دول تراجع حساباتها للمرحلة اللاحقة
روزانا بومنصف
عن " النهار" اللبنانية
2024-08-07
باتت المفاجآت في مسار الازمة السورية التي تكسر روتين العمليات العسكرية وعمليات الكر والفر بين جيش النظام ومعارضيه هي التي ترسم تطور هذه الازمة وتحدد وتيرة تسارعها نحو النهاية المرتقبة والمتوقعة من حيث المبدأ في العناوين على الاقل. فانشقاق رئيس مجلس الوزراء السوري رياض حجاب يشكل ضربة نوعية جديدة للنظام السوري باعتبارها ضربة تطاول السلطة السياسية التنفيذية للنظام وأحد ابرز مداميكها بعد اهتزاز المداميك الاخرى والمتمثلة بكسر كل الحلقات التي يستند اليها النظام. فهناك الانشقاقات الديبلوماسية وان تكن ليست كبيرة حتى الان لكنها كسرت الحلقة المقفلة التي ظلت قائمة حتى الان في بقاء الجسم الديبلوماسي متماسكاً وكان بعضها معبراً. وهناك الحلقة المتمثلة بالجسم الأمني الاستخباري الذي تعرض لضربة كبيرة بالعملية العسكرية التي استهدفت مبنى الامن القومي وأدت الى مقتل أربعة من أركان النظام الامنيين الكبار. وهناك الحلقة العسكرية المتمثلة في الجيش الذي وان كانت كل المعطيات تفيد ببقاء غالبيته متماسكا فان انشقاقات اساسية ومهمة تحصل يومياً وعلى مستوى عال ولم تقتصر على انشقاق مناف طلاس فحسب وان كان ابتعاد هذا الاخير يفيد بانفكاك الحلقة الضيقة من اصدقاء الرئيس السوري. وهذه الانشقاقات توازي في بعدها الطائفي اهمية اكبر من الشق السياسي بعد سقوط كل اوراق التين السنية الواحدة تلو الاخرى عن النظام مما يخشى معه ان تتساقط كل الاوراق المتصلة بها. فهذه تطورات جسيمة وحساسة وحاسمة تظهر ان مداميك النظام تهتز الواحدة بعد الاخرى خصوصا اذا اضيفت اليها التطورات الامنية من مثل التفجير في هيئة الاذاعة في دمشق بعد شيوع نبأ "تنظيف" العاصمة من المعارضين وإعادة السيطرة من جانب السلطة على شوارعها. وينسحب الامر بنسبة أكبر على خطف 48 إيرانياً في العاصمة السورية في الطريق الى مطار دمشق ودلالات هذه المسألة على الصعيد الميداني باعتبار ان احتجاز هذا العدد لا يمكن اعتباره نزهة في حد ذاته وهو يأتي للمفارقة بعد أيام على زيارة قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى طهران حيث أعلن ان دمشق تم تحريرها ممن اعتبرهم "إرهابيين" وان المعارضة هزمت في دمشق وهي ستهزم قريباً في حلب فيما اعلن نظيره الايراني علي اكبر صالحي في المقابل انه لا مبرر للتفكير في امكان اطاحة الحكومة السورية في مفارقة لافتة ايضا مع انشقاق رئيس الوزراء السوري ومعه وزراء آخرون بعد اقل من اسبوع على التأكيدات الديبلوماسية الايرانية. ويكتسب خطف الايرانيين أبعاداً عدة في ضوء الدعم الايراني المعلن والمستمر للنظام لكنه يمثل في بعده الامني تحديا كبيرا بازاء من قام به من الثوار لا يقل اهمية عن التحدي الذي مثله انتقال رئيس الوزراء ومغادرته الاراضي السورية بعد عبور مناطق عدة مع وزيرين وثلاثة من كبار الضباط على رغم الحماية الامنية والحراسة المرافقة والرقابة المفترضة وما الى ذلك، الامر الذي لم يعد يعتبر سوى تثبيت للمقولة التي يرددها بعض الدول من ان النظام السوري فقد السيطرة فعلا على الاراضي السورية.
هذه التطورات قد تحفز بعض الدول وفق ما تتوقع مصادر ديبلوماسية على مراجعة توقعاتها للتطورات السورية التي قد لا تنتظر بحسب هذه المصادر حتى الخريف المقبل في حال استمرت التطورات النوعية على الوتيرة نفسها بين وقت وآخر خصوصا ان هذه التطورات قد تفرض على بعض الدول الداعمة للنظام مراجعة حساباتها او التحسب للمرحلة المقبلة وفق ما تدرج هذه المصادر زيارة امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي لبيروت، خصوصا ان انشقاقا على مستوى رئيس الوزراء ووزراء في الحكومة ربما يكون قويا بالمقدار الذي يدفع النظام الى السقوط من الجرف الذي بات يقف عليه في المرحلة الراهنة.