تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » إنــــهــــــا دمـــــــــشـــــــــــــــــــــــــــــــق

إنــــهــــــا دمـــــــــشـــــــــــــــــــــــــــــــق 2024.

إنها دمشق
( كما يوصفها الشاعر والاديب العراقي مظفر النواب )
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة،
غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي
ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله خرافي لحضارات شنقت نفسها على
أبوابها.
إنها دمشق الأقدم ولأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،"أنى تهطلي خيرك لي "
بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت
بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏‏‏

إنها دمشق التي تحملت الجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين
ومقيمين، مدمني عضها مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين…
رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة،
أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها،
ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها
ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.‏‏‏‏‏
إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح
لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي
الدين بن عربي‏‏‏ ،هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته
حياً من أحيائها فغنى لها " كل ما لا يؤنث لا يعول عليه"
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي
على شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ
ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في
المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها
دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.‏‏‏‏‏
دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب
موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي
رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على طريقة دمشق.
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركت عشاقها
خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين
ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.‏‏‏‏‏
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.‏‏‏‏‏
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم.‏‏‏‏‏ من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس .
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق الملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.
ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.‏‏‏‏‏
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط "
المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.‏‏‏‏‏
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما
يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.‏‏‏‏‏
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما‏‏‏‏‏
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل
ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.‏‏‏‏‏
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز،
الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.‏‏‏‏‏
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في
أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشي
الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة
أهلي وزملكاوي ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب
نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّان
فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ….
دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية وإذا
أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة‏‏‏‏‏ وإن أضعت طريق الجامع الأموي ، ستدلك عليه " كنيسة السيدة "
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها
ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو
تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.‏‏‏‏‏
فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة" الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع :
(إنها دمشق )

قال الشاعر عبد الرحيم بن علي البيساني (القاضي الفاضل):

أما دمشق فجنة ينسى بها الوطن الغريبْ

لله أيام السبوت بها ومنظرها العجيبْ

انظر بعينك هل ترى إلا محباً أو حبيب

كل يُبلّغ نفسَه ما تشتهي مرحاً وطيبْ

أرض خلت ممن ينغِّص أو يراقب أو يعيبْ

في موطن غنّى الحَمامّ به على رقص القضيبْ

وغدت أزاهرُ روضه تختال في فرحٍ وطيبْ

سورية هي أرض الشام مهبط الأديان السماوية
سورية بردى النيل دجله الفرات وكافة الأنهار الآرضيه
سورية قلب العروبة النابض وجنائن الأرض الوردية
قلوب شعبك واسعة كخضرة أرضك الجبلية
لن يكون أنصار يثرب بأحسن منا مهما ضربت بنا المصائب الدنيوية
سيبقى بابك مفتوح لآهل السماء والآراضين الجنيه
زوبعة . بركان . عاصفة ستهدئ مادام قلب شعبك ينبض بالمحبة الإنسانية
أخي وصيتك لنا أذان من نبينا إبراهيم أبو البشرية
لم ولا ولن يقول شعبك كما قال الماغوط وغيره من كلمات غوغائيه
دمي لاينفع فقد أتلفته أطماع الدنيا لمغريه
سأقول دم أولادي لك تسقي أرضك المرجانية
سورية الغالية أنت لنا ونحن لك مادامت حياة كونيه .

فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا………فيا دمشـقُ… لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـتِ… فاستلقي كأغنيـةٍ………على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امـرأةٍ………أحببتُ بعدك..ِ إلا خلتُها كـذبا
يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها………فامسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتي………وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا
تلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها………وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـبا
وكم رسمتُ على جدرانِها صـوراً………وكم كسرتُ على أدراجـها لُعبا
أتيتُ من رحمِ الأحزانِ… يا وطني………أقبّلُ الأرضَ والأبـوابَ والشُّـهبا
حبّي هـنا.. وحبيباتي ولـدنَ هـنا………فمـن يعيـدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا؟
أنا قبيلـةُ عشّـاقٍ بكامـلـها………ومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبا
فكـلُّ صفصافـةٍ حّولتُها امـرأةً ………و كـلُّ مئذنـةٍ رصّـعتُها ذهـبا
هـذي البساتـينُ كانت بينَ أمتعتي………لما ارتحلـتُ عـن الفيحـاءِ مغتربا
فلا قميصَ من القمصـانِ ألبسـهُ………إلا وجـدتُ على خيطانـهِ عنبا

