يانيس ريتسوس
(1990-1909)
لم يعرف القارئ الأوروبي يانيس ريتسوس شاعرًا حق المعرفة إلا في مارس عام 1956 عندما نشر لوي أراغون في مجلة <<الآداب الفرنسية>> أول تعريف بالشاعر اليوناني الذي وصفه بأنه <<ارتجافة جديدة في الشعر الحديث>> وستتأكد هذه المعرفة بما سيترجم له في ما بعد من أعمال مثل <<ملاحظات على مجرى الأحداث>> و<<تدريبات>> و<<النافذة>> و<<الجسر>> و<<الوداع>> و<<الشواهد>>.
وتعتبر قصيدته <<حادث ليلي>> إحدى <<شواهده>>، وهي تشكل إلى جوار <<شواهد>> أخري عالما يواكب العالم الواقعي، عالم كل يوم، حيث يتقاتل الناس وتتصادم المصالح إلى ما لا نهاية، ويطلق على هذا التقاتل، وذلك التصادم بين المصالح، في بعض الأحيان <<سياسة>> وهي عملية ضارية، وقد أودت بالشاعر إلى المعتقلات والسجون أكثر من مرة، حيث عانى من أجل معتقداته صنوفا من البلاء زاد من طينها بلة مرضه الصدري الذي عانى منه طويلاً.
في 30-3-1952 نفذت الفاشية العسكرية اليونانية حكم الاعدام بالقائد العمالي "نيكوس بيلويانيس" وثلاثة من رفاقه بعد محاكمة استمرت من 19- 10- الى 16- 11-1951 .
اثناء المحاكمة اهدى احد المتهمين الى رفيقه بيلويانيس قرنفلة حمراء اخذها هذا والابتسامة تعلو وجهه وظلت القرنفلة ملازمة له طوال ايام المحاكمة. خلد "بيكاسو " بيلو يانيس وقرنفلته الحمراء بعمل فني كما كتب الكثير من شعراء وادباء العالم عن الموضوع نفسه. من روائع
**
المعسكر صامت هذا اليوم
الشمس ترتعش على سور الصمت
وترفرف كسترة القتيل في الاسلاك الشائكة.
.
جرس كبير انزل وها هو يجثم
على الارض يخفق في نحاسه قلب السلام.
انصتوا: اسمعوا هذا الجرس
اصغوا : الشعوب تمر حاملة على اكتافها
النعش العظيم- بيلويانيس.
.
القتلة يتسترون وراء خناجرهم
تنحوا يا قتلة‘ تنحوا جانبا..
فالشعوب تمر حاملة على اكتافها النعش العظيم‘
نعش بيلويانيس.
.
رموهم بالرصاص‘قتلوهم
نسمة ريح مرت خلال نفق الصمت الاسود
جاءتنا بالخبر: قتلوهم رميا بالرصاص.
.
مصباحان منسيان يفقدان البصر
عند بوابة النهار…
رموهم بالرصاص.
"بتروس" الذي كان في الفناء
يحلق ذقنه امام مرآة جيب
تسمر ويداه في الهواء
امسك بآلة الحلاقة كما لوكان يمسك باصبعيه
يد العالم يجس نبضه
و"فانجيليس " الذي كان يتناول فطوره
غص بالخبز كما لو كان ابتلع حجرا
وطعم الشاي كان مرا هذا اليوم.
.
سمعنا ضجيج عربة كبيرة توقفت..
في الشارع‘ عجلة اصطدمت بصخرة
لعلها كانت عجلة التاريخ.
العجوز التي كانت تنظف بدلة يوم الاحد
في شرفة بيتها
بقيت كالمتحجرة‘ وكأنها ادركت
بأن هناك ما هو اكثر سوادا من اللون الاسود‘
ظلت مذهولة وكأنها ابصرت راية سوداء
مرفوعة على سارية الزمان.
.
لعلها كانت عجلة التاريخ
رموهم بالرصاص
فمادت الارض وارتجت اركان السماء
وتحركت دعامة السقف واهتزت
المصابيح المدلاة منه..
كالحنجرة في بلعوم من غص بعبراته.
.
رموهم بالرصاص
اي حدث فذ ان يرى المرء
العجول والخراف معلقة في دكان..
الجزارساكنة لاتبدي حراكا..
وبدت كما لو كانت تنكس رؤوسها قليلا
لتنصت الى نهر عميق في جوف الارض
انصتوا!اسكتوا! لقد قتلوهم.
.
عددنا على الاصابع: بعد غد
نعم بعد غد سيحل شهر نيسان
وظننا: اننا سنجد كثيرا من الابر الذهبية
ولفائف الخيوط في سلة الربيع..
نرتق بها ضحكة الطفل ونزيل تجاعيد الام
ونرمم ساقا مكسورة وجمجمة مهشمة.
هكذا كان املنا
.
