تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فتور الدعاة الأسباب والعلاج

فتور الدعاة الأسباب والعلاج 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



دعونا نتفق ابتداء على أن هذا الموضوع إنما نتوجه به إلى فئة عاشت لهذه الدعوة، وقاست معاناة السعي لهداية الناس، وكابدت الأشواق لإقامة شرع الله، وجاهدت في سبيل ذلك، ثم بعد ذلك أصابهم الفتور لعلة أو لأخرى.
أما الذين تحملهم الدعوة ولا يحملونها، ويعيشون فيها ولا يعيشون لها، ويحتاج كل جهد ضئيل منهم إلى الاستنفار والاستفزاز، ويؤثرون الكلام على العمل، أو من ألقت بهم الأقدار في حقل الدعوة، وارتبطت بها معيشتهم على غير اختيار منهم ولا رغبة، فعليهم أن يراجعوا أولا جلال الله في قلوبهم، ووضوح منهجه، وطبيعة دينه في عقولهم، وأن يراجعوا ثانيا إيمانهم بضرورة القيام بواجب الدعوة إلى الله عز وجل.
والفتور الذي نقصده هنا هو الفتور في الدعوة، أما الفتور في العبادة أو في طلب العلم أو غير ذلك فغير مقصود هنا، رغم أن الأسباب وطرق العلاج تتشابه، بل إن الفتور نفسه لا يصيب عادة جانبا واحدا من جوانب الداعية، بل يصيب جوانب متعددة بنسب مختلفة.
تعريف الفتور
يعرف علماء اللغة الفتور بعدة تعريفات متقاربة، ففي مختار الصحاح: الفترة: الانكسار والضعف، وطرف فاتر إذا لم يكن حديدا، أي قويا. وقال الراغب الأصبهاني في مفردات القرآن: الفتور: سكن بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة، قال تعالى: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل"(1)، أي سكون حال عن مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: لا يفترون، أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة.
ونخلص من هذا إلى أن الفتور هو ضعف وتراخ بعد جد وهمة.
يقول ابن حجر – رحمه الله -: الملال استثقال الشيء، ونفور الناس عنه بعد محبته، وهو داء يصيب بعض العباد والدعاة وطلاب العلم، فيضعف المرء ويتراخى ويكسل، وقد ينقطع بعد جد وهمة ونشاط. وفي القرآن الكريم قال الله تعالى مثنيا على الملائكة: "يسبحون الليل والنهار لا يفترون"(2).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل عالم شِرّة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا، وإلا فقد هلك"(3).
ولما بكى ابن مسعود في مرض موته رضي الله عنه قيل له: ما يبكيك؟ قال: إنما أبكي؛ لأنه أصابني في حال فترة، ولم يصبني في حال اجتهاد.
ويقول ابن القيم رحمه الله: "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان".
– وكذلك ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: "إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات".
الأسباب والعلاج
للفتور أسباب كثيرة، فمنها:

