تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأندلسي القتيل . جارسيا لوركا

الأندلسي القتيل . جارسيا لوركا 2024.

فدريكو جارسيا لوركا (بالإسبانية: Federico García Lorca)
(و. 5 يونيو189819 أغسطس1936)

كان شاعرا إسباني معاصرا. بالإضافة إلى الشعر كان رساما وعازف بيانو ومؤلفا موسيقيا. كان أحد أفراد ما عرف باسم الجيل ’27. اغتيل من قبل الثوار الوطنيين وهو في الثامنة والثلاثين من عمره في بدايات الحرب الأهلية الإسبانية. يعده البعض أحد أهم أدباء القرن العشرين.

ولد فيدريكو غارسيا لوركا في الخامس من حزيران 1898 لوالدين إسبانيين في منطقة فيونيت فاغودس في غرناطة، كان والده مزارعاً ثرياً، وأمه معلمة، أخذت على عاتقها تعليمه النطق والكلام، لأنه وجد فيهما صعوبة في أول حياته، كما أنه لم يستطع المشي حتى الرابعة من عمره بسبب مرض خطير أصابه عقب الولادة، وكان من عدم استطاعته مشاركة الصغار ألعابهم أن نمت قواه التخيلية وأحاسيسه، فراح يعبر عن نفسه بصنع عالم خاص به من المسرح ومسرح العرائس والاستعراضات، ويُسقط على دُماه شخصيات خدم الأسرة المسنين وإخوته الصغار. كان أول ما اشتراه بما اقتصده من النقود مسرحاً للعرائس في غرناطة، ولم يعق فيدريكو الصغير عدم وجود مسرحيات مطبوعة مع المسرح المشترى فأخذ يكتب مسرحياته الخاصة. ومنذ ذلك الوقت لازمه الشغف بالمسرح الذي قدر أن يكون الجزء الهام من عمله، كما استطاع أن يدندن الألحان الشائعة قبل أن يحسن النطق، وأخذ عن الخدم المسنين الحكايا والأغاني الشعبية. ويتحدث جيلر مودي تورا عن تمثُّل لوركا للأغاني الشعبية وإعادة خلقها قائلاً: (إنه يغنيها، يحلم بها ويعيد كشفها، وبكلمة واحدة يحيلها إلى شعر).

في الوقت الذي لا بد فيه من إلحاق فيدريكو بالمدرسة انتقلت الأسرة إلى غرناطة، وهناك تلقى ما يتلقاه أترابه الذين في مستواه الاجتماعي من الثقافة العادية حتى بلغ سن الجامعة، فبدأ دراسته الجامعية في جامعة غرناطة دون أن يتمها. ثم التحق فيما بعد بجامعة مدريد ولكنه لم ينجز دراسته فيها أيضاً، إذ لم يكن ميالاً إلى الدراسات الأكاديمية أبداً. وكانت اهتماماته متجهة دائماً إلى خارج مدرجات الجامعة، وقد وجد نفسه أسعد حالاً في المقاهي وأحاديث الأصدقاء والتجوال في ريف غرناطة أو بساتينها القريبة وفي الكشف عن العديد من الثقافات والتقاليد التي كونت إقليم الأندلس العريق، وفي التعرف على الغجر الذين قدر لهم أن يكونوا الموضوع الهام الذي يستوحي منه أعظم أعماله.

أثناء إقامة لوركا في غرناطة طبع أول كتاب نثري له (انطباعات ومناظر) عام 1918 وهو حصيلة عديد من الرحلات في إسبانيا.

