هكذا بدأت دعوة الإسلام
– دعوة إلى الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” –
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إنّ الذين كفروا يُنادَون لمَقت الله أكبر من مَقتِكم أنفسكم إذ تُدعَون إلى الإيمان فتكفُرون * قالوا ربّنا أمَتَّنا اثنَتَين وأحْيَيْتَنا اثنَتَين فاعتَرَفنا بذنوبنا فهَل إلى خُروجٍ من سَبيل * ذلكُم بأنه إذا دُعِيَ الله وحدَه كفَرتم وإن يُشرَك به تُؤمِنوا فالحُكم لله العليّ الكبير﴾ غافر10- 12
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،
وعد :
فإنه ما أن بدأ الروح الأمين – جبريل عليه السلام – يتنزّل بآيات القرآن الكريم وسُوَره على قلب نبيّنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم حتى بدأ يدعو الناس في شعاب ” مكّة ” إلى الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله “ بالكلمة والحوار واللسان ليس غير ، رسولاً من الله سبحانه وتعالى إلى أهل مكّة وسائر العرب وللناس كافّة ورحمةً للعالمين، وشاهداً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا 0
﴿ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم﴾ الشورى 52
﴿ نزَل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذِرين ﴾ الشعراء 193- 194
﴿ وأُوحيَ إليّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلَغ ﴾ الأنعام 19
﴿ لتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون ﴾ يس 6
﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتُنذر أمّ القُرى ومن حولها ﴾ الشورى 7
﴿ وما أرسلناك إلاّ كافةً للناس بشيراً ونذيراً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ﴾ سبأ 28
﴿ وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين ﴾ الأنبياء 107
﴿ ﭐدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسنُ إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ﴾ النحل 125
﴿ يا أيها النبيّ إنا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيرا * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ﴾ الأحزاب 45، 46
أجَل 00 بكلمة التوحيد هذه وحدها أي الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله “ بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثته ودعوته ورسالته العظيمة للبشر جميعاً إلى يوم يُبعثون ، وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من صحبه الكرام بـ ” لا إله إلاّ الله “ وحدها في مواجهة المجتمع المكّي الجاهلي القائم والمستقرعلى الشرك وعبادة الأوثان آنذاك 0
﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جمعياً ﴾ الأعراف 158
﴿ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾ يوسف 108
﴿ فإنّ حسبَك الله هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين ﴾ الأنفال 62
﴿ يا أيها النبي حسبُك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ﴾ الأنفال 64
﴿ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ﴾ فصلت 33
فكانت ” لا إله إلاّ الله ” هي وحدها الراية التي رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته طيلة الفترة المكيّة من بعثته ، وكانت وحدها هي الشعار الذي اتّخذه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته طيلة تلك الفترة من بعثته ، فهكذا أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون بيضاء نقيّة صافية لتعالج مشكلة الروح والفطرة عند الإنسان قبل الإنتقال به للمعالجات العملية لمشاكل الجسد وغرائزه وحاجاته العضوية ، ولتقرّر حقيقة الإنتقال إلى الدار الآخرة بعد الموت لدى العقل البشري لتصبح من المسلّمات التي لا يُناقَش فيها لقوّة إرتباطها بالذات قبل مجرّد التفكير برعاية المصالح البشرية وإدارتها في الحياة الدنيا الفانية 0
﴿ وقرآناً فرَقَناه لتقرأه على الناس على مُكثٍ ونزّلناه تنزيلا ﴾ الإسراء 106
﴿ وقال الذين كفروا لولا نُزّل عليه القرآن جملةً واحدةً كذلك لنُثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا ﴾ الفرقان 32
﴿ إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً كبيرا ﴾ الإسراء 9
وبمعنى آخر أرادها الله سبحانه وتعالى – أي كلمة التوحيد – أن تكون الأساس المتين والأصل الثابت والجذر الراسخ الذي يقوم عليه ويستند إليه دين الإسلام العظيم ( عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة طيّبة كريمة ) ، ولتَبقى كلمة التوحيد أي الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله “ هي الراية والشعار والعقيدة التي يجب أن يؤمن بها كلّ مسلم بل كلّ إنسان ، ويعيش من أجلها ، ويموت عليها ، ويَلقى بها وجه الله 0
﴿ ومن يكفر بالإيمان فقد حبِط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾ المائدة 5
﴿ إنّ الدين عند الله الإسلام ﴾ آل عمران 19
﴿ ومن يَبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾ آل عمران 85
هكذا أراد الله العليم الحكيم الخبير أن يكون البدء بالإصلاح والتغيير في حياة البشر إذا ما عادوا للشرك من بعد التوحيد وللكفر من بعد الإيمان وللجاهلية من بعد الإسلام ، وقد ساق الله سبحانه وتعالى ذلك النموذج المجتمعي المكّي الجاهلي في السيرة النبوية الشريفة في معرض تلبّس الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بالإصلاح والتغيير طيلة تلك الفترة المكيّة ليَبقى الشاهد والمثال ومناط الحكم ومحلّ الإقتداء لكلّ الدّعاة والمصلحين من أمّة الإسلام القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والساعين للإصلاح والتغيير في أمّتهم إذا ما عاد هذا النموذج المجتمعي المكّي الجاهلي للظهور من جديد في حياة الأمّة الإسلامية وتاريخ المسلمين 0
وها هي أمّة الإسلام اليوم تعود إلى ما كان عليه الحال آنذاك في ذلك المجتمع المكّي الجاهلي زمن بعثة الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه 0
( عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : تَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجا “ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليَخرجنّ منه أفواجاً كما دَخلوا فيه أفواجا ) رواه الحاكم
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتنقضنّ عُرى الإسلام عروة عروة وكلما انتقضت عروة تشبّث الناس بالتي تليها وأولهنّ نقضاً الحكم وآخرهنّ الصلاة ) رواه الإمام أحمد
( عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغُرباء ) رواه مسلم
( عن مرداس الأسلمي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حُفالة كحُفالة الشعير أو التمر لا يُباليهم الله باله ) رواه البخاري ،
يُقال – حُفالة أو حُثالة –
( عن حسن بن عطية أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : سيظهر شرار أمّتي على خيارها حتى يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا ) ذكَره الأوزاعي
فهاهي المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون اليوم ويمارسون فيها حياتهم قائمة ومستقرّة على الشرك والنفاق ، ولئن كان الشرك في زمن الجاهلية الأولى متمثّلا في عبادة الأوثان الحَجرية ( هُبل واللات والعُزّى ومَناة وأُساف ونائلة وغيرها ) فإنما هو اليوم في زمن الجاهلية الثانية يتمثّل في عبادة الأوثان البَشرية من الحكام والعلماء وقادة الفرَق وأرباب الأموال والثروات الطائلة ونساء الإغراء الساقطات الماجنات من الذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم 0
﴿ يا أيّها الرسول لا يَحزنك الذين يُسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ﴾ المائدة 41
﴿ وإذا رأيتَهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خُشب مُسنّدة يَحسبون كلّ صيحةٍ عليهم هم العدوّ فـﭑحذرهم قاتلهم الله أنّى يُؤفكون ﴾ المنافقون 4
﴿ الله وليّ الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يُخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النارهم فيها خالدون ﴾
البقرة 257
– ولا حَول ولا قوّة الاّ بالله العليّ العظيم –
* * *
﴿ إنّ هذه تذكرة فمَن شاء اتّخذ إلى ربّه سَبيلا ﴾
أمَا آنَ لأمّة الإسلام اليوم – أمّة التوحيد وخير أمّة أُخرجت للناس !!! – أن تلتفت لحالها المزري للغاية وواقعها المأساوي المريربين أمم وشعوب الأرض قاطبة هذه الأيام ؟!!! وقد أضحت جزءاً لا يتجزأ من النظام الإلحادي اللاديني العلماني العالمي المنكر لوجود الله وأثره في واقع حياة الإنسان وممارساته العملية في الحياة وإن اعتَرف بوجوده وأثره – ضمناً – في الشعائر التعبدية للإنسان وأماكن العبادة وبعض تعاليم الأخلاق 0
﴿ أم لهم شركاءُ شرَعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ﴾ الشورى 21
﴿ فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ﴾ الأنعام 136
﴿ ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعُمون * ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللهِ ربِّنا ما كنّا مشركين * انظر كيف كذَبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون ﴾ الأنعام 22 – 24
فأيّ كفر وفسوق وضلال بعد ذلك ؟!!! وأيّ جاهلية أكبر من هذه ؟!!!
وأيّ دين هذا الذي ارتضاه الشيطان للبشرية هذه الأيام ؟!!! والذي لا يعدو عن كونه خُرافة تافهة إسمها ” فصل الدين عن الحياة “ جرى تمريرها على العقل البشري باسم المدنيّة والعلم والتقدم ومفهوم السلام العالمي وحضارة حقوق الإنسان ، ذلك بعد أن أخفق هذا الشيطان الملعون في القرآن الكريم وقد باء بالفشل الذريع من تمرير خُرافته الثانية الأخرى ” لا إله والحياة مادة ” على العقل البشري الذي لم يجد بدّاً من الإعتراف بفطرته التي فطره الله عليها 0
﴿ أم خُلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون * أم خَلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ﴾ الطور 35 ، 36
﴿ وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر وما لهم بذلك من علمٍ إن هم إلاّ يظنّون ﴾ الجاثية 24
﴿ أوَلم يرَ الإنسان أنّا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خَصيمٌ مُبين ﴾ يس 77
فهل سيواصل العقل البشري العالمي الذي أقرّ بفطرته التي فطره الله عليها طريقه نحو الإهتداء إلى صراط الله العزيز الحميد ودينه الحق الإسلام العظيم ومنهجه القويم في الحياة ؟!!!
