تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ماهية الأسطورة

ماهية الأسطورة 2024.

الاسطورة
ماهيتها ومصادرها

ارتبطت الاسطورة في اذهان الكثيرين بالخرافة او الحديث الباطل, واعتبر كلاهما شيئا واحدا, ذلك انه بينما تعتمد الخرافة علي الخيال المحض – في الغالب- فإن الاسطورة تفقد مصداقيتها اذا لم تتكئ علي واقع..لقد كانت الاسطورةهي الوسيلة المبكرة التي عكست توق الانسان الي المعرفة وتفسير العلم من حوله .
لم تظهر الدراسة الدقيقة المتخصصة لجمع وتفسير الاساطير إلا في العالم الغربي في القرن الثامن عشر, وإن كان بعض الفلاسفة القدامي قد تناولوها بالتفسير حسب معطيات ومنجزات عصرهم…ولقد كان الفيلسوف" طاليس " اول اغريقي يعبر عن موقف نقدي تجاه الاساطير الاغريقية, كما وجه " ارسطو" هجوما عنيفا للاساطير باعتبارها " قصصا وهمية لا تقدم أي حقيقة لا عن الانسان ولا عن العالم" , اما افلاطون فقد حاول استخدامها كعوامل مساعدة علي كشف الحقائق الفلسفية العميقة واستخدمها ايضا بشكل مجازي في حواراته.
وعبر القر التاسع عشر والعشرون, تقدمت الدراسات التي تهتم بالاساطير وظهرت المدارس المختلفة في تفسيرها.

ويذهب " روبرتسن سميث" في مؤلفه " محاضرات في ديانةالساميين " الي " ان الاسطورة ماهي الا تفسير للعرف الديني , وما كان هذا التفسير لينشأ الا حين يوشك المعني الاصلي للعرف في دائرة النسيان . ومن المسلم به ان الاسطورة ليست تفسير لاصل الشعيرة الدينية بالنسبة لمن يؤمن بانها رواية لبعض الاحداث الحقيقية, وهو مالا يؤمن به أي عالم من علماء الاساطير مهما بلغت جراءته, ولكن رغم ان الاسطورة غير حقيقية , الا انها تحتاج الي تفسير , وكل مبدأ فلسفي وكل مسلمة من المسلمات تتطلب الحث عن تفسير لها , وهو مالا يتم الا بنظريات تشبيهية متعسفة , بل بالحقائق الواقعية للشعيرة او العرف الديني الذي تلتصق به الاسطورة , بل الشعيرة الدينية والعرف الموروث " (1)

وقد عرف " كارل كيريني" الاسطورة بالنظر الي اصلها بقوله" ان الاسطورة في المجتمع البدائي – أي في شكلها المعاش – ليست حكاية تحكي ولكنها حقيقة معاشة . انها ليست اختراعا , ولكنها حقيقة حية يعتقد انها حدثت في ازمنة اولية , وانها لازالت تمارس تاثيرها علي العالم وعلي مصائر البشر" (2)

وعلي نفس المنهاج يسير " برونيسلاف مالينوفيسكي" اذا يضيف : " ان الاسطورة اذا درست وهي حية فعالة , فانها لاتكون تفسيرا يتطلبه اشباع الولع بالعلم , وانما هي بعث روائي لحقيقة ازلية , يروي لاشياع رغبات دينية عميقة وحاجات اخلاقية ومتطلبات اجتماعية واحتياجات عملية…والاسطورة في حقيقتها ليست تدفقا عشوائيا لخيالات عقيمةولكنها قوي ثقافية هامة تشكلت بصورة محكمة"

ويري" يوهيمروس " " ان الاسطورة هي التاريخ في صورة متنكرة "
اما "ماكس موللر" فيري انها " مرض من امراض اللغة وانها القوي التي تمارسها اللغة علي الفكر علي الفكر في كل مجال ممكن من النشاط الذهني"

اما الاسطورة في نظر " تيليارد" فهي : " موهبة أي جماعة بشرية كبيرة كانت ام صغيرة – وقدرتها علي ان تحكي قصصا معينة عن احداث او اماكن او اشخاص معينين خياليين كانوا ام حقيقيين , وتكون حكاية هذه القصص بشكل واع غالبا , ويكون لها مغزي رائع" (3)

