تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الفرعونية والقابليّة للاستخفاف

الفرعونية والقابليّة للاستخفاف 2024.

——————————————————————————–

يكتف القرآن الكريم بفضحالفرعونيّة والإنكار الشديد عليهاوإنّما حمّل المسؤوليّة كذلك للجماهير الرّاضخةالمستسلمة، فقال عن فرعون: " فاستخفّ قومه فأطاعوه ، إنّهم كانواقوماً فاسقين" – سورة الزخرف 54 .فالظاهرةالفرعونيّة تتشكّل من الطاغيّة الغشوم من جهة والأمّة المتّصفة بالسلبيّة من جهةثانيّة، ولم تأت هذه السلبيّة وهذا الخنوع إلاّ من حالة نفسيّة وفكريّة هي "القابليّة للاستخفاف" تماماً مثل الظاهرة الاستعماريّة الّتي حلّلهاالأستاذ مالك بن نبي – رحمه الله- تحليلاً علميّاً تاريخيّاً دقيقاً ليخلص إلىاستنباط سببها المتمثّل في "القابليّة للاستعمار" أي وجود الأمّة في حالة من الضعفالثقافي والانهيار النفسي والعجز عن الأداء تقضي على مناعتها الذّاتية فتكون فريسةًسهلةً للاحتلال الأجنبيّ… وهذا ينطبق تماماً على الفرعونيّة انطباقه علىالاستعمار. وقد تناولالأستاذ سيد قطب – رحمه الله – "القابليّة للاستخفاف" ببيان رفيع يقول فيه معلّقاًعلى إعلان فرعون " أنا ربّكم الأعلى " : ((قالها الطاغيّة مخدوعاً بغفلة جماهيرهوإذعانها وانقيادها، فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلّتها وطاعتهاوانقيادها، وما الطاغيّة إلاّ فرد لا يملك في الحقيقة قوّةً ولا سلطاناً، إنّما هيالجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب ! وتمدّ له أعناقها فيجرّ ! وتحني لهرؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقّها في العزّة والكرامة فيطغى . والجماهير تفعلهذا مخدوعةً من جهة وخائفةً من جهة أخرى،وهذا الخوف لا ينبعثإلاّ من الوهم،فالطاغية – وهوفرد- لا يمكن أن يكون أقوى من الألوفوالملايين، لو أنّها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزّتهاوحرّيّتها، وكلّ فرد فيها هو كفءللطاغيّة من ناحيّة القوّة ولكنالطاغيّة يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئاً!وما يمكن أن يطغى فرد في أمّة كريمة أبداً،وما يمكن أن يطغى فرد في أّمّةرشيدة أبداً، وما يمكن أن يطغى فرد في أمّة تعرف ربّها وتؤمن به وتأبى ن تتعبّدلواحد من خلقه لا يملك ضرّاً ولا رشداً. فأمّا فرعون فوجد في قومه من الغفلةومن الذلّة ومن خواء القلب من الإيمانما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرةالفاجرة: " أنا ربّكم الأعلى "..وما كان ليقولها أبداً لو وجد أمّةً واعيّةً كريمةًمؤمنةً، تعرف أنّه عبد ضعيف لا يقدر على شيء،وإن يسلبه الذباب شيئاً لا يستنقذ من الذّبابشيئاً)). وليست المسألةمتعلّقةً بفترة تاريخيّة معيّنة ولا بحيّز من الأرض ولا بقوم دون آخرين،إنّماهي مجموعة من الخصائص تتجمّعبالتراكم في شعب أو شعوب تنهار نفسيّاً فتفقد الثقة بذاتها ولا تقوى على تفعيلطاقاتها البشريّة والماديّة فتخلد إلى إسلام أمرها إلى كل متسلّط يفعل بها ما يشاء،سواءً كان احتلالاً خارجيّاً أوحاكماً جائراً، فهي كالجسم الفاقد للمناعة تعبث به العلل وتنهكه الأمراض فيحاولصدّها بأدويّة لا فاعليّة لها فينتهي به الأمر إلى الاستسلام، وربّما لعن المرضوالعلاج الفاشل وغفل عن حالته العامّة وعدم أداء مختلف الأجهزة والغدد والأعضاءلوظائفها، فالموت هنا مسألة وقت لا محالة.هل ترىالأمة المحصنة عقديا ونفسيا ترضى بالهون والدون ، تدير الخد الأيسر لمن لطم خدهاالأيمن ،تبارك جلاديها وتستمتع بالظلم الواقع بها ؟أمّا حين يأتي عليها حين من الدهر وهي مهتزّة الأركانضعيفة الأداء عديمة الفاعلية كثيرة الأسقام الدينية والاجتماعية فإنها تصبح مطيةسهلة لكل جبّار ظلوم ،تجد له الأعذار وتلعن نفسها ، وبمرور الزمن تستمرأ الوضعوتتخلى طواعية عن دفاعاتها النفسية وترفض أي محاولة للانعتاق خوفا من ”الفتنة” ،متناسية أنها في أتّون الفتنة في أسوإأشكالها وأكثرها بغضا عند الله تعالى وعند البشر الأسوياء،