﴿ أفغَيرَ دين الله يَبغون وله أسلَم من في السماوات والأرض طَوعاً وكَرهاً وإليه يُرجعون ﴾ ال عمران 83
﴿ فأقِم وجهَك للدين حنيفاً فطرتَ الله التي فَطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ﴾ الروم 30
﴿ أفحكمَ الجاهلية يَبغون ومن أحسَن من الله حكماً لقومٍ يوقنون ﴾ المائدة 50
وأين أمّة الإسلام اليوم – أمّة التوحيد وخير أمّة أُخرجت للناس !!! – من ذلك المشهد العالمي حيث يجري إختلاق تلك الخُرافات الشيطانية التي يوحي بها إلى أمثاله من شياطين الإنس ليقودوا بها بني الإنسان – بما في ذلك أمّة الإسلام !!! – نحو قاع الهاوية في الدنيا والآخرة ؟!!!
﴿ وكذلك جَعلنا لكل نبيّ عدوّاً شياطينَ الإنس والجن يُوحي بعضهم إلى بعضٍ زُخرُف القول غُرورا ﴾ الأنعام 112
﴿ وإخوانُهم يمُدّونهم في الغيّ ثمّ لا يُقْصِرون ﴾ الأعراف 202
﴿ إنّهم ﭐتّخَذوا الشياطين أولياء من دون الله ويَحسبون أنّهم مُهتدون ﴾ الأعراف 30
﴿ وقال الذين كفروا ربّنا أرِنا اللذَيْن أضلاّنا من الجن والإنس نجعلْْهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفَلين ﴾ فصّلت 29
– فواأسفاه ثمّ واأسفاه على أمّة الإسلام اليوم –
﴿ ألَم يأنِ للذين آمنوا أن تخشَع قلوبُهم لذِكر الله وما نزَل من الحق )
* * *
وأتَساءل : أليس ثمّة هناك بَصيصاً من الأمل أو قبَساً من النور في خضَمّ دياجير هذا الظلام الطاغوتي الجاهلي العالمي اليوم ؟!!!
ثمّ أُجيب : بَلى 00 ثمّة هناك وقفة مع قبَس النور الربّاني والوحي الإلهي القرآني العظيم ، وفي سورة عظيمة إسمها ” النور “ بدأها الله بقوله عزّ من قائل :
﴿ سورةٌ أنزَلناها وفرَضناها وأنزَلنا فيها آياتٍ بيّناتٍ لعلكم تذكّرون ﴾
وقد أَثبتَ الله في هذه السورة لنفسه صفة من صفاته وإسماً من أسمائه الحُسنى هو ” النور ” ، إذ يقول فيها بإعجاز بالغ متناهي في العظَمة جلّ في عُلاه ما أعظَمه :
﴿ الله نور السماوات والأرض مثَل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجةٍ الزجاجةُ كأنّها كوكبٌ دريٌّ يوقَد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يَكاد زيتها يضيء ولولم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكلّ شيءٍ عليم ﴾ النور 35
ولنقف بين يدي الله خاشعين قانتين أمام هذا الوصف البالغ في الإعجاز لواقعنا العالمي الجاهلي البغيض هذه الأيام ، إذ يقول عزّ من قائل في هذه الآيات الكريمة من السورة نفسها :
﴿ والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلماتٍ في بحرٍ لجيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يَكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ﴾ النور 39 ، 40
ثمّ لنقف بين يدي الله بخشوع وابتهال أمام هذا الوصف البالغ في الإعجاز لواقع أمّتنا الإسلامية اليوم ، إذ يقول عزّ من قائل في نفس هذه السورة :
﴿ ويقولون آمنّا بالله وبالرسول وأطعنا ثمّ يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليَحكم بينهم إذا فريقٌ منهم مُعرضون * وإن يَكن لهم الحقّ يأتوا إليه مُذعنين * أفي قلوبهم مرضٌ أم ﭐرتابوا أم يَخافون أن يَحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قولَ المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليَحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يُطع الله ورسوله ويَخشَ الله ويَتّقْهِ فأولئك هم الفائزون ﴾ النور 47 – 52
وقد أكّد الله في هذه السورة على وجوب طاعة أمّة الإسلام لنبيّها ورسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وربَط ذلك ربطاً وثيقاً محكماً بتحقّق الهداية وحصول الرحمة ، إذ قال فيها وهو أصدق القائلين :
﴿ وإن تُطيعوه تَهتدوا ﴾ النور 54
﴿ وأطيعوا الرسول لعلكم تُرحمون ﴾ النور 56
و – سبحان الله – ما بين هذَين النصَّين من السورة يأتي وعد الله لأمّة الإسلام اليوم بشرط ( الإيمان والعمل الصالح ونفي الشرك والعبادة الحقّة لله ) ، وإنّ وعدَ الله حقّ ، إذ قال عزّ من قائل :
﴿ وعَد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لَيستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولَيمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾ النور 55
كما حذّر الله في هذه السورة أمّة الإسلام من مخالفة أمر نبيّها ورسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وربَط ذلك ربطاً وثيقاً محكماً بتحقّق الفتنة وحصول العذاب الأليم ، إذ قال فيها وهو أصدق القائلين :
﴿ فلْيَحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم ﴾ النور 63
ثمّ ختَم الله هذه السورة العظيمة بقوله عزّ من قائل :
