الحرب الباردة عادت .. "أمريكا" ترد الصاع صاعين لـ"روسيا" في قلب أوكرانيا .. هل سنشهد"جورجيا 2" ؟
عرف العالم بعد الحرب العالمية الثانية مصطلح عسكري جديد مرر عبر الاروقة السياسية بعدما انهكت الدول العظمى من نتائج الحربين العالميتين الاولى والثانية ,واتخذ هذا المصطلح الجديد تطبيقا فعليا على ارض الواقع وخصوصا بين القطبين اللذان برزا كقوتين عظمتين الخمسينيات "الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي" والمصطلح الجديد هو نقل الحرب خارج حدود الدولتين لتجنب تكبيدهم خسائر في المادة والارواح من خلال استغلال الشعوب الفقيرة ونشب الصراع بينها واغراقها بالمال من اجل استمرار الحرب والمنتصر في الحرب يعد انتصاره لصالح الدولة الداعمة .
برز الصراع الروسي الامريكي في الخمسينيات من القرن الماضي عندما اعلنت مصر تأميم قناة السويس في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وشنت الدول الثلاث عدوانها على مصر .
وتجلى بعد ذلك في دعم الولايات المتحدة للدول التي تفككت عن الاتحاد السوفيتي الى ان وصل الى دعم جورجيا في العام 2024 من شن هجومها على اوسيتا الامر الذي اغضب الدب الروسي ,وهدد بحرب على جورجيا استمرت لمدة 5 ايام عرفت بحرب الايام الخمسة
ولم تكتف موسكو بذلك، بل أمرت قواتها بدخول الأراضي الجورجية بهدف تدمير قدرات الجيش الجورجي القتالية، والتي شملت مواقعه والأسلحة التي أمدته بها أمريكا وإسرائيل ودول أوروبا خلال السنوات العشر الماضية.
كما استمر اجتياحها للأراضي الجورجية حتى أصبحت ترابط على بعد ثلاثين كيلومتراً من العاصمة "تبليسي"، بعد أن استولت على مدينة جوري الإستراتيجية التي تفصل شرق جورجيا عن غربها، كما سيطرت على مرفأ "بوتي" المطل على البحر الأسود، ما مكَّن القوات الروسية من المرابطة على بعد ثلاثين كيلومتراً من العاصمة الجورجية.
وهنا تساءل المراقبين والمحليين السياسيين عن الدور الروسي في الرد السريع ,لكن كما يبدو للقراءة التحليلية المتواضعة التي حاولت احدى الصحف العربية ايجازها للقاريء باختصار ان روسيا بدأت تستعيد قوتها منذ تلك اللحظة وتبرز كقوة عظمى اخرى على الساحة بعد ان استعادت قوتها العسكرية وانفاقها الذي بلغ اكثر من 40 مليار دولار على الانتاج الحربي وصناعة الاسلحة لتتصدر تصدير الاسلحة للعالم من جديد .
فروسيا تصدر اليوم الاسلحة لقرابة 80 دولة بالاضافة الى انها استعادت مكانتها في صدارة العالم لتصنيع الاسلحة الكيماوية والصواريخ الباليستية اضافة الى امتلاكها اكثر 16000 رأس نووي كفيلة بتدمير العالم كله بالاضافة الى امتلاكها لثلث المخزون الاحتياطي العالمي من البترول وتصدر الغاز الطبيعي لعدد من الدول الاوروبية ,اضف الى ذلك استنادها مؤخرا على الاكتفاء الذاتي من الثروة الزراعية ,بل تصدر كافة انواع المحاصيل الى عدد كبير من دول العالم الثالث.
سعت امريكيا في دعمها لجورجيا بتكثيف حبل دول الطوق المحيط بروسيا ,وكان لروسيا في حربها ضد جورجيا مصالح عدة اولها وقف التدخل الامريكي والاسرائيلي الذي دعم جورجيا عسكريا وامدها بالاسلحة وثانيا محاولة من الاتحاد الاوروبي اضعاف الدور الروسي في المنطقة وخصوصا نفوذه الذي يمتد الى الشرق الاوسط ومواقفه الداعمة في مجلس الامن لايران وسوريا وخط النفط الممتد في بحر قزوين عبر تركيا الداعمة لازربيجان ضد ارمينيا الحليفة لروسيا والتي استخدمت قواعدها في حربها على جورجيا بالاضافة الى عدة اسباب اخرى تتمثل في المصالح الاقتصادية والمالية والسياسية المشتركة في ابراز النفوذ على الارض ولكن حاولنا ايجاز اهم الاسباب كي لا نطيل على القاريء.