قلب مشتت- هنا الخبز والقبلة وهناك الواجب-
لمن واحدا سيصبح ذاك القلب. هكذا اعتقدنا‘
فبعد غد سيحل نيسان
وتحت اشجار السلام سيتبادل الناس التحية
خلال خيوط اشعة الشمس
ولسوف يسد النور براحة يده المبسوطة..
فوهة البندقية المنتصبة لتنخفض صوب ..
الارض ترسم دائرة صغيرة كالنقطة
تحيطها خطوط كثيرة-خطوط اشعة الشمس-
كالتي يرسمها الاطفال على الرمال
.
عددنا على الاصابع
بعد غد سيحل نيسان وعيد الفصح
ويتبادل الناس قبلات الحب
ام هم فقد رموهم بالرصاص .
.
لعلها كانت عجلة التاريخ‘
رموهم بالرصاص
فمادت الارض وارتجت اركان السماء
وتحركت دعامة السقف واهتزت
المصابيح المدلاة منه
مثل الحنجرة في بلعوم من غص بعبراته.
.
رموهم بالرصاص!
اي حدث ان يرى المرء
العجول والخراف معروضت في دكان..
الجزار لا تبدي حراكا..
بدت كما لو كانت منكسة رؤوسها قليلا
لتنصت الى نهر عميق في جوف الارض.
انصتوا‘ اسكتوا! لقد قتلوهم.
أولئك
أولئك الذين يختبئون خلفهم
هم من أحرق الأشجار
أحرقوا العصافير والأطفال
أحرقوا المياه
ما بين شتلة أرز مزهرة
وفراشة.
أولئك هم بالضبط، الذين يختبئون
خلفهم.
(2)
الثلاثة بأسرهم
ذاك الذي تراجع خطوتين الى الوراء
كي يشير الى المذنب
ذلك الآخر وضع يديه في جيبه
كي لا يشير الى المذنب
الثالث أغلق عينيه
كي لا يرى.
أعدموا رميا بالرصاص.
(3)
لا مفر منه
تكلمنا أم لم نتكلم – سيّان
الحطبة محروقة
الحطبة مشتعلة
زاوية الطاولة
الشمعة على المغسلة.
اغسل يديك.
الموت.
(4)
في المتحف
تسلل إلى داخل الخوذة الحديدية
في إحدى زوايا المتحف –
أكان ذلك للعراك؟
أم للاختباء؟
حان وقت الإقفال.
خشخش الحارس بمفاتيحه.
أغلق.
على الأقل، هل وافقت التماثيل؟
(5)
مقاومة
مع رجفة الجفن
مع إصبع العشب الصغيرة
مع الصمت مع الكلمة
مع السير مع الثبات.
خلف زجاج القطار
نظارتا المحسور النظر
سيجارة الحارس الليلي
الورقة تحت الباب
الحذاء السعال الإشارة
حتى النجمة
هذه النجمة الى جانب المدخنة
كيف يستطيعون المشاهدة والسير
في هذا السواد المعتم؟
(6)
تدريب
من جديد هذه الأشياء المنسية
المحتقرة
اللا – اعتراف
عدم إعلان النزاهة
اللسان المعضوض
حزة الظفر على الحائط
تنفس البيرق المخفي
تحت القميص
الذي – بعشق –
يحف طرف النهد.
أيها الانسان، من جديد
أنت الأكثر طردا
الأكثر التزاما
الأكثر وحدة.
أنت المسؤول،
أيها الانسان.
(7)
عبر شتى الوسائل
والحصان الخشبي
ذو العينين الزجاجيتين
وظله عل الحائط.
نعم هذا أيضا.
ثمة صراخ في الأسفل على المرفأ.
قطعت الحبال.
تنساب مشاعل الزيت.
في مصباح السيارة
ظهر الرجل المقتول واقفا
والصليب على صدره
صليب صغير حديده أبيض.
(8)
العادل مع
في علبة الثقاب
نرد مصنوع من عظام.
لماذا تحركه؟ قال
3، 4
4،5
6 الموت.
أنظر جيدا الى هنا.
إننا رجال – قال.
يعني رجال مع رجال.
هذه " المع" تعني كلنا معا
ضد جميع أشكال الموت
جميع أشكال الشر.
إرم النرد الآن.
(9)
وضوح
لتسمّ الأسماء كما هي
قل فيت – نام
قل النفط
قل ياروس وليروس
قل ديونيزوس
ب – 52
البنتاغون
قيمة الأشياء العارية
الكلمات العارية
مصباح الشارع
ساعة المعصم
منتصف الليل
الوقت بالضبط
الهدف
بدقة.
(10)
تحضير
بطمأنينة بصمت بحذر
صابرا منتظرا
مستعدا
احفظ أسنانك نظيفة
أظافرك.
مسواكات ثلاثة في جيبك.
المنفضة. الكأس. التاريخ.
فكّر.
لا تتنازل عن الفكر.
لا تستند على:
"دائما كان الأمر على هذه الشكل
وسيكون كذلك دائما."
هنا حيث لن تنحني
ستنوجد
أنت نحن
أنت التاريخ.
