تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » رحلة في ديوان الشعر

رحلة في ديوان الشعر 2024.

رحلة في ديوان شعر

اليومَ جمعة..
فتحت كل النوافذ في هذا الصباح، ولن أغلقها إلا في صباح يوم آخر..، وقد لا أفتحها من جديد!
أشرقت الشمس، وها هي تتطلع إلى وجهي باسمة، رميتها بدوري بابتسامة، وزدت الطين فلة، فغازلتها بلسان الهمس: ألا عمي صباحا يا فاتنتي، قد أضناني الشوق من أمس أمس.
جلست على المنضدة، كالعادة، احتسيت فنجان قهوتي السوداء بكل مرارته، وصحت قائلا: هذا هو البن المعتق وإلا فلا!
انتقيتُ ديوان شعر لدرويش، من أحد رفوف المكتبة التي غطاها غبار النسيان، ثم جلست وحدي، لأقرأه..
غبت بعدها في فضاءٍ أثيري من أحلام لا حدود لها، (وحافظت على بعض اليقظة، فلربما يفاجئني جندي يهودي ويطعنني في الخاصرة، بدعوى حضر التجول بين دواويين درويش).
وقفتُ ساهما بعد أولى الخطوات، "أحد عشر كوكبا" تدور في فلك الصفحات، جعلت الشمس تتوارى كعذراء في كسوف، والقمر ينخسف، خَائِفاً مِنْ غُموضِ النَّهار عَلى مَرْمَرِ الدّارِ.
تعديت عتبة الصفحات، قاطعا ذهولي عن شجيراته، لأدخل بلاد الأندلس، كما دخل الفاتحون منازلها وشربوا خمرها من موشحنا السهلِ، ونسيت من فرحي وجهلي، جواز سفري في جيب رَحْلي، (أرجو ألا تداهمني شرطة الحدود الإسباني وأنا أتجول)، فهذه الأرض لم تعد سمائي، ولكن لا يهم، فهذا الصباح صباحي!
" أَنا آدَمُ الْجَنَّتَيْنِ، فَقدتُهُما مَرَّتَينِ، فَلْيَطرُدوني على مَهَلٍ، أو لِيَقْتُلوني على عَجَلٍ، تَحْتَ زَيْتونَتي، مَعَ لوركَا .."
قفزتُ عن فرسي، وبشموخ واحد من ملوك النهاية، تقدمت خطوتين، لاقتني حدائق غرناطة بكامل أنوثتها وزينتها، هي ذي غرناطة كما كنت أشتهيها، وها هي تشتهيني الآن.
تبادلتُ معها أطراف الحنين والأنين، ومضيت كشخص ضَيَّع غزالته في البراري.. وهناك..، حيث هدم أهلي قلعتهم ورفَعوا فَوْقَها خَيْمَةً لِلْحَنينِ إِلى أَوَّلِ النَّخْل، إلتقتني نافورة عطشى بوجه شاحب يخفي في تجاعيده فِضَّةِ الدَّمْعِ في وَتَرِ العود، وهي تصرخ: غرناطة جسدي، صرختُ بدوري: غرناطة بلدي، وأنشدت:
"غَنّي طُيورَ الْحَديقَة حَجَراً حَجَراً
كَمْ أُحِبُّكِ أَنْتِ التَّي قَطَّعْتِني وَتَراً وَتَراً
في الطَّريقِ إلى لَيْلِها الْحارِّ، غَنّي
لا صَباحَ لِرائِحةِ الْبُنِّ بَعْدَكِ، غَنّي رَحيلي
عَنْ هَديلِ الْيَمامِ على رُكْبَتَيْكِ وَعَنْ عُشِّ روحي
فِي حُروفِ اسْمِكِ السَّهْلِ، غَرْناطَةٌ لِلْغِناءِ فَغَنّي.. "
جلست فوق رصيف الغريبة، بعدما أتعبني الغناء، أَعُدُّ الحَماماتِ، هي ذي واحِدة، اثْنَتَيْنِ، ثَلاثين..، وََأَعُدُّ الفَتَياتِ اللَّواتي يَتَخاطفْنَ ظِلَّ الشُّجَيْراتِ فَوْقَ الرُّخامِ، وَيَتْرُكْنَ لي وَرَقَ الْعُمْرِ، أَصْفَرَ. مَرَّ الْخَريف عليَّ وَلَمْ أَنْتَبِهْ، مَرَّ كُلُّ الْخَريفِ، وَتاريخي مَرَّ فَوْقَ الرَّصيفِ..، وَلَمْ أَنْتَبِهْ!
