للجديد معنيان :
زمنى : وهو آخر ما استحدث فنى : لا يماثله ما قبله
أما الحديث فذو دلالة زمنية يعنى كل ما يصبح عتيقا . فكل جديد بهذا المعنى حديث ، ولكن ليس كل حديث جديد . معيار الجديد يكمن فى الإبداع والتجاوز عن الماضى واحتضان المستقبل .
الجديد هو شئ جديد يقال وطريقة قول جديدة . اختلافا عن الآثار الماضية وإغناء للحاضر والمستقبل
المجتمعات ذات الثقافة الحية تتطلب من الشاعر أن يكون له صوته الخاص ، أن يكون فريدا وأصيلا . أما المجتمعات ذات الثقافة الميتة فتتنكر للأصالة وترفض كل شاعر أو كاتب يتميز بلغة أصيلة جديدة . لأنها تريد أن تكون الكتابة صناعة يعرفها الجميع ويفهمها الجميع .
معنى أن يكتب الشاعر الجديد قصيدة ، فهو يحول العالم إلى شعر . يؤسس ( باللغة والرؤيا ) عالم واتجاه لاعهد لنا بهما . يخرج عن مجموعة القيم والمفاهيم والآراء التى لم تكن من تراثنا وشخصيتنا إلى الأشكال الخارجية والقوالب الجاهزة التى سادت مناخنا وحولته إلى تمارين فى الوزن والزخرف واللهو وفى كل ما يجعل الحياة فقيرة وضيقة .
التراث المكتوب يدخل فى ثقافة الشاعر فقط ، لا فى إبداعه . فلإبداع مرتب بروح الأمة وحياتها وتطلعاتها للمستقبل .
لئن كان للقصيدة المغلقة شكل مغلق بالضرورة ، فإن للقصيدة المنفتحة شكلا منفتحا بالضرورة . فالشكل الكثير سيحل محل الشكل الشعرى الواحد ، لأن الشعر الجديد تجاوز حدود النوعية القديمة وصار عالما فسيحا من الأوضاع والحالات الروحية والتعبيرية فيما وراء الحد والنوع والقاعدة والتقليد .
ليس هناك وجود قائم بذاته نسميه الشعر ، ونستمد منه المقاييس والقيم الشعرية الثابتة المطلقة ، ليس هناك بالتالى خصائص أو قواعد تحدد الشعر ماهية وشكلا تحديدا ثابتا مطلقا ،
الموجود الحقيقى هو الشاعر ، هو القصيدة . فالشعر أفق مفتوح وكل شاعر مبدع يزيد من سعة هذا الأفق .
القصيدة شكل إيقاعى واحد أو أكثر ، ضمن بناء واحد ، لكن الشكل الإيقاعى وحده لا يجعل من القصيدة أثرا شعريا بل يجعلها مصنوعات شعرية ، إذا فلابد من توفر ( البعد أو الرؤيا )
( الشعر هو الكلام الموزون والمقفى ) عبارة تشوه الشعر ، فهى العلامة والشاهد على المحدودية والانغلاق ، وهى معيار يناقض الطبيعة الشعرية العربية ذاتها ، فهذه الطبيعة عفوية ، فطرية وذلك حكم عقلى منطقى .
لا موضوع فى الشعر ، بل تعبير وطريقة تعبير . ولا حقائق مستقلة بذاتها ، بل رؤى ووجهات نظر . طبيعى إذن أن لا تكون هناك قاعدة صالحة للأبد ، لذلك .. ليس ليس امتياز الشعر فى أنه يخضع لقاعدة ثابتة ( شأن العلم ) بل امتيازه فى أنه يسبق القاعدة .
إن الخليل بن أحمد لم يضع تلك الأوزان لتكون قاعدة للمستقبل ، وإنما وضعها لكى يؤرخ بها للإيقاعات الشعرية المعروفة حتى أيامه . ولكن الإيقاع كالإنسان يتجدد ، وليس هناك أى مانع شعرى أو تراثى من أن تنشأ أوزان وإيقاعات جديدة ، ثم ان الوزن الخليلى لا يؤلف الشعر العربى كله ، وإنما يؤلف جزءا منه .
الفرق بين الشعر والنثر :-
النثر إطراء وتتابع لأفكار ما ، والإطراء ليس ضرورى فى الشعر
النثر ينقل فكرة محدودة ولذلك يطمح لأن يكون واضحا ، أما الشعر ينقل حالة شعورية أو تجربة لذلك فأسلوبه غامض بطبيعته .
النثر وصفى تقريرى ذو غاية خارجية معينة ومحدودة ، بينما الشعر غايته نفسه ، فمعناه يتجدد دائما بحسب السحر الذى فيه وبحسب قارئه والصورة الشعرية من أهم العناصر فى هذا المقياس بين الشعر والنثر ، فأينما ظهرت الصورة ظهرت معها حالة جديدة وغير عادية من استخدام اللغة ، ولا يجوز أن يكون التمييز بين الشعر والنثر خاضعا للوزن والقافية ، فمثل هذا التعبير شكلى وليس جوهرى .
· العروض ليس إلا طريقة من طرائق التعبير الشعرى .. هى طريقة النظم .
· إذا كانت القصيدة