إذاكانت الفرعونية مصيبة فإن القابلية للاستخفاف تساويها بل قد تتجاوزها لأنها تمثّلالتخلي عن خصائص الإنسان المكرّم. لقدأنحى القرآن الكريم باللّائمة على أهل الكتاب لأنّهم تنازلوا لرجال الدين وقبلوا أنيحلّوا لهم الحرام ويحرّموا عنهم الحلال ، واعتبر ذلك عبودية لهم من دون اللهتعالى – كما ورد في تفسير رسولالله صلى الله عليه وسلم للآية الكريمة : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دونالله …" – سورة التوبة 31 ، فكيف إذا تنازلوا عن حريّتهم وفرّطوا في كرامتهموحنوا ظهورهم للطاغية ومدّوا له رقابهم ؟ومازالتالتطبيقات الإسلامية لرفض الاستخفاف ماثلة أمامنا ،فهذا أبو بكر رضي الله عنه يحرصفي أول خطاب له بعد تنصيبه على رأس الدولة على إبراز معاني الوجود الإيجابي للأمّةلتحسن أن تقول لا للحاكم إذا انحرف كما تحسن مؤازرته عندما يستقيم: " أطيعوني ماأطعت الله فيكم ،فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" . ويستفزّ عمر – رضي الله عنه – أثناء خلافته المسلمين وهم مجتمعون في المسجد ليرى مدى رفضهمللاستخفاف وتمسّكهم بالعزّة والكرامة فيسألهم: "ماذا أنتم فاعلون لو رأيتموني ملتهكذا؟ " ، فيجيب واحد منهم : "نقوّمك بالسيف " ، فيقول له الخليفة كالمتثبّت منه ،أهو موقف مبدئي أم ردّ فعل متسرّع فقط : "انظر ما تقول"، فيصرّ الرجل: " واللهلنقوّمنّكبحدّ السيف "، هنا يفصح الفاروق عن قصده من السؤال الاستفزازيويقول : "الحمد للهالّذي جعل في الرعيّة من يقوّم عمر إذا انحرف". وعندما شكّلالخوارج ما يشبه المعرضة الصارمة لحكم علي – رضي الله عنه – لم يضق بهم ذرعاً بلطمأنهم على أرواحهم وحقوقهم لدى الدولة مادام موقفهم سلميّاً لم يحكّموا فيهالسّلاح. هذه هي الظاهرةالصحيّة: مجتمع حيّ غيور على حرياته وحقوقه وإنسانيته لا يذعن لمن اعتدى عليها مهماكانت ذرائعه، وهذا في حدّ ذاته وقاية من الاستبداد، فإذا ظهرت الصّفات الفرعونيّةوطغت على الحكم الرّاشد كان من اليسير مواجهتها وصدّها والرّجوع إلى الوضع الطبيعي . ولا غرو أنّلعلماء الدّين دوراً محوريّاً في هذا الشأن ، إذ لا تستطيع السيّاسة طمس خطابهمالمحيي للعقول والقلوب الّذي تهوي إليه الأفئدة ويأوي إليه المضطهدون وترتعد منهفرائس المتسلّطين، وقد أدّى مهمّة تحصين الأمّة من القابليّة للاستخفاف خلق لا يحصىمن علماء الإسلام عبر العصور، من الأئمّة الأربعة وسعيد بن جبير مروراً بابن تيميّةوابن عبد السّلام ووصولاً إلى بعض شيوخ الأزهر الأباة وقادة الإصلاح في أكثر من