{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً{1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً{2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً{3}} سـورة الإنسـان
ومــن هنــا تـبـدأ قــصــتنـا مــع ذلــك الفتــى ..
ذلــك الفـتـى الــتي بـدت لــه الــعـنــايـة الربــانـيـة حــتـى من قــبل ولادتـه ..
حـيـث تــكـفـل اللــه بــه ..
فــأهــداه خــيــر أم .. وخــيــر خــير أب .. فــزيــن الإيمــان فــي قلــوبهــمــا وزاده جمــالا عــلى جمــال ..
فــلــمـــا ولــد ذلــك الفــتــى أعـطـــاه اللــه كــل الجــمــال .. وكــل مـــا يحتــاج إلــيه الإنــســان .. من طعــام وشــراب .. وعـنـايـة ورعــاية وكفــاية وحفــظ ووقــايـة ..
فــكـلـمـا كــبر صــاحبنــا وتـقـدم فــي الــزمـن .. زادت و أتيحــت مجــالات التــرف وكــثـرت الفــتن وضــعـفـت الهــمم وتــأخــرت الأمـم ..
وكــمـا هــو الحــال في طبيــعة الإنســان أنــه يــعثـر دومــا بكــثرة النـسيـان ويضعــف بقــلة الإيمــان ..
فقـد تعثــر صــاحبنــا كثيــرا وتعــرقـل فــي طــريـق المتــاهــات .. وتــاه كثــيرا .. وآن ذاك كــان يــرســل لــه حبيبــه رســائـل تذكــره بـأجمــل لحظــاتــه مـعــه .. وتــأخــذه إلــى ذلــك الزمـــان الجــميــل .. زمــان حضــنه ورعــايتـه و عنــايتـه بــه .. وهــو ينســى ويتنـاســى ويبعــد ويخــطـئ .. وحبيبــه يتــوقـف وينظــر إليــه بعــين الرحمــة والحــلــم ..
فمــل صــاحبنــا من طــريق الضـياع والمتــاهات .. وقــرر أن يغــيـر ذلــك الطــريـق الممـل ..
فاتجــه فجــأة لكــي يتــوضـأ ويصــلـي .. ففرح حبيبــه .. واستقبــله خيــر استقبــال فقــد عــاد الحبيـب بعــد زمـن بعــيد ..
(( أنا عند ظن عبدي بي , وأنا معه حيث يذكرني , والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة . ومن تقرب إلي شبراً , تقربت إليه ذراعاً . ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً . وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه هروله )) رواه مسلـم .
(("يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ،
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ،
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ،
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ،
يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ،
يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي،
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ،
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ،
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ،
يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ")).
اللهــم اهــدينــا وتــب علــينــا .. إنــك أنــت أرحــم الــراحمــين ..