مآخذ مُعاصرة وهواجس من المستقبل
حدث غير مرة أن غابت وسيلة التواصل بين الأقدمين والمتأخرين باندثار لغات الأولين.
اختفت اللغة المصرية القديمة، ومعها أسرار الحضارة الفرعونية، فَوَقَفَ المصريون المعاصرون، ينظرون طويلاً لتراث أجدادهم، مشدوهين مندهشين، إلى أن نجح علماء الآثار في فك طلاسم الهيروغليفية.
وقد تَكَرَّرَت في أيامنا هذه عدة شواهد ومقدمات، تنذر بنتيجة مشابهة، قد تحل بلغة "الضاد"، فتمسى مجرد مادة للبحث على "أجندة" علماء الآثار أمثال شامبليون، الذي فك رموز "حجر رشيد".
من هذه الشواهد ظُهُور مُقترحات مكررة، ظاهرها الحرص على "تطوير لغتنا الجميلة"، وباطنها الترويج لإهمال كثير من قواعد النحو والصرف، واعتماد اللهجات العامية المحلية، وما يفد إلينا من مصطلحات وألفاظ أعجمية في التخاطُب الرسمي، وفي مختلف ضروب القول والكتابة، وعبر وسائل الإعلام؛ بادِّعاء أنَّ العربيَّة فقدتْ حيويَّة اللُّغات المنطوقة، ولم تعد صالحةً لمواكبة مستجدات العلوم الحديثة، استنادًا إلى غياب الفُصحى عن التعامُلات اليوميَّة في الشارع، والمتجر، والمدرسة، والمصلحة الحكومية، والجامعة، وحتى في محاضرات "النحو والبلاغة"، والندوات العامة، إضافة إلى الجهل المستشري بقواعد اللغة الصحيحة.
جفاء
ولا يضير العربية ذاتها أن نضيفَ شواهد أخرى على حالة الجفاء المتزايد بين العرب ولغتهم، فقد شاعت الأخطاء اللغوية الساذجة على صفحات الكتب، والجرائد، والمجلات، وفي وسائل الإعلام، وعلى ألسنة خطباء المنابر، ومتصدري الندوات، وفي لافتات الشوارع والإعلانات، واعتاد الكُتَّاب والقرّاء تقديم التوكيد على المؤكد، وإضافة المعرفة إلى النكرة، وتعديد المضافات قبل المضاف إليه الواحد، وتقديم العدد المُعرَّف على المعدود النكرة، والإشارة إلى المؤنث بضمائر المذكر، والعكس، وإعادة الضمير على اللاحق، والخلط بين الفاعل والمفعول، واسم "الناسخ" وخبره، ومخالفة قواعد الصرف المشهورة، واستعمال كثير من الكلمات في غير مواضعها وخارج سياقها، والخلط بين معاني حروف الجر، ولم يقتصر الأمر على أخطاء التوليف بين الحروف والكلمات لتكوين الجمل والفقرات، بل وصلت الأغلاط إلى بدهيَّات الإملاء والهجاء؛ فاختفت علامات الترقيم والتشكيل، واختلطت مواضع الهمزات، والتبس على الكثيرين رسم واو الجماعة، والواو الأصلية في الفعل، وواو جمع المذكر السالم عند حذف النون للإضافة.
وتشابهت "تاء التأنيث المتحركة" مع ضمير الغائب المتصل؛ بل تشابهت مع التاء المفتوحة أيضًا، كما اختلطت النون الأصلية والتنوين، وكذلك نبرة الهمزة المكسورة والياء التي تعقبها همزة مفردة، وشاعت الحيرة بين الياء والألف الليِّنة في لام الفعل الناقص، وعمَّت البلوى، فتشابهت الحروف المتقاربةُ في النطق والمخارج، كل هذا مع غياب أية محاولات جادة لتحقيق الحد الأدنى المقبول في مجال تقريب قواعد اللغة لغير المتخصصين فيها.
