وهنا سنتطرق للبحث عن أخلاقيات ممارسة هذه المهنة
أعتقد أن المدخلالطبيعي لتحقيق ممارسة مهنية أخلاقية، هي الفلسفة التي ينتجها كل منا لتحقيقالنجاح، إذا اعتبرنا أن النجاح يكمن في التفوق المادي فقط، فقدنا على الفور "دورناكأصحاب رسالة تجاه الآخرين". فالنجاح الحقيقي هو ما نستطيع أن نقدمه للآخرين، وليسفيما يستطيع الآخرون أن يقدموه لنا، وهذا لا يعني بالضرورة إنكار الذات، ولكنه يعنيأن نسلك سبيلاً وسطاً ومتوازناً في الحياة. والحديث عن أخلاقيات الممارسة في حقلالرعاية الصحية يطول إلاّ أنني أسرد بإيجاز بعضاً مما ذكره الدكتور/ زهير أحمدالسباعي، أستاذ ورئيس قسم طب الأسرة والمجتمع – جامعة الملك فيصل – بالدمام، فيكتابه القيم "الطبيب أدبه وفقهه" وهو كتاب موجه لكل العاملين في مجال الرعايةالصحية.
الإيمان بشرف المهنة:
العاملون في مجال الرعاية الصحيةيعملون بأشرف المهن، بيد أن ذلك رهين بشرطين:
أولهما: أن تمارس بكل إتقانوإخلاص، "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
ثانيهما: أن تراعي فيسلوكك وتصرفاتك الخلق الكريم.
أخلاقيات المهنة :
لقد اتفقت شرائح المجتمع – وعلى رأسهم أهل العلم – على شرف مهنة الصيدلة ونبلها، فالصيدلاني مؤتمن على صحة النفس البشرية وهي من أثمن ما لدى الإنسان، ومؤتمن على أسرار المرضى وأعراض الناس، وذكر الرازي في فضل الصيادلة: (أنهم قد جمعوا خصالاً لَم تجتمع لغيرهم، منها اتفاق أهل الأديان والمُلك على تفضيل صناعتهم؛ واعتراف الملوك والسّوقَة بشدة الحاجة إليهم؛ ومجاهدتهم الدائمة باكتشاف المجهول في المعرفة وتحسين صناعتهم؛ واهتمامهم الدائم بإدخال السرور والراحة على غيرهم)ا.هـ. فإن عَرف الصيدلاني قدر مهنته وعظيم شرفها لم يسعه إلاّ أن يتصرف بِما يليق بقدرها ومكانتها، فعلى الصيدلاني أن يتصف بكل صفة حسنة تَليق بالشرف الرفيع الذي حباه الله عز وجل لمن يقضون حوائج الناس ويمسحون آلامهم ويُفرِّجون كُربَهم، كما عليه بالمقابل أن يسمو بنفسه عن ارتكاب كل ما لا يليق به وبمهنته، كالخداع، والكذب، والتزييف، والتكبُّر، وادعاء ما لا يعرف، وأكل أموال الناس بالباطل.
وإذا كان الإسلام يحمل أهله على مكارم الأخلاق وإتقان العمل، فإنها في حق المنتمين إلى مهنة الصيدلة أوجب وأكد، ولذا سنتحدث هنا عن بعض الأخلاق التي ينبغي للصيدلاني المسلم أن يتحلى بها على المستويين الشخصي والمهني، ولعلنا قبل أن نشرع بذلك نُذَّكِر بجماع ذلك، وهو الإخلاص لله تعالى واستشعار العبودية له سبحانه، فهو من أهم ما يجب أن يتصف به الصيدلاني المسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمالُ بالنيَّاتِ وإنّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوَى» [متفق عليه]، فعلى الصيدلاني المسلم أن يخلص أعماله كلها لله تعالى، وعليه أن يستشعر مُراقبة الله عز وجل له في كلِّ أحواله، وأنه محاسب على كلِّ صغيرة وكبيرة.