﴿ ألا إنّ لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يُرجعون إليه فينبّئهم بما عملوا والله بكلّ شيءٍ عليم ﴾ النور 64
فنِعمَت واللهِ هذه الآيات الكريمة وغيرها ممّا أنزله الله في هذه السورة العظيمة من القرآن الكريم ، وقِس على ذلك ما نطقَت به الآيات الكريمة في مختلف السور العظيمة فيما سوى ذلك من مواضع كثيرة في كتاب الله عزّ وجل ، فضلاً عمّا جاءت تؤكّده وتبيّنه الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في سنّة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، مما لا يتّسع المجال لذكره في هذا المقام 0
﴿ إن هو إلاّ ذكرٌ وقرآنٌ مُبين * ليُنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين ﴾
* * *
وعَوداً على بدء ، لأقول – وبالله التوفيق – :
فإنني بعد استعراض هذا التشخيص الموجز لحال أمّة الإسلام اليوم وواقعها المأساوي المرير في ظلّ المجتمع الجاهلي البغيض الذي يعيش فيه المسلمون اليوم ويمارسون فيه حياتهم ، أعود لأستلهم لها ولواقعها وحالها العلاج الناجع والبلسم الشافي بإذن الله من قبَس النور الربّاني والوحي الإلهي الرحماني في سيرة النبيّ المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم العطِرة ومسيرته المباركة في بعثته المؤيّدة من الله تعالى وسبيله القاصد ومنهجه القويم في دعوته إلى الله ، والتي جاءت لتقرّر بما لا يدَع مجالاً للشك :
أنّ البدء بالدعوة إلى كلمة التوحيد أي الإيمان بـ “لا إله إلاّ الله” هو السّبيل الوحيد والطريق المستقيم والحلّ الأكيد للإصلاح والتغيير في أمّة الإسلام اليوم حتى يقوم الدين كاملاً في حياتها بإذن الله وتعود خير أمّة أخرجت للناس وتعود راية الإسلام خفّاقة في العالمين بإذن ربّ العالمين
ورَحم الله الإمام ” مالك بن أنس ” بما فتَح الله عليه ونوّر بصيرته حين قال : ” لن يَصلح آخرهذه الأمّة إلاّ بما صَلح به أوّلها “
﴿ إنّ في ذلك لذِكرى لمَن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شَهيد ﴾
* * *
أجَل 00 هكذا بدأت دعوة الإسلام ، فهل تعود هذه الدعوة لتبدأ من جديد ؟!!!
– دعوة إلى الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” –
دعوة إلى الإيمان من بعد الشرك والنفاق 00
ورجوع إلى العقيدة من بعد العداوة والشقاق
﴿ إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب * الذين يذكُرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقِنا عذاب النار * ربّنا إنك من تُدخل النار فقد أخزيتَه وما للظالمين من أنصار * ربّنا إننا سمِعنا مُنادياً يُنادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار * ربّنا وآتنا ما وعدتَّنا على رسُلك ولا تُخزنا يوم القيامة إنك لا تُخلف الميعاد ﴾ آل عمران 190- 194
– دعوة إلى الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” –
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إنّ الذين كفروا يُنادَون لمَقت الله أكبر من مَقتِكم أنفسكم إذ تُدعَون إلى الإيمان فتكفُرون * قالوا ربّنا أمَتَّنا اثنَتَين وأحْيَيْتَنا اثنَتَين فاعتَرَفنا بذنوبنا فهَل إلى خُروجٍ من سَبيل * ذلكُم بأنه إذا دُعِيَ الله وحدَه كفَرتم وإن يُشرَك به تُؤمِنوا فالحُكم لله العليّ الكبير﴾ غافر10- 12
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،
وعد :
فإنه ما أن بدأ الروح الأمين – جبريل عليه السلام – يتنزّل بآيات القرآن الكريم وسُوَره على قلب نبيّنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم حتى بدأ يدعو الناس في شعاب ” مكّة ” إلى الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله “ بالكلمة والحوار واللسان ليس غير ، رسولاً من الله سبحانه وتعالى إلى أهل مكّة وسائر العرب وللناس كافّة ورحمةً للعالمين، وشاهداً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا 0
﴿ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم﴾ الشورى 52
﴿ نزَل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذِرين ﴾ الشعراء 193- 194
﴿ وأُوحيَ إليّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلَغ ﴾ الأنعام 19
﴿ لتُنذر قوماً ما أُنذر آباؤهم فهم غافلون ﴾ يس 6
﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتُنذر أمّ القُرى ومن حولها ﴾ الشورى 7
﴿ وما أرسلناك إلاّ كافةً للناس بشيراً ونذيراً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ﴾ سبأ 28
﴿ وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين ﴾ الأنبياء 107