بلدمسلم . ويمكننا تلخيصمهمّة "جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين" بقيادة الإمام عبن الحميد ابن باديسأثناء الاحتلال الفرنسيّ في هذه الغاية بالضبط، فقبل حمل السّلاح في وجه المستعمرعملت على تطعيم الشعب بقيّم الإسلام ليتجاوز مرحلة القابليّة للاستعمار ويخلّص ذاتهمن جراثيمها القاتلة، وعندما كانت الجمعيّة تخدم هذا المقصد بواسطة التربيّةوالتعليم والتوعيّة، كان مالك بن نبي يتناوله بالتحليل وتسليط الأضواء وبيان الخللفي نسيج الأمّة، فكان هو يمعن في التشخيص العلمي النظري بينما تتولّى محاضن الجمعيةورجالها وصحافتها مهمّة العلاج الميداني. وإذا كان نموذجفرعون يتكرّر عبر الزّمان والمكان فإن السّاحة الإنسانيّة لا تعدم نموذج موسى – عليه السلام – في صورة علماء الدين الربانيين العاملين. وينبغي أن نشيرإلى أن الغرب تمكّن بعد تجارب استغرقت قروناً أن يحصّن شعوبه من داء القابليّةللاستخفافبوضع آلياتوإنشاء مؤسّسات تتولّى تسيير شؤونه بشكل يمنع نهائيّاًالنموذج الفرعونيأو يكاد (هذا بالنسبةلحياة الغرب الداخليّة، أمّا علاقاته بالشعوب الأخرى فأمر آخر إذ يكيل بمكيالينويحكّم معيارين كما هو معروف)، وقد نجح أيّما نجاح في ذلك، ومع احتفاظنا بشخصيّتناوخصوصيّاتنا الدّينيّة والحضاريّة فإنّهيجدر بنا إسناد أمورنا لمؤسّسات ذاتيّة قويّة والاحتكام إلى آليّات مضبوطة تمنعالانحراف من جهة والقابليّة للاستخفاف من جهة ثانيّة… علىهذايجب تربيةأبنائنا وجماهيرنا حتى يبغضوا الفرعونية أشدّ البغضويحترسوا أشدّ الاحتراس من الخواء الروحي وضعف الفاعليةوتفرّق الكلمة التي تبذر ببطء بذور القابلية للاستخفاف ، هذه الحالةالتيتعتبر معصية دينية ( إنّهم كانوا قوما فاسقين) وإرهاصا بموت الأمّة ‘فلا يجوز لناالتساهل مع من يستسيغون الفرعونية ويبرّرونها بذرائع مختلفة ويدعوننا إلى الصبربمعناه السلبي المتمثّل في طأطأة الرؤوس والانسحاب من ميادين إثبات الذات والعملبقاعدة التصوّف الأعجمي"دعالخلق للخالق والملك للمالك" ،إنّنا في حاجة إلى التشبّع بثقافة العزّة والكرامة والهمّة العالية حتى نرتقي إلىمصافّ الأمم التي تستحقّ تولّي مهامّ الخلافة والعمارة والتمكين في الأرض . قال تعالى : " ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين " – سورة المنافقون 8

]

أختي الفاضلة

أسمحي لي بأن أنقل الموضوع للقسم السياسي

تحياتي
أم أحمد

شكرا الختي الكريمه على هذه الموضوع الاكثر من رائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.