{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} 2024.

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر أحد العلماء في محاضرة له لفتة طيبة جدا ما التفتُ إليها من قبل على ما أعتقد.
وذلك في قوله تعالى :

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}
إذن هذه الأصنام التي يعبدونها عاجزة عن ضرهم ونفعهم,
معنى هذا أن الإله ينفع ويضر ؟
هذا بدأ الشيخ يشرح مسألة (كيف يضر؟)
ومضمون ما قاله أنه بالنسبة لأولياء الله فإن ما يحدث لهم ظاهره الضرر لهم في حقيقته عين المصلحة لهم
فمثلا حادثة الإفك:
وهي الحادثة التي اتهم فيها زعيم المنافقين عبد الله بن سلول السيدة عائشة بالزنى.
واهتز المجتمع المسلم ما بين مكذب لهذه التهمة وبين ساكت وبين من خاض فيها,
تتهم السيدة الطاهرة ويتم النبي صلى الله عليه وسلم في أهله ولم ينزل من الوحي شيء في هذا الأمر مدة من الزمن
بل لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهل بيتي ؟ فوالله ما علمتُ من أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت منه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي ) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذِرُكَ منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من الخزرج أمرتَنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة ـ وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتَمَلْتْهُ الحَمِيَّةُ ـ فقال : والله ما تقتله ولا تقدر على قتله)
وعلق الشيخ على قول سعد عبادة بأنه ربما لعلم سعد أن قاتل من آذى النبي صلى الله عليه وسلم شرف فكيف يفوت عليه سعد بن معاذ هذا الشرف لو كان الفاعل من الخزرج؟
ووصل الأمر أن ثار الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يهدئهم حتى سكتوا,
إذن في الظاهر أن الأمر صعب جدا
فلو قال لنا شخص قبل نزول آيات براءة السيدة عائشة رضي الله عنها أن هذا الأمر خير وليس شر ربما لم نقتنع
لكن ها هي براءتها لم يخبر بها بشر ولم يرها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه كما كانت ترجو السيدة عائشة بل أخبر بها الله سبحانه في قرآن يتلى .
وزادت منزلة السيدة عائشة وظهر حقد المنافقين وظهرت معادن الصحابة الأصيلة وغير هذا من المكاسب للمسلمين
لذا حين تسمع قول الله تعالى عن هذه الحادثة :
(((لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)))
تعلم أن ما في ظاهره ضرر لأولياء الله هو في صالحهم لكن قصرت بصائرنا عن إدراك الحكمة وتعجلنا الأمور وأخذنا بالظاهر.
ومثال آخر على هذا ما كان في صلح الحديبية لما تم الصلح وكان من بنوده أنه من جاء من قريش مسلما يرده النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين ومن ارتد من المسلمين لا ترده قريش إلى المسلمين.
بل وزاد الأمر صعوبة نفسية الصحابة أن سيدنا أبو جندل بن سهيل بن عمرو ستطاع أن يفر من المشركين بعدما عذبوه عذابا شديدا وقيدوه بالسلاسل وإذ به يصل إلى الحديبية والاتفاقية لم تكتب بعد ورفض أبوه (سهيل بن عمرو) وكان مشركا خينئذ أن يستثنيه من التفاقية خاصة وأنها لم تكتب بعد,
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع .
واستطاع أبو جندل رضي الله عنه أن يفر وأن يكون مع كل من فر من مكة مجموعة وقفت لقوافل المشركين بالمرصاد,
حتى أرسلت قريش تتوسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه من جاءه منهم مسلما فلا يرده إليهم
وتحقق للمسلمين مكاسب كبيرة جدا مع الوقت .
هذا ولو كنا معايشين لهذا الحدث وقال لنا قائل إن هذه الاتفاقية خير كبير للمسلمين ربما لم يقتنع بعضنا بهذا,
لكن بعدما ألممنا بالأحداث كلها استوعبنا الأمر.
وصدق الله إذ يقول عن هذا الصلح :
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}

كذلك فإن الله يضر بأعداء أوليائه لأجل أوليائه لكرامتهم عنده
قال تعالى:
(((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) ))).

يقول الشيخ أن الله حمد نفسه لأنه أزال عدوا لأجل أوليائه
إذن فالإله ينفع ويضر وفق ما سبق شرحه بفضل الله
والله أعلم
___
الكلام بالتفصيل في الحلقة السادسة من سلسلسة نفثة مصدور للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله في الدقيقة السابعة والثلاثين قرب نهايتها.
والسلسلة مفيدة بشكل عام بإذن الله وفضله.
انشر لغيرك.