وإنَّ تزكية النفوس هي إحدى الغايات التي بُعِث من أجلها الرسل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة: 2]، وكثيرًا ما تجد الآيات تصبُّ معانيها على القلب؛ ذلك أنَّ الشجاعة والكرم، والحب والعطف، والشفقة والإحسان، والبر والتقوى، والإيثار، والأنس بالله واللذة بمناجاته، والإيمان واليقين، وكلُّ أنواع الخير، لا يمكن أن توجد إلَّا في القلوب الطاهرة الزكية، ولا يمكن إن تسكن قلبًا ملوثًا بالغلِّ، والحسد، والأنانية، والأثرة، وسوء الظن بالآخرين؛ لذا كان من دعاء إبراهيم الخليل -عليه الصلاة السلام-: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87-89]، وكان من دعاء نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وأسألك قلبًا سليمًا)، ولذا كان الصالحون والأخيار أحرص ما يكونون على تفقُّد قلوبهم وإصلاحها وتصفيتها.
إنَّ القلوب السليمة والنفوس الزكية هي التي امتلأت بالتقوى والإيمان، ففاضت بالخير والإحسان، وانطبع صاحبها بكلِّ خُلُقٍ جميل، وانطوت سريرته على الصفاء والنقاء وحب الخير للآخرين، فهو من نفسه في راحة والناس منه في سلامة، أمَّا صاحب القلب الخبيث والخُلُق الذميم؛ فالناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء.
وإنَّ سلامة الصدور من كمال الإيمان وحسن الإسلام، يحبه الله ويرضاه، يألف ويُؤلَف يُحِب ويُحَب، مع السعادة والانشراح الذي يجده في قلبه، ولا يصلح لسكنى الجنة من تلوَّث قلبه بالأدران حتى يصفى القلب؛ لذا قال الله -عزَّ وجل- في أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43]، وفي صحيح مسلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير).
أمَّا القاسية قلوبهم؛ فتجد القسوة في سلوكهم، والجفاء في أخلاقهم، ميلٌ إلى اتهام الآخرين فلا يقبل العذر، وفرحه بافتضاح المخطئين، مليء بالشماتة ، سوء ظن بغي وحسد، أين هم من قول الله -عزَّ وجل-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، والعفو هو اليسير، أي: يقبل اليسير الممكن من أخلاق الناس وأعمالهم، كما قال مجاهد -رحمه الله-،
فاقبل الأعذار، واسلك العفو والمساهلة، واترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم، اصبر على ذلك، واعف عن نقائصهم وأخطائهم في الصحبة والجوار والأخذ والعطاء؛ لتمض الحياة سهلة لينة.
كما أنَّ المسلم مأمور بالإعراض عن الجاهلين وعدم مجاراتهم في الخصام واللِّجاج؛ لأنَّ ذلك يور الضغائن وينمي الأحقاد، ويفسد القلب فإذا أطاش السفيه عقل الحليم ؛ فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
أصحاب القلوب النقية والصدور السليمة لا يبحثون عما تكنُّه صدور الناس، وتنطوي عليه سرائرهم، حبٌّ للخير، وسترٌ على المخطئ، وسعي لإقالة العثرة، وسرور بتوبة العاصي.
قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ: الناس أفضل؟ قال: (كلُّ مخموم القلب صدوق اللسان)، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلٍّ ولا حسد)[1].