فقه الرؤيا
صحة رؤيا الكافر
الآية الثانية عشرة قوله تعالى : وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون فيها ست مسائل :
المسألة الأولى : فيها صحة رؤيا الكافر , ولا سيما إذا تعلقت بمؤمن , فكيف إذا كانت آية لنبي , ومعجزة لرسول , وتصديقا لمصطفى للتبليغ , وحجة للواسطة بين الله وبين العباد .
المسألة الثانية : قالوا : أضغاث أحلام يعني : أخلاطا مجموعة , واحدها ضغث : وهو مجموع من حشيش أو حطب . ومنه قوله تعالى : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وقد روي : الرؤيا لأول عابر . وقد قالوا أضغاث أحلام , ولم يكن من صحيح الكلام , ولا قطع تفسير الرؤيا إذ لم يأتها من بابها . ألا ترى أن الصديق لما أخطأ في تفسير الرؤيا لم يكن ذلك حكما عليها , وإنما ذلك إذا احتملت وجوها من التفسير , فعين بتأويله أحدها جاز , ومن تكلم بجهل لا يكون حكما عليها , وإن أصاب . والحديث الصحيح : الرؤيا على رجل طائر ما لم تتحدث بها فإذا تحدثت بها سقطت ولا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا . وهذا معنى الرؤيا لأول عابر , فإنه إذا تحدث بها ففسرت نفذ حكمها إذا كان بحق عن علم , لا كما قال أصحاب الملك , وأيضا فإنهم لم يقصدوا تفسيرا , وإنما أرادوا أن يمحوها عن صدر الملك حتى لا تشغل له بالا .
المسألة الثالثة : قوله تعالى لعلهم يعلمون . يحتمل أن يكون يعلمون بمكانك , فيظهر عندهم فضلك حتى يكون سبب خلاصك , فعلى هذا يكون العلم على بابه , ويحتمل أن يكون معناه لعلهم يعلمون تأويل الرؤيا , ويسمى علما , وإن كان ظنا ; لأن الأصل كل ظن شرعي يرجع إلى العلم بالدليل القطعي الذي أسند إليه , وقد بيناه في أصول الفقه .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : ثم يأتي من بعد ذلك عام . وهذا عام لم يقع السؤال عنه , فقيل , إن الله زاده علما على ما سألوه عنه إظهارا لفضله وإعلاما بمكانه من العلم , ومعرفته . وقيل : أدرك ذلك بدقائق من تأويل الرؤيا لا ترتقي إليها درجتنا . وهذا صحيح محتمل , والأول أظهر .
المسألة الخامسة : قوله تعالى : وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي وفي رواية الطبري : يرحم الله يوسف لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلي لخرجت سريعا إن كان لحليما ذا أناة . وقال صلى الله عليه وسلم : لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات ولو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني لقد عجبت منه حين أتاه الرسول لو كنت مكانه لبادرتهم الباب .
المسألة السادسة : قال علماؤنا : إنما لم يرد يوسف الخروج [ من السجن ] حتى تظهر براءته , لئلا ينظر إليه الملك بعين الخائن , فيسقط في عينه , أو يعتقد له حقدا , ولم يتبين أن سجنه كان جورا محضا , وظلما صريحا , وانظروا رحمكم الله إلى عظيم حلمه , ووفور أدبه , كيف قال : ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن , فذكر النساء جملة , ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح , ولا يقع عليها تصريح .