تشخيص
من هنا توَهَّم البعضُ أن اللغة العربية مهددة بالاندثار، ولكن كان عليهم – قبل البحث عن علاج – إعادة النظر في "تشخيص" القضية، وتكييف عناصر المشكلة – أو الكارثة إن أردنا الدقة؛ فليس هناك ما هو أخطر من ابتعاد العرب عن لغتهم – لنحدد أولاً: هل العيب في اللغة نفسها، وتشعُّب قواعدها، وتعدُّد مترادفاتها، وكثرة أساليبها، وتنوُّع أشكال بناء الجمل فيها؟ أو أن العيب في قصور المتحدِّثين بهذه اللغة عن دراسة أساسياتها، وفَهْم بدهياتها، وتقصير المتخصِّصين فيها والعارفين بأصولها في العمل على تبسيطها وتقديمها للآخرين؟
فعلى سبيل المثال: إذا اختنقت الطرق بالسيارات، هل ينادي العقلاء بإلغاء قواعد المرور أو تقليصها؟ أو يقتضي الرشد أن يلتزم الناس بقواعد السير، ويقوم المعنيُّون بتوعية قائدي السيارات بضرورة مراعاة أصول السلوك الصحيح؟
المشكلة – والحال هكذا – ليست في اللغة، إنما هي جهل أصحابها بقواعدها، وتكاسلهم عن إعمال العقل في تناول قضايا لغتهم، وما يستجدُّ حولها من احتياجات وتحديات.
ففيما يَتَعَلَّق بِمُواكبة العُلُوم الحديثة، وما يطرأ على حياتنا من مصطلحات، قد أقرَّ أجدادُنا استخدام الكلمات الأعجمية في لغتهم؛ بل وضعوا لهذا الاستخدام قوانينَ، فمنعوها من الصرف؛ لا لسبب إلا لأنها أعجمية، وهذا دليل على أن لغتنا قد ألِفَت وتقبّلت، من قديم الزمان، استعمال مفردات غريبة أو مستحدَثة.
لغتنا إذًا ليست جامدةً كما يروِّج الأدعياءُ؛ ولكنها حيَّة مُتَجَدِّدة، قادرة على استيعاب الجديد والغريب والوافد من الألفاظ، دون الحاجة إلى تغيير الأسس والقواعد، أو هجر المترادفات القديمة؛ فهي تقبل أن نضيفَ إليها، ولكن لا يجوز أن نحذفَ منها بأية حال.
براءة
المطلوب – في هذا الصدد – من مجامع اللغة، ليس استنباط ألفاظ جديدة، كبديل عن الأسماء الوافدة، بل استيعاب المفردات الأجنبية في إطار القواعد العربية المعهودة، والأوزان الصرفية المألوفة لأسماعنا، فكلمة "تليفزيون" أقرب إلى الأذن العربية من "تلفاز"، فمن الكلمة الأولى يسهل علينا صياغة الجمع المختوم بألف وتاء (تليفزيونات)، وهو ما يصعب من الكلمة الثانية، وإلا فكيف نجمع تلفاز؟ هل نقول: "تلافيز" أو "تلفازات"؟!
وهكذا مع كلمات مثل: تليفون، وكمبيوتر، وإنترنت، وليزر، وإيدز، وساندوتش، وترمومتر، وكاميرا، وفاكس، وسينما، وراديو، و…، في مقابل الإرزيز، والحاسوب، والشبكة العنكبوتية للمعلومات، والضوء المُقوّى بواسطة الانبعاث الإشعاعي المستحَث، ومرض نقص المناعة المكتسبة، والشطيرة (شاطر ومشطور وبينهما طازج)، والمحرار، ولاقطة الأضواء، وناسوخ، وخيالة، ومذياع، و…، على الترتيب.
إن لغة "الضاد" لغة مرنة وبريئة من الركاكة والجمود، براءة السرحان من دم ابن يعقوب، ولا يُسأل عن هذه الركاكة – متى وُجدت – إلا المقصرون في حق لُغَتهم.