ثم بدأ التجوال بين غرناطة ومدريد. وخلال عشر سنوات تعرف على أصدقاء أصبحوا من المشاهير وملأ ذكرهم الآفاق، منهم سلفادور دالي، ألكسندر دانييل ألبرت، ولويس جونيك، وبابلو نيرودا. ـ طبع أول ديوان شعر له (كتاب الأشعار) عام 1921 دون أن يثير كثيراً من الانتباه في غير وسطه، ولكن لوركا على كل حال كان كثير الإعراض عن النشر وكان على أصدقائه الأدباء أن يقوموا بالعديد من المحاولات ليحتالوا للفوز بإحدى قصائده لنشرها في دورياتهم. ومع أنه لم ينقطع عن نظم الشعر فإن ديوانه (أغان) لم يظهر حتى عام 1927 غير أنه استطاع بما له من قوة الشخصية أن يؤثر في الشعراء الآخرين من قبل أن تظهر أعماله الهامة. إذ كان يفضل أن ينشد أشعاره، لأنه يعتقد، ويذكر ذلك في مقالته عن الروح المبدعة: (أن الشعر بحاجة إلى ناقل.. إلى كائن حي). وفي تلاوته لهذه الأشعار امتحن قدرة شعره على التأثير أكثر من مطبوعاته. وكيما نفهم شخصيته المبدعة وسحرها يحسن أن نذكر بعض ما قاله معاصروه.

كتب رافائيل ألبرتي: (كان لوركا يتدفق بشحنة من الرقة الكهربائية والفتنة، ويلف مستمعيه بجو أخاذ من السحر، فيأسرهم حين يتحدث أو ينشد الشعر أو يرتجل مشهداً مسرحياً أو يغني أو يعزف على البيانو..). وحتى الشاعر بدور ساليناس الذي يسبقه بسبع سنوات، يقول فيه: (لقد كان العيد والبهجة، يشع علينا وليس لنا إلا أن نتبعه). وفي عام 1920 عُرض فصل من مسرحية له (رقية الفراشة المشؤومة) في مدريد، وأما أولى مغامراته المسرحية الناجحة فكانت المسرحية النثرية التاريخية (ماريانا بنيدا) التي قدمت في مدريد عام 1927، وشهد العام التالي ظهور أكثر دواوين لوركا شعبية (حكايا غجرية) الذي لاقى نجاحاً مباشراً في أسبانيا وفي جميع البلاد الناطقة بالإسبانية، إذ إنه لم يكن يكتب كغالبية شعراء عصره للخاصة، بل كان يقول: (أريد للصور التي أستمدها من شخصياتي أن تفهمها تلك الشخصيات نفسها)، فقد فُطر على الرغبة في أن يفهمه كل إنسان ويحبه كل إنسان من خلال شعره، وهذا ما حققه بلا ريب، فحتى الذين ليس لهم ميول أدبية يفهمونه وإن لم يفهموا تمام الفهم، فهم على الأقل يحسّون ما يقوله الشاعر.

بعد ذلك سنحت لـ فيدريكو فرصة الارتحال إلى الولايات المتحدة، فوصل إلى نيويورك عام 1929، وأصيب بخيبة أمل من الحضارة الأمريكية المختلفة تماماً عن الحضارة الإسبانية، ليعود بعدها إلى الوطن ويصدر مجموعته الشعرية (شاعر في نيويورك) التي ألبسته ثوباً مغايراً لرجل اختلفت اهتماماته وتفكيراته، وقد تسلم عام 1931 جوقة مسرح باركا، ثم شارك في احتفالات الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية. وفي عام 1933 عرض مسرحيته (بوداس دي سانجز) وهي حكاية ريفية، وضع فيها كل ما عاناه خلال تلك الفترة.

وبالرغم من أنه كان مقلاً بكتابته للمسرح. لكن ما كتبه من مسرحيات، مكنته من بلوغ سلم الشهرة وجعلته من أفضل كتاب المسرح بإسبانيا. ومن مسرحياته أيضاً، مسرحية (برنارد ألبا) التي نشرت وعرضت بعد وفاته، وهي مسرحية واقعية، عنيفة، كان قد كتب معظمها نثراً. ومع مرور الزمن أخذ لوركا بالتغير وتفهُّم الحياة أكثر، وأصبح ينظر إليها من منظار الحقيقة الحية: (في هذا الزمن المأسوي في العالم، يجب على الفنان أن يُضحك ويُبكي جمهوره، ويجب أن يترك الزنبق الأبيض مغموراً حتى وسطه بالوحل وذلك لمساندة الذين يبحثون عنه).