تهذيب النفس :
لعل من أهم جوانب تهذيبالنفس، هو أن يدرب الإنسان نفسه على الاكتفاء، ومن كلمات الأديب عباس العقاد فيذلك:"قيمتك في عملك، وغناك في نفسك، ودوافعك أولى بالتحري من غاياتك".
التعليم الذاتي:
على الصيدلاني أن لا يتوقف عن التعلم مدى الحياة،حيث من المعروف أن العلوم الطبية يتجدد أكثرها كل سبع سنوات، فمن وقف به إطلاعهوقراءته عند يوم تخرجه، فلن يستطيع مواكبة التقدم، وبالتالي تقديم الخدمة الأمينةالمميزة.
فن التعايش:
ليست القضية "شطارة" أو ذكاء اجتماعي، وإنماهي مزيج من التواد والتسامح والعطاء، وكل منا مطالب بأن يدرب نفسه على فن التعايش،لكي ينجح في حياته الشخصية والمهنية، ومن أساسيات هذا الفن
أن تقبل الناس علىعلاتهم، وأن تدرك أن هناك فوارق طبيعية بينهم لأسباب كثيرة.
وبما أننا نتعاملمع جنسيات متعددة وثقافات متباينة، وبصرف النظر عما تواضع عليه البشر من تصنيفبعضهم لبعض تبعاً للفوارق الطبقية والجنسية والعرقية، فعلينا أن نتعامل مع الجميعمن منطلق المساواة والعدل.
الصدق:
من أولى وأبرز الأخلاقيات اللازمةللصيدلي في عمله و ممارسته المهنية، الصدق ونتذكر دائماً ونحن ننصح ونقدم الاستشارةلمريض، حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"المستشار مؤتمن".
وهو ليس صدق الكلمة فحسب، بل وصدق النيّة وصدق العمل والأداء، ولذا فهو يشمل العلاقات الإنسانية كلها، فالصيدلاني صادق في طلبه للعلم، صادق في أداء حقوق وظيفته، صادق في صرف العلاج لمرضاه ونصحهم، صادق في إجراء أبحاثه العلمية، صادق في أحواله كلها.
التواضع:
شيمة التواضع يجب أن يتصف بها كل إنسان، وهي ألزمللصيدلي كمتصدي للخدمة العامة والاحتكاك المباشر بجمهور الناس. فعلى الصيدلاني أن يكون متواضعاً، متجنبا التعالي على المرضى، والنظرة الدونية لهم مهما كان مستواهم العلمي أو الاجتماعي، فهذا هو ما يجعله موضع احترام الآخرين
حفظالسر:
إن طبيعة عملنا تطلعنا على كثير من خصوصيات الناس وأسرارهم، ومن أوجبأخلاقيات الممارسة هي الحفاظ على أسرار المرضى.
الصبر والحلم:
الصيدلة مهنة شاقة مضنية، والتعامل مع نوعيات مختلفة من فئات المجتمع يتطلب قدراً كبيراً من الصبر وسعة الصدر، فهذا عجول، والثاني سريع الغضب، والثالث لا يتحمل أدنى ألم، والآخر لا يتحمل الانتظار ، فلا بد للصيدلاني أن يتحلى بقدر كبير من الصبر والحلم والأناة، فيتحمل تصرفات المرضى ، ولا يقابل الأذى بمثله كأن يمتنع عن صرف العلاج لمريض أغلظ القول مثلاً، أو يقصر في إعطائه حقه الكامل من الرعاية.
التعاون والتكامل معباقي أعضاء الفريق الصحي:
فإن هذا التكامل يصب في مصلحة المريض وهو منأساسيات وأخلاق الممارسة الصيدلانية الجيدة.
هذه بعض آداب وأخلاقيات ممارسةمهنة الصيدلة، وأحسب أنها ليست ببعيدة عن أذهاننا جميعاً، ولكن نحن نؤكد جميعاً علىالالتزام بها.
