يتحدث الناس في اسرائيل، وعددهم 7 ملايين نسمة، 85 لغة نتيجة الهجرة اليهودية المستمرة من دول العالم الى فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم، ولا شك بأن اللغة العبرية تأتي في المقدمة تليها اللغة العربية فالروسية.
وحينما ألّف العالم اللغوي اليعزر بن يهودا (1858 ـ 1922) المعجم العبري الأول الذي صدر في برلين سنة 1908، وجد ان اللغة العبرية تفتقر الى كلمات عديدة وكثيرة، بسبب غيابها عن مسرح الحياة طيلة ألفي عام تقريبا. فلجأ بن يهودا الى المعاجم العربية، واختار منها الأفعال والكلمات الناقصة وعبرنها وأدخلها في معجمه. ويلاحظ أي قارئ للغة العبرية الحديثة أو متكلم بها، أنها غنية بالكلمات والتعابير الأجنبية المأخوذة من اللاتينية ومن اللغات الاوروبية.
وعلى الرغم من ان المجمع اللغوي العبري يجتهد لايجاد كلمات عصرية ومن السهل تسويقها بين عامة الناس ـ لعدة اسباب موضوعية تعود الى عدد السكان القليل والى تأثير الأعلام على الناس ـ الا ان الكلمات الاجنبية بقيت بارزة وتكاد تكون طاغية في الكتب العلمية حتى الكتب الأدبية.
وعلى الرغم من الصراع العربي ـ الاسرائيلي الدموي، منذ 100 عام تقريبا، وعلى الرغم أيضا من ظاهرة العداء الواسعة للعرب والعروبة والاسلام في المجتمع اليهودي الاسرائيلي، الا ان عشرات، بل مئات، الكلمات العربية دخلت الى العبرية المحكية وصارت متداولة في الحديث اليومي وفي الصحافة والاذاعة والخطابة وحتى في القصص والروايات الأدبية. هذه الظاهرة أدت إلى أن يؤلف بعض الأدباء واللغويين، معاجم خاصة بالكلمات العربية المعبرنة.
وقد كان معجم الأديب دان بن أموتس في الثمانينات من القرن الماضي، معجما مثيرا في اسمه البذيء، الذي يحمل شتيمة باللغة العربية (اخو الـ…)، لا نستطيع ان نعيد كتابتها على الورق في صحيفة محترمة، كما انه مثير لأنه المعجم الأول للكلمات العربية في اللغة العبرية المحكية، ويحوي جميع الكلمات السوقية. وتتابعت بعده عدة معاجم في السنوات الأخير، كما عقدت أيام دراسية وندوات في الجامعات الاسرائيلية مثل جامعة تل أبيب وجامعة بار ايلان في سنة 2024 لدراسة ظاهرة الكلمات العربية في اللغة العبرية المحكية. وهذه الكلمات تشمل جميع نواحي الحياة ويستعملها الزبال والعامل والصحافي والكاتب والسياسي ورئيس الحكومة، ويمكن ان نقسمها الى المجموعات التالية:
اولاً: كلمات تتعلق بالطعام، مثل: فلافل، حمص، فول، زعتر، كبة، مجدرة، شكشوكة، سحوق، اصبحت كلها كلمات عبرية متداولة. وليس ذلك فحسب، بل قدم اليهود اجتهادات في الاشتقاقات، بحيث اسموا المطعم الصغير الذي يقدم الحمص «حمصية» والمطعم الصغير الذي يقدم الفول «فولية»، وصارت كلمة «صحتين» ويلفظونها «سحتين» متداولة، واصبحت كلمة «احلى» شائعة، فهناك «احلى حمص» و«احلى فول»، بل صار هناك «احلى» في كل شيء، في الطعام واللباس والاثاث وغير ذلك. ومن أدوات الطعام أخذوا «المنقل»، حيث يشوى اللحم على ناره واسموه بالعبرية «منجل». ولا شك ان القاف تحولت الى جيم مصرية بتأثير لهجة بعض سكان القرى او البدو.
ثانيا: كلمات تتعلق بالعلاقات الانسانية مثل: على كيفك، كيف حالك، اهلا وسهلاً، دخيلك، دير بال،، يللا، والله، يا حبيبي، صبابا، مبسوط، سلحة (صلحة) .
ثالثا: كلمات تتعلق بالحياة السياسية مثل: فدائي، انتفادة (انتفاضة)، هدنة، تهدية، شهيد، جهاد، تنظيم، حماسنك (من جماعة حماس)، حكي سرايا مش حكي قرايا.
رابعا: كلمات تبدأ بالأبوات مثل ابو علي (الفتوة او القبضاي)، ابو جلدة، ابو كمونة (البخيل).
خامسا: كلمات او صفات أخلاقية مثل: مجنون، اهبل.
سادسا: كلمات بها حرف الضاد، ولأن العبرية تخلو من هذا الحرف العربي، فقد حولوه الى حرف الدال مثل: فديحة (فضيحة)، كلام فادي (كلام فاضي أي فارغ).
سابعا: كلمات تنتهي بالياء والراء مثل: مليونير، ملياردير، واجتهدوا في تركيب مافيونير (رجل مافيا).
ثامنا: كنايات مثل تحت البلاطة (التوفير البيتي)، دواوين (كلام تافه لا نهاية له)، كسح (التكسير والتدمير)، واسم الفاعل منها: كسحان، كذلك يستعملون كلمة خرطا برطا (فوضى)، ولعلهم اخذوها من التعبير العربي المحكي «خربط خربيطة».
تاسعا: الشتائم، فهم يستعملون جميع الشتائم العربية البذيئة المتعلقة بالأب والأم والأخت والزوجة. ومن المضحك احيانا، والمخجل احيانا اخرى، انهم يستعملون في الاذاعة والصحافة والتلفزيون كلمة عربية بذيئة للغاية، لا يمكننا ذكرها، هنا، ولا يتخيل أي عربي أن يسمعها في أي وسيلة اعلامية، ويعنون بها ايذاء غير متوقع او ايذاء خلقيا او نفسيا. فيقولون ان أعضاء البرلمان (فعلوا…) لوزيرة الخارجية!، او ان الوزراء فعلوا (كذا) لرئيس الحكومة، كما يستعملون كلمة (…) العضو التناسلي للرجل، ويعنون بها المفاجأة السيئة. وكم مرة نشرت الصحف الكبرى في اسرائيل او قالت مذيعة جميلة في التلفزيون الأسرائيلي ان اعضاء الليكود (فعلوا…) لرئيس الحكومة أي فاجأوه بأمر صعب لا يتوقعه. وهكذا تكون اللغة العربية قد احتلت مساحة واسعة من اللغة العبرية المحكية، بعد ان غزتها في زمن العداء القومي، لكنها تبقى، على سعتها، صغيرة وهامشية بالنسبة لمساحة الارض العربية التي يحتلونها ويبنون عليها المستوطنات الكولنيالية السرطانية.
اخترقت العربية اللغة العبرية المحكية، لا بل والمكتوبة ايضاً. وهو اختراق ليس سببه صلة القربى السامية فقط، إنما أيضاً عوز العبرية للمفردات بعد أن أصابها موت دام ألفي عام تقريباً. فقد استعان اللغويون اليهود بمفردات المعجم العربي ليحيوا جزءاً من جثة عبريتهم، وبالاختلاط مع الفلسطينيين سدّوا ثغرات أخرى أملتها الحاجة اليومية، وبالتالي فعبرية اليوم تشهد هجانة تستحق أن ترصد.
شكرا لك ع الطرح