تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الشاعر "ماثيو أرنولد"

الشاعر "ماثيو أرنولد" 2024.

  • بواسطة
ماثيو آرنولد Matthew Arnold شاعر وناقد ومصلح تربوي إِنكليزي, ولد في بلدة ليلهام Laleham في مقاطعة ميدلسكس Middlesex, وهو الابن البكر لتوماس آرنولد الذي تبوأ مكانة رفيعة في المجتمع البريطاني في القرن التاسع عشر نتيجة لجهوده المثمرة في مجال الإِصلاح التربوي والتعليمي, وذلك إِثر تعيينه عام 1828 مديراً لمدرسة رغبي Rugby الثانوية وإِدخاله الكثير من الإِصلاحات والتغييرات الجذرية على مناهج التدريس وأصوله في تلك المدرسة, إِذ أصبحت المدرسة النموذجية الأولى في مجالي التربية والتعليم في العصر الفكتوري. ونتيجةً لأوضاع المدارس الصحية والاجتماعية والتعليمية السيئة آنذاك آثر توماس آرنولد أن يعلم أولاده في منأى عن تلك الأجواء غير المواتية, فانتقى لهم مدرسين خاصين أكفاء. واستمر تعليم الابن الأكبر ماثيو آرنولد حتى عام 1836, حينما دخل مدرسة «ونشستر» رسمياً أول مرة وكان الأب قد تلقى تعليمه فيها من قبل. ثم انتقل ماثيو في عام 1837 إِلى مدرسة رغبي التي كان يديرها والده ومكث فيها حتى نهاية تعليمه الثانوي عام 1840. والجدير بالذكر أن ماثيو آرنولد حصل, في مدة وجوده في هذه المدرسة, على جوائز مدرسية عدة لتفوقه في بعض المجالات الدراسية ولاسيما في مجال الإِبداع الشعري.

دخل ماثيو آرنولد جامعة أكسفورد في عام 1841, بعد حصوله على منحة مفتوحة من تلك الجامعة, واستمرت دراسته فيها حتى عام 1844 حيث حاز إِجازة في الآداب بدرجة شرف من المرتبة الثانية. وفي عام 1845 اختير آرنولد زميلاً في الهيئة التعليمية لكلية أوريل بجامعة أكسفورد. وعلى الرغم من ابتعاده عن أجواء جامعة أكسفورد في مرحلة لاحقة, ومع شعوره بأن أكسفورد تمثل جزءاً من الماضي المهدد بالزوال فإِنه احتفظ حتى نهاية حياته بقسط وافر من الحب والولاء لهذه الجامعة, إِذ إِنها بقيت لديه رمزاً للحضارة والجمال الروحي, إِضافة إِلى كونها نبراساً ينير الطريق لكل من كان يطمح إِلى تحقيق الهدف الأسمى, وهو الكمال في كل شيء. وفي عام 1847 عمل آرنولد سكرتيراً خاصاً لدى اللورد لانزداون Lansdowne الذي كان يتبوأ منصباً عالياً في وزارة اللورد جون رسل John Russell رئيس مجلس الوزراء للحزب الليبرالي الحاكم في تلك الحقبة, وإِليه يعود الفضل في تعيين ماثيو آرنولد مفتشاً عاماً للمدارس منذ عام 1851, وبقي في هذا العمل إِلى ما قبل عامين من وفاته, وعلى الرغم من بساطة هذا العمل, إِذا قيس بمواهب آرنولد الكثيرة وروحه العالية وإِحساسه المرهف, استمر آرنولد يشغل هذه الوظيفة من دون كلل أو ملل في سبيل تطوير التعليم الإِعدادي والثانوي الذي كان يعاني الكثير من الفساد والهدر في الطاقات البشرية. وقد أرسلت الحكومات المتتالية – ما بين محافظة وليبرالية – آرنولد في بعثات وجولات استطلاعية إِلى عدد من البلدان المجاورة مثل فرنسة وألمانية وهولندة وسويسرة, بغية الاطلاع على الأنظمة التعليمية فيها والاستفادة منها في تطوير التعليم في بريطانية.