منشأأخلاقيات المهن الطبية:
اُقِر منذ ألاف السنين على أن الأخلاق هي مطلبأساسي لأي مهنة. ولقد أكدت كل النظم القديمة إلى حدّ ما على هذا المطلب.
أستنبطالغربيون النُظم الأخلاقية الطبية من قَسَمْ أبقرط القديم ومن مبادئ الشرف النبيلة . ولقد دونت معايير السلوك المهني في أواخر القرن السابع عشر، وتبنتها الجمعياتالطبية رسمياً في بدايات القرن التاسع عشر.
تعتمد الأخلاق المهنية الإسلامية علىالأسس والمبادئ الأخلاقية التي نصَّ عليها القرآن الكريم، والتي تُشكل بدورهانموذجا أخلاقياً لكل الأجناس البشرية، وكلِّ المهن وفي كلِّ زمن.
وفيما يليملخص للمصادر التي انبثقت عنها عبر التاريخ أخلاقيات المهن الطبية والأبحاث :
قسم أبقرط ( 400 ق.م ) Hippocrates
ولد أبقرط في اليونان سنة 460 ق.مولُقب بأبي الطب. أسس مدرسة طبية وطور القسَمْ الطبي الأخلاقي ( المعروف بقَسَمْأبقرط) وألزم الأطباء بإتباعه .
يشكل قَسَمْ أبقرط أساساً اعتمد عليهالقسم في كافة كليات المهن الصحية الحديثة والتي يؤديها الخريجون عند بدايةممارستهم لمهنهم.
المبادئ الرئيسية لقسم أبقرط هي :
إجلال أساتذةالطب.
لا يُجاز في المهنة إلا من يتمسك بأخلاقيات القَسمْ.
مزاولة المهنةبهدف فائدة المريض وتلافي ضرره.
الابتعاد عن كل ما من شأنه إسقاط الجنين منأدوية أو مواد.
دخول منازل المرضى من أجل مصلحة المريض.
الامتناع عن الأذىوالفساد.
احترام سرية العلاقة بين الطبيب والمريض.
توماس بيرسيفال ( 1740م-1804م )
أسس هذا الطبيب الإنكليزي دستوراً للأخلاقيات الطبيةخاصاً بالأطباء عام 1794م ، والذي اعْتُمِدَ من قبل الأطباء الأمريكيين ، ومن ثماعتمدته الجمعية الطبية الأمريكية (أ م أ). وكان هذا أول دستور أخلاقي يُعتمد منقبل هيئة مهنية ليحل مكان الأخلاقيات المهنية القديمة والمفسرة بطرق مختلفة ، وهكذافقد وفر هذا الدستور معياراً للسلوكيات يتبعه مزاولو المهنالطبية.
الدستور الأخلاقي للجمعية الطبية الأمريكية (أ م أ) 1846م
تتضمن نسخة عام 1980م من الدستور الأخلاقي للجمعية الطبية الأمريكيةسبعة بنود، بينما تتضمن النسخة المُطورة لعام 2001م تسعة بنود، ويؤكد البندانالإضافيان في النسخة المعدلة الحالية على مسؤولية الأطباء ، ويدعم الانتشار العالميللرعاية الطبي. كما أضافت النسخة الأخيرة كل التدابير اللازمة حول للالتزامبالتعليم الطبي , ومسؤولية تطوير الصحة العامة. كما يتضمن دستور الجمعية الأخلاقيبعض المقوم الأخرى مثل:
احترام القانون.
احترام حقوق المرضى.
احترامحقوق الزملاء.
احترام خصوصية المريض وسرية المعلومات الخاصة به.
الكفاءة،والتفاني والمحبة .
الصدق وواجب التبليغ عن أي خداع أو كذب.
التعليم المستمر، والدراسة، واستشارة الآخرين في المهنة.
