تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » إنتصار كبير يستحق الاحتفال

إنتصار كبير يستحق الاحتفال 2024.

  • بواسطة
إنتصار كبير يستحق الاحتفال
عبد الباري عطوان

ثوان معدودة فصلت بين انفجار ميدان التحرير وسط القاهرة في مظاهرات غضب واحتجاج، ومهرجان ابتهاج غير مسبوق اعاد للثورة زخمها وقوة دفعها والابتسامة للملايين من مؤيديها على طول مصر وعرضها.
دول قليلة قادرة على صناعة التاريخ، ومصر دون ادنى شك احدى ابرزها، وما حدث يوم امس هو لحظة تاريخية، وفصل جديد غير مسبوق في تاريخها وتاريخ المنطقة بأسرها، فها هو الدكتور محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين، اول رئيس يصل الى قمة الحكم عبر صناديق اقتراع حرة وشفافة منذ قرون، اذا لم تخني الذاكرة.
لا نعرف ماذا جرى في الكواليس طوال الايام التي سبقت اعلان النتيجة، والضغوط التي تعرض لها المجلس العسكري المصري من داخل البلاد وخارجها، ولكن ما نعرفه جيدا ان الاعلان الدستوري التكميلي، وحل البرلمان المصري، كانا خطوتين استباقيتين لانتزاع معظم الصلاحيات من الرئيس الجديد، بحيث يصبح منزوع الدسم، فاقد القدرة على اتخاذ القرارات السيادية.
الرئيس مرسي يتولى رئاسة شعب منقسم، وخزينة مفلسة، ونسبة بطالة عالية، واقل من ربع الناخبين صوت له، والاهم من كل ذلك عداء غربي معلن. انه حقل من الالغام شديد الانفجار عليه ان يتجاوزه بأقل قدر ممكن من الخسائر.
‘ ‘ ‘
انها مهمة صعبة بكل المقاييس، فتوحيد شعب منقسم حول قيادي اخواني ليس بالتحدي الهيّن، ولكنها مهمة ليست مستحيلة اذاما تعلم الدكتور مرسي وحركة الاخوان من خلفه من اخطائهم السابقة وبسرعة.
وعندما نقول اخطاءهم السابقة فإننا نعني محاولة الاستئثار بكل المناصب الرئيسية في الدولة، من رئاسة البرلمان، الى رئاسة مجلس الشورى ورئاسة اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، واخيرا رئاسة الجمهورية.
الكثيرون تعرضوا لانتقادات قاسية من قبل متحدثين باسم حركة الاخوان عندما عارضوا مثل هذا الاستئثار، وحذروا من النتائج الخطيرة التي يمكن ان تترتب عليه، وانبرى من يقول بأن حزب العدالة والتنمية التركي فعل الشيء نفسه بعد فوزه الكاسح في الانتخابات، ولكن غاب عن ذهن هؤلاء ان الحزب الاسلامي التركي فاز في ثلاث دورات انتخابية متلاحقة، وبفعل انجازاته الاقتصادية الضخمة، وتسامحه مع فئات الشعب الاخرى التي لم تصوت له، وحفاظه على ارث اتاتورك الاجتماعي رغم اعتراضه عليه.
الدكتور مرسي اكد عزمه واستعداده في آخر مؤتمراته الصحافية قبل اعلانه رئيسا، على عرض رئاسة الوزراء على شخصية غير اسلامية، وكذلك منصبي نائبي الرئيس، مثلما تعهد بالحفاظ على حقوق المرأة والأقلية القبطية، وهذه تعهدات على درجة كبيرة من الأهمية.
نجاح الدكتور مرسي يعتمد بالدرجة الاولى على طبيعة علاقته بالمؤسسة العسكرية الحاكمة، وهي المؤسسة التي تمسك حاليا بمعظم الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل والاعلامية ايضا، واكثر ما نخشاه ان تتعمد هذه المؤسسة استفزازه وتضييق الخناق عليه وتحويله الى ‘خيال مآتة’، حسب التعبير المصري، اي مثل طارد العصافير في الحقول، فليس فألا طيبا ان يعيّن المجلس العسكري مدير مكتبه قبل ان يبدأ عمله، وليس مؤشر حسن نية ان يسحب (بضم الياء) منه قرار الحرب والسلام، وان يحلّ البرلمان الذي كانت تسيطر عليه الحركة الاسلامية، ويمكن ان تكون عونا ومصدر قوة له كرئيس.
المجلس العسكري يجب ان يكون الحامي الحقيقي للثورة وديمقراطيتها الوليدة، وان يقــــف على مسافة واحدة مع جميع القوى والاحزاب، ويكون الحكم لا الحاكم، وان فعل ذلك فإنه سيقدم خدمة عظيمة للبلاد، وسيحافظ على استقرارها ووحدتها الوطنية والتعايش بين جميع الوان طيفها الديني والمذهبي والسياسي والاجتماعي.
ليس من حق المجلس العسكري اصدار اعلان دستوري مكمل، ولا من حقه تكبيل الرئيس الجديد بالقوانين، فهو ليس رتبة عسكرية، ولا خاضعا بأي شكل لرئاسة هيئة اركان الجيش، واذا كان يريد اعلانا دستوريا مكملا، فعليه طرحه في استفتاء عام لكي يقرر الشعب الذي هو مصدر كل السلطات.
‘ ‘ ‘
الدكتور مرسي يتمتع بالذكاء حسب شهادات من يعرفونه، فقد كان احد العشرة الاوائل في شهادة الثانــــوية العامة، وارسلته الدولة الى الولايات المتحدة في بعــــثة لدراســة الهندسة، وحصل على شهادة الدكتوراة في اعرق جامعاتها، ووالده فلاح لا يملك الا خمسة فدادين فقط، اي انه من ملح الارض وينتمي الى الكادحين من ابناء مصر.
فوز مرسي هو فوز للمنطقة العربية بأسرها، وتعزيز للثورات العربية من اجل الديمقراطية وحقــوق الانسان، واسترداد الكرامة الوطنية المهدورة، ولذلك يجب ان يحظى بالدعم والمساندة من الدول العربية، والغنية منها على وجه الخصوص، حتى ينهض بمصر واقتصادها، لان فشله سينعكس سلبا عليها قبل مصر.
قطعا يرتجف الاسرائيليون خوفا من هذا الفوز، لانهم لن يجدوا رئيسا ذليلا بعد اليوم، يركع ليلعق اقدامهم، ويرضخ لكل طلباتهم، ويساند كل حروبهم، مثلما كان عليه الحال في السابق.
مصر تتغــــير.. وعجـــلة التغيير تتسارع، ولن يتوقــــف التغيير عند حدودها، بل سيخترق حدود الجميع دون اي استثناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.