تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » نهاية مبهمة

نهاية مبهمة 2024.

… و ها قد رسى – أخيراً – على فكرة نهائية قاطعة للخلاص، و لكن ذلك لا يعني استئصال الألم والحسرة من حياته، فصاحبنا سرعان ما تدور به أموره ليعود إلى مكانه في قلب الدائرة الزرقاء المغلقة، أراد أن يخرج من ذلك الحصار، أن يدفع جدران خيبته، أن ينجح في ذلك! إلا أنه – كعادته – ينفجر لحظة اليأس (أو القنوط)، يحترق، يتحطم، ينتحر! ثم يضع قناع راحة البال من جديد ليخفي ذلك كله، ليرسم للعالم الأخرق من حوله صورته كما العالم الأخرق يريدها.

لا يبدو أنه يكترث بما يتخبط من أحداث ومصائب، كأنه يجد النهاية والمصير في نهايته ومصيره هو… تظنه يسخر من الجميع، إلا أنه في الواقع غريب عنهم، لا يجد فضاء يجمعه بهم، وكل ما يتمناه… ألا يكون مبهماً! وأضحك منه، من حماقته وغروره معاً، بل من هشاشة إرادته، تسمعه يبتهل ويتأمل ويحلم، فإذا هو فجأة يندد ويصرخ ويشتم، وفي كلا المشهدين، لا يصل خط النهاية، فتبصره في مقعده الأزلي في حلقته تلك.

مشكلة صاحبي أنه يمطرني بتشجيعه وتحفيزه وعطفه، وهو عطش حتى الموت دون ذلك! ترقص في أثيره آماله وطموحاته، وربما إنجازاته الضئيلة التي تنكمش حالما يبعث في جوه الكئيب تنهداته وأوجاعه، يصر على التقدم والصمود، حتى في قرون الشتاء التي تكاد تكون مستحيلة، ينتزع الدقيقة من دوامة لا تعرف الزمان ولا الإنسان، ينقش بأصابعه الباردة بعض مستقبله… ودائماً يسبح في خط خيالاته المستقيم! ويقول لي: لا بد أن يأتي اليوم، و"أجل لا بد سيأتي" أجيبه رغم إنكاري النغمة المريضة في كلماته لأنني على يقين أن ما يحتاجه فقط: إجابة.

….ومشغولاً على الدوام في أسرار حياته وغيرها، لا تغيب من ذاكرته تهيؤاته وهلوساته المجنونة، ويأخذ يقلب في ذهنه: سيأتي اليوم- لن يأتي – سيأتي – لن … حتى آخر ورقة من ضميره المصفرّ. أذكّره بأن (التأجيل لص الزمان)، فيرد على ذلك بضحكة هرمة تعكس في دخيلتي أنني قد أخطأت في المقولة، لكنني فيما بعد، أدرك أن علّتي إنما كانت في اختيار (المخاطَب) فقط.

ينسى عمله (أحياناً) ليجري خلف أوهام باهتة عساه يجد فيها بعض حقيقته، يحاول أن يكسر الغربة التي يحياها عبر ابتسامة ساذجة يصنعها لأشخاص ساذجين. يؤمن بالقدر(طبعاً)؛ لا أخفيك أنني قد سمعته أكثر من ألف مرة يحوّم حول التشكيك به والعداء له، ( يدّعي) أنه ملّ وجر و(طلعت روحه)! ولكنها في الواقع لم تطلع بعد، ولهذا لا أزال أتحمل وجودها الثقيل. وصاحبي العزيز في معظم الأدوار هو المتهم، وإن لم تجده كذلك، فهو ليس البريء أبداً ! أدعوه لأن يصبر وينسج لنفسه من الشجاعة ما يدفئ موقفه لتحديد وجهته ومن ثَم، التصويب! يقول نعم، ولكنه يكذب وأعرف أنه يكذب وهو يعرف أنني، وهذا بالتحديد ما يغيظني بعض المرات (وما أكثرها)، ويحملني على التنازل عن (الإشفاق) عليه.