نزار قباني

هـذي دمشـــقُ وهـذي الكـأس و الـــــراحُ
إنـي أحـــبُ و بعض العشـــقِ ذبـّـاحُ

أنا الدمشــقيُّ لو شــرّحتم جســــــــــــدي
لســـــــــال منـه عناقيـــــدٌ و تفّـــاحُ

و لو فتــحتم شــــــــرايينـــــي بمــديتـــكم
سـمعتم في دمي أصوات من راحـوا

زراعة القلب تشــفي بعض من عشــــقوا
و ما لقلبـــــي إذا أحببــــتُ جــــرّاحُ

ألا تــزالُ بخيــــــرٍ دار فاطمــــــــــــةٍ ؟
فالنّهــد مســـتنفرٌ و الكحــل صــدّاحُ

إنّ النبيـــــــــــذ هنـــا نــــارٌ معطّــــــرةٌ
فهل عيون نســــــاء الشـــــام أقـداحُ

مـآذن الشـــــــــــام تبــــكي إذ تعانقنـــــي
وللمــــآذن كالأشــــــــــــجار أرواحُ

للياســــــمين حقـــوقٌ فـــي منازلـنــــــــا
وقطّــة البيـــت تغفــــو حيــث ترتاحُ

طاحونـــــة البــنِّ جــزءٌ مــن طفولتنــــا
فكيف ننســـى وعطرُ الهـــال فـــوّاحُ

هنـا جــذوري هنـا قلبــي هنــا لغتــــــي
فكيف أوضح هل في العشـقِ إيضاحُ

كم مــن دمشـــقيّةٍ باعــت أســـــــاورها
حتـى أغازلهــا و الشـــعرُ مفتــــــاحُ

أتيـتُ يـا شـــجرَ الصفصاف معتــــذراً
فهــل تســـــامحُ هيفــــــاءٌ ووضّاحُ ؟

نزار قباني

هـذي دمشـــقُ وهـذي الكـأس و الـــــراحُ
إنـي أحـــبُ و بعض العشـــقِ ذبـّـاحُ

أنا الدمشــقيُّ لو شــرّحتم جســــــــــــدي
لســـــــــال منـه عناقيـــــدٌ و تفّـــاحُ

و لو فتــحتم شــــــــرايينـــــي بمــديتـــكم
سـمعتم في دمي أصوات من راحـوا

زراعة القلب تشــفي بعض من عشــــقوا
و ما لقلبـــــي إذا أحببــــتُ جــــرّاحُ

ألا تــزالُ بخيــــــرٍ دار فاطمــــــــــــةٍ ؟
فالنّهــد مســـتنفرٌ و الكحــل صــدّاحُ

إنّ النبيـــــــــــذ هنـــا نــــارٌ معطّــــــرةٌ
فهل عيون نســــــاء الشـــــام أقـداحُ

مـآذن الشـــــــــــام تبــــكي إذ تعانقنـــــي
وللمــــآذن كالأشــــــــــــجار أرواحُ

للياســــــمين حقـــوقٌ فـــي منازلـنــــــــا
وقطّــة البيـــت تغفــــو حيــث ترتاحُ

طاحونـــــة البــنِّ جــزءٌ مــن طفولتنــــا
فكيف ننســـى وعطرُ الهـــال فـــوّاحُ

هنـا جــذوري هنـا قلبــي هنــا لغتــــــي
فكيف أوضح هل في العشـقِ إيضاحُ

كم مــن دمشـــقيّةٍ باعــت أســـــــاورها
حتـى أغازلهــا و الشـــعرُ مفتــــــاحُ

أتيـتُ يـا شـــجرَ الصفصاف معتــــذراً
فهــل تســـــامحُ هيفــــــاءٌ ووضّاحُ ؟

نزار قباني

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.