"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
في يوم من الأيام قررت أن أذهب إلى النيل الذي يبعد مسافة كيلو مترين عن قريتنا، كنت أود الذهاب لكي أروح عن نفسي ، بعد نهارٍ طالة ساعاته ، واشتدَ حرٌه ، كانت عادتي أن أذهب نهاية الأسبوع ، لكنَِ هذه المرة ذهبت في منتصف الأسبوع ، وحينما وصلت إلى ضفة النهر تحت شجرة ( النيم ) التي دوماً ما أجلس تحتها ،و أشكي لها همومي ، وأبوح لها بأسرار لا أبوح بها ولا لأقرب قريب . رأيت شيئاً أغرب من الخيال ، بدا لي من بعد و كأنه امرأةً في ربيع العمر ، بدأت الأسئلة تتسابق إلى عقليي :هل هي فتاه ؟ لكن ما الذي أتى بها في هذا الوقت ؟ الجوَ شديد الحرارة ، وكل الناس في منازلهم ، فالوقت وقت قيلولة .
لكنَ فضولي لا تشبعه الإجابة على هذه الأسئلة فحسب ،لذلك أخذت الخطوات تجرني لألقي نظرة عن قرب ، وعندما اقتربت ، رأيت ما لم يكن في الحسبان ، فتاةُ في ربيع عمرها ، وفائقة الجمال ،تتلاعب الرياح بشعرها وبثيابها كما تتلاعب بأغصان الشجرة ، منظر يعجز الوصف أن يوصفه ،اقتربت أكثر لأعرف من هذه ؟ وما الذي أتى بها في هذا الوقت ؟ ولماذا تجلس تحت شجرتي بالذات؟ رغم أن الأشجار تملأ المكان.
وحينما سمعتها تتحدث إلى الشجرة دق قلبي دهشتاً ، وبدأ الكلام يدور في رأسي (مستحيل أن يكون هناك من يعرف سر هذه الشجرة غيري) والعجيب أنها تتحدث إليها كما أفعل أنا بالضبط وهذا ما زاد من دهشتي.
قررت أن أستمع إلى حديثها ، فإذا بها تشكي وحكي وتبكي ، وقالت في نهاية حديثها فمتى يا شجرة الروح يأتي روح الروح) . جن جنوني حينما سمعت حديثها ، وخطفت نفسي مسرعاً إلى البيت .
دخلت ولم أسلم على أحد ، وأغلقت باب الغرفة على نفسي وجلست أفكر فيما رأيت ، (أيعقل أن تكون هذه الشجرة لها روح فعلاً كما أصفها ،أم أن هذه الفتاه استثنائية مثلي أم ماذا ؟) حاكت الاحتمالات في رأسي حتى اهتديت أخيراً إلى أن هذه الحادثة إما أن تكون محض صدفة أو أنني كنت أتخَيل.
لاشك أن هذه الاحتمالات كانت بمثابة جرعة مهدئة لأعصابي، لكن كي أتأكد من هذا الاحتمال يجب أن أثبته . وفي صباح اليوم التالي استيقظت باكراً ، وذهبت مسرعاً حتى أتحقق من احتمالي ، فلما وصلت لم أجد شيئاً ، وجدت الشجرة كما هي ، فجلست أبحث عن أثر أقدامٍ في الأرض حتى أتأكد أكثر، وبينما كنت أبحث تحت الشجرة فإذا بالعم (غالب) صاحب المزرعة التي بها الشجرة يقول لي: (لقد رأيتك بلأمس مسرعاً إلى البيت ، فصحت لك ولم تسمعني ، ماذا دهاك ) ، فقلت في نفسي: هو الوحيد الذي سيجعل الشك يفارقني ، فسألته: (وأين كنت أنت ) قال لي : لقد كنت أمامك ولم ترني ، قلت له : أنا آسف ، فقال لي: لقد كنت مع حبيبتك فكيف تراني ؟ فقلت له وقد ارتعشت أعصابي بعد أن هدأت :وهل رأيتني معها حقاً ، فقال لي : ما بالك يا بني فأنت كل أسبوع تقف معها بالساعات ، لا أدري ما هو سر تلك الشجرة معك ، تنفست ببطء وقلت له أراك لاحقاً ، وقبل أن أذهب قال لي انتظر أريد أن أسألك عن تلك الفتاه التي كانت تقف تحت الشجرة بلأمس ، فهرعت إليه مسرعاً هل كانت هنالك فتاه فعلا ؟ قال لي نعم ، قلت له وقد ملأت علامات الاستفهام مهجتي: من هي ؟ وأين ذهبت ؟ ولماذا أتت ؟ قال لي :مهلاً.. مهلاً.. هون عليك يا بني انها ابنتي (مريم) أحضرت لي الغداء لأنني لم أستطع الذهاب إلى المنزل يوم أمس فقط كنت أريد أن أسألك لماذا توقفت عندما رأيتها ، قلت له يا عم لقد رأيتها وقد كانت تتحدث إلى الشجرة ، ولم يكن على رأسها خمار ، قال لي : لا، لاشك أنك كنت تتخيل فتاه غيرها يا بني .
رائعة جدا
امتعتني كثيراً
شكرا لكِ
شكراً لك على المرور العبق
ربي يعافيك
شكراً لك على المرور العطر