﴿ ﭐدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسنُ إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ﴾ النحل 125
﴿ يا أيها النبيّ إنا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيرا * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ﴾ الأحزاب 45، 46
أجَل 00 بكلمة التوحيد هذه وحدها أي الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله “ بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثته ودعوته ورسالته العظيمة للبشر جميعاً إلى يوم يُبعثون ، وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من صحبه الكرام بـ ” لا إله إلاّ الله “ وحدها في مواجهة المجتمع المكّي الجاهلي القائم والمستقرعلى الشرك وعبادة الأوثان آنذاك 0
﴿ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جمعياً ﴾ الأعراف 158
﴿ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾ يوسف 108
﴿ فإنّ حسبَك الله هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين ﴾ الأنفال 62
﴿ يا أيها النبي حسبُك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ﴾ الأنفال 64
﴿ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ﴾ فصلت 33
فكانت ” لا إله إلاّ الله ” هي وحدها الراية التي رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته طيلة الفترة المكيّة من بعثته ، وكانت وحدها هي الشعار الذي اتّخذه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته طيلة تلك الفترة من بعثته ، فهكذا أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون بيضاء نقيّة صافية لتعالج مشكلة الروح والفطرة عند الإنسان قبل الإنتقال به للمعالجات العملية لمشاكل الجسد وغرائزه وحاجاته العضوية ، ولتقرّر حقيقة الإنتقال إلى الدار الآخرة بعد الموت لدى العقل البشري لتصبح من المسلّمات التي لا يُناقَش فيها لقوّة إرتباطها بالذات قبل مجرّد التفكير برعاية المصالح البشرية وإدارتها في الحياة الدنيا الفانية 0
﴿ وقرآناً فرَقَناه لتقرأه على الناس على مُكثٍ ونزّلناه تنزيلا ﴾ الإسراء 106
﴿ وقال الذين كفروا لولا نُزّل عليه القرآن جملةً واحدةً كذلك لنُثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا ﴾ الفرقان 32
﴿ إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً كبيرا ﴾ الإسراء 9
وبمعنى آخر أرادها الله سبحانه وتعالى – أي كلمة التوحيد – أن تكون الأساس المتين والأصل الثابت والجذر الراسخ الذي يقوم عليه ويستند إليه دين الإسلام العظيم ( عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة طيّبة كريمة ) ، ولتَبقى كلمة التوحيد أي الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله “ هي الراية والشعار والعقيدة التي يجب أن يؤمن بها كلّ مسلم بل كلّ إنسان ، ويعيش من أجلها ، ويموت عليها ، ويَلقى بها وجه الله 0
﴿ ومن يكفر بالإيمان فقد حبِط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾ المائدة 5
﴿ إنّ الدين عند الله الإسلام ﴾ آل عمران 19
﴿ ومن يَبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾ آل عمران 85
هكذا أراد الله العليم الحكيم الخبير أن يكون البدء بالإصلاح والتغيير في حياة البشر إذا ما عادوا للشرك من بعد التوحيد وللكفر من بعد الإيمان وللجاهلية من بعد الإسلام ، وقد ساق الله سبحانه وتعالى ذلك النموذج المجتمعي المكّي الجاهلي في السيرة النبوية الشريفة في معرض تلبّس الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بالإصلاح والتغيير طيلة تلك الفترة المكيّة ليَبقى الشاهد والمثال ومناط الحكم ومحلّ الإقتداء لكلّ الدّعاة والمصلحين من أمّة الإسلام القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والساعين للإصلاح والتغيير في أمّتهم إذا ما عاد هذا النموذج المجتمعي المكّي الجاهلي للظهور من جديد في حياة الأمّة الإسلامية وتاريخ المسلمين 0
وها هي أمّة الإسلام اليوم تعود إلى ما كان عليه الحال آنذاك في ذلك المجتمع المكّي الجاهلي زمن بعثة الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه 0
( عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : تَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجا “ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليَخرجنّ منه أفواجاً كما دَخلوا فيه أفواجا ) رواه الحاكم
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتنقضنّ عُرى الإسلام عروة عروة وكلما انتقضت عروة تشبّث الناس بالتي تليها وأولهنّ نقضاً الحكم وآخرهنّ الصلاة ) رواه الإمام أحمد
( عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغُرباء ) رواه مسلم
( عن مرداس الأسلمي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حُفالة كحُفالة الشعير أو التمر لا يُباليهم الله باله ) رواه البخاري ،
يُقال – حُفالة أو حُثالة –
( عن حسن بن عطية أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : سيظهر شرار أمّتي على خيارها حتى يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا ) ذكَره الأوزاعي
فهاهي المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون اليوم ويمارسون فيها حياتهم قائمة ومستقرّة على الشرك والنفاق ، ولئن كان الشرك في زمن الجاهلية الأولى متمثّلا في عبادة الأوثان الحَجرية ( هُبل واللات والعُزّى ومَناة وأُساف ونائلة وغيرها ) فإنما هو اليوم في زمن الجاهلية الثانية يتمثّل في عبادة الأوثان البَشرية من الحكام والعلماء وقادة الفرَق وأرباب الأموال والثروات الطائلة ونساء الإغراء الساقطات الماجنات من الذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم 0
﴿ يا أيّها الرسول لا يَحزنك الذين يُسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ﴾ المائدة 41
﴿ وإذا رأيتَهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خُشب مُسنّدة يَحسبون كلّ صيحةٍ عليهم هم العدوّ فـﭑحذرهم قاتلهم الله أنّى يُؤفكون ﴾ المنافقون 4
﴿ الله وليّ الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يُخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النارهم فيها خالدون ﴾
البقرة 257
– ولا حَول ولا قوّة الاّ بالله العليّ العظيم –
* * *
﴿ إنّ هذه تذكرة فمَن شاء اتّخذ إلى ربّه سَبيلا ﴾
أمَا آنَ لأمّة الإسلام اليوم – أمّة التوحيد وخير أمّة أُخرجت للناس !!! – أن تلتفت لحالها المزري للغاية وواقعها المأساوي المريربين أمم وشعوب الأرض قاطبة هذه الأيام ؟!!! وقد أضحت جزءاً لا يتجزأ من النظام الإلحادي اللاديني العلماني العالمي المنكر لوجود الله وأثره في واقع حياة الإنسان وممارساته العملية في الحياة وإن اعتَرف بوجوده وأثره – ضمناً – في الشعائر التعبدية للإنسان وأماكن العبادة وبعض تعاليم الأخلاق 0
﴿ أم لهم شركاءُ شرَعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ﴾ الشورى 21
﴿ فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ﴾ الأنعام 136
﴿ ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعُمون * ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللهِ ربِّنا ما كنّا مشركين * انظر كيف كذَبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون ﴾ الأنعام 22 – 24
فأيّ كفر وفسوق وضلال بعد ذلك ؟!!! وأيّ جاهلية أكبر من هذه ؟!!!
وأيّ دين هذا الذي ارتضاه الشيطان للبشرية هذه الأيام ؟!!! والذي لا يعدو عن كونه خُرافة تافهة إسمها ” فصل الدين عن الحياة “ جرى تمريرها على العقل البشري باسم المدنيّة والعلم والتقدم ومفهوم السلام العالمي وحضارة حقوق الإنسان ، ذلك بعد أن أخفق هذا الشيطان الملعون في القرآن الكريم وقد باء بالفشل الذريع من تمرير خُرافته الثانية الأخرى ” لا إله والحياة مادة ” على العقل البشري الذي لم يجد بدّاً من الإعتراف بفطرته التي فطره الله عليها 0
﴿ أم خُلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون * أم خَلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ﴾ الطور 35 ، 36
﴿ وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر وما لهم بذلك من علمٍ إن هم إلاّ يظنّون ﴾ الجاثية 24
﴿ أوَلم يرَ الإنسان أنّا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خَصيمٌ مُبين ﴾ يس 77
فهل سيواصل العقل البشري العالمي الذي أقرّ بفطرته التي فطره الله عليها طريقه نحو الإهتداء إلى صراط الله العزيز الحميد ودينه الحق الإسلام العظيم ومنهجه القويم في الحياة ؟!!!
﴿ أفغَيرَ دين الله يَبغون وله أسلَم من في السماوات والأرض طَوعاً وكَرهاً وإليه يُرجعون ﴾ ال عمران 83
﴿ فأقِم وجهَك للدين حنيفاً فطرتَ الله التي فَطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ﴾ الروم 30
﴿ أفحكمَ الجاهلية يَبغون ومن أحسَن من الله حكماً لقومٍ يوقنون ﴾ المائدة 50
وأين أمّة الإسلام اليوم – أمّة التوحيد وخير أمّة أُخرجت للناس !!! – من ذلك المشهد العالمي حيث يجري إختلاق تلك الخُرافات الشيطانية التي يوحي بها إلى أمثاله من شياطين الإنس ليقودوا بها بني الإنسان – بما في ذلك أمّة الإسلام !!! – نحو قاع الهاوية في الدنيا والآخرة ؟!!!
