حسيب كيالي .
مولده ونشأته:
وُلد في إدلب في سوريا عام 1921م ، والده (زهدي الكيالي) أحد المشايخ السوريين ، وقد كان له دور كبير في صقل شخصية ولده (حسيب) حيث كان يسمح له ولأخيه (مواهب) بحضور مجالس الكبار والمشاركة فيها إصغاءً وحديثاً على الرغمِ من أنَّ مشاركة صغار السنّ في ذلك الوقتِ في مجالس الكبار لم تكن شيئاً وارداً، حيث كان عملهم معتمداً على حسن الضيافةِ وحده، وتنفيذ مطالب الكبار. ومن هنا نشأ حسيب محبّاً للمعرفة، جريئا في النقد.
تعليمه:
تلقى تعليمه الابتدائي في محافظةِ إدلب ، ودرس المرحلة الثانويّة في حلب، وتخرج من جامعة دمشق بتخصص: الحقوق.
ما قاله النقاد :
– يقول نجم الدين السمان : "ميزة حسيب كيالي عن غيره من الساخرين انه قاريء نهم وفطين، قدر نهمه الى الكتابة: قصصاً ومسرحيات ومقالات وشعراً فرزدقياً في جلسات الفرفشة، وقدر نهمه للطرافة والنوادر والمقالب أسلوب عيش وحياة".
– يقول الكاتب تاج الدين الموسى : "وقد انفرد حسيب عن هذا الجمع بلغته الخاصة فقد استطاع تطويع اللغة بإنزالها من برجها العاجي لتقترب من منطوق الناس ورفع من منطوق الناس لهذه اللغة التي ابتكرها لهذا كان نص حسيب كيالي يستمتع به الإسكافي وأستاذ الجامعة".
ويقول أيضاً " فقد قرأت حسيب أكثر من مرة وأحببته وأحببت كتاباته وخصوصا الجوانب والمواقف التي يهجو فيها الآخرين أو ليسخر منهم وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى آخر كتبه الصادرة أي "حكايات ابن العم" الذي يبدو فيها هجاءً لا يقلّ شأنا عن الجاحظ أو جرير. "
– الشاعر شوقي البغدادي يقول : " كان حسيب معنا وكان ضدنا.. معنا باستلهام الواقع وتحويله إلى واقع أفضل.. ومختلفاً لأنه كان صاحب رؤيا أكثر تحرراً، وكان يطبق الواقعية بلا ضفاف قبل أن يؤلف جارودي فيها كتاباً ".
– وزير الثقافة رياض نعسان آغا السابق: "إذا كان حسيب كيالي سمي (تشيخوف العرب) فأنا اسميه (جاحظ القرن العشرين) لأنه يمتلك أكثر من وجه ومؤسس لما يمكن أن يسمى أدب التهكم وأدب السخرية."
مؤلفاته:
– مع الناس
– أخبار من البلد
– مكاتيب الغرام
– الناسك والحصاد
– أجراس البنفسج الصغيرة
– رحلة جدارية
– حكاية بسيطة
– المهر زاهد
– تلك الأيام
– مسرحيات في خدمة الشعب
– الحضور في أكثر من مكان
– المارد
– قصة الأشكال
– من حكايات ابن العم
– نعيمة زعفران
وفاته :
توفي في 7/1993 م.
"يرفع الستار عن ركن في سوق الطيور."
القروي يحتضن ديكاً جميل المنظر، ملون الذنب، أشم العرف، ويقف منتظراً.
يسمع في جوانب شتى من المسرح صياح ديكة، وقوقة، جلبة مساومات"
"المشتري يدنو من القروي"
المشتري: بكم تبيع الديك هذا يا أخا الخيرات؟
القروي: "ينته إلى وقع الكلمة" أبيعه؟… بعشر ليرات.. أجل، عشر من الليرات.
المشتري: بأربع –القروي: لم أسمع
المشتري: ما شغلك، قد قلت لك بأربع
القروي: لم أسمع ديكي هذا رائع مدلل
مصفق مهللو
وإنه طروب انظر إليه:
منظر حبيب
وعالم عجيب
يوقظني مع الصباح الباكر يصيح بي…
الديك: "صائحاً" قم بادر يا صاحبي إلى العمل.. قم اغتسل واطبخ وكل واذهب نشيطاً واشتغل "كوكو.. كوكو.. قم ليس خير في الكسل!"
المشتري: "مدهوشاً" –بأربع، بأربع يا صاحبي لا تطمع..