1- انخفاض معدل الإنجاز، أو الإخفاق دون توقع:
حيث الإفراط في التفاؤل، فتتلبس بالنفس المثبطات، فتضطرب وتقلق، ثم تفتر وتقعد.
ومثال ذلك ما حدث للمسلمين يوم أحد حيث استثقلوا الهزيمة، وتساءلوا عن ذلك وهم المؤمنون، فقال تعالى: "قل هو من عند أنفسكم"(4)، "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة"(5).
فإذا أخذ الداعية بأسباب النجاح ثم جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن رأيته يائسا قانطا، أو مؤديا فاترا.
وعلاج ذلك ما عالج به رب العالمين المسلمين يوم أحد، حيث بين لهم أسباب الهزيمة، من ضعف الأسباب، ومخالفتهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يستكملوا عدتهم، ويثبتوا على أوامر الله ورسوله، ثم ربت على أكتافهم برحمته وحنانه: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"(6).
كما يجب أن يعلم الداعية أننا متعبدون بالأسباب والعمل والجهاد، ولسنا متعبدين بالنتائج، فهذه بيد القدرة تحركها كيف تشاء، فلا يجب أن نستعجلها، "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم"(7).
2- العيش في بيئة دعوية غير ملائمة:
فيتأثر الداعية بما فيها من أمراض دعوية، مثل:
* أن تكون البيئة الدعوية مليئة بالفاترين وأصحاب الهمم الضعيفة.
* عدم وضع الفرد في مكانه الصحيح، أو عدم تكليفه بالأعمال المناسبة له.
* أن تكون معاملة المربي للداعية سيئة، فيتخذ منه موقفا يكون سببا في ضعف حركته وفتور همته.
* مقارنة النفس بمن هم أقل في المستوى، والنظر دائما إلى أسفل.
* أن يكون التاريخ التربوي للداعية فيه خلل، مما يؤدي إلى استعجال للنتائج أو الإهمال أو غيره.
وعلاج ذلك في الآتي:
* رفع شعار الأخوة والحب، وفي ظله تذوب الفتن والمشكلات.
* ابدأ بنفسك واستكمل زادك، ولا تترك نفسك للفراغ "فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب"(8).
* وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مع اعتبار الشفافية في كل التعاملات والتصرفات.
* عدم إنكار الأخطاء الموجودة في المحيط الدعوي، ومحاولة إصلاحها، وعدم التستر عليها تحت دعاوى مختلفة.
* مجالسة ومصاحبة أصحاب الهمم العالية والتأسي بهم.
* القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم، وسير المصلحين عبر التاريخ، واستلهام القدوة منهم.
* احتساب الأعمال عند الله عز وجل واصطحاب معيته.
3- الشعور بضخامة الباطل وكثرة التحديات التي تواجه الدعوة:
فذلك يورث في النفس شعورا بالضعف أمام هذه التحديات وعدم القدرة على مواجهتها، وعلاج ذلك في:
* الثقة في نصر الله عز وجل، ووعده للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين والأمن.
* الشعور بعظم الأجر عند الله بسبب الاشتراك في إعادة بناء صرح الإسلام بعد أن تنحت الأرض عن شرائعه، كما فعل السابقون إلى الإسلام في مكة، بل منهم من استشهد ولم ير النصر.

4- تراجع الإيمانيات عند الداعية:
ومن مظاهر ذلك:
* بعض الدعاة يذنب بطبيعته البشرية، فيفرط في تضخيم الذنب، فيفتر ثم يتهم نفسه بأنه ليس أهلا لهذه الدعوة. أو على العكس فيستصغر الذنب حتى يكون له عادة، فيتكاثر الران في قلبه، فيتثاقل وينشغل عن الدعوة.
* ضعف الصلة بالله، وقلة ذكره ودعائه، والكسل في أداء الفرائض.
* التقصير في عمل اليوم والليلة، من أذكار ونوافل وأوراد.
* هجر القرآن وعدم تدبره.
* إهمال الدعاء بالتثبيت، والاستهانة به.
* عدم تذكر الموت، والغفلة عن الآخرة.
وعلاج ذلك في الآتي:
* المسارعة إلى التوبة من الذنوب، وعدم استصغارها أو استعظامها، فالاستصغار يوجب التفريط، والاستعظام يوجب القنوط. ويجب استشعار رحمة الله وإحسان الظن به سبحانه، وإتباع السيئة الحسنة فتمحها، "إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"(9)، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم…"(10).
* الحرص على إقامة الفرائض في أوقاتها تحت أي ظرف، وعدم التهاون فيها.
* ملازمة القرآن، مع الحرص على القراءة بتدبر واستحضار لمعاني الآيات.
* ذكر الله تعالى على جميع الأحوال، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودوام الاستغفار.
* التأمل في السيرة النبوية، والتدبر في حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه، وكذلك صحبه الكرام.
* تذكر الموت دائما وأحوال الآخرة، والمطالعة فيها، وزيارة القبور وأصحاب العلل والعاهات، ففي ذلك جلاء للقلوب.
* تهيئة أوقات للعزلة المنضبطة، وتخصيصها للتفكر والمراجعة والمحاسبة، والعزم على الاستدراك.
* مجالسة الصالحين ومصاحبتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.