ويعرف الماركسيون الاسطورة بانها " الشكل الاساسي من رؤية العالم لدي الشعوب في اقدم مراحل تطورها , وتتسم الاسطورة كاسلوب خاص في الاستيعاب الروحي للواقع وكنظرة للعالم بان كافة الاشياء والظواهر تتبدي فيها امورا متقاربة ومتداخلة بحيث يسهل سحب صفاتها بعضها علي الاخري , وذلك باسباغ صور حسية عليها , وبتصويرها كائنات حية ( بشر وحيوانات) ..وان الاسطورة تتواري عن المسرح عندما يصنع الانسان وسائط فعلية للسيطرة علي قوي الطبيعة ويطور الانتاج ويحسن من ادوات العمل , فيوسع من نشاطه ويصوغ اشكالا غير اسطورية من الوعي " (4)

ومن نفس المنطلق الماركسي يري د/ سيد القمني ان :" الراي الاقرب للقبول العلمي يشان الاسطورة ونشاتها في ان ضعف قوي الانتاج في المبتدا الجمعي , لم يساعد الانسان علي اكتشاف الاسباب الحقيقية لما يقع امامه من ظواهر , وهنا تقدمت الاسطورة لتقوم بهذه المهمة الاولي للتفسير , وهو ذات الدور الذي قام به الدين في سدله الاستار علي التفسير الموضوعي للواقع " (5 )

ويذهب الاستاذ / رشدي السيسي في مقدمة ترجمته لترجمة كتاب " بلفتش " " عصر الاساطير " الي ان : الاسطورة هي سجل لايمان الشعوب البدائية للسحر واسترضاء آلهتهم بالطقوس وبهذه الاسباب يمكن ان نصف الاسطورة بوجه عام بانها مظهر لمحاولات الانسان الاولي كي ينظم تجربة حياته في وجود غامض خفي , الي نوع من النظام المعترف به"

اما " بلفتش " نفسه فيعدد لنا مذاهب تفسير الاسطورة في كتابه " عصر الاساطير"(6) ونوجزها في :
1- نظرية الكتب المقدسة: وهي تذهب الي ان جميع القصص الاسطورية انما هي مشتقة من روايات الكتب المقدسة ولكن الوقائع الصحيحة استترت وتغيرت.

2- النظرية التاريخية: وتذهب الي ان جميع الاشخاص الذين ورد ذكرهم في الاساطير كانوا يوما كائنات بشرية وان االروايات الخرافية المنسوبة اليها ليست سوي زيادات وزخارف اقحمت في عهد متاخر

3- النظرية المجازية: وهي تفترض ان كل اساطير الاقدمين مجازية ورمزية احتوت علي عض الحقيقة الادبية او الدينية او الفلسفية او الواقع التاريخي في شكل مجاز ولكن بمرور الزمن استوعبها الناس علي اساس ظاهرها الحرفي

4- النظرية الطبيعية: وبمقتضاها كانت عناصر الهواء والنار والماء محط العبادة الدينية وكانت الالهة مشخصات من قوي الصبيعة…….

ويعقب " بلفتش" علي ذلك بقوله : وكل هذه النظريات صحيحة الي حد ما , ولذلك فمن الاصح ان يقال ان اساطير امة ما قد انبثقت من كل هذه المصادر مجتمعة, بينما ينتقد بلفتش المدرسةالطبيعية في تفسير الاسطورة باعتبارها اكثر الآراء تطرفا في تفسير الاساطير ….

اما د/ سيد القمني فيضيف منهجين آخرين في تفسير الاسطورة في مؤلفه " الاسطورة والتراث" هما :
" المنهج العقلي : والذي يذهب الي نشوء الاسطورة نتيجة سوء فهم او خطأ ارتكبه مجموعة افراد في تفسيرهم او قراءتهماو سردهم لحادثة اقدم.
ومنهج التحليل النفسي الذي يحتسب الاسطورة رموز لرغبات غريزية وانفعالات نفسية"(7)
هذا بالاضافة الي المنهج الماركسي في تفسير الاساطير وقد سبق عرضة .

خلاصة ما سبق انه لا يوجد قول حاسم في تفسير الاسطورة وماهيتها وهو ما يلخصه لنا " مالينوفيسكي " بانه : " يصعب كثيرا وضع مقياس عام للظواهر الثقافية ومن بينها الاساطير" … وربما اعادنا هذا الي قول " بلفتش" : " ان كل هذه النظريات صحيحة" لنكمل معه : او تكون جميعها خاطئة….. فأبواب التنظير والتاويل لازالت مفتوحة وكل الاحتمالات قائمة ووارد فيها الصحة والخطأ ……………

يسلمو ياعسل تحياتي لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.