هذه التعرية الكاملة للزمن النابعة من شاعريته، المتوقدة، المنتفضة جعلته يسافر من مدريد إلى غرناطة التي تغلي سياسياً بحدوث انتفاضة.. ومع وصوله إليها اندلعت النيران العنيفة واعتقل صهر لوركا، محافظ مدينة غرناطة وعدد من أقربائه الاشتراكيين، لأنهم أيدوا الانتفاضة. في هذه الفترة كان لوركا في منزله بـ (سان نينسيت) وقد فُتِّش أكثر من مرة ولم يعثر على شيء ضده، رغم أنه عُنّف وضُرب أثناء التفتيش وقد أبعدته أسرته إلى منزل الشاعر (روزال) ربيب الأسرة الحاكمة الكتائبية المناهضة التي كان لها دور فعال في غرناطة. وكان لوركا يلتقي بالكثير من المناهضين ويتحدث إليهم. وفي تموز 1936 أُعدم لوركا رمياً بالرصاص. كانت التهمة الموجهة إليه (أنه مثقف.. صنع بكتبه ما لم تصنعه المسدسات). وكما قال بابلو نيرودا الشاعر التشيلي الشهير: (إن الذين أرادوا بإطلاقهم النار عليه أن يصيبوا قلب شعبه، لم يخطئوا الاختيار). وهكذا أُسدل الستار على مسرح حياة الشاعر الإسباني (فيدريكو غارثيا لوركا) إثر مقتله بيد عصبة مجهولة في الأيام الأولى من الحرب الأهلية، وقد جرى إعدامه كما يظن في فيثنار، على التلال القريبة من غرناطة. ولكن جسده (كما كان قد تنبأ) لم يعثر عليه: (وعرفت أنني قتلت وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس فتحوا البراميل والخزائن سرقوا ثلاث جثثٍ ونزعوا أسنانها الذهبية ولكنهم لم يجدوني قط) فعلاً لم يجدوك أيها العندليب، لأن صوتك المغني للحرية كان يزهر في السماء. سحرالكلمات

بانوراما عمياء فوق نيويورك

إذا لم تكنْ هي الطيور
مغطاة بالرماد
إذا لم تكنْ التأوهاتِ التي تقرعُ نافذةَ العُرس
فهذه هي مخلوقاتُ الهواء الرقيقة
التي تجعل الدمَ الجديد يفيض في الظلام اللانهائي.
لكنْ لا، ليست هذه طيوراً
لأنَّ الطيورَ ستصبح حالاً ثيراناً.
بمساعدة القمر يمكنُ لها أنْ تصبحَ مرتفعاتٍ بيضاً
وهي دائماً صبيانٌ مصابون
منْ قبل أنْ يرتقيَ القضاةُ المنصة.
الكلُ يشعرُ بالألم المتوحد مع الموت
لكنَّ الألمَ الحقيقيَ ليسَ حاضراً في النفس.
ليس موجوداً في الهواء، ولا في حياتنا
ولا في هذه الشرفات المليئة بالدخان.
الألم الحقيقي هو الذي يُبقي الأشياءَ يقظةً
هو جرح الحريق الصغير المؤلم اللانهائي
في العيون البريئة لأنظمة الشمس الأخرى.
بدلةٌ مهجورة تضيق على الأكتاف لدرجة
أنَّ السماء غالباً ما تجمع البدلات في أكداس غير مستوية،
والذين يموتون حين يولدون، يعرفون في اللحظة الأخيرة
بأنَّ كلَ الأصوات تتحجَّرُ وكلُ الآثار تصبحُ نبضاتِ قلوبٍ
نحن لا ندري بأنَّ الأفكارَ لها ضواحٍ
حيث الفيلسوفُ يؤكلُ ويُشربُ
من الصينين وعبيد الفراشات
وفي المطابخ عدد من الأطفال الأغبياء
عثروا على طيورٍ من السنونو بعكازاتٍ
وهي التي عرفت كيف ينطق الانسان كلمةَ: حب.
لا، لا، ليست هي الطيور.
ليس طائراً يُعبِّرُ عن الحمى الشديدة للبحيرة المتصلة بالبحر
أو الاشتياق الى قتلٍ يُثقلُ كاهلنا كلَ لحظةٍ
أو ضجة الانتحار المعدني التي تمنحنا القوةَ كلَ فجر
إنها كبسولة بالهواء حيث كلُ العالم يتألمُ في داخلنا
إنهُ فراغٌ قليل حيٌّ في التناغم المجنون مع الضوء
إنه طابقٌ صعبٌ تحديده حيث الغيوم والزهور تنسى
الصراخ الصيني الذي يغلي عند مكان الدم الزائد.
لقد تهتُ عدة مراتٍ
حين رغبتُ في أنْ أجدَ الجرحَ الذي يُبقي الأشياء يقظةً
لكنني وجدت فقط بحارةً معلقين على الأسيجة
ومخلوقات صغيرة من السماء، مدفونةً تحت الثلج.
لكن الألم الحقيقي كان موجوداً على الساحة الثانية
حيث الأسماكُ الكريستالية قد ماتتْ بين سيقان الأشجار
ساحة السماء الغريبة تحمل التماثيل الهَرِمة السليمة
وجوار البراكين المؤلم.
لا ألمَ في الصوت، هنا توجد الكرة الأرضيةُ فقط.
الكرة الأرضية ببواباتها الأبدية
التي تقود باتجاهِ احمرار الثِمار.

