تأليف
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)
( للإستماع لشرح عقيدة أهل السنه بصوت الشيخ ابن عثيمين "رحمه الله" اذهب هنا )
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديـم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعت على العقيدة القيّمة الموجزة، التي جمعها أخونا العلامة فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين، وسمعتها كلها، فألفيتها مشتملة على بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في باب: توحيد الله وأسمائه وصفاته، وفي أبواب: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. وقد أجاد في جمعها وأفاد وذكـر فيها ما يحتاجه طالب العلم وكل مسلم في إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وقد ضمَّ إلى ذلك فوائد جمة تتعلّق بالعقيدة قد لاتوجد في كثير من الكتب المؤلفة في العقائد. فجزاه الله خيراً وزاده من العلم والهدى، ونفع بكتابه هذا وبسائر مؤلفاته، وجعلنا وإياه وسائر إخواننا من الهداة المهتدين، الدّاعين إلى الله على بصيرة، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى:
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (رحمه الله)
مفتي عام المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين، أما بعد:
فإن الله تعالى أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين وقدوة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، بيّن به وبما أنزل عليه من الكتاب والحكمة كل ما فيه صلاح العباد واستقامة أحوالهم في دينهم ودنياهم، من العقائد الصحيحة والأعمال القويمة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية، فترك صلى الله عليه وسلم أمّته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فسار على ذلك أمته الذين استجابوا لله ورسوله، وهم خيرة الخلق من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان، فقاموا بشريعته وتمسكوا بسنّته وعضّوا عليها بالنواجذ عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً، فصاروا هم الطائفة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك.
ونحن -ولله الحمد- على آثارهم سائرون وبسيرتهم المؤيّدة بالكتاب والسنّة مهتدون، نقول ذلك تحدُّثاً بنعمة الله تعالى وبياناً لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
ولأهمية هذا الموضوع وتفُّرق أهواء الخلق فيه، أحببت أن أكتب على سبيل الاختصار عقيدتنا، عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، سائلاً الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه موفقاً لمرضاته نافعاً لعباده.
عقيدتنا
عقيدتنا: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
فنؤمن بربوبية الله تعالى، أي بأنه الرب الخالق الملك المدبّر لجميع الأمور.
ونؤمن بأُلوهية الله تعالى، أي بأنه الإله الحق وكل معبود سواه باطل.
ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأن له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا.
ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، قال تعالى: ] رب السماوات والأرض وما بينهما فأعبده وأصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً [ [مريم: 65] .
ونؤمن بأنه ] الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم [ [البقرة: 255] .
ونؤمن بأنه ] هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (22) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم [ [الحشر: 22 – 24] .
ونؤمن بأن الله له ملك السماوات والأرض ] يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير [ [الشورى: 49، 50] .
ونؤمن بأنه ] ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11) له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم [ [الشورى: 11،12] .
ونؤمن بأنه ] وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين [ [هود: 6] .
ونؤمن بأنه ] وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [ [الأنعام: 59] .
ونؤمن بأن الله ] عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [ [لقمان: 34] .
ونؤمن بأن الله يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء ] وكلم الله موسى تكليماَ [ [النساء: 164] . ] ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه [ الأعراف: 143] . ] وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً [ [ مريم: 52] .
ونؤمن بأنه ] لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي [ [الكهف: 109] . ] ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم [ [لقمان: 27] .
ونؤمن بأن كلماته أتم الكلمات صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام وحسناً في الحديث، قال الله تعالى ] وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً [ [الأنعام: 115] . ] ومن أصدق من الله حديثاً [ [النساء: 87] .
ونؤمن بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى تكلم به حقاً وألقاه إلى جبريل فنزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ] قل نزله روح القدس من ربك بالحق [ [النحل: 102] . ] وأنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [ [الشعراء: 192 _ 195] .
ونؤمن بأن الله عز وجل عليّ على خلقه بذاته وصفاته لقوله تعالى: ] وهو العلي العظيم [ [البقرة: 255] . وقوله: ] وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير [ [الأنعام: 18] .
ونؤمن بأنه ] خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبّر الأمر [ [يونس: 3] . واستواؤه على العرش: علوه عليه بذاته علوَّاً خاصاً يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيته إلا هو.
ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه وهو على عرشه، يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبِّر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة، وإن كان فوقهم على عرشه حقيقة ] ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ [الشورى: 11] .
ولا نقول كما تقول الحلولية من الجهمية وغيرهم: إنه مع خلقه في الأرض. ونرى أن من قال ذلك فهو كافر أو ضال، لأنه وصف الله بما لا يليق به من النقائص.
ونؤمن بما أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
ونؤمن بأنه سبحانه وتعالى يأتي يوم المعاد للفصل بين العباد لقوله تعالى: ] كلا إذا دُكت الأرض دكاً دكا، وجاء ربك والملك صفاً صفا، وجيء يومئذ بجهنم يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [ [الفجر: 21 – 23] .
ونؤمن بأنه تعالى ] فعّال لما يريد [ [هود: 107] .
ونؤمن بأن إرادة الله تعالى نوعان: كونية يقع بها مراده ولا يلزم أن يكون محبوباً له، وهي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى ] ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [ [البقرة: 253] ، ] إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم [ [هود: 34] ، وشرعية لا يلزم بها وقوع المراد ولا يكون المراد فيها إلا محبوباً له، كقوله تعالى: ] والله يريد أن يتوب عليكم [ [النساء: 27] .
ونؤمن بأن مراده الكوني والشرعي تابع لحكمته، فكل ما قضاه كوناً أو تعبد به خلقه شرعاً فإنه لحكمة وعلى وفق الحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم أو تقاصرت عقولنا عن ذلك ] أليس الله بأحكم الحاكمين [ [التين: 8] . ] ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون [ [المائدة: 50] .
ونؤمن بأن الله تعالى يحب أولياءه وهم يحبونه ] قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [ [آل عمران: 31] . ] فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [ [المائدة: 54] ] والله يحب الصابرين [ [آل عمران: 146] ، ] وأقسطوا إن الله يحب المقسطين [ [الحجرات: 9] ] وأحسنوا والله يحب المحسنين [ [المائدة: 93] .
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى ما شرعه من الأعمال والأقوال ويكره ما نهى عنه منها ] إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم [ [الزمر: 7] ] ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين [ [التوبة: 46] .
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه [ [البينة: 8] .
ونؤمن بأن الله تعالى يغضب على من يستحق الغضب من الكافرين وغيرهم ] الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم [ [الفتح:6] . ] ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم [ [النحل: 106] .
ونؤمن بأن لله تعالى وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام ] ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ [الرحمن: 27] .
ونؤمن بأن لله تعالى يدين كريمتين عظيمتين ] بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء [ [المائدة: 64] ] وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [ [الزمر:67] .
ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين لقوله تعالى ] واصنع الفلك بأعيننا ووحينا [ [هود: 37] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور".
ونؤمن بأن الله تعالى ] لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير [ [الأنعام: 103] .
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة ] وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة [ [القيامة: 22، 23] .
ونؤمن بأن الله تعالى لا مثل له لكمال صفاته ] ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ [الشورى: 11] .
ونؤمن بأنه ] لا تأخذه سنة ولا نوم [ [البقرة: 255] لكمال حياته وقيوميته.
ونؤمن بأنه لا يظلم أحداً لكمال عدله، وبأنه ليس بغافل عن أعمال عباده لكمال رقابته وإحاطته.
ونؤمن بأنه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض لكمال علمه وقدرته ] إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون [ [يس: 82] ، وبأنه لا يلحقه تعب ولا إعياء لكمال قوته ] ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب [ [ق: 38] أي من تعب ولا إعياء.
ونؤمن بثبوت كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات لكننا نتبرأ من محذورين عظيمين هما: التمثيل: أن يقول بقلبه أو لسانه: صفات الله تعالى كصفات المخلوقين. والتكييف: أن يقول بقلبه أو لسانه: كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك النفي يتضمن إثباتاً صور كمال ضده، ونسكت عما سكت الله عنه ورسوله.
ونرى أن السير على هذا الطريق فرض لا بد منه، وذلك لأن ما أثبته الله لنفسه أو نفاه عنها سبحانه فهو خبر أخبر الله به عن نفسه وهو سبحانه أعلم بنفسه وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، والعباد لا يحيطون به علماً. وما أثبته له رسوله أو نفاه عنه فهو خبر أخبر به عنه، وهو أعلم الناس بربه وأنصح الخلق وأصدقهم وأفصحهم. ففي كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كمال العلم والصدق والبيان، فلا عذر في رده أو التردد في قبوله.