اللغة العربية يُسر لا عُسر، ونحن نملكها ونملك أن نضيفَ إليها ما نحتاجه من ألفاظ؛ ذلك لأن وجود كلمات من لغة معينة في لغات أخرى مسألة شائعة، لا غضاضة فيها، فاللغة منتج حضاري، ونتاج الحضارة ملك للبشرية جمعاء، فلا عجب أن تستعير أية لغة كلمات من لغات أخرى، وقد استعمل الآخرون كلمات عربية صميمة، أيام المد الحضاري العربي، فأخذ الإنجليز من العربية كلمة "قنديل" ونطقوها "candle"، وكذلك كلمة "صك" وحَرَّفوها إلى "شيك"، وعندما تبدلت الأحوال وتفوَّق الأوروبيون في مضمار الحضارة استعاد العرب كلمتهم – ولكن بشكلها الجديد – ليستخدموها في معاملاتهم المالية، وفي مجال العلوم حدث مثل ذلك، فمصطلح "لوغاريتم" أخذه الأوروبيون من اسم العالم العربي الذي وضع أُسسَ هذا العلم، وهو "الخوارزمي" فأصابه من التحريف ما أصابه، ومن عجب أننا نستخدم المصطلح ذاته، ولكن بلهجته الأجنبية في مدارسنا وجامعاتنا، وقليل من يعرف أصله وبدايته، مما يثبت أن شيوع اللغة وتوغل مفرداتها في لغات أخرى من الآثار المترتبة على قوة أهلها وسبقهم الحضاري.
تفرُّد
غير أن ما يصدق على كل لغات العالم، من نظريات الاتساع والتطور والنمو والمواكبة، لا يصدق بالضرورة على اللغة العربية؛ لسبب جوهري، هو تفرُّدها عن كل اللغات الأخرى بأنها وعاء لنصوص ثابتة، لا يجوز فيها التغيير، ولا تغني عنها الترجمة، يأتي على رأسها القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، ثم ما يتفرع عنهما من تفاسير، وأحكام، ومعتقدات، وفروض، وفرائض، ومعاملات.
وقد يكون هذا التفرُّد هو الدافع المستتر وراء هذه الحملات المشبوهة، التي يطالعنا بها البعضُ حينًا بعد حين، فهدفهم زيادة المسافة الفاصلة بين العرب ولغتهم؛ ليفقدوا وسيلة التواصل مع الوحي الإلهي، الذي أعزَّهم بعد أن كانوا أذلة، شراذم متفرقة، وقبائل متناحرة، لا رابط بينهم، ولا جامع يوحدهم، وهذا التفرُّد أيضًا هو السدُّ المنيع أمام هذه الاقتراحات القاصرة؛ لأننا بصدد موروث ثابت لا يتغير ولا يتبدَّل، وهو صالح لكل زمان ولكل مكان، ويستلزم التواصل معه وسيلة فهم يجب ألا تَتَبَدَّلَ أو تتغير.
من هنا وجب الربط بين الإيمان بكتاب الله وحيًا منزلاً لهداية الناس أجمعين، وبين ضرورة الحفاظ على بقاء اللغة العربية الفصحى ونقاء معالمها، والعمل على نشرها على أوسع نطاق، وبأقصى طاقة.
ولأن سيدنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – قد أَرْسَلَهُ الله – عز وجل – بالقرآن الكريم إلى الناس كافة، في كل زمان، وكل مكان؛ يقول – سبحانه وتعالى – في مُحْكَم التنزيل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4]، فإن الوعي الرشيد، والفهم الصحيح يوجبان تيسير اللغة العربية لكل الناس في جميع أرجاء المعمورة؛ فليس من المقبول – ولا من الوارد أصلاً – أن يَتَحَوَّلَ النَّصُّ القرآني إلى تراث أو أثر بعد عين – حاشا لله – لا يفقهه إلا ثُلَّةٌ منَ المُتَخَصِّصين في اللغة العربية (القديمة!)، بينما يراه غيرهم طلاسم وتعاويذ – أعوذ بالله العلي القدير – كما يحدث مع النصوص التاريخية في اللغات المندثرة التي يسمعها الناس، عند حضور طقوسهم، من سدنتها، مجرد أصوات بلا مقابل مفهوم في الأذهان.