كما شهدت ساحة الصراع السوريا تجاذبا من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة التي دفعت بكل قوتها في الاراضي السورية من اجل اسقاط النظام السوري الذي يدعمه الامريكان وسعت امريكيا بكل السبل وجيشت العالم كله في محاولة لصد الموقف الروسي الا انها فشلت رغم انتهاجها لسياسة قذرة عمدت على اخراج كل السجناء المواليين لتنظيم القاعدة من اليمن والعراق وتونس وليبيا وافساح المجال امامهم لما يسمى بالجهاد في سوريا من اجل الضغط على النظام ومحاولة اسقاطه بكل السبل وحاولت اتخاذ قرار بالحرب على سوريا الامر الذي تصدرت له روسيا ورفضته بشدة وتحت التهديد السري في الاروقة والغرف المغلقة طلبت امريكا من روسيا مخرجا يحفظ لها ماء الوجه امام العالم , الامر الذي لم تتجرعه الولايات المتحدة وبدأت تفكر بمصطلح الحرب الاخر والاقوى في اختراق الحصون وهو فتح القلعة من الداخل اذا عصت حصونها الخارجية ,فكان الخيار اوكرانيا.
دعمت الولايات المتحدة الامريكية المعارضة الاوكرانية بكل قوة من اجل اسقاط رئيس اوكرانيا الموالي لروسيا وكأنها ارادت الانتقام مما فعلته روسيا مؤخرا من مواقف صديدة تجاه الضربة المزعومة من الولايات المتحدة لسورية ,بالاضافة الى المواقف الروسية التي تلت ذلك بعقد صفقات للاسلحة الروسية مع جمهورية مصر العربية والتي ادارت هي الاخرى ظهرها للولايات المتحدة الامريكية واهم ما ميز تلك الصفقات الدعم السعودي الاماراتي والتي كان حليفا اوليا للولايات المتحدة ,الامر الذي ازعج الولايات المتحدة وايقنت في ادارتها ان البساط بات ينسحب تدريجيا من تحت ارجلها في دول النفوذ في الشرق الاوسط واستبدال دورها بالدور الروسي .
تيقنت الولايات المتحدة الامريكية ان الدب الروسي اصبح يخرج منتصرا في الحرب الباردة الجديدة فقررت على الفور تدبير المكائد في عقر داره وبدأتها بدعمها للمعارضة الاوكرانية للاطاحة بالرئيس الاوكراني الموالي لروسيا ونجحت في ذلك برغم تحزيرات روسيا المتكررة من التدخل الامريكي واحتجاجها على تصريحات واجتماعات وزير خارجيتها "جون كيري" مع المعارضة الاوكرانية .
ولكن الصمت الروسي حيال الازمة في اوكرانيا بات مصدر تساؤلات المراقبين فهل ستتدخل روسيا مرة اخرى كما فعلت في جورجيا ؟!
للاجابة على هذا التساؤل مرهون بالايام القليلة القادمة في اعلان الدب الروسي موقفه الرسمي تجاه ما حصل لاوكرانيا ام سيلتزم الصمت ويبحث عن تفجير صراعات تؤدي الى فكفكة وتدمير الولايات المتحدة الامريكية ..؟!
يشار الى ان المعارضة الاوكرانية نجحت في السيطرة على "كييف" العاصمة الاوكرانية بدعم امريكي واضح الامر الذي ادي الى اختفاء الرئيس الاوكراني المعروف بولائه لروسيا وقرر البرلمان على اثرها بالافراج عن رئيسة الوزراء السابقة والمحسوبة على المعارضة واعلان 25 من مايو انتخابات عامة في اوكرانيا.
اياد العبادلة
تحياتي وتقديري