﴿ وكذلك جَعلنا لكل نبيّ عدوّاً شياطينَ الإنس والجن يُوحي بعضهم إلى بعضٍ زُخرُف القول غُرورا ﴾ الأنعام 112
﴿ وإخوانُهم يمُدّونهم في الغيّ ثمّ لا يُقْصِرون ﴾ الأعراف 202
﴿ إنّهم ﭐتّخَذوا الشياطين أولياء من دون الله ويَحسبون أنّهم مُهتدون ﴾ الأعراف 30
﴿ وقال الذين كفروا ربّنا أرِنا اللذَيْن أضلاّنا من الجن والإنس نجعلْْهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفَلين ﴾ فصّلت 29
– فواأسفاه ثمّ واأسفاه على أمّة الإسلام اليوم –
﴿ ألَم يأنِ للذين آمنوا أن تخشَع قلوبُهم لذِكر الله وما نزَل من الحق )
* * *
وأتَساءل : أليس ثمّة هناك بَصيصاً من الأمل أو قبَساً من النور في خضَمّ دياجير هذا الظلام الطاغوتي الجاهلي العالمي اليوم ؟!!!
ثمّ أُجيب : بَلى 00 ثمّة هناك وقفة مع قبَس النور الربّاني والوحي الإلهي القرآني العظيم ، وفي سورة عظيمة إسمها ” النور “ بدأها الله بقوله عزّ من قائل :
﴿ سورةٌ أنزَلناها وفرَضناها وأنزَلنا فيها آياتٍ بيّناتٍ لعلكم تذكّرون ﴾
وقد أَثبتَ الله في هذه السورة لنفسه صفة من صفاته وإسماً من أسمائه الحُسنى هو ” النور ” ، إذ يقول فيها بإعجاز بالغ متناهي في العظَمة جلّ في عُلاه ما أعظَمه :
﴿ الله نور السماوات والأرض مثَل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجةٍ الزجاجةُ كأنّها كوكبٌ دريٌّ يوقَد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يَكاد زيتها يضيء ولولم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكلّ شيءٍ عليم ﴾ النور 35
ولنقف بين يدي الله خاشعين قانتين أمام هذا الوصف البالغ في الإعجاز لواقعنا العالمي الجاهلي البغيض هذه الأيام ، إذ يقول عزّ من قائل في هذه الآيات الكريمة من السورة نفسها :
﴿ والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلماتٍ في بحرٍ لجيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يَكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ﴾ النور 39 ، 40
ثمّ لنقف بين يدي الله بخشوع وابتهال أمام هذا الوصف البالغ في الإعجاز لواقع أمّتنا الإسلامية اليوم ، إذ يقول عزّ من قائل في نفس هذه السورة :
﴿ ويقولون آمنّا بالله وبالرسول وأطعنا ثمّ يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليَحكم بينهم إذا فريقٌ منهم مُعرضون * وإن يَكن لهم الحقّ يأتوا إليه مُذعنين * أفي قلوبهم مرضٌ أم ﭐرتابوا أم يَخافون أن يَحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قولَ المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليَحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يُطع الله ورسوله ويَخشَ الله ويَتّقْهِ فأولئك هم الفائزون ﴾ النور 47 – 52
وقد أكّد الله في هذه السورة على وجوب طاعة أمّة الإسلام لنبيّها ورسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وربَط ذلك ربطاً وثيقاً محكماً بتحقّق الهداية وحصول الرحمة ، إذ قال فيها وهو أصدق القائلين :
﴿ وإن تُطيعوه تَهتدوا ﴾ النور 54
﴿ وأطيعوا الرسول لعلكم تُرحمون ﴾ النور 56
و – سبحان الله – ما بين هذَين النصَّين من السورة يأتي وعد الله لأمّة الإسلام اليوم بشرط ( الإيمان والعمل الصالح ونفي الشرك والعبادة الحقّة لله ) ، وإنّ وعدَ الله حقّ ، إذ قال عزّ من قائل :
﴿ وعَد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لَيستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولَيمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾ النور 55
كما حذّر الله في هذه السورة أمّة الإسلام من مخالفة أمر نبيّها ورسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وربَط ذلك ربطاً وثيقاً محكماً بتحقّق الفتنة وحصول العذاب الأليم ، إذ قال فيها وهو أصدق القائلين :
﴿ فلْيَحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم ﴾ النور 63
ثمّ ختَم الله هذه السورة العظيمة بقوله عزّ من قائل :
﴿ ألا إنّ لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يُرجعون إليه فينبّئهم بما عملوا والله بكلّ شيءٍ عليم ﴾ النور 64
