قصائد "الخاركاس" Kharchas" هي الشكل الأول للأدب الأسباني، ويمكن ترجمتها ببساطة إلى قصائد شعبية، تمّ انتقالها شفهياً من جيل إلى آخر حتى اتخذت شكلاً مكتوباً في القرن الخامس عشر حيث تمّ توجيهها في تيارين مختلفين:
"الشعر المغنّى" و"الشعر المنسوخ". أما بالنسبة للشعر المغنى فقد اتخذ شكل (قصائد القرون الوسطى الملحمية). ودأب الشعراء على التجوال في الساحات العامة، والقلاع والقصور، وهم يقصون ويغنون حكايا الأبطال الأسطوريين أمثال: آل سيد، أبناء ملوك لارا، أو فرناند كونزالس.
دخل ميوسيد روي دياز مدينة بورغوس
برفقة سبعين فارساً من حملة اللواء،
خرج لرؤية الرجال والنساء،
النبلاء والبارونات على الشرفات،
الدموع تملأ مآقيهم، وغصّات الألم في حناجرهم.
ولد آل سيد رودريغو دياز في مدينة بورغوس عام 1043، وهو يعتبر بطلاً تاريخياً وأسطورياً في آن واحد، تمكن من انتزاع بلنسية من العرب، وتوّج نفسه ملكاً عليها وحكمها حتى موته.
أما القصائد المنسوخة فقد ظهرت في مدينة كاستيل في القرن الثالث عشر، ثم تلاشت مع بداية القرن الخامس عشر على أثر ظهور أشكال جديدة مستوردة من إيطاليا. من سماتها الأساسية: مقطع شعري يتألف من أربعة أسطر على قافية واحدة، وأربعة عشر مقطعاً، بالإضافة إلى استخدام لغة رفيعة ومألوفة، والكتابة عن مواضيع تاريخية ودينية ورومانسية
أنا، كونزالو بيرسيو، بنفسي،
وقعت، وأنا في طريقي إلى الحج، فوق مرعى
أخضر لم يطأه أحد ومفعم بالورود.
مكان ينشده المتعبون.
في القرن الثالث عشر، تلقى الأدب الأسباني والحضارة الأسبانية دفعاً قوياً على يد الحكيم ألفونسو الخامس، الذي كان لأعماله الأدبية والعلمية دور بارز في رفع المستوى الأدبي إلى درجة سامية ويعتبر كتابه (التأريخ العام) أول كتاب يتحدث عن تاريخ أسبانيا باللغة الأسبانية. وفي كتابه (التاريخ العام والكبير) هناك محاولة لإعادة سرد التاريخ القديم للبشرية. أما كتاب (القوانين السبعة) فهو إعادة تصنيف موسعة للأسس القانونية, ومن مؤلفاته الشعرية لابد من ذكر (أغاني القديسة ماريا).
شهدت الفترة الانتقالية ما بين العصور الوسطى وعصر النهضة عملاً هاماً وهو (سيلاستينا) الذي يعتبر من أهم الأعمال التي ظهرت خلال فترة حكم ملوك الكاثوليك. فقد وصف الكاتب فرناندو دي روجا الشخصية الرئيسية (سيلاستينا)، التي لعبت دوراً وسيطاً في قصة الحب التي جمعت بين (كاليكستو) و(ميليبيا) ببراعة فائقة. ويندرج هذا الكتاب تحت نوع أدبي خاص يقع بين الرواية والمسرحية؛ إذ على الرغم من أنه عمل نثري، إلا أن موقفاً مسرحياً متميزاً لوحظ في العمل.
في القرن السادس عشر، كان تأثير عصر النهضة من أهم المراحل في الأدب الأسباني، ففي النصف الأول من هذا القرن، تشرّب هذا الأدب، إلى درجة كبيرة، أفكار الفيلسوف الألماني إيراسموس الذي حاول إعادة صياغة المذهب المسيحي في شكل جديد. وقد تمثلت هذه الأفكار في أسبانيا لدى جوان ألفونسو دي فالدي وجوان لويس فيف. ونلاحظ أن تأثير الكتّاب الإيطاليين كان واضحاً في المرحلة الأولى من حركة النهضة. فقد قدم كل من جوان بوسكان وغراسبلاسو دي لافيفا أشكالاً موزونة من الشعر الإيطالي بالإضافة إلى مواضيع وصور لبترارك. وقد اتبع فرناندو دي هيريرا هذا التوجه في أعماله مثل: (عند موت الملك سباستيان) و(أغنية بمناسبة انتصار ليبانتو) و(إلى الملك القديس دون فرناندو). في حين اتبع فراي لويس دي ليون الاتجاه الشعري الإيطالي الآخر الذي قاده هوراشيو في أسبانيا. ولا يمكننا تجاهل مساهمة الكاتبات أمثال: سانتا تيريزا وسان جوان خلال هذه الفترة، وهما شخصيتان دينيتان تنتميان إلى النظام الكهنوتي الكرملي. إلا أنه بسبب حماستهما لإصلاح هذا النظام، تعرضتا لعقاب قضائي، وخاصة سان جوان التي تعرضت للاضطهاد والحجز لفترة من الزمن.