الخطر
خلاصة القول – في هذه القضية -: إنَّ اللغة العربية ستظل في خير عافية، وسيحفظها الخالق الجليل من كل سوء بحفظ كتابه الكريم، ولو كره المفسدون، لكن الخطر الداهم يحيق بأصحاب هذه اللغة ما بقيت الفجوة بينهم وبين لغتهم، فحضور اللغة هو المؤشر الأصدق تعبيرًا عن قوة أصحابها في جميع مناحي الحياة، وكما يفرض المنتصر في الحرب شروطه لوقف القتال، يفرض المتفوقون في العمل والصناعة والاقتصاد لغتهم على المتخلفين؛ لذا يجب على المتمسكين بدينهم وقوميتهم من المسلمين والعرب أن يأخذوا بأسباب التقدم والتفوق في شتى مجالات الحياة، واضعين نصب أعينهم ضرورة السعي لتعلُّم أساسيات لغتهم وفهم قواعدها، والعمل على تطوير طرق تدريسها وتعميمها على الجميع، بدلاً من قصرها على تخصصات قليلة، وإعفاء الباقين من دراستها، فلا يعقل أن يظل تدريس العربية مقصورًا على فئة قليلة من طلاب الجامعات، وكأنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
تفاعل
لا نطلب – في هذا الصدد – نشر اجتهادات أساتذة المجامع اللغوية على الناس، كنشرات الأرصاد الجوية والقرارات الرسمية، وأخبار نجوم الفن والرياضة والسياسة، وأنباء الصراعات والحروب والجرائم، لكن على الأقل نطلب إرساء قواعد "التفاعل التبادلي" بين وسائل الإعلام، ومجامع اللغة، وفقهاء العقيدة، فيعكف بعض أعضاء المجامع على حصر الأخطاء الشائعة – التي يفضلها العامة على الصواب المتروك – وتصحيحها، على أن تقوم وسائل الإعلام بنشر هذه الآراء والاهتداء بها، وكذلك يفعل الفقهاء في الأخطاء العَقَدية الناتجة عن الجهل بمعاني الكلمات، ودلالات الألفاظ.
كما يلزمنا السعي لتوحيد الخطاب العربي في إطار اللغة السليمة؛ فلا يعقل أن تكون اللغة المنطوقة في بعض البلدان العربية في حاجة إلى ترجمة في بلد عربي آخر، ولا يعقل أيضًا أن تنشأ وتنمو لهجات خاصة بطائفة معينة في البلد العربي الواحد، كأن يصبح للشباب مثلاً قاموس خاص لا يفهمه كبار السن.
لا بد من إدراك أن اللغة "محاكاة"، وما يسمعه الإنسان من ألفاظ يردده؛ لذا يجب تنقية وسائل الإعلام من اللهجات الركيكة، والمفردات البذيئة، والكلمات الشاذة، والنصوص الفارغة من أي مضمون، ومن الأغلاط الشائعة؛ لأن كوب الماء الفارغ مليء بالهواء، فإذا مُلئ بالماء فرغ من الهواء، وكذلك عقل الإنسان وذاكرته إذا ملئ أحدهما بالتفاهات، كان ذلك على حساب النافع من المعارف والمدارك والأفكار، فماذا ننتظر من نشء هذه الأمة إذا انحصر ما يسمعونه في كلِّ ما هو هابط ورديء، وحوارات عقيمة، واقتصرت مطالعاتهم على لغة سوقية مبتذلة موضوعاتها، لا ترقى لمستوى الاهتمام، إنَّ اللغة محاكاة، ولها قواعد وأسس، ينبغي العمل على نشرها، حتى تتسعَ دائرة استخدام الفصحى، ويتحقق الهدف منها كوسيلة تواصل وتفاهم، ويجب أن تتفاعلَ مجامع اللغة مع كل جديد ووافد في مجالات العلوم والآلات، مع ضرورة توحيد المصطلحات المترجمة أو المنقولة، أو الأساليب المستحدثة، صياغةً وهجاءً في كلِّ الأقطار العربية؛ تفاديًا للاختلافات والخلافات التي ينفذ منها أدعياء التطوير.
