تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الغربه والحنين

الغربه والحنين 2024.

بقلم الكاتبه الفلسطينيه المهاجرة الى لبنان
ميسون جمال مصطفى

سنوات غربة الفسطيني امتدت، وتلتها الأعوام والأيام والشهور…، غربة تمثلت بحنين إلى وطن يشكل له جذور متأصلة بأرضه، وحكايات سمعها من أهله، أو ربما عاشها بنفسه، ولكنها تبقى بعدا عن الوطن في كل الحالات، فقد جاء في المعجم الغني" غُرْبَةٌ – (غ ر ب). (مص. غَرُبَ). 1."عَاشَ زَمَناً طَوِيلاً فِي الغُرْبَةِ" : فِي بِلاَدِ النُّزُوحِ وَالْهِجْرَةِ. 2."وَجَدْتُهُ فِي غُرْبَةٍ" : فِي وَحْشَةٍ. 3."طَالَتْ غُرْبَتُهُ" : طَالَ بُعْدُهُ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ."
فجأة، وجد الفلسطيني نفسه وحيدا، بعيد عن أحبابه وأقاربه وقريته التي لعب فيها، منسلخ عن مجتمعه المحبب وذكرياته- إلى غربة من نوع آخر- لم يخترها بنفسه، ولم يفكر للحظة واحدة أنها سترافقه العمر كله.
يرتبط الحنين ارتباطا وثيقا بالغربة في الشعر الفلسطيني، فعندما يبتعد الإنسان عن مكان ما، يشعر بحنين إليه، ويشتاق لكل ما فيه…وهذا ما حصل مع الشاعر الفلسطيني الذي فجر سنين غربته بأشعار ينضح فيها الحب والحنين.
فها هو الشاعر محمود الحوت، يتذكر الوطن، فتتمثل له ساعات الصفاء والجمال، فيناجيه ملتاعا، ذارفا دموع الألم والغربة، متجرعا كأس الليالي الخوالي من غيره. فيتساءل كيف ينسى تلك الأرض التي يعتبرها جنة الله على الأرض! وهل هناك من لم يعرفها!

يتــــــــــــــــــبع

يا رعى الله موطني يوم كانت
تنبض الأرض بالحياة الطروب
ويموج المدى البعيد ويزهو
برطيب من المروج لعوب
والبساتين والحدائق غلبا
حاليات بكل ثوب قشيب
تتنادى بها العصافير شتى
من شروق النهار حتى الغروب
هل أتاك الحديث عن جنة الله
وعن خلدها الطليق الرحيب
تلك أرضي وما ترى في يميني
حفنة من تراب أرضي السليب
يبكي الشاعر هارون رشيد ما أصاب شعبه وبلاده بعد اغتصاب أرضه من قبل العدو الصهيوني، فهوى وطنه بين ليلة وضحاها، وتفرق الناس كل في مكان، وأصبح مأواهم الخيام البالية، ومرت السنوات وتلتها الأعوام وهم في الغربة، والوطن ينتظر الغياب ولكن لا حياة لمن تنادي، فأصبحوا ذكرى تمر في البال كلما ذرفت العين مدامعها.

كانت لنا أرض نفيء بظلها
وعلى أيادينا تدور وتثمر
فإذا بها في ليلة مشبوبة
أهوى بشامخ عزنا المتجبر
وإذا بنا مزق وراء عنائنا
نمشي فيقتلنا الشقاء ويقبر
كم في الخيام مدامع هتانة
ان مرت الذكرى تمور وتقطر
فلرب أم ودعت أبناءها
يوم انتضوا سيف الكفاح وأشهروا
ومضوا وما عادوا سوى ذكرى لهم
محزونة في كل عين تذكر

تتذكر فدوى طوقان العيد في يافا، ويشدها الحنين والألم، فهناك كانت تلعب بأرجوحتها، وتمسك الجديلة بالعقدة الحمراء، وتركض في البلد الحبيب فرحة مبتهجة، ولكنها الآن تمسك بذكرياتها وأيامها الماضية باكية متألمة، فكل شيىء تغيير ولم يعد لها سوى الحزن والذكريات المرة في غربة تكاد تقتلها.

أترى ذكرت مباهج الأعياد في يافا الجميلة؟
أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولة؟
إذ أنت كالحسون تنطلقين في زهو غرير
والعقدة الحمراء قد رفّت على الرأس الصغير
والشعر منسدل على الكتفين، محلول الجديلة؟
إذ أنت تنطلقين بين ملاعب البلد الحبيب
تتراكضين مع اللّدات بموكب فرح طروب
طورا إلى أرجوحة نُصبت هناك على الرمال
طورا إلى ظل المغارس في كنوز البرتقال
والعيد يملأ جوكن بروحه المرح اللعوب؟
واليوم ماذا اليوم غير الذكريات ونارها؟
واليوم، ماذا غير قصة بؤسكنّ وعارها
لا الدار دار لا ولا كالأمس، هذا العيد عيد

يعبر الشاعر ناصر ثابت عن غربته وحنينه من خلال قصيدته" يا وطني" بمنتهى الصدق والصراحة، بكلمات تمس الوجدان، سهلة اللغة لا تحتاج إلى زخرفة، صادرة عن مشاعر مفعمة بالحنين والعذابات المعتقة برسائل الورد والحناء والدموع.

في غربتي الصماءْ
ينتابني
شوقٌ عظيم جارفٌ إليكْ
ورغبةٌ في الحزنِ والبكاءْ.
ينتابني..
شوقُ العذابات التي تطرزُ الرسائلَ المعتقة..
بالوردِ..
والدموعِ..
والحِنَّاءْ…
شوقُ الخريفِ للتجلي في متاهات القمرْ
وشوقُ لحظةِ الفراق للولوج في مشاعر البشرْ
ولهفةُ القلوبِ إذ تستقبلُ الدماءْ
ينتابني
شوقٌ كشوقِ العاشق الصوفي للسماءْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.