تم ابتكار كلمة جديدة (baroque)(1) لوصف المظاهر الفنية التي سادت خلال الفترة الأخيرة من القرن السادس عشر لمواجهة تأثير كلاسيكيات عصر النهضة (أدب الإغريق والرومان). ففي الصراع الفني، وخاصة في فن العمارة، اتسم الأسلوب "الباروكي" بالتعقيد، والإسراف في الزخرفة، والتأثر بالفخامة والعظمة. ومع ذلك، لم تخل هذه الفترة من بعض المؤلفات البسيطة التي تفتقر إلى أسلوب التكلف والفخامة. في أسبانيا، ترافق ظهور هذا الأسلوب الأدبي الجديد مع نهاي
خلال عصر النهضة، وإلى جانب النثر التعليمي والإصلاحي لأتباع الحركة الإنسانية، نضج أيضاً النثر الأدبي ذو النزعة التخيلية الخالصة تأثراً بتعاليم القرون الوسطى. تُوِّج هذا التوجه في فترة العصر الذهبي بصدور الرواية الشهيرة (دون كيشوت) للكاتب سيرفانتس، التي تتحدث عن مغامرات فارس متجول بسخرية كامنة وهجاء ناقد للمجتمع الأسباني، وذلك محاكاة لروايات سلفه من الكتّاب كرواية (الخيط الأبيض) ورواية (أماديس بلاد الغال).
ينتقد سيرفانتس في تحفته الأدبية تلك النظام الإمبراطوري في أسبانيا، بينما يحقق تكافلاً فريداً من نوعه بين النظرية المثالية والمذهب العملي مجسدة بشخصية دون كيشوت وسانشو بانزا. وتعتبر الرواية أيضاً تصويراً ساخراً ومثالياً عن أدب الفروسية. ومن الممكن أن تكون الفلسفة التي تخللت الكتاب فلسفة أسبانية، إلا أنها تملك سمة بشرية وعالمية.
اجتاح أسبانيا خلال هذه الفترة شكل رواية بقالب نثر أدبي، وعُرفت بأدب المتشردين. في الحالات العادية تستحضر الرواية في أذهاننا بيئة قوية ومتينة خالية من أي تغيير في الحياة، يتجول فيها البطل والبطلة في عالم شبه خيالي، ينظران إلى الأرض الدنيوية من خلال رؤية وهمية. ولكن في هذا الشكل الأدبي الفريد من نوعه يكون بطل الرواية متشرداً عاطلاً عن العمل أو متسكعاً في الشوارع، لا يملك عائلة ويعيش من خدمات يؤديها إلى أشخاص غرباء. وهو منبوذ من الناحية الاجتماعية، يسرق وينهب ويحتال، إلا أنه ينجو من العقاب باللجوء إلى الأكاذيب، وفي بعض الأحيان إلى الحيل القذرة. وفي الوقت الذي يكون الحب فيه هو موضوع الرواية التقليدية، نجد أن الموضوع هنا هو الجوع والصراع من أجل البقاء. فالبطل هنا يبدو بطلاً زائفاً. وهناك اتجاهات خفية للهجاء في بعض الأحيان، ويقوم بطل الرواية باستنباط نتائجه الشخصية حول الحياة والمجتمع الذي يقوم بين الفينة والأخرى بتمزيق قناعه عن طريق الهجاء اللاذع، وذلك ليكشف عيوبه الخفية المزدانة بندبات خبيثة.
من أهم الأمثلة عن أدب المتشردين: رواية (لازاريللو دي تورميز) عام 1554 بقلم (دييغو هورنادو دي ميندوزو) ورواية (غوزمان دي الفاراش) عام 1559 بقلم (ماتيو أليمان). ويمكن أيضاً اعتبار روايتي (رينكونت إي كورتاديللو) عام 1613 و(حوار الكلاب) عام 1613 بقلم (سيرفانتس)، ورواية (حياة بوسكون) عام 1626 بقلم (فرانسيسكو غوميز دي كيفادو) من ضمن هذا النوع من الأدب. وبعد رواية بوسكون، تلاشت رواية المتشردين تدريجياً من المشهد الأدبي الأسباني.
يعتبر لوب دي فيغا (1562 ـ 1635) وكالدرون دي لاباركا (1600 ـ 1681) أبرز شخصيتين في الأدب المسرحي الأسباني. ففي حين تميز الأول في الكتابات الكوميدية، تألق الآخر بمسرحياته الغامضة والدينية. وفي سن التاسعة عشرة كتب لوب أولى مسرحياته، وفي سن الواحدة والأربعين كان رصيده يضم 230 مسرحية، ارتفعت إلى 483 مسرحية بعد ست سنوات. وعندما بلغ الخمسين من عمره كان في جعبته 900 مسرحية، وصلت عند موته إلى رقم قياسي بلغ 1500 مسرحية.