القروي: لو شفته في دارنا
على سطوح جارنا
في البيدر العامر
في مرجنا الناضر:
الزهو في الإطلاله
والمشية المختاله
ألوانه هي الفرح
كأنها قوس قزح
الأحمر الندي
والأزرق البهي
ورقة في العرف
وخفة في العطف
المشتري: بأربع ونصف
القروي: يكفيك، دعني، يكفي، ديكي، نبع ظرف ديكي هذا إلفي:
رأيته أزغب كأنه طفل مضى على رضى صبحاً إلى المكتب رأيته بعد وقد نما منعماً رأيته يلحق في البيدر أماً له جليلة المنظر تذود عنه القط والكلب إذ ينط إذا أتاها خطر قف الجناح الخطر وامتشق المنقار كالصارم البتار فيهرب العدو وهو يصيح "نو" وهو يصيح "عو".
المشتري: قد أشتري بخمس.
القروي: هس
دعني لا تقاطع إن شئت أمراً نافع.
"ينظر إلى ديكه"
وشفته لما صعد، ذات صباح كالأسد علا خفيفاً مصطبه في ضجة ودردبه وصاح في اصطخاب:
"وكوكو…. كوكو… صرت من الشباب".
المشتري: قد أشتري بست.
القروي: "مستمراً" اسكت إذا ما شئت!
المشتري: سأشتري بسبع.
القروي: أنا ضعيف السمع.
المشتري: أبعته بتسع.
القروي: أحس مثل الدمع في مقلتي الملتهبة ومهجتي المكتئبة.
"يعود إلى تأمل ديكه"
انظر إليه الآن شبابه ريان
وصوته رنان
يغمره الحنان
"يخاطب ديكه"
أأنت للبيع أيا صديقي؟
لا، أنت للغناء في الشروق
هيا بنا تعالا
هل تعرف المحالا
والله لن أبيعا
صاحبي البديعا
"ويتحرك للانصراف"
أنا أحب
الديك: "مبتهجاً" –أعلم يا حلو يا معلم "يصيح جذلان" كوكو.. كوكو.. استفيقوا هاهو الصبح الرشيق قد دعانا للعمل
كوكو.. كوكو.. والأمل.
القروي: "مستمراً" ما أنت بالمملوك
وقد ولدت حراً
وقد نظمت شعراً
يا أحسن الديوك يا خلي الشجاع
والخل لا يباع!
أنا أسلك هذه الطريق لأنها تتيح لي حضور عملية الغياب الحزين، حين أتتبع كل شعرة، كل شأن تأخذه الشمس في رواحها إلى مستقرها في البحر وما تخلفه من ألوان تكاد تشبه ألوان الولادة وإن تكن تلك إنما تذوب أسى، تلونها اللوعة والحنين والفراق على نحو يكاد يدفع بالدموع
***
نعود، بعد هذا الشرود، إلى القوارب: هذا الذي يرسو الآن يلفظ عمائم من طراز آخر. إنها العمائم الأفغانية والبلوشية. بيضاء، ضخمة، مجدولة على نحو تخالها معه ستسقط بين لحظة وأخرى وتفرط. ولكنها لا تسقط ولا تنحل حتى ولو قفز صاحبها في الهواء ربما.
دفقة أخرى من السيخ. هذه المرة أطلعت إلى الرصيف جنوناً من الألوان المتلاحقة القافزة:
الزهر، الألماسي، الأصفر، البرتقالي، الأعفر. هندي تعمم بمنديل عقده من أربعة أطرافه. هنديات بساري. خلاسيات. مواطنات ببرقع من الجلد يستر أنفهن وقسماً كبيراً من الوجه. جاري على المصطبة، المؤتزر بالإزار الأبيض المتسخ، مستبشر الوجه دائماً.
***
نشرت إحدى الصحف المحلية، قبل أيام، صورة لسيارة باص مكتوب عليها بالإنكليزية –طبعاً –والعربية "مدرسة الإمارات الهندية" وهذا التعليق: "هذا كان الناقص!" ولكن هذا التعليق المتحسر القعيد لا يمنع أن الواقع يكاد يكون "هذا الناقص" العرب انتشروا أيام قتيبة بن مسلم
التفت إلى جاري المقرفص وقد زهقت من محاورة نفسي:
-رفيك
التفت نحوي الهيكل العظمي الموميائي. ازداد استبشاراً ولكن، يا له من استبشار خلو من أي معنى.
أضفت مفصلاً كل كلمة، رافعاً صوتي كأن رفعه يجعله أقدر على فهمي!
-رفيك، أنت فيه مألوم (معلوم) فلسطين.
طيف حيرة لبدت الجمجمة:
-مالونيهي!
هذه، حد فهمي، تعني النفي: لا أفهم.
وعادت الجمجمة لتوصد بالابتسامة الجوفاء الخاوية المنيعة.
على روعة طرحك
تقبل تقديري وأحترامي لك