فَوْقَ ْبَلاطِ مُبَلَّلِ بِالدِّمْعِ، نظرت وإذا صورتي تنعكس على المرايا، فسألت نفسي: أَما كُنْتَ يَوْماً، هُنا، يا غَريبْ؟ رجع الصدى، أَما كُنْتَ يَوْماً، هُنا، يا غَريبْ؟..
وإذا بغجرية تمر بي، وتهتف قائلة:
" خَمْسُمائَةِ عامٍ مَضى وَانْقَضى،
وَالْقَطيعَةُ لَمْ تَكْتَمِلْ بَيْنَنا،
هاهُنا، والرَّسائِلُ لَمْ تَنْقَطِعْ بَيْنَنا.. "
عندها تذكرت أني مررت بأقمارها، تذكرت الحروب التي لم تغير حدائق غرناطتي، وأدركت أنني لَمْ أَكُنْ عَابِراً في كَلامِ المُغَنّين، عندئذ ناديتها:
" .. عانِقيني لأُولَدَ ثانِيةً مِنْ رَوائِحِ شَمْسٍ وَنَهْرٍ على كَتِفَيْكِ "
مشينا بين النخيل قُرْبَ ماءِ الْيَنابيعِ على مهل، واحْتَفَلْنا بعيدِ الكُرومِ وعَيدِ الشَّعير، وزَيَّنتِ الأَرضُ أَسْماءَنا بسَوْسنِها..
فجأة، سمعنا صوت أذان من بعيد، إنه أذان بالرحيل!
نظرت إلي بعينين دامعتين وقالت: « أما كَانَ في وُسْعِه أَنْ يُعَدِّلَ فَصْلَ الرَّحيلِ قَليلا ليَهْدَأَ فينا صُراخُ النَّخيل؟ »
أجابتها قائلا: « نعم يا غجريتي، لكن قصيدة حبنا في الخَريفِ.. قَصيدةُ حُبٍّ قَصيرَة ». ثم أنشدت من وجعي:
" في الرَّحيلِ الْكَبيرِ أَحِبُّكِ أَكْثَر، عَمّا قَليْلْ
تُقْفِلينِ المَدينَةَ… ، في الرَّحيلْ
نَتَساوى مَعَ الطَّيْر، نَرْحَمُ أَيامَنا، نَكتَفي بِالْقَليلْ
أَكتَفي مِنْكِ بالْخَنْجَرِ الذَّهبيِّ يُرَقِصُ قَلْبي الْقَتيلْ
فاقْتُليني، على مَهَلٍ كَيْ أَقولَ: أَحِبُّكِ أَكْثَرَ مِمّا
قُلْتُ قَبْلَ الرَّحيلِ الْكَبير. أُحِبُّكِ. لا شَيءَ يوجِعُني
لا الْهَواءُ، وَلا الْماءُ .. لا حَبَقٌ فِي صَباحِكِ، وَلا
زَنْبَقٌ في مَسائِكِ يوجِعُني بَعْدَ هذا الرَّحيلْ.."
في طريق العودة، شيعتني الكمنجات الباكية على زَمَنٍ ضائِعٍ لا يَعود، وخرجت من حلمي خَائِفاً مِنْ مُروري على عَالمٍ لَمْ يَعًُدْ عالمي..
.. عند وصولي إلى باب المسجد، وجدت المؤذن قد فرغ من أذانه الأخير!
دخلتُ، صليت ركعتين، ثم جلست، بدأ الإمام "خُطْبَةَ التّيهِ" قائلا:
(( .. لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نَفُكَّ الْحِصار
فَلْنُسَلِّمْ مَفاتيحَ فِرْدَوْسِنا لِوَزيرِ السَّلامِ، وَنَنْجو! )).

مما راق لي

رحـلـة ممتعـة حقــاً أخــي أحـمـد ،،

سعدت كثيراً و أنا أقرأها ،، سلـمـت

عـلـى انتقاءكـ الراقي جداً ،، تقبل مروري ،،

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلوود الرووح
رحـلـة ممتعـة حقــاً أخــي أحـمـد ،،

سعدت كثيراً و أنا أقرأها ،، سلـمـت

عـلـى انتقاءكـ الراقي جداً ،، تقبل مروري ،،

نـصـكِ الـرائـع كـان نقيـاً بنقـاء ثـلج روحـكِ
سـ نتـرقـب تـجـدد حـروفـكِ الغنـاء ثـانيـة
تقـديـري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.