هذا السؤال بسيط، إلا ان اغلب الناس الذين اختاروا لأنفسهم اجراء فحص لاختبار «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» (PSA) prostate-Specific antigen في الدم، بهدف التحقق من سرطان البروستاتا، لا يجدونه سهل الاجابة. وهذا يعود الى ان مستويات PSA، مثلها مثل أي وظيفة بيولوجية، غالبا ما تتعرض للتغيرات.
وما دامت كل خلايا البروستاتا، الحميدة منها والخبيثة، تفرز البروتين المثير للجدل، فإن تلك التغيرات لا تمت بصلة الى سرطان البروستاتا. والآن تسلط دراسة جديدة الضوء بشكل مدهش على سبب لم يتعرض له احد للتغيرات الحاصلة في PSA.
ان التغيرات القصيرة المدى في PSA معروفة جيدا. فالتهاب البروستاتا وعدوى الجهاز البولي، ترفعان من PSA، الى مستويات عالية جدا. وهذا الامر ينطبق ايضا على التلاعب الطبي الذي يؤثر في هذه الغدة، ويشمل ذلك، استخلاص خزعة من البروستاتا، او وضع قسطرة فولي Foley Catheter في المثانة.
كما ان الفحص الشرجي المسمى الفحص المستقيمي الاصبعي (Digital Rectal Exam (DRE الذي يجريه الطبيب، هو تلاعب طبي بتقنية غير عالية، وتفترض بعض الدراسات ان بإمكانه ان يرفع بشكل مؤقت، مستويات PSA في الدم، فيما لا تقوم بذلك فحوص اخرى. كما ان بإمكان سلوك الرجل ان يولد تغيرات قصيرة المدى لمستويات PSA. فعلى سبيل المثال، فإن تشغيل البروستاتا قد يرفع من قراءة PSA وعندما يرفع القذف نتائج PSA، فإن تلك التأثيرات تتواصل لمدة 48 ساعة، ولهذا بالذات يوصي الكثير من الاطباء بعدم ممارسة الرجال للجنس لعدة ايام قبل اخذ عينة من دمهم بهدف اجراء الاختبار. وعلى نفس المنوال، فإن المجهود البدني الشديد والرياضة على دراجة رياضية ساكنة، قد يولدان ارتفاعا كبيرا مؤقتا في PSA.
كما يمكن ان تفسر العوامل التقنية ايضا التغير في PSA على المدى القصير. فحتى افضل المختبرات قد تقدم نتائج مختلفة عندما تختبر نفس العينة من الدم مرتين، إلا هذه الاختلافات تكون طفيفة في العادة. ومع ذلك، فإنه إن حدث وان استخدمت طرق مختلفة في عدد من المختبرات، فقد تظهر نتائج متفاوتة.
ان نتائج التغيرات بعيدة المدى في PSA، شائعة كذلك. والعامل المهم هنا هو العمر: فمع السنين يظهر لدى اكثر الرجال تضخم البروستاتا الحميد Benign Prostatic Hyperplasia (BPH)، ومع تضخم البروستاتا فان PSA يزداد. والرجال الذين يتناولون Finasteride (Proscar)، او Dutasteride (Avodart) لعلاج هذه الحالة، تقل لديهم مستويات PSA بنحو 50%، بعد تقلص البروستاتا. وبالعكس، فإن العلاج بالتيستوستيرون، يتوقع ان يرفع مستويات PSA، لان خلايا البروستاتا تزداد كبرا.
واضافة الى التغيرات التي يمكن رصد اسبابها، فإن التغيرات في PSA يمكن ان تأخذ في الظهور من دون أي تفسيرات واضحة. وعلى سبيل المثال فان تحليلا اجري عام 2024 لـ 12 من الدراسات السابقة، وجد ان فحوص PSA المتكررة تختلف بنحو 20 في المائة لدى الرجال الذين تزيد اعمارهم على 50 عاما.
وبالمثل فقد كشفت دراسة لـ 972 رجلا اجريت لكل منهم 5 فحوص على PSA خلال فترة 4 اعوام، ان نسبة كبيرة من الرجال الذين رصدت نتائجهم زيادة غير اعتيادية في PSA في احد الفحوص، سجلت لديهم مستويات طبيعية في واحد او اكثر من الاختبارات الاخرى.
وبالاضافة الى ذلك فقد وجدت دراسة على 295 شخصا اجروا فحصين على PSA خلال 90 يوما، ان النتائج المتتالية اختلفت بمقدار 1 نانوغرام لكل ملليليتر (ng/mL) لثلث الرجال.
وعندما تبدو قراءات PSA وكأنها تتجه نحو الارتفاع، فإن على المريض والطبيب ان يفكرا في كل الاسباب المحتملة لهذه التغيرات. ويعرض تقرير جديد من اوروبا تفسيرات محتملة للتغيرات الحاصلة في مستويات PSA.
من جائزة نوبل الى سياسات الرئيس، احتلت التغيرات المناخية صدارة الانباء. حتى آل غور (نائب الرئيس الاميركي السابق بيل كلنتون)، قد يندهش من ان المناخ قد يؤثر في مستويات PSA لدى الرجل.
وقد رصدت نتائج PSA لدى 8644 رجلا ضمن «دراسة رصد سرطان البروستاتا العشوائية الاوروبية» European Randomized Study of Screening for Prostate Cancer (ERSPC). وكانت اعمار المشاركين تتراوح بين 55 و70 سنة، وكانوا يعيشون في منطقتين في فرنسا، احداهما ريفية والاخرى شبه حضرية. وتوافرت بيانات عن الانواء الجوية في كلتا المنطقتين، الامر الذي سمح للباحثين بتقييم تأثير المناخ على مستويات PSA.
وكانت المنطقتان ذاتي مناخ معتدل، وكانت مستويات PSA مستقرة اثناء الخريف والشتاء والربيع. الا ان الصيف كان قضية اخرى: فقد كان متوسط مستويات PSA اعلى بنحو 0.5 نانوغرام/ ملليلتر، مقارنة بالفصول الاخرى وهذا ما شكل زيادة فصلية بنسبة 20%، أي انها كافية لزيادة بنسبة 23% لاحتمال ارسال الرجال الى العيادات بهدف استخلاص خزعة من البروستاتا.
ورغم ان العلماء الفرنسيين لم يكونوا متأكدين من كيفية تأثير المناخ في مستويات PSA ، فإنهم يعتقدون ان التعرض للشمس هو العنصر الأهم اكثر من تأثير درجة الحرارة. وبالنتيجة فإنهم يخمنون ان الزيادة الموسمية في فيتامين «دي» يمكنها ان تؤثر في نشاط خلايا البروستاتا.
وما دامت انسجة البروستاتا ترتبط مع الميلاتونين Melatonin اضافة الى ارتباطها بفيتامين «دي»، فان المستويات الصيفية لـ «هرمون الظلام» الذي يساعد على تنظيم النوم، يمكن ان تشكل عاملا آخر.
والتفسيرات المحتملة الاخرى، تشمل الزيادة الصيفية في مستويات التيستوستيرون او النشاط الجنسي. كما ان درجات الحرارة الاكثر دفئا، وزيادة الرياضة خارج المنزل، قد تقودان ايضا الى حصول بعض درجات الجفاف، الذي يؤثر في فحوص الدم.
وينبغي اجراء المزيد من الابحاث لتأكيد نتائج دراسة ERSPC، والتدقيق في كيفية تأثير المناخ في البروستاتا. وقد لا تكون هذه القضية ساخنة لدى العلماء، الا انها قد تكون مهمة للرجال الذين ترتفع مستويات PSA لديهم في الصيف.