فصـل
وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلاً أو إجمالاً، إثباتاً أو نفياً، فإننا في ذلك على كتاب ربِّنا وسُنةِ نبينا معتمدون، وعلى ما سار عليه سلف الأُمة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسُنّة في ذلك على ظاهرها وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عزّ وجل، ونتبرَّأ من طريق المحرّفين لها الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله، ومن طريق المعطلين لها الذين عطلوها من مدلولها الذي أراده الله ورسوله، ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل أو تكلفوا لمدلولها التكييف.
ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سُنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقوله تعالى: ] أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً [ [النساء: 82] ، ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أدعى أن في كتاب الله تعالى أو في سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما تناقضاً فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه فليتب إلى الله ولينزع عن غيّه، ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما، فذلك إمّا لقلّة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه وليكفَّ عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم ] آمنا به كل من عند ربنا [ [آل عمران: 7] . وليعلم أن الكتاب والسُنَّة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف.
فصـل
ونؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم ] عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون [ [الأنبياء: 26، 27] . خلقهم الله تعالى فقاموا بعبادته وانقادوا لطاعته ] لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبّحون الليل والنهار لا يفترون [ [الأنبياء: 19، 20] .
حجبهم الله عنا فلا نراهم، وربما كشفهم لبعض عباده، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سدّ الأفق، وتمثل جبريل لمريم بشراً سوياً فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الصحابة بصورة رجل لا يُعرف ولا يُرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ووضع كفيه على فخذيه، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه جبريل.
ونؤمن بأن: للملائكة أعمالاً كلفوا بها: فمنهم جبريل الموكل بالوحي ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله، ومنهم ميكائيل الموكل بالمطر والنبات، ومنهم إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور، ومنهم ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح عند الموت، ومنهم ملك الجبال: الموكل بها، ومنهم مالك: خازن النار، ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام وآخرون موكلون بحفظ بني آدم وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان ] عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ [ق: 17، 18] . وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فـ ] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل ما يشاء [ [إبراهيم: 27] ، ومنهم الملائكة الموكلون بأهل الجنة ] والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار [ [الرعد: 23، 24] ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت المعمور في السماء يدخله – وفي رواية يصلي فيه- كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
فصـل
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتباً حجّة على العالمين ومحجة للعالمين يعلّمونهم بها الحكمة ويزكونهم.
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل رسول كتاباً لقوله تعالى ] لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط [ [الحديد: 25] .
ونعلم من هذه الكتب:
التوراة: التي أنزلها الله تعالى على موسى صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم كتب بني إسرائيل ] فيها هُدى ونُور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله [ . [المائدة: 44] .
أ. الإنجيل: التي أنزله الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلم، وهو مصدق للتوراة ومتمم لها ] وآتيناه الإنجيل فيه هُدىً ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهُدى وموعظة للمتقين [ [المائدة: 46] ] ولأُحل لكم بعض الذي حُرِم عليكم [ [آل عمران: 50] .
ب. الزبور: الذي آتاه الله داود صلى الله عليه وسلم.
ج. صحف إبراهيم وموسى: عليهما الصلاة والسلام.
د. القرآن العظيم: الذي أنزله الله على نبيه محمد خاتم النبيين ] هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان [ [البقرة: 185] . فكان ] مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه [ [المائدة: 48] . فنسخ الله به جميع الكتب السابقة وتكفل بحفظه عن عبث العابثين وزيغ المحرفين ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ [الحجر: 9] لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة.
أما الكتب السابقة فإنها مؤقتة بأمدٍ ينتهي بنزول ما ينسخها ويبين ما حصل فيها من تحريف وتغيير، ولهذا لم تكن معصومة منه فقد وقع فيها التحريف والزيادة والنقص ] من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه [ [النساء: 46] ، ] فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون [ [البقرة: 79] ، ] قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً [ [الأنعام: 91] ، ] وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله [ [آل عمران: 78، 79] . ] يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب [ إلى قوله: ] لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم [ [المائدة: 15، 17] .