طلائع
يجب أن يخرجَ العارفون بجماليات اللغة ليعرضوا معارفهم على الآخرين؛ فمنَ الهروب أن نكتفي بإلقاء اللوم على المتلقي، وانسياقه وراء الركاكات والأغلاط؛ إذ إنه لا بد لكل جماعة من طلائع يحدِّدون معالم الطريق، وينيرون للباقين مسالك السُّبُل.
على علماء اللغة أن يتواصَلوا مع وسائل الإعلام، وعلى رجال الإعلام أن يسعوا إلى هؤلاء العلماء لنشر ملاحظاتهم، كما ينبغي عمل دورات تعليمية لتدريس اللغة العربية، على غرار دورات الكمبيوتر واللغات الأجنبية المنتشرة في أنحاء الوطن العربي بتسهيلات وإغراءات، وإلحاح وإصرار من قبل القائمين عليها.
وحبذا لو مارست مجامع اللغة نوعًا منَ الرقابة على وسائل الإعلام؛ لمواجَهة أي خروج على قواعد اللغة وجمالياتها.
وما ننادي به على مستوى ألفاظ اللغة وأساليبها وقواعدها، نرجو تطبيقه على المعاني والأفكار والمسميات والموضوعات، فلا شك أن تطوير الأبحاث العلميَّة، وإقامة المصانع، وتشييد المشروعات، والعمل على النهوض بالزراعة والاقتصاد، كل ذلك بعقول عربية، وأيادٍ عربية لأهداف عربية – لهو من صميم أحلامنا وطموحاتنا؛ ليحتل العرب مكانتهم اللائقة بين الأمم في كل المجالات وعلى جميع المستويات.
الاتجاه الخطأ
أما أولئك الذين يصرُّون على السيْرِ في الاتجاه المعاكس، ويدعون إلى هجْر اللغة الفصحى لِمُجَرّد أن الغالبية يجهلونها، فقد اختاروا التداوي بالتي كانت هي الداء، كمن تعاطى مخدرًا، وبدلاً من العمل على الإقلاع عنه طلبًا للنجاة والصحة والعافية، يلجأ إلى زيادة الجرعة مرة بعد مرة إلى أن يقع في براثن الإدمان، ويقضي على نفسه بإصراره على مواصَلة السير في الاتجاه الخطأ.
تعزية
بقي أن هذه الدعاوى لا تبرأ من الجهل والكسل – إذا استبعدنا تمامًا وجود النيات الخبيثة – فلو أنصف أصحابها، لما بخلوا على أنفسهم بمحاولة التعلُّم؛ لأن مَن لم يسعده الحظ من أبناء العروبة، بمعرفة أبسط قواعد لغته الأم كعديم الحواس في بستان يانع، يعج بأطايب الثمار، ويحفل بأريج العطور، ويزخر بألوان الزهور، ويزينه الدر من كل جانب، ولا يسعنا إلاَّ أن نرثي لحاله؛ فليس بعد فقد الإحساس من مصيبة تستدعي التعزية، يبقى العربي الجاهل بأساسيات لغته:
كَالْعِيسِ فِي البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا المَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
أو "كالحمار يحمل أسفارًا"، ويحمل تاريخًا وحضارة وعقيدة، وحِكَمًا وأمثالاً ومعارف، ومدارك وأفكارًا وعلومًا؛ لكنه لا يفهم مفرداتها، ولا يملك أن يصل إلى فوائدها.
يعطيك العافيه
مودتي