تتكاثر القضايا الساخنة في منطقتنا العربية، واحدة بعد الأخرى، منها ما هو قديم، ومنها ما يتخلق بشكل مستمر من (دارفور) الى الصومال، الى العراق، حتى باتت حالة التشظي في وطننا العربي الكبير ماثلة أمام الجميع، ويساعدها جو حكومي متراخي مهزوز، وجو أيديولوجي بين النخب، يقود الى مساجلات بين التيارات الوطنية، تصبح في النهاية تلك المساجلات وكأنها هدفا بحد ذاتها، فعندما تلتقي القوى الماركسية مع القوى ذات الطابع الديني الإسلامي، في إنكار هوية الأمة القومية، فتغض النظر عن الأطماع الفارسية والتركية، بحجة مشاركة تلك الدولتين العرب في دينهم، وتغض النظر عن قضية العرب الكبرى (فلسطين) بحجة التسليم للواقع القطري، لتستمر نكبة الفلسطينيين تحت عباءة الأممية، وتتصرف بها في النهاية نخب قطرية أسيرة لألاعيب الاحتلال الصهيوني المدعوم إمبرياليا .. ومن بين تلك القضايا المقلقة لواقع أمتنا (قضية لواء الإسكندرونة) ..
مقدمة جغرافية وتاريخية :
يقع لواء الإسكندرونة في الزاوية الشمالية الغربية من سوريا. ويعد المنفذ البحري(تاريخيا) لمدينة حلب ومنطقتها، حيث كان اللواء في العهد العثماني أحد أقضية حلب.. ويضم في مساحته البالغة 4800كم2 مجموعة من المدن المعروفة، منها (أنطاكية، وبيلان، و قرق خان، و الريحانية، و أرسوز، والسويدية، وكساب، و البركة، والأوردي، و الصاو، وقلوق، و بلياس (جبل موسى) ..
وقد بلغ عدد سكان اللواء قبل اقتطاعه من سوريا، 220ألف نسمة .. كان العرب منهم 105آلاف، والأتراك 85ألف، والأرمن 25ألف والأكراد 5آلاف .. ولو علمنا أن نسبة الأتراك كانت لا تتعدى 29% عام 1921، وأن الأرمن تم إبعادهم من شرق الأناضول عام 1916 الى كل من الإسكندرونة والموصل في العراق.. لأدركنا على الفور أن هذا الإقليم عربي بهويته وسكانه وتاريخه ..
ويتمتع اللواء بطبيعة خلابة حباه الله عز وجل بها، وسهول ساحلية خصبة، ويحاذي سلسلة جبال (الأمانوس) التي تعطيه ميزة سياحية فريدة ..
مقدمة تاريخية :
مثلت جبال (طوروس) الحد الفاصل بين أرض العرب وجيرانهم الشماليين، حتى قبل أن يستولي العثمانيون على تركيا .. فقد وقفت الجيوش العربية في تحريرها أرض العرب من الروم عند حافة جبال طوروس لتوافق ذلك مع النظرة التاريخية بأن تلك الأرض عربية وكان ذلك في السنة 16هـ .. لتصبح الأرض التي شمال تلك النقطة للروم والتي جنوبها للعرب ..
وعندما نقول توافق تصرفهم هذا مع النظرة التاريخية المعروفة، فإننا نستذكر ما أنشده الشاعر العربي المعروف (امرؤ القيس ) وهو في طريقه الى القسطنطينية يطلب نصرة ملك الروم لاستعادة ملكه على مملكة (كندة) العربية التي فقد ملكها، فلما وصل منطقة (الدرب) وهو الاسم الذي كان يطلقه العرب على جبال طوروس أنشد يقول :
بكى صاحبي لما رأى (الدرب) دونه …
…………. وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له : لا تبك عينيك أننا
……. نحاول ملكا أو نموت فنعذرا *1
وقد اتفق المؤرخون أن كل المنطقة التي جنوب جبال طوروس وهي ولاية (أدنة)*2 قد خضعت تاريخيا لحكم عربي، وتقسم الى قسمين: الغربي والذي ضم إضافة لما قلنا مدن (مرسين و طرسوس*3) ومرعش و عينتاب والإسكندرونة.. أما القسم الشرقي فضم ولاية (ديار بكر) والمدن التابعة لها: ماردين، ونصيبين وآورفة، وحران *4 و ميافارقين*5
وسكان تلك المناطق (قديما) يرجعون الى قبائل بكر و تغلب، حتى قبل الإسلام، ويعرفون بفصاحة لسانهم ( منهم الشاعر المعاصر المشهور سليمان العيسى )، وقد اتخذ العرب بعد الإسلام تلك المناطق قواعد عسكرية للدفاع عن الثغور، ومطاردة المعتدين .. أي أن العرب سبقوا الأتراك بقرون طويلة في توطن تلك المناطق ..
وقد وضع لواء الإسكندرونة في معاهدة (سايكس ـ بيكو) ضمن المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي .. أي أعتبرت تلقائيا مع سوريا ..