تُخفَّفُ " أنَّ " المفتوحـة؛ فتبقى على ما كـانَ لها من العَمَل؛ فتنصِب الاسم، وترفـع الخبر، ولكنْ يجبُ في اسمهـا أنْ يكونَ ضميرًا محذوفًا، ويجب في خبرهـا أنْ يكون جملـةً، وذلك نحـو: " عَلِمتُ أنْ زيـدٌ قائمٌ "؛ فـ " أنْ " مُخفَّفـة من الثقيلة، واسمهـا ضمير الشَّـأنِ، وهو محذوف، والتَّقديـر: " أنْـهُ "، و" زيـدٌ قائمٌ " جملة اسميَّـة في محلّ رفع خبر " أنْ ".
ورُبَّما ثَبَتَ اسمُهـا في ضرورةِ الشِّعـر، ولَمْ يُحـذَفْ، فيأتي خبرهـا حيـنئذٍ مُفـردًا، وجملةً، وقـدِ اجتمعـا في قولِ الشَّاعر:
بِأنْكَ رَبيـعٌ وغَيْثٌ مَّرِيـعٌ وأنْكَ هناكَ تكـونُ الثِّمـالا
وإذا وَقَع خبرهـا جملةً اسميَّـة؛ لَمْ تَحْتَـجْ إلى فاصلٍ، نحو قوله : وآخِـرُ دَعْواهُـمْ أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَميـنَ ، وإنْ وَقَع جملـةً فعليَّـةً فِعْلُهـا جامدٌ أو دُعـاء؛ لَمْ تَحْتَـجْ إلى فاصلٍ أيضًا؛ نحو قوله : وأن لَّيْسَ للإنسـانِ إلاَّ ما سَعـَى ، وقولـه : والخَامِسَةُ أنْ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهـا ، في قراءة مَنْ قرأ " غَضِبَ " بصيغـة الماضي.
ويَجِبُ الفَصْلُ في غير ذلك، والفاصِل أحـد أربعة أشيـاء:
1- " قَـدْ "، نحو قوله : وَنَعْلَمَ أن قَدْ صَدَقْتَنـا .
2- حرف التَّنفيس، نحو قوله : عَلِمَ أن سَيكونُ مِنكُم مَّرْضَى .
3- النَّفـي بـ " لا "، أو " لَنْ "، أو " لَـمْ ":
فالأوَّل نحو قوله : أفَلا يَرَوْنَ أن لَّا يَرْجِعُ إليْهِم قَولاً .
والثَّاني نحو قوله : أيَحْسَبُ أن لَّـن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحَـدٌ .
والثَّالـث نحو قوله : أيَحْسَبُ أن لَّـمْ يَرَهُ أحَـدٌ .
4- " لَـوْ "، وَلمْ يذكر هذا الفاصل إلاَّ قليل من النَّحويِّيـن، ومنه قوله : وأن لَّوِ اسْتَقامُـوا .
وينـدر ترك الفاصل، وممَّا جاء بدونـه قول الشَّاعر:
عَلِمُوا أن يُؤمَّلونَ فَجَـادوا قَبْلَ أن يُسـألوا بأعْظَمِ سُـؤلِ
و" أن " المخفَّفة من الثَّقيلة ثلاثيَّـة الوَضْع، وهي مصدريَّـة أيضًا.
وتَقَع بعـد فعل اليقين أو ما نُزِّلَ منزلتـه:
فمثال ما وَقَعَتْ فيه بعد فعل اليقيـن قوله : أفَلا يَرَوْنَ أن لَّا يَرْجِعُ إليْهِم قولاً ، وقوله : عَلِمَ أن سَيكونُ منكُم مَّرْضَى .
ومثال ما نُزِّل منزلـة اليقيـن قوله : وَحَسِبُوا أن لَّا تَكونُ فِتْنَـةٌ ، فيمَنْ قرأ برفـع " تكون "، على إجراء الظَّنِّ مجـرى العِلم. ومِنَ القُرَّاء مَنْ قرأ بنصـب " تكون "، على إجراء الظنِّ على أصلـه، وعدم تنزيله منزلة العِلْم.
قال ابن هشامٍ – رحمـه الله – في " أوضـح المسـالك ":
( والمُخَفَّفـة من " أنَّ " هي الواقعـة بعد عِلْمٍ، نحو: عَلِمَ أن سَيكونُ منكُم مَّرْضَى ، ونحو: أفَلا يَرَوْنَ أن لَّا يَرْجِعُ ، أو بعد ظنٍّ، نحو: وَحَسِبُوا أن لَّا تَكونُ ، ويجوز في تاليـة الظنِّ أنْ تكونَ ناصِبـةً، وهو الأرجـح؛ ولذلك: أجمعـوا عليه في: أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُـوا ، واختلفـوا في: وَحَسِبُوا أن لَّا تَكونُ فِتْنـةٌ ؛ فقرأه غير أبي عمـرٍو والأخَوَيْن بالنَّصبِ ) انتهى.
وقال – – في " شـرح قطر النَّـدى ":
( والحاصـلُ أنَّ لـ " أنِ " المصدريَّـة باعتبار ما قبلهـا ثلاث حالات:
إحـداها:
أنْ يتقـدَّم عليها ما يدلُّ على العِلم؛ فهـذه مُخفَّفة لا غير…
الثَّانيـة:
أنْ يتقدَّم عليهـا ظنٌّ، فيجوز أنْ تكونَ مُخفَّفة من الثقيلة… ويجوز أنْ تكونَ ناصبةً، وهو الأرجـح في القياس، والأكثر في كلامهم؛ ولهـذا أجمعوا على النَّصب في قوله : الـم أَحَسِبَ النَّاسُ أنْ يتْرَكُـوا ، واختلفـوا في قوله : وَحَسِبُوا أن لَّا تَكون فِتْنـةٌ ؛ فقُرِئَ بالوجهَـينِ.
الثَّالثـة: أن لا يسـبقها علمٌ ولا ظـنٌّ؛ فيتعيَّـن كونهـا ناصبةً، كقوله : والَّذي أطْمَعُ أن يَغْفِـرَ لي خَطِيـئَتي ) انتهى.
والله أعلـم.