السلام عليكم و رحمة الله و بركاته :-
(( إكرام الضيف ))
إن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء، وحثَّ عليهاالمرسلون،واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمَنْ عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة،وعُلُوِّ المكانة، وانقاد له قومُه، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام،إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام، وإكرام الضيَّف، كما قال ابن حِبَّاني رحمه الله:
"والعرب لمتكن تعدُّ الجودَ إلا قِرَى الضَّيف، وإطعام الطعام، ولاتعدُّ السَّخيَّ من لم يكن فيه ذلك".
وقد حثَّنا نبينامحمدعلى إكرام الضيف؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه" [رواه البخاري ومسلم].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله يوم تبوك فقال: "ما من الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه،فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل في غنمه يقري ضيفَهُ ويؤدِّي حقَّهُ" [رواه أحمد في مسندهبإسناد صحيح].
وعن أبي هريرةرضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: إني مجهودٌ ( المجهود من أصابه الجهد والمشقة والحاجةوالجوع). فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماءٌ. ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك،حتى قلن كلهنَّ مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق. فقال: "من يُضيف هذا الليلة رَحمهالله"فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحْلِهِ فقال لامرأته:هل عندك شيءٌ؟ قالت: لا إلا قُوتُ صِبياني. قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السِّراج حتى تُطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة"[رواه البخاري ومسلم].
فانظرإلى هذا الكرم كيف رفع منزلة أهل هذا البيت حتى أخبر الله نبيه خبرهم وعجب من صنيعهم!!.
قال الشاعر:
أولئك قومٌ إنبنـوا أحسنـوا البِنَا *** وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدُّوا
وإن كانت ا لنعماءُ فيهم جزَوا بها *** وإن أنعموا لا كـدَّروها ولاكـدُّوا
وعلى المضيف عدم احتقار القليل، بل يجودبالموجود ولو بشق تمرة، وقدنهى رسول الله عن احتقار القليل.
انظر – أخي الحبيب – إلى فقه هذا الإمام الذي جعل إكرام الضيف في طلاقة الوجه،وطيب الكلام، وقارن ذلك بحال أهل زمانك، فالضيافة عند أكثرهم هي بتكثيرالطعام، حتى إنك تجد كثيرًا من الناس من يمتنع عن القِرَى لعدم وجود اللحم فيحال وجود الضيف، والقاصد لوجه الله يجود بالموجود، ولا يتكلف التكلف الذي هو فوق الطاقة،وأما ما دون ذلك فلا بأس به، بل هو محمودٌ لقول الله سبحانه وتعالى – في شأن إبراهيم خليله لما أتاه الأضياف – {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍسَمِينٍ}[الذرايات:26]. وقال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69].
وعن أبي هريرةرضي الله عنه قال: خرج رسول الله ذات يوم أو ليلةٍ فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: "ماأخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" قالا: الجوع يا رسول الله.قال: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما،قوموا"،فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأتهُالمرأةقالت: مرحبًا وأهلاً وسهلاً، فقال رسول الله : " أين فلان؟" قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله وصاحبيه، ثم قال: الحمدُ لله، ما أحدٌ اليوم أكرَمَ أضيافًا مني. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمرورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المُدية، فقال له رسول الله : "إياك والحَلُوب"، فذبح لهم، فأكلوامن الشاة ومن ذلك العذق وشربوا.
ومن تمام الضيافة أن تفرح بمقدم ضيفك، وتظهر له البشر، وأن تلاطفَهُ بحسن الحديث،وتشكرَه على تفضله ومجيئه، وتقوم بخدمته، وتظهر له الغِنى وبشاشةَ الوجه؛ فقد قيل: البشاشة في الوجه خير من القرى، وقد نظم بعضهم هذا الكلام بأبيات فقال:
وإذا كان معك أكثر من ضيف، فأقبل على كُلِّ واحدٍ منهم بوجهك، ولا تخصَّ أحدًا دون الآخربحديثك،أو شيء من ضيافتك، وحاول أن تلتمس رضى كل واحد منهم، فقد كان رسول الله أكرم الناس لضيوفه، فقد كان يعطي كل واحدٍ من ضيوفه نصيبَهُ، ولا يحسبُ ضيفُهُ أنأحدًا أكرمُ عليه منه.
واعلم – أخي في الله – أن العبوس وإبداء الضيق، وكثرةَالدخول والخروج لغير حاجة، ونهر الأطفال أو الخادم بحضرة الضيوف – دليل الشُّحِّ،وأمارةُالبخل، والموتُ خيرٌ من إجابة دعوة بخيل، كما قيل:
وللمـوتُ خيرٌ من زيارةباخلٍ *** يلاحظُ أطرافَ الأكيـلِ على عَمـدِ
رزقنا الله وإياكم نفوسا كريمة سخية ، ووجوها باسمة ندية ، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأجواد سيدنا محمدوآله وصحبه وسلم.
منقول .
*******************