَنا،
هذا التألّق النوراني الذي يتنفّس
و يذوي بظلالنا
فقط ليلفظها مرّةً أخرى
بعُنفٍ و قسْوة حتى الجدران،
عود ثقاب واحد تشحذه يحولّك حقيقة.
في البدء لن تُشعّ الشّمعة حتى أوجّها
سوف تًـنْشَـقُ برعُمَها
حتى تقريباُ لاشيء مطلقاً،
حتى برعم أزرَقٍ باهت.
أقبُضُ على شهقتي
حتى تصرصر فيك الحياة.
قُنفذٌ مكوّر،[3]
صغيرٌ ومتشابك، السِكّينة الصفراء
تزدادُ طولاً، هيا أقضم فريستك
إن غنائي يجعلك تزأر.
ألجأ إليك مثل زَوْرق
عبر البِساط الهندي، على أرض باردة
بينما ذلك الرجل النحاسي
يركع مُنحنياً إلى الخلف بكل ما يقوى،
رافعاً عموده الأبيض المضيء
ليُبقي السماء في مجدها.[4]
كيسُ السّوادِ ! في كلّ مكان، مربوط ، مربوط،
إنّه لك أنت أيّها التمثال النحاسيّ
كل ما تملكه إرثاً قد تداعَى.
عند كعبي قدميه
ناصور يخرج منه خمس قذائف نحاسية،
بلا زوجة ولا طِفل.
خمس قذائف كروية !
خمسُ قذائف نحاسيّة صفراء فقط.
ولكي تحتال عليهم يا حبيبي،
ستسقط السماء من فوْقك.
_____________
[1] كتبت الشاعرة هذه القصيدة في فترة متوترة مشحونة من حياتها وبعد انفصالها من زوجها وانعزالها مع أطفالها، تصنّف القصيدة كشعر اعترافي (confessional poetry) والتي كتبها العديدين من الرواّد مثل روبرت لويل في بعض نصوصه. بدت الشاعرة هنا في نوبات اكتئابية حادة
[2] الترجمة الحرفية للكلمة هي (السائل) ولكن رأيت استبدالها بالماء لإيصال المعنى والاندماج مع السياق.
[3] تبدأ نبرة خشنة لسيلفيا في هذا المقطع و أسلوب تنفيري فُسّر بأنّّه إحساس الضعة وتعمّد الرثاء القاسي، تخاطب طفلها تارة وزوجها تارة أخرى (بينما ذلك الرجل النحاسي) .
[4] ساخرة؛ بمعنى أن السماء ستسقط بدونه.
*
ترجمة د. شريف بقـنه
أوراقُ الشاي تُهدِّدُ المتوددين للكارثة،
المتقصّينَ مستقبلاً لا يحملُ شيئا:
تقطعُ راحةَ كفِّ الغجريِّ متثائبةً،
لم تبقَ مجازفةٌ لتتنبّأَ بها.
الخطرُ باتَ تافهاً: فرسانٌ سُذَّجٌ
يواجهونَ غيلاناً عفى عليها الزمن
وَتنانين لم يُسمَع بها من قبل،
في حينِ تصمُ أميراتٌ بهيجاتٌ
المبارزةَ الرهيبةَ بالسخفِ المحض.
.
وحشُ الأيكةِ “الجيمسيّة “* لن ينقضَّ أبداً
مُحَرِّضاً مهنةَ البطلِ المملة ؛
وَإذ تنفخُ ملائكةٌ لا مباليةٌ في صُورِ الرب،
وَلمرّةٍ واحدةٍ يتطلَّعُ حشدُ الساحةِ السَئم
متأمِّلاً وقوعَ كارثة، لا التوسل وَلا الرُشى
ستفصحُ عمّا وراء بابِ القدرِ الأعمى
فتاةٍ أم نَمِر** .
____________
.* إشارة لرواية هنري جيمس “الوحشُ في الغابة”.
. **إشارة لقصةِ “الفتاة أم النمر” لـ فرانك ر. ستوكتن، وَفيها يعرضُ الملك المتهمين في ساحةِ المحاكمة على مرأىً من الشعب، وَيتم تخيير المتهم بين بابين، أحدهما يخفي فتاةً وَالأخر نمراً. إنْ فتحَ الأول زُوِّجَ الفتاة، وَإن كان الثاني خياره انقضَّ عليه النمر و
*
ترجمة: فهيمة جعفر
أدركت المرأة كمالها أخيرا.