(11)
ما من حجج
الموت
ليس عذرا
كي ترفض.
ولن تستطيع أن تتوسل
الى الليل
حيث لن ترى
كي لا تسير في النهار
حيث ترى.
على الشرفة المقابلة
أخرجت أصص الزهر
تسقى بالماء
صباح الخير أيها الجار.
(12)
لحظة الحقيقة
العديد من الأموات
أحياء
العديد من الأحياء
موتى
تجلس على الكرسي
تحصي أزرارك.
مع من أنت؟
ما أنت عليه؟
ماذا تفعل؟
(13)
صدق
بعناد بإرادة بالتزام
لأنك تحيا لأننا نحيا
نحن اليوم
الآخرون غدا.
لا تقل الأكاذيب.
لأننا نحيا.
فالشجرة خلف القضبان
الورقة الفنجان قاطعة الورق
مصافحة الأيدي الحلم
القصيدة.
(14)
كهذا الأمر
كيف إن لم ذلك؟
ليس الأسود.
كلا.
الألوان السبعة
الثمانية
التسعة
على زجاج النافذة
في الصباح حين يمر
بائعو الورد
بائعو الفاكهة
حين لا تريد الموت
رغم آلام الرأس
والتفاحة
تتدحرج – مقضومة –
على الرصيف الرطب
(15)
بصمت
غير لائقة هي الكلمة
الكلمة القادرة
في مدينة تسكت نفسها.
الطلقة السرية
من جدار إلى آخر
المبرد الصغير من أجل الندوب
نصف ابتسامة
مثيرة
الساعة الخطرة
الالتحام
المعرفة الكبيرة
اليقين.
ابق قربي.
لقد وهنت. لقد وهنا.
الخطأ المعترف به
ميثاق.
تفتح النافذة.
يدخل الهواء.
ترتجف الورقة.
(16)
تجمع
الأول الثاني
الثالث الرابع.
مئة. ألف.
وآخرون.
كم؟ متى؟
دائما.
في الصمت.
جد مقبض الباب.
افتح.
اخرج.
آه هذه الأرض
الإبريق المحطم
التمثال
بعد المطر.
هذه الأرض.
تعرفها.
مرحبا يا رفاق.
(17)
التقليد السيئ
أوتار مقطوعة
ليس لشدة الاتفاق
بل لشدة الخلاف.
الغيتار على السرير.
الكأس تحت السرير
مع أحذية.
الأول مقفول عليه في الجدار
الآخر في الحقيبة
الثالث في التابوت.
لم اعد احتمل – قال
رفع إصبعه الى عينه
كي يقلد
حركة أوديب
لا حركته الأخيرة
بل ما قبل الأخيرة.
(18)
كمال
عندما ننتقل
من الفضاء المستقيم
حتى النقاط البارزة
من السرير حتى الشارع
من التابوت حتى النافذة
آه من جديد
هذا الشق على الشفتين
الذي عبره يتسرب العالم
مقسوما
مستقيما بشكل آخر
هذا العالم الممسوك بالأرض
بواجهات محالة المتعددة الألوان المليئة
بالمكانس الكهربائية بالبرادات بالراديوهات
بالمقاعد الكهربائية والأعلام.
(19)
حـ – ر – ية
تقول مجددا الكلمة نفسها
الكلمة العارية
تلك
التي عشت من أجلها
والتي متّ من أجلها
التي انبعثت من أجلها
( كم من مرة؟)
الكلمة نفسها.
هكذا طيلة الليل
الليالي بأسرها
تحت الأحجار
لفظة بعد لفظة
مثل الحنفية التي تسيل
في حلم الظمآن
نقطة بعد نقطة
أيضا وأيضا
تحت الأحجار
الليالي بأسرها
كلمة تهجى على الأصابع
ببساطة
كما نقول أنا جائع
كما نقوا أنا أحبك
ببساطة شديدة
مثلما نستشق
أمام النافذة
حـ – ر- ية.
________________
تشكل القصائد التسع عشرة، التي تحمل عنوان "رؤية من الفضاء" الجزء الثالث من كتاب يحمل عنوانا رئيسيا، "غراغنده" كتبه يانيس ريتسوس في بداية السبعينيات، وقد تشكل من قصيدتين طويلتين، الأولى بعنوان "غراغنده"، والثانية بعنوان "الناقوس" أما الجزء الثالث فقد جاء عل
*
القمر داخل الغرفة
القمر فوق السرير
على الجسد العاري-
في القبو بالأسفل
خبطات معدنية
الحدّاد يسمّر
حديدا كله ذهب
على حصان أبيض
الحصان المجنّح
و أنت لا تكترثين حتى لمعرفة
إن كان بحديد ثقيل كهذا
سيتمكّن من الطيران مرة أخرى
أصابع القدم
قضبان
بين الأصابع الخمسة
أربعة فروج
عشرون و ستّة عشر-
قبل أن تتوصّل
إلى القيام بالجمع
منيّـك يرشّ
شفاه التمثال