وأخذت الدموع تحتبس في عيني
أحسست بأننا ربما لا ندرك قيمة النعمة التي أنعم الله بها علينا
بأن بلغنا شهر رمضان الكريم
فكثيرا تمنوا أن يدركوا هذا الشهر الكريم ويكونوا معنا الآن
ولكن
لم يدركوه !
كثيرا أعدوا عدتهم وجددوا نواياهم لاستقبال هذا الشهر
ولكن
لم يستقبلوه !
ونحن فيه قد بلغناه وأنعم الله به علينا
فهل يا تري نشعر بما نحن فيه من نعمة ؟؟…
ولعلها نعمة لن تتكرر !!!!
فالحمد لله والشكر لله أن بلغنا هذا الشهر الكريم
وإليكم أحداث القصة :
حين دفنت صديقي البارحة وكان يأمل أن يصوم معنا رمضان
كان في صحة وعافية
ينتظر الجديد من يومه .. ينتظر اللحظة القادمة
والمفاجآت الآتية
هذا صبح يجيء بوهجه وإشراقه
فما يلبث أن تطفئه غسقات الليل
وهذا ليل يحبو كشبح مخيف
فما يبرح حتى يقتله شعاع الفجر
هكذا هي حياتنا
صعود وانخفاض .. ومنعطفات ومسارات
سفر وحضر .. فرح وحزن
كان رحمه الله يسير من السائرين
ويؤمل مع المؤملين ..
كان يعيش مثلنا …
قابلته بعد إجازته فرحاً بشوشاً كعادته
جاء بحماس ونشاط
واستعد لعمله بسرور وطيب نفس
جالسته فحدثته وحدثني
ولم أنس حين قال بنبرة المتحمس:
(اللهم بلغنا رمضان)
وقد بقي على الشهر الفضيل بضعة أيام
قلت: آمين
تفرقنا في نهاية دوام ذلك اليوم سوياً
ثم وصلت إلى عملي في اليوم التالي
عجباً لقد تأخر عن العمل
اتصلت عليه مباشرة
رد علي ابنه الأكبر .. سألته عن والده
:فقال بنبرة ملؤها الحزن والتوتر
ادع الله له بالشفاء فقد أصيب البارحة بنزيف
في الدماغ وأدخل على إثره العناية المركزة
صدمت …………. من هذا الخبر المفجع
لقد كان معي قبل أقل من أربع وعشرين ساعة………..
أخذت أردد: لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم اشف أخي
ومنّ عليه بالصحة والعافية
مرت أيام عصيبة بعدها ..
أتذكر صاحبي فيها كل يوم مرات ومرات
أسائل عنه وكانت الإجابة المعتادة
" لم يفق من غيبوبته "
حتى جاء ذلك اليوم الحزين وقبل رمضان بيوم واحد
وإذ بي أقرأ تلك اللوحة الأليمة على الجدار
( ………… .. )
إنا لله وإنا إليه راجعون)
شعرت بالحزن والأسى يجري في عروقي
وأحسست بنوبة من البكاء تجتاحني دون إنذار
وبدأت أدعو له بالرحمة والمغفرة
وعند أذان العصر وقبل الدفن بدأت أشعر بغربة عجيبة
ووحشة تسري في أعماقي
ويالها من كلمات قاسيات حين نادى المنادي
" الصلاة على الميت يرحمكم الله "
أحدثت هذه الكلمات ضجيجاً في داخلي
ورحت أستذكر مواقفي مع هذا الذي يدعى الآن (ميت)
سبحان الله لقد خلعوا عنه كل الأسماء
وسمّوه بهذه الأحرف ( م ي ت )
أدينا الصلاة عليه وحُمل على الأكتاف وأسرعوا
وأنا أساءل نفسي هل المحمول هو فلان ابن فلان
وأتينا على المقابر
تلكم المساكن التي طالما نسيناها
وطالما أنزلنا فيها أحبابنا وأصدقاءنا وأقاربنا
دلفنا إلى حيث المقبرة المعدة
تأملت فيها .. حدقت النظر تجاهها
فيا لوحشة هذه الحفرة .. ولضيق مساحتها
كاد قلبي أن ينخلع والناس يُنزلون صديقي إلى قبره
ياالله من هذه الحياة نجري فيها وكأننا مخلدون للعيش واللهو
وعلى كلٍ هذا هو مصير كل حي
ولكن الذي آلمني حقيقة ..
وجعلني أشعر بنعمة العيش بعده
أن موت صديقي كان قبل دخول رمضان
وقد كان يأمل ويتمنى بلوغ هذا الشهر مثلنا
وربما خطط ورتّب وأعدّ العدة للصيام والقيام
ولكن قدر الله وما شاء فعل
كم كنت تعرف ممن صام في سلف *** من بين أهل وجـيران وإخوانِ
أفنـاهم الموت واستبـقاك بعدهمُ *** حياً فما أقرب القاصي من الداني
فما أعظمها من نعمة أن مدّ الله في أعمارنا
حتى بلغنا شهر رمضان
فاللهم اغفر لصاحبي وأسكنه فسيح جناتك
واكتب له أجر الصيام والقيام كما همّ
ووفقنا لرضاك واجعل خير أيامنا يوم نلقاك
انتهت الرسالة
أخي يا من أدركت رمضان :
احمد الله تعالى بأن أفسح لك في أجلك ،
ومد في عمرك حتى أدركت رمضان
واحمده بأن أدام عليك نعمة الصحة
والعافية في بدنك حتى أدركت رمضان،
فحُق لك بأن يفرح قلبك وتدمع عينك بقدوم
هذا الضيف الكريم.
فكم غيّب الموت من صاحب،
ووارى الثرى من حبيب،
فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود
من الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح،
فرأس مال المسلم هو عمره..
أخي يا من أدركت رمضان :
تذكر من صام معك العام الماضي وصلى العيد !!
ثم أين هو الآن بعد أن غيبه الموت ؟!
وتخيل أنه خرج إلى الدنيا اليوم فماذا يصنع ؟!
هل سيسارع إلى النزهة والرحلات ؟!
أم إلى الانغماس في الملذات والشهوات ؟!..
كلا والله بل سيبحث عن حسنة واحدة،
فإن الميزان شديد
ومحصى فيه مثقال الذر من الأعمال.
منقول
بارك الله فيكي
( اللهم بلغنا رمضان يا رب العالمين )
جزاك الله عنا كل خير