تحياتي
يقول كاتب القصة
أي شخص كان قد رآني متسلقاً سور المقبرة في هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، أو أن لديه مصيبة. والحق أن لديَّ مصيبة، كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري – رحمه الله: أنه كان لديه قبراً في منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى ( رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
حدث أن فاتتني صلاة الفجر، وهي صلاة من كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم
عند ذلك .
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرة الثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخل القبر حتى أؤدبها
ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في هذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى .
حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة .
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعله غير موجود! أم أتسور السور ؟
إن أوقظته لعله يقول لي تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، فقررت أن أتسور السور ..
رفعت ثوبي وتلثمت بشماغي واستعنت بالله وصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة .
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمة حالكة، سكون رهيب .
هذا هو صمت القبور بحق، تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنها رائحة القبور ، أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط ، رائحة بها طعم الموت الصافي .
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟
لعلهم سيقولون قولة الحبيب صلى الله عليه وسلم ) الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم )
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة، وأي مصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدة مرات .
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟
عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، لكنني شعرت بالخوف حقا !
نظرت إلى الناحية الشرقية والتي بها القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنها تناديني، مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ ؟
أمشي محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزت قبراً تساءلت أشقي أم سعيد ؟ شقي بسبب ماذا؟ أضيّع الصلاة ؟ أم كان من أهل الغناء والطرب؟ أم كان من أهل الزنى؟
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأن شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟
: أم أنه كان يقول
ما زال في العمر بقية،
سبحان من قهر الخلق بالموت
أبصرت الممر، حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفع نظري إلى الناحية الشرقية، ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، أين سرعة قدمي؟ ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرني هناك .
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان، لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعه .
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها سواداً، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
ولكن لا
لن أصل إلى هنا ثم أقف، يجب أن أكمل، ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي .
ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟
سبحان الله
يبدو أن الجو قد إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟ ليس ريحاً، لا أرى ذرة غبار في الهواء، هل هي وسوسة أخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً ، سبحان الله ، نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هي النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل .
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم : يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟ أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عن ضمة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعام بارد أو لا يوافق شهيتنا، واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلى القبر .
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي وأنا أفكر، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد، ما أشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة، ياللعجب! رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان في الظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد .
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياً من هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه .تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتضر (لا إله إلا الله .. إن للموت سكرات ) تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخ أهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
) فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملونني ويقولون : لا إله إلا الله، تخيلتهم يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلت أحب أصدقائي إلي وهو يسارع لأن يكون أول من ينـزل إلى القبر، تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهم بالرفق حتى لا أقع، يصرخ فيهم: جهزوا الطوب .
وتخيلت أحمد يجري ممسكاً إبريقاً من الماء يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب، تخيلت الكل يرش الماء على قبري، تخيلت شيخنا يصيح فيهم : ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل، ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل .
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً، تذكرت قول الله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ) نعم صدق الله، تركت زوجتي، فارقت أبنائي، تخلـيّت عن مالي، أو هو تخلى عني .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروا بأصوات مفزعة، وأشكال مخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: أهو العبد العاصي؟
فيقول الآخر: نعم. فيقال: أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر؟ فيجيبه الآخر: بل محمول إلينا ليس له مفر. فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام .
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف قائلين: ما غرك بربك الكريم ؟ ما غرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة .. ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهي الدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟ وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلى زوال؟ وقد زالت! أم هو الشيطان؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ أمثلك يعصى الجبار، والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخك مجيب
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأني بصوت يهز القبر والفضاء، يملأني يئساً يقول : (كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ
إلى يوم يبعثون )
بكيت ماشاء الله أن أبكي، ثم قلت: الحمدلله رب العالمين، مازال هناك وقت للتوبة، استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمت مكسوراً، وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي، أخذت شماغي وأزلت عنه ما بقى من تراب القبر ، وعدت وأنا أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم :
عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به
منقول للأ مانة
تخيل أنك تنسخ الموضوع وتضعه في أي منتدى أو ترسله عبر الإيميل وتاب واحد بعد قراءة الموضوع أتعلم أن أجر صلاة الفجر الي يصليها راح تاخذه أجر كل ركعة أجر كل خطوة ذهاباً للمسجد وقد تكون في يوم القيامة في أمس الحاجة لهكذا جبال من الحسنات تخيل يصلي طول حياته الفجر بالمسجد وتنسخ وتأتي لك
ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء
بقلم محمد إسماعيل عتوك
أستاذ في اللغة العربية ـ سوريا
قال الله عز وجل:﴿ وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾(الذاريات:47- 49)
تُعَدُّ هذه الآيات الكريمة من أقوى الدلائل على قدرة الله تعالى، ووحدانيته، ومن أشدها تحذيرًا من عقابه وعذابه. وقد سبقتها آيات، تحدثت عن أخبار الأمم الطاغية المكذبة بالبعث، وهلاكها، فجاءت هذه الآيات عقبها؛ لتؤكد قدرة الله تعالى على الخلق، والإعادة، وأنه واحد، لا شريك له، يستحق العبادة، والتوحيد؛ ولهذا صدر الأمر منه تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعبادته سبحانه وحده، وتوحيده، وإلا فمصيرهم كمصير من سبقهم من الأمم؛ وذلك قوله تعالى عقب الآيات السابقة:﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾(الذاريات:50- 51)
وأَوَّلُ ما يلفت النظر في هذه الآيات الكريمة، ويدعو إلى التفكر والتدبر مجيئُها على هذا الترتيب البديع: بناء السماء بقوة، والتوسُّع المستمر في بنائها أولاً. ثم فرش الأرض، وتمهيدها لساكنيها ثانيًا0 ثم خلق زوجين من كل شيء ثالثًا.
والسر في ذلك- والله تعالى أعلم- هو أنه لمَّا كان الغرض الإخبار عن قدرة الله تعالى، ووحدانيته، وإقامة الدليل على ذلك، قدَّم سبحانه ما هو أقوى في الخلق. وما كان أقوى في الخلق، كان أقوى في الدلالة، وأظهر في الإفادة.. ومعلوم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، ثم خلق بعدهما جميع المخلوقات، وما خُلِق ابتداءً، كان خَلْقُهُ أشدَّ، وإن كان الكل عند الله تعالى في الخَلْقِ سَواء. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:
﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:28-30)
﴿ فََاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ ﴾(الصافات:11)
ويشير قوله تعالى:﴿ السَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ﴾إلى أن السماء بُنِيَت بإحكام، على شكل قبَّة مبنية على الأرض، وأن بناءها باقٍ إلى يوم القيامة، لم يُعْدَمْ منه جزءٌ، خلافًا للأرض؛ لأنها في تبدُّل دائم وتغيُّر مستمر، وخلافًا للمخلوقات؛ لأن مصيرها إلى الهلاك والفناء؛ ولهذا قال تعالى في السماء:﴿ بَنَيْنَاهَا ﴾، وقال في الأرض:﴿ فَرَشْنَاهَا﴾، وقال في كل شيء:﴿ خَلَقْنَا ﴾.
فالخَلْقُ يبلَى ويفنَى، والفَرْشُ يُطوَى ويُنقَل. أما البناءُ فثابتٌ باقٍ، وإليه الإشارة بقوله جل وعلا:﴿ وََبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾(النبأ:12)
والبناءُ في اللغة نقيضُ الهدم، ومعناه: ضَمُّ شيء إلى شيء آخر. ومنه قولهم: بَنَى فلانٌ على أهله.. والأصل فيه: أن الداخل بأهله كان يضرِب عليها قبة ليلة دخوله بها. ومن هنا قيل لكل داخل بأهله: بَانٍ. والعامة تقول: بَنَى الرجل بأهله. والصوابُ هو الأوَّلُ؛ ولهذا شُبِّهَت السماء بالقبة، في كيفية بنائها.
وفي تقديم كل من﴿ السَّمَاءِ ﴾، و﴿ الْأَرْض ﴾، و﴿ كُلِّ شَيْءٍ ﴾على فعله دليلٌ آخر على أن الخالق جل جلاله واحدٌ أحدٌ، لا شريك له في خلقه، لأن تقديم المفعول يفيد معنى الحصر، فإن تأخر عن الفعل، احتمل الكلام أن يكون الفاعل واحدًا، أو أكثر، أو أن يكون غير المتكلم.
أما تأخير المفعول في نحو قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾(الأنعام: 73 )
فإن الكفار ما كانوا يشكُّون لحظة في أن الله تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض. وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾(لقمان:25)
ثم إن قوله تعالى:﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾يشير بوضوح وجلاء إلى أن الله تعالى بنى هذا الكون، وأحكم بناءه بقوة، وأن هذا البناء المحكم، لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما هو في توسُّع دائم، وامتداد إلى ما شاء الله تعالى وقدر. دلَّ على ذلك التعبير بالجملة الاسمية، المؤكدة بـ( إن ) و( اللام )، وهي قوله تعالى:﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾.