تولى ماثيو آرنولد منصب أستاذ الشعر في جامعة أكسفورد (1857-1867) إِلى جانب عمله مفتشاً عاماً للمدارس، وكانت آخر محاضراته فيها النواة الأساسية لكثير من كتاباته اللاحقة التي ألحّ فيها على موضوع البحث عن الكمال الذي عدّه آرنولد رديفاً لموضوع البحث عن الجمال ودماثة الخلق. والجدير بالذكر أن آرنولد لم يكتف بتناول هذا البحث ثانية بل طوره ليأخذ أبعاداً اجتماعية وسياسية وأخلاقية ودينية, كما هو الحال في كتابه النقدي المشهور «الثقافة والفوضى» Culture and Anarchy. ويشغل هذا الكتاب مكانة بارزة بين مؤلفات آرنولد الكثيرة الشعرية والنثرية, وذلك لما يتميز به من شمولية في الرؤية, وسلاسة في الأسلوب, وموضوعية في الطرح, وعمق في التحليل الاجتماعي, فضلاً عن كونه خليطاً معقداً ومركباً من المضحك والمبكي في المجتمع الإِنكليزي في ذلك العصر. وحري بالمرء أن يلفت الانتباه هنا إِلى النقد اللاذع والبناء الذي كان يوجهه الكاتب لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإِنكليزي آنذاك, ولاسيما ما أسماه آرنولد بعبادة المال, والإِيمان المطلق بالتطور المادي البحت على حساب القيم الاجتماعية والإِنسانية والدينية. ويتصف المجتمع الإِنكليزي الذي يصوره الكاتب بالفوضى والتمزق وفرط الأنانية, إِضافة إِلى غياب عصر المحاسبة أو الرقابة الحكومية. إِنه المجتمع الذي يفعل فيه الإِنسان ما يحلو له من دون وازع من ضمير أو أخلاق أو رادع قانوني. يعزو آرنولد كل هذا إِلى مسببات عدة من أهمها فقر الثقافة وإِهمال المجتمع لما أسماه بالحضارة أو «دراسة الكمال» التي من شأنها أن تخرج الإِنسان من حالة التفكك هذه وأن تعيد ارتباطه العضوي بمجتمعه الإِنساني, ومن هذا المنطلق جاء اهتمام الكاتب بفكرة الثقافة التي عرّفها مراراً وتكراراً بدراسة الكمال, أي الاطلاع على أفضل الأقوال والأفكار في كل مكان وزمان فيما يتعلق بكل ما يمس جوهر الإِنسان وحياته.

وللكاتب مؤلفات أخرى منها السلسلتان النقديتان اللتان تحملان العنوان نفسه «مقالات في النقد» Essays in Criticism (طبعت الأولى منهما عام 1865, والثانية عام 1888).

ومن أهم الموضوعات التي يتكرر ذكرها في هاتين المجموعتين: وظيفة النقد التي يعرّفها آرنولد بالمحاولة المتجردة, أي رؤية الأشياء كما هي عليه, لتعلم أفضل ما عرف في العالم والعمل على تأسيس تيار من الأفكار الصادقة والملهمة. إِن مهمة الدارس الأمين, في رأيه, تقتصر على كشف عوامل التغير في المجتمع وإِقناع الآخرين بصحة ترجمته لهذه العوامل.

أما في الشعر فأفضل ما يتميز به ماثيو آرنولد إِثارة الدين ودعوته إِلى اللجوء إِلى الشعر في ترجمة الحياة اليومية حتى يكون الشعر الصادق غذاء وعزاء روحيين للإِنسان.

عكف آرنولد في السنوات الأخيرة من حياته على التعمق في دراسة الدين وعلاقته بالأدب. ومن أشهر مؤلفاته في هذا المضمار مقالته المطولة «القديس بولس والبروتسنتية» St. Paul and Protestantism (1870) و«الأدب والعقيدة» Literature and Dogma (1873) و«الله والإِنجيل» God and The Bible (1875) و«مقالات أخيرة حول الكنيسة والدين» Last Essays on Church and Religion (1877).

يعود اهتمام آرنولد بالمسائل الدينية في الحقبة الأخيرة من حياته إِلى حسن فهمه لذاته ولطبيعة التطور الفكري لمجتمعه ولقناعته الراسخة بأن الدين يكوّن عنصراً تربوياً مهماً في المجتمع, فهو, على خلاف دراسة المسائل العلمية البحتة, يتوجه بطريقة خفية إِلى أعماق الذات البشرية بما فيها من مشاعر وأحاسيس. إِن أكثر ما يلفت الانتباه في كتاباته الأخيرة هو التواصل المتنامي مع الدين وإِيمانه بأثره الفعّال في تطوير البشرية وقناعته بأن الفقر الحضاري الذي تعاني منه البشرية يعود بالضرورة إِلى الانقسامات الدينية في صلب الدين الواحد. ويعتقد آرنولد أن للدين قوة أكبر مما يتصور المرء في توحيد النظرة الإِنسانية في المجتمع الواحد, وفي إِنقاذ المجتمع من عواقب الاختلافات في تفسير الشريعة. والدين في نظره ما هو إِلا شعور لا يحيد قيد أنملة عن التسامي الأخلاقي. ويرى في المسيحية والإِنجيل السبيل إِلى الخلاص البشري, وذلك لقدرتهما على تحريك الروح البشرية من مكامنها الدفينة, تماماً كما في الشعر الذي يعده آرنولد رسالة روحية موجهة إِلى جوهر الإِنسان.

وتجدر الإِشارة هنا إِلى وجود وحدة حال تربط بين وجهات نظر آرنولد الدينية والتربوية في نتاجه الشعري الذي كان يصدر بين الفينة والأخرى مجموعات شعريةً تحمل عناوين مختلفة كمجموعته الأخيرة التي صدرت عام 1867 بعنوان «قصائد جديدة» New Poems على أن هذا النتاج الشعري وصف بأنه أبعد ما يكون عن التجانس أو الموضوعية أو الشمولية في الرؤية وهي الصفات التي دعا إِليها آرنولد في كثير من كتاباته النقدية, فعلى الرغم مما يتخلله من فترات وفقرات هادئة وموضوعية فهو يعكس في أغلب الأحيان روح الشاعر المضطربة وتشاؤمه المفرط وحنينه إِلى الماضي. ويعود هذا, كما يرى كثير من النقاد, إِلى تأثر آرنولد البالغ بالشاعر الإِبداعي وردزورث[ر] Wordsworth.