فنِعمَت واللهِ هذه الآيات الكريمة وغيرها ممّا أنزله الله في هذه السورة العظيمة من القرآن الكريم ، وقِس على ذلك ما نطقَت به الآيات الكريمة في مختلف السور العظيمة فيما سوى ذلك من مواضع كثيرة في كتاب الله عزّ وجل ، فضلاً عمّا جاءت تؤكّده وتبيّنه الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في سنّة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، مما لا يتّسع المجال لذكره في هذا المقام 0
﴿ إن هو إلاّ ذكرٌ وقرآنٌ مُبين * ليُنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين ﴾
* * *
وعَوداً على بدء ، لأقول – وبالله التوفيق – :
فإنني بعد استعراض هذا التشخيص الموجز لحال أمّة الإسلام اليوم وواقعها المأساوي المرير في ظلّ المجتمع الجاهلي البغيض الذي يعيش فيه المسلمون اليوم ويمارسون فيه حياتهم ، أعود لأستلهم لها ولواقعها وحالها العلاج الناجع والبلسم الشافي بإذن الله من قبَس النور الربّاني والوحي الإلهي الرحماني في سيرة النبيّ المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم العطِرة ومسيرته المباركة في بعثته المؤيّدة من الله تعالى وسبيله القاصد ومنهجه القويم في دعوته إلى الله ، والتي جاءت لتقرّر بما لا يدَع مجالاً للشك :
أنّ البدء بالدعوة إلى كلمة التوحيد أي الإيمان بـ “لا إله إلاّ الله” هو السّبيل الوحيد والطريق المستقيم والحلّ الأكيد للإصلاح والتغيير في أمّة الإسلام اليوم حتى يقوم الدين كاملاً في حياتها بإذن الله وتعود خير أمّة أخرجت للناس وتعود راية الإسلام خفّاقة في العالمين بإذن ربّ العالمين
ورَحم الله الإمام ” مالك بن أنس ” بما فتَح الله عليه ونوّر بصيرته حين قال : ” لن يَصلح آخرهذه الأمّة إلاّ بما صَلح به أوّلها “
﴿ إنّ في ذلك لذِكرى لمَن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شَهيد ﴾
* * *
أجَل 00 هكذا بدأت دعوة الإسلام ، فهل تعود هذه الدعوة لتبدأ من جديد ؟!!!
– دعوة إلى الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” –
دعوة إلى الإيمان من بعد الشرك والنفاق 00
ورجوع إلى العقيدة من بعد العداوة والشقاق
﴿ إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب * الذين يذكُرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقِنا عذاب النار * ربّنا إنك من تُدخل النار فقد أخزيتَه وما للظالمين من أنصار * ربّنا إننا سمِعنا مُنادياً يُنادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار * ربّنا وآتنا ما وعدتَّنا على رسُلك ولا تُخزنا يوم القيامة إنك لا تُخلف الميعاد ﴾ آل عمران 190- 194
نسأل الله الهداية والثبات وحُسن الخاتمة قبل الممات
سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون ، وسلام على المرسَلين ،
والحمد لله ربّ العالمين
هون عليك يااخى انا كذالك احس بكل ماقلته ولا الومك على كل ماقلت
ان الدنيا بخير الان بفضل الربيع الاسلامى سوف ننقذ الدين من الضياع
وهذا ماوعدنا الله تعالى فى كتابه فاصبر قليلا..؟؟ الدنيا بخير
فلا تضجر >لاتحلى الحلاوه الا بنار>
بارك الله فيك على غيرتك على دينك
ان الدنيا بخير الان بفضل الربيع الاسلامى سوف ننقذ الدين من الضياع
وهذا ماوعدنا الله تعالى فى كتابه فاصبر قليلا..؟؟ الدنيا بخير
فلا تضجر >لاتحلى الحلاوه الا بنار>
بارك الله فيك على غيرتك على دينك
جزاك الله كل خير على الموضوع الثري والمدعوم بالأدلة قرآنا وسنة.
وربنا يردنا لدينه مردا جميلا .
حقيقة مقال ثري وجيد واستمتعت باعتمادك على الكتاب والسنة في الكلام وليس هناك أبلغ من هذا.
لكن نقطة وحيدة أناقشها معك إن تكرمت.
حضرتك قلت بأن الله من أسمائه النور لاستنادا للآية صح ؟
لكن علينا أن نتثبت هل النور اسم من أسمائه أم صفة من صفاته ؟
وهذا لأن أسماء الله توقيفية فلا نسميه إلا بما سمى به نفسه جل جلاله.
عموما لنبحث سويا إن شاء الله ومن وجد شيئا بفضل ربه فليفد به أخاه إن شاء الله.
بارك الله فيك
شكراً لكـ على الموضوع المميز
باركــ الله فيك
ولاحرمنا من جديدكـــ