قال لي يوماً:"إنني أمزق دفاتري" فقلت له اذهب ومزق ملابسك! يخمد لفترة ما ولسبب (ما)، وتقول: الحمد لله، رضي صاحبنا بقضائه وخطط لعمره القادم.. وعندما تجد خواطره مهشمة تحت وسادته تدرك أن قد خانتك ألوان الشاشة وجرفك صوت التيار!

ولكن: "لماذا؟" تصرخ في وجهه ظاناً أنك غاضب أكثر(منه)، فتجيبك إشارات التعجب والتنكد في عينيه المحمرّتين! يتمنى أن ينسى ماضياً تعيساً ويتجاهل حاضراً أتعس عَلّه يعيش بعض أيامه الباقية بتعاسة أقل!

يتمنى أن تورق الصراخات في داخله وتثمر، أن تمزق ألمه الذي عاشره منذ عشرين سنة والذي لا يبدي رغبة في الرحيل – وليته يفعل!

مصيبة صديقي أنه يملك صلابة وعناداً غنمهما من معاركه العديدة مع (عيشته)، إلا أن الحزم والعزيمة لا يلينان لنداء مشاعره الغضة التي تزداد نحولاً بانطواء الزمن وتفاقم المعضلة. ضعفه لا يعني الاستسلام لكنه لا يعني التقدم أيضاً، يحاول أن يُحب كل تلك الأشياء المحيطة به، يحاول أن يعايشها، وأجل، يفلح أحياناً، ربما لأنها مجرد أشياء مغلقة دون الاستيحاء واستيعاب ما وراء الستار الداكن.

الفراغ الذي يضمه يتكلم حاله ويعمّق مأساته، رقصات الأقلام بين السطور توجعه وتثير مخاوفه وربما غيرته! قال لي صاحبي أن الضوء يرهبه وأن غطاء الليل يؤنسه، فتساءلت كيف سينتصر على عثراته دون بعض الضوء ولو خافتاً!

وقبل أيام قليلة هبّت مع رياح الخماسين نواياه في تحدي الواقع وقتل أزمته الراكدة، فكّرَ ودبر، وقلت أخيراً صاحبي قد قرر! وانجذبت حواسي لموقفه المنتظَر بسعادة قلقة، لكنني ذهبت إليه مخبئاً التوتر في جيبي داعياً الله أن ينتهي الأمر على خير، مردداً انطباع شكسبير أن (كل الأمور على خير إذا انتهت على خير)!

اقتحمت عالم صديقي دون إنتظار فألفيته كما تركته قبل عام وعامين وثلاثة أعوام، ولا أظنك تود سماع القصة من البداية، لكن لا تشغل بالك بأمر صديقي فيبدو أنه قد خلق لبؤسه سماء وسكن فيها بروحه وجسده.

صار عندما يقول لي "تعبت" أقول له اذهب إلى الجحيم أو حطم رأسك على أقرب حائط! فلقد تعبت (أنا) من تأجيلك العقيم وتعبك! ولست أملك إلا أن أدخل مملكته بين حين وآخر فأقرأ في ظلال وحشة عينيه أملاً خجلاً قد يكبر وقد لا يكبر.

مرحبا ….

أخي mohammadhoot

شكراً لك على هذه القصة الجميلة

هناك الكثير ممن يخطط و يفكر ولكنه يتراجع و يفشل ؛

إما لقلة صبره أو لعدم ثقته بنفسه و قدراته أو غيرها من الأسباب

مع أنه لو أستمر لأبدع.

يجب علينا أن نكون ملمين بما نحن مقبلين عليه مع ثقتها بأنفسنا و صبرنا.

ملاحظة: يمنع وضع روابط لموقع أو منتدى آخر ,
و تم نقل الموضوع للقسم المناسب.

تحياتي

لوسي…

أهلا بك….
طرح جميل جدا من تحت اناملك الرائعة
أتمنا لك التميز دائما في هذا الصرح الشامخ
وهذا ما تعودناه …. على امثالك
تحياتي…لك
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.