ومهما يكن, وعلى الرغم من التناقضات السلبية التي تكتنف مؤلفات ماثيو آرنولد كترجحه في ولائه التام بين الشعر تارة والدين تارة أخرى, ولاسيما في السنوات الأخيرة من حياته, يمكن القول إِن هذا الشاعر والناقد الأدبي والاجتماعي الذي تبوأ مكانة رفيعة في مجتمعه الإِنكليزي في القرن التاسع عشر, ما يزال يحتل منزلة عالية في تاريخ الأدب الإِنكليزي.

مقاطع مترجمة من شعره

شاطئ دوفر

البحر هادئ الليلة.

المد مكتمل والقمر يرقد جميلا فوق المضائق؛

على الساحل الفرنسي الضوء يلمع ثم يختفي

وجبال انجلترا تقف براقة وممتدة عبر الخليج الهادئ.

تعالى الى النافذة ، فهواء الليل عليل!

ومن خط الرذاذ الطويل حيث يلتقي القمر بالأرض المبيضة،

انصتى! انك تسمعين هدير تلاطم الحصى الذي يجذبه الموج

ثم عندما يعود يقذفه بقوة نحو الشاطئ المرتفع ..

يبدأ ويتوقف ثم يبدأ من جديد بإيقاع بطئ مرتعش

محدثا لحن الحزن الأبدي .

منذ عهد بعيد سمع سوفوكليس هذا الصوت علي شاطئ بحر ايجه، فتفكر في البؤس الإنساني بانحساره وتدفقه الكثيفين ؛

ونحن أيضا نجد فكرة في هذا الصوت عندما نسمعه

علي هذا البحر الشمالي البعيد .

إن بحر الإيمان كان هو الآخر ذات يوم مكتملا وممتدا

يلف شاطئ الأرض كثنايا حازم لامع.

ولكنني الآن اسمع فقط صرخته الحزينة الطويلة والمنسحبة

مع أنفاس ريح الليل إلى الأسفل نحو حواف العالم الممتدة المخيفة حيث الحجارة العارية المتآكلة.

لنكن يا حبيبتي مخلصين احدنا للأخر!

لان العالم الذي يبدو – وهو يتمدد أمامنا – أرضا من الأحلام

المتنوعة والجميلة والجديدة ، لا يوجد به في الحقيقة

لا فرحا ولا حبا ولا ضوءا ولا يقينا ولا سلاما

ولا عونا على الألم؛

ونحن موجودون هنا وكأننا في سهل مظلم

تملأه تحذيرات مضطربة حول الصراع والهرب،

وتتصادم فيه ليلا جيوش جاهلة.

مقاطع من قصيدة : إلي مارجيريت

نعم ! إننا نحن ملايين الفانين نعيش

في بحر الحياة كجزر منعزلة

تترامي بيننا مضائق ترجع الصدى

جزر تنتشر كنقط في القفز البحري الذي لا شاطئ له

تشعر بالتدفق المطوق

فتدرك عند ذاك حدودها اللا متناهية

ولكن عندما يضئ القمر تجاويفها

وتعمها روائح الربيع العطرة

وفي وديانها الصغيرة الضيقة

في الليالي لامعة النجوم

تغني طيور العندليب غناءها الملائكي

وتنسكب ألحان لطيفة من شاطئ إلي شاطئ

عبر الأصوات والقنوات –

آه ! عندها يبعث شوق يشبه اليأس نحو أبعد كهوفها ؛

إذا أنها تدرك تلك المرة وبيقين: لقد كنا

أجزاءً من قارة واحدة !

ونحن الآن يحيطنا سهل المياه –

فهل يمكن أن تتلاقي حوافنا من جديد

من قدر علي شوق تلك الجزر المتقد

أن يبرد بمجرد أن يتوهج؟

من جعل تلك الرغبة العميقة عديمة الجدوى ؟

أن قدراً قد حكم بتقطيعها

وأمر أن يوجد بين شواطئها بحر لا يقاس عمقه؛

بحر مالح، يجعل كلاُ منها غريبا عن البقية .

تعريف جميل لشاعر وناقد عالمي
مقتطفات جميله عن حياه الشاعر
ومقاطع رائعه من قصائده
سرني التواجد بين سطور الحروف
طرح قيم ومفيد راقني كثيرا
اشكرك بيتال على كل ما تقدمي
لاثراء المنتدى بروائع الادب والادباء
مودتي وجزيل شكري
وسام 2024
الغالي وسام 2024

شكرا لرقيق حرفك الذي منح تواضع احرفي بريقا لايضاهى

سرني كثيرا تواجدك هنا

دمت بكل خير

بيتال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.