الفجـر

للفجر في نيويورك
أربعة أعمدةٍ منْ وحلٍ
وإعصارٌ منْ حمامٍ أسود
منتشر في الماء العفن.
الفجرُ في نيويوركَ يتأوهُ
على امتداد الطوابق اللانهائية
ويبحث بين الخطوط
عن زنابق من اكتئابٍ مرسوم.
الفجر يبزغ ولا أحدَ يستقبله في فمهِ
لأنه لا يوجد صباحٌ ولا أيُّ أملٍ محتمل.
أحياناً يُخترَقُ ويُؤكلُ ويُشربُ أطفالٌ مشردون
منْ سيل العملات المعدنية المنهالة.
الأوائل الذين يخرجون يفهمون حتى النخاع
بأنه لن يصبح هذا لا فردوساً ولا حباً مُحرَّماً.
هم يعرفون بانهم سيتحولون إلى وحلٍ من الأرقام والقوانين
إلى لعبةٍ بلا شكل، وإلى مجهوداتٍ غير مجدية.
النور مدفون بين السلاسل والضجيج
في تحدٍ صفيق من عِلمِ بلا جذور.
في الحي أناسٌ يترنحون من الأرق
كما لو أنهم قد عاشوا تواً حالة جلطة دموية.

برلمانُ جرادٍ نطّاطٍ موجودٌ في الحقل .
ما ذا تقول ، يا ماركوس أوريليوسْ،
في فلاسفة السّهول الهَـرِمين هؤلاء؟
إن تفكيرك مليء من الضَّحالة !

مياه النهر تتحرّك ببطء .
أه يا سُقراط! ما الذي ترى
في ماء يجري نحو موته المرير؟
إنَّ اعتقادك ملؤه افتقار وبائس!

أوراق الورود تسّاقـطُ في الوحـل .
آه أيّها العزيز سانت جون !

ما الذي ترى في هذه البَـتَـلاتِ الفتّـانة ؟
إن قلبك لصغير جدّاً !

الحضور الرهيب

أريدُ الماءَ محمولاً من مرقدِه.
أريدُ الريحَ متروكةً دون أنهار.
أريد الليلَ مطروحاً بلا عيون
وقلبي دونَ زهرةِ الذهب.
وأريد أن يتحدثَ الثورُ مع الأغصان
وأريد أن تتخلصَ الدودةً من الظلال.
وأريد أن تلمع أسنانُ الجماجم
وأريد أن يتغلغلَ الأصفرُ في الحرير.
أستطيع أن أرى مبارزةَ الليلِ الجريح
متلوياً في نزالِه مع النهار.
أنا أقاوم حلولَ السمِ الأخضر
والأقواس المكسورة حيث يعاني الوقت.
لكن لا تغمرني بنور جسدك العاري
كما لوِ الصبّار الأسود فتحَ الخيزران.
دعنى في حسراتِ الكواكبِ المظلمة
لكن لا تريني خصرك البردان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.