كتب الفيلسوف المعروف آرثر شوبنهايمر مرة أن «قلة النوم مثل ساعة تقدِّم في الزمن»، ولخص بالتالي كامل علاقة اضطراب النوم
بالموت المبكر للإنسان.وفي واقع الحال، وحسب إحصائيات وزارة الصحة، يعاني 4 ملايين ألماني من اضطراب النوم، وهو ما يعرضهم إلى مخاطر صحية جمة لأن الكثير من الوظائف الحيوية، وخصوصا الدماغية، تجري أثناء النوميعمل الدماغ أثناء النوم كما يعمل أثناء النهار، بل إنه يزداد نشاطا عند مراودة الأحلام للإنسان، ناهيك عن أنه يصنف ويؤرشف كل خبرات اليوم أثناء النوم في المساء.وقد أطلقت شركة التأمين الصحية التقنية (tkk) نواقيس الحذر في ألمانيا قبل أيام، عندما كشفت عن دراسة جديدة تشير إلى أن عدد المعانين من اضطراب النوم تضاعف خلال السنوات الثلاث الأخيرة.وطبيعي فإن مثل هذه الزيادة ستزيد حالة «الأرق» لدى شركة التأمين التي تغطي تكاليف معالجة المعانين من اضطراب النوم، علما بأنها اعتمدت في دراستها على سجلات المستشفيات والأطباء وأسباب زيارات الزبائن للأطباء وأنواع العقاقير التي يتعاطونها.
النوم وطول العمر
وقال البروفسور يورجن زولي، من مركز أبحاث النوم في جامعة ريغنزبورغ والمستشار في الشركة، إن الدراسة تثبت وجود علاقة واضحة بين النوم وطول الحياة. وهذا ما تكشفه سجلات المعانين من اضطراب النوم بالمقارنة مع غير المعانين من الأرق. فاستمرارية النوم في الليل تعني استمرارية حياة الفرد حتى نهايتها الطبيعية.وبالتعاون مع اتحاد شركات التأمين الصحي الألمانية، أجرى زولي استطلاعا للرأي بين ملايين الألمان المؤمنين صحيا، أظهرت أن الألماني العادي ينام في الساعة 23:04 يوميا كمعدل، يحتاج إلى 15 دقيقة كي يستغرق في النوم، ويستيقظ في الساعة 6:18 صباحا كمعدل. وهذا يعني أنه ينام يوميا 6 ساعات و59 دقيقة، وهو ما يتطابق مع رأي العلماء حول طول فترة النوم الضرورية لصحة الإنسان (7 ساعات).أما بقية المضطربين في النوم فينامون أقل من 6 ساعات يوميا، أو أكثر من 10 ساعات يوميا، ويعرضون أنفسهم إلى مخاطر صحية كثيرة قد تبكر في حصول الوفاة.ويقول زولي إن نتائج دراسته تتطابق مع نتائج دراسة يابانية معروفة شملت أكثر من 100 ألف ياباني ويابانية، واستخدمت فيها مختبرات النوم للتأكد من نتائجها.
وظهر من هذه الدراسة، التي شملت أناسا من سن 40 – 79 سنة، أن النوم الصحيح يطيل الحياة، فالناس الذين ينامون أقل من 6 ساعات يوميا يرتفع احتمال موتهم المبكر بنسبة 30 في المائة، وهي نفس النسبة التي يرتفع فيها احتمال الموت المبكر لمن ينامون أكثر من 10 ساعات يو ساعات النوم ميا.جدير بالملاحظة هنا أن الحاجة إلى النوم تختلف حسب السن والجنس والساعة البيولوجية للإنسان، فالرضيع بحاجة إلى معدل نوم يبلغ 16 ساعة يوميا، بينما لا يحتاج المسن لأكثر من 5 – 6 ساعات نوم يوميا.ثم إن النساء ينمن عموما أكثر من الرجال، وهناك «العصافير» من البشر، حسب رأي زولي، الذين ينامون باكرا ويستيقظون باكرا، وهناك «البوم» الذين لا تغمض أجفانهم قبل الثانية صباحا.وتثبت التجارب باستخدام أجهزة تخطيط القلب والدماغ والتنفس في مختبرات النوم أن الإنسان يستيقظ 29 مرة كمعدل يوميا، لكنه لا يتذكر سوى واحدة أو اثنتين منها.ويفسر زولي هذه الظاهرة الطبيعية على أنها إرث قديم للبشرية من الأزمنة السحيقة، حيث كان الإنسان الأول مضطرا للاستيقاظ عدة مرات في الليل للاطمئنان على حياته وعلى حياة عائلته ضد الوحوش وضد عوامل الطبيعة الأخرى. ولا شك أن حياة الإنسان القديم كانت قصيرة وإن لم يتعلق ذلك بالنوم وحده.ووصفت تانيا لانج، من جامعة لوبيك، التي شاركت في الدراسة الألمانية النوم بأنه «لغز» لم يحله العلم بعد. ويعرف العلماء أن النوم مهم لحياة الإنسان، لكن لا أحد يعرف لماذا يحتاج هذا الإنسان إلى 5 ساعات نوم فقط في حين يحتاج الآخر إلى 10 ساعات.وتكشف التجارب السريرية خلال النوم العميق للإنسان، عن عملية إعادة تنظيم هرمونات الجسم بما يخدم صحة الإنسان، فتنخفض في الدم نسب هرمونات التوتر، مثل الكورتيزول والنورادرينالين، بينما ترتفع نسب هرمونات النمو والاستقرار النفسي، مثل الميلاتونين والبرولاكتين.