ثم إن في إطلاق الخبر﴿ مُوسِعُونَ ﴾، دون تقييده بالإضافة، دلالة أخرى على ما أراد الله تعالى أن يخبر عنه، وأكده العلم الحديث. فقد ثبت للعلماء منذ الثلث الأول للقرن العشرين أن هذا الجزء المرئي من الكون مُتَّسِعٌ اتِّساعًا، لا يدركه عقل، وأنه في اتِّساع دائم إلى اليوم. بمعنى أن المجرَّات فيه تتباعد عن مجرتنا، وعن بعضها البعض بسرعات هائلة.
فقد ثبت للعلماء منذ الثلث الأول للقرن العشرين أن هذا الجزء المرئي من الكون مُتَّسِعٌ اتِّساعًا، لا يدركه عقل، وأنه في اتِّساع دائم إلى اليوم صورة تبين توسع السماء بعد خلق الكون
وهذه الحقيقة المكتشفةأكدتها حسابات كل من الفيزيائيين النظريين والفلكيين, ولا تزال تقدم المزيد من الدعم والتأييد لهذه الحقيقة المشاهدة، التي تشكل إعجازًا علميًا رائعًا من إعجاز القرآن!
وفي قوله تعالى:﴿ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾إعجاز آخر من إعجاز القرآن؛ حيث
كان الظاهر أن يقال:﴿ فَنِعْمَ الْفَارِشُونَ ﴾، بدلاً من قوله تعالى:﴿ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾. ولو قيل ذلك، لكان بليغًا؛ ولكنه لا يؤدِّي المعنى المراد؛ لأن الأرض خُلِقتْ؛ لتكون موضع سكن واستقرار. ولا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا مُهِدَت بعد فرشها. فاختار سبحانه وتعالى للمعنى الأول لفظ ( الفرش )، لِمَا فيه من دلالة على الراحة والاستقرار، واختار للمعنى الثاني لفظ (التمهيد )، لِمَا فيه من دلالة على البَسْط والإصلاح.
وكونُ الأرض مفروشة، وممهدة لا ينافي كونها كروية، بل ينسجم معه تمام الانسجام؛ لأن الكرة إذا عَظُمَتْ جِدًا، كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الاستقرار عليه.
وفَرْشُ الأرض يعني: تذليلها بعد أن كانت ناتئة صلبة. وكما تُذَلَّلُ الأنعام. أي: تفرَش؛ ليُركَب عليها، كذلك تفرَش الأرض؛ ليُسْتقَرَّ عليها.. وأما تمهيد الأرض فهو تهيئتُها، وتسويتها، وإصلاحها؛ لينتفع بها.
وأما قوله تعالى:﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فيشير إلى أن الله تعالى
خلق زوجين من كل شيء، ممَّا نعلم، وممَّا لا نعلم، وجاء العلم الحديث؛ ليكتشف تباعًا ظاهرة الزوجية، في هذا الكون الفسيح، وتمكن العلماء أخيرًا من رؤية هذه الظاهرة، في الحيوان المنوي الذكر.
والزَّوْجُ من الألفاظ المتَضَايفَة، التي يقتضي وجودُ أحدهما وجودَ الآخر. وهذا الآخر يكون نظيرًا مُماثلاً، وهو المِثْلُ، ويكون ضِدًّا مُخالفًا، وهو النِّدُّ . وما من مخلوق إلا وله مِثْلٌ، ونِدٌّ، وشِبْهٌ، والله جل وعلا وحده هو الذى لا مِثْلَ له، ولا نِدَّ، ولا شِبْهَ؛ لأنه واحد أحد، وفرد صَمَد،﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ﴾(الشورى:11)
ولهذا لا يستحق أحد أن يُسَمَّى خالقًا وربًّا مطلقًا، وأن يكون إلهًا معبودًا إلا الله جل وعلا؛ لأن ذلك يقتضى الاستقلال والانفراد بالمفعول المصنوع، وليس ذلك إلا لله وحده سبحانه، وتعالى عمَّا يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا.. والحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا
محمد إسماعيل عتوك