الحرية في مزاولة المهنة.
المسؤوليةفي بذل الجهود لتحسين المستوى الصحي للمجتمع.
دستور نورمبرغ ( 1947 ) م
نتج هذا الدستور بسبب الجرائم البشعة التي ارتكبت بحقالإنسانية، والتي مارسها بعض الأطباء النازيين أثناء تجاربهم بعد الحرب العالميةالثانية, تحت غطاء الأبحاث العلمية. يمثل هذا الدستور نقطة البداية في المناقشاتحول موضوع أخلاقيات العلاج للكائن البشري.
مارس الأطباء الألمان تجارب طبيةًرهيبةً على الأسرى في المعتقلات النازية، حيث عُملوا بدون أي اعتبار لإنسانيتهم أومصلحتهم وكل ذلك تحت ستار البحث العلمي.
ويتألف هذا الدستور من عشرة مبادئ تحددالأخلاقيات الطبية الخاصة بالأبحاث وتؤكد على الحقوق الإنسانية للشخص المتبرع (الشخص الذي يوافق على أنيطبق عليه البحث العلمي) ،
ويتضمن الدستور ما يلي :
إبلاغ الشخص المعني وأخذ موافقته.
يجب أن يكون البحث هادفاً وضرورياً لمصلحةالمجتمع.
يجب أن يكون البحث قائما بالأساس على الدراسة على الحيوان أو أي مبررمنطقي.
تجنيب وحماية الشخص المتبرع من أي إصابة أو معاناة جسدية أوعقلية.
يجب أن لا تكون مخاطر البحث على المتبرع أكبر من محاسنه.
يجب أن يكونالباحث مجاز علمياً.
من حق المتبرع أن يمتنع عن الاستمرار في البحث العلمي في أيوقت.
إعلان جنيف ( 1948 م )
أقرَّت الجمعيات الطبية العالمية هذاالقَسَمْ بعد الفظاعات التي اقتُرِفَت باسم الأبحاث العلمية في معسكرات الاعتقال النازي. والمقومات الأساسية لهذا الدستور تتلخص كما يلي :
– خدمةالإنسانية.
– الاحترام والعرفان بالجميل للأساتذة.
– ممارسة المهنةبضمير ونبل.
– الإحساس بواجب الاهتمام بصحة المريض والزملاء وتقاليدالمهنة.
– ممارسة المهنة بما ينسجم مع القوانين الإنسانية.
– احترام الحياةالإنسانية بما فيها حياة الجنين.
– الواجب المهني يتقدم على العرق والدينوالسياسة والتمييز الاجتماعي.
إعلان هيلسنكي ( 1964 م )
خير ومنفعة الإنسانية مقدم على الاهتمام بالعلم والمجتمع.
يجب أن يعمل الطبيب فقط لما ينفع المريض , وأن تكون صحة المريض في مقدمةاهتماماته.
تتداخل كثيرا من مبادئ هذا الإعلان بقوانين الأبحاث العلمية. ومن ناحية أخرى تناقش النسخة المراجعة استعمال المستحضرات الشاهدة ( المستحضرات الخاليةمن المادة الفعالة والتي تعطى لمجموعة من المرضى المجرى عليهم البحث مقابل مجموعةأخرى تتناول الدواء الفعَّال موضوع البحث , وذلك بهدف المقارنة)، وتنصح بأن يكون منواجب لجنة الأخلاق مراقبة التجارب العلمية الجارية، كما تقضي بأن يكشف الباحثون للمتبرعين عن التفاصيل الخاصة بالتمويل ، وعن احتمال تضاربالصالح العام
شاكرة لك مجهودك المتواصل
تسلم الايادي
تقديري العميق لشخصك
والتواصل الرائع
انرتِ
شرح مميز اخي عمر
ودي لشخصك الكريم
الشكر موصول لك ايضا
على تواصلك الرائع
وعبورك الأنيق
انرت