إن مفهوم و أثر التحويل أو النقلة يظهر بشكل واضح في مجمل العلاقات الوجدانية و لذا علينا أن نفهم خاصيته جيدا للوصول لتوظيف حسن له في المسيرة العلاجية …فالكثير منا في علاقته مع المريض النفسي سمع على الأقل جملة: (عندما أتي إليك حضرة الدكتور أحس أنني أمام صورة أبي… أو عندما تتكلمين دكتورة أحس كأنك أمي… أو أنا أرى فيك صورة زوجي أو فيك صورة زوجتي…الخ)
فعندما نسمع هذه الجملة أو ما شابه لها يجب علينا أن ندرك أننا وصلنا إلى أهم خطوة في المسيرة العلاجية ألا و هي النقلة أو التحويل.
و يلعب التحويل دورا بالغ الأهمية في العلاج النفسي فهو دليل على قدرة المعالج على الولوج إلى أعمق مشاعر العميل .و من هنا يستطيع تحقيق الهدف النهائي للمسيرة العلاجية المتمثل في عقلنة و القضاء على الصراع النفسي الداخلي.
و منذ عهد سغموند فرويد وتياره التحليل النفسي وصولا لكارل يونغ و علم النفس التحليلي كان استعمال مصطلح التحويل بالغ الأهمية فكان يدل على وجود نوع من الاضطراب العلائقي للشخوص سواء كان على المستوى الشخصي أو العائلي أو المهني… و كان دليلا لا يقبل الدحض لاضطرابات العصابية أين كان العميل يدخل في نوع من التداخل العلائقي يظهر في شكل توظيف لطابع الطفولي البدائي مع المعالج..
و الغريب في الأمر أن الكثير من معالجينا اليوم يشتكون من التحويل بدعوى أنه يسبب لهم مشاكل جمة فنسمع من أحد قائلا ( تلك المريضة تلاحقني أينما ذهبت ) و آخر يقول ( إنه يحملني ذنب أباه الذي لم أقترفه) …الخ من الأمثلة.. و هذا كله دون العلم بأن التحويل هو أساس العلاج فبدونه لا يمكن للمعالج أن يوجد صدى للوسائل العلاجية التي يستعمله و خاصة إذا تعلق الأمر باضطرابات عصابية صعبة مثل الوسواس القهري أو الهستيريا هذه الأخيرة التي نجد أن التحويل من أهم الميكانزمات الدفاعية التي تستعملها و سواء كان ايجابيا أو سلبيا فالمهم أنه يساهم بصفة أساسية في العلاجها. لذا علينا أن ندرك ما هو التحويل و كيف يتم و ما هي أهم أنواعه.
1- التحويل:
هو آلية دفاعية و عملية نفسية تكون نتيجة لميكانيزم أساسي ألا و هو الإسقاط و تجدر الإشارة إلى أنهما -أ ي الإسقاط و التحويل- لا يعتبران متناقضان بل هما مكملان لبعضهما البعض .فالتحويل هو الرابط و الدلالة الواضحة لوجود لاواعي و مشكل داخلي قد يكون غير ظاهر بصفة كاملة و الاسقاط هو تظاهر أو خروج لهذا الوجود اللاواعي. فحسب فرويد هو نتاج لرغبة غير مقبولة أثناء مراحل الطفولة الأولى وتكون تجاه أحد الأشخاص المقربين جدا من العميل ثم ينتقل هذا الشعور إلى المعالج و هذا بحسب قدرته و إمكاناته . و حسب يونغ هو آلية تكون في مختلف الوضعيات العلائقية إلا أنها تأخذ معنى عاطفي عندما يتعلق الأمر بالعلاقة معالج / عميل… و حسبه دائما التحويل يكون في كل مراحل المسيرة العلاجية و سواء كان ايجابيا أو سلبيا فهو مهم .و أيضا قد يكون نوع من أنواع المقاومة لدى العميل فبدل أن يحاول مواجهة الذكريات الطفولية المحبطة يقوم بإعادة معايشتها مرة أخرى مع المعالج فتكون بالتالي استجابة عاطفية أكثر منها إعادة تكوين علائقي.
و لذا علينا أن نميز بين أنواع التحويل الأولية فنقسمه إلى نوعين أيجابي و هنا يكون بنقل مشاعر الحب و الاعجاب و حتى الاغراء إلى شخص العميل. و نوع ثاني سلبي و هنا يكون في شكل مشاعر الكره و المقت و الاحباط للمعالج دائما .هذا بخوصوص التحويل الأولي الذي هو اول شكل أو نوع من انواع التحويل.
2-التحويل المضاد:
و هو ثاني انواع التحويل من حيث الترتيب فبعد أن عاش العميل التحويل الأول سواء كان ايجابي أو سلبي .يمر إلى التحويل المضاد و هو التحويل الذي يقوم به المعالج و يكون في شكل استجابة لاواعية من المعالج أو المحلل تجاه العميل .و هما يؤكد فرويد على تأثير الذاتية الخالصة للمعالج فالكثير من المعالجين يظهرون تركيباتهم النفسية الذاتية و قد تكون في شكل مقاومة وذاتية للمعالج تجاه عميله . و حسب يونغ هي عملية تمكن المعالج من وضع إطار علائقي يلعب دور هام في باقي المسيرة العلاجية .
التحويل العلاجي:
هذا آخر أنواع لتحويلات و هو دليل على فعالية المعالج و قدرته على التحكم في العلاقة القائمة بيته و بين العميل . فيضعه في الإطار المنوط به و يقوم بعقلنة كل انفعالاته و يستطيع معه الوصول إلى توظيف سوى لكل الرغبات المكبوتة الطفولية التي كانت سبب في المشكل النفسي. و بالرغم من صعوبة تحقيق التحويل العلاجي إلا أنه ممكن جدا في ضل تكوين جيد للمعالج و فهم واضح للخصائص النفسية الشعورية و اللاشعورية للعميل. و إن كان التحويل السلبي صعب العلاج لذا ينصح بتحويل العميل إلى معالج آخر أو معالجة باختلاف الوضع فالتحويل الايجابي على العكس منه يكون ذو نتيجة باهرة في العلاج النفسي.
تحياتي
أسيــــر الروح
مهم لاني من طلاب علم النفس المستوى الثالث