جسدها الميت
يحمل ابتسامة التحقّق.
وهم قدر إغريقي
ينساب بين طيّات ثوبها.
قدماها العاريتان كأنهما تقولان:
كثيرا مشينا. كفى.
على صدرها طفلان ميتان
مقمّطان
حيّةُ بيضاء ملتفّة عند كل إبريق حليب
أصبح الآن فارغا.
طوتْهما من جديد داخل جسمها
مثلما تضمّ وردة بتلاتها
عندما يغزو الخدر الحديقة
وتنزف العطور من حَلْق زهرة الليل العذبة العميقة.
أدركت المرأة كمالها أخيرا
وليس للقمر أي مبرّر للحزن
فهي معتادة هذه الأمور.
فسحاتها السوداء تطقطق وتسحبها.
*
ترجمة:جمانة حداد
ها قد فعلتُها مجدداً.
كلّ سنة من أصل عشر
أفلح.
لكأنني معجزة نقّـالة،
بشرتي برّاقة
كظلالِ مصباحٍ نازيّ
.
قدمي اليمنى مثـقلةٌ للأوراق،
وجهي كتّانٌ يهوديٌّ ناعم،
بلا قسمات.
.
إنزع القـشرة عنه
يا عدوّي!
أتراني أخيفكَ؟
.
الأنف، محجرا العينين، طقم الأسنان كاملاً؟
لا تقلق، النَّفَس النتن
سوف يختفي في غضون يوم.
.
قريباً، قريباً اللحم
الذي التهَمَه كهف القبر
سيكون بيتي.
.
وامرأةً مبتسمةً سأكون.
لم أزل في الثلاثين
و لديَّ مثل القطة تسع محاولات لأموت.
.
هذه محاولتي الثالثة.
يا له هراء
أن أبيد نفسي كل عشر سنين.
.
يا لها ملايين الأسلاك:
الحشد الطاحن للبندق
يتدافع ليراها.
.
يفضّونني يداً وقدماً-
عرض التعرّي الكبير.
سيداتي سادتي
.
تلك يدايَ
وركبتايَ.
قد أكون من جلدٍ وعظم،
.
لكني المرأة ذاتها، أنا نفسها.
المرّة الأولى حصل فيها ذلك كنتُ في العاشرة.
كان حادثة.
.
المرّة الثانية وددتُ
أن أمضي قدماً ولا أرجع أبداً.
صرتُ أتأرجح مغلقةً.
.
كصدفة.
اضطروا الى المناداة والمناداة
والى انتزاع الديدان عنّي كأنها لآلىء دبقة.
.
الموت فنّ
على غرار كل ما عداه.
وإني أمارسه بإتقان.
.
أمارسه حتى يصير جهنّم
أمارسه حتى يبدو حقيقةً
في وسعكم القول إنه دعوتي.
.
من السهل فعله في زنزانة.
من السهل فعله من دون أن أحرّك ساكناً.
هو العودة
.
الممسرحة في وضح النهار
الى المكان نفسه، والوجه
نفسه، والصرخة البهيمية الضاحكة نفسها:
.
"إنها معجزة!"
ذلك يذهلني.
هناك ثمنٌ
.
لكي أتجسّس على ندوبي، هناك ثمنٌ
لكي أصغي الى نبضات قلبي-
آه، إنه يدقّ حقاً!
.
وهناك ثمنٌ، ثمنٌ باهظٌ جداً
لكل كلمة، لكل لمسة
لبضع نقاطٍ من دمي
.
لخصلةٍ من شعري أو قطعةٍ من ثيابي.
هكذا اذاً سيدي الطبيب.
هكذا اذاً يا أيها العدو.
.
أنا تحفتكما
طفلتكما الذهبية الطاهرة
الثمينة
التي تذوب في صرخة.
أتقلّب وأحترق.
لكن لا تظنّوا أني أزدري قلقكم العظيم عليَّ.
.
رمادٌ، رمادٌ أنا
وأنتم تلكزون وتهزّون.
لحمٌ، عظمٌ، ما من شيءٍ هنا.
.
لوحُ صابونٍ،
خاتمُ زواج،
سنٌّ من ذهب.
.
يا سيدي الله، يا سيدي إبليس
إحذرا
إحذرا.
.
من بين الرماد
سأنهض بشَعريَ الأحمر
وألتهم الرجال كالهواء.
(عن لغتها الأصلية: الانكليزية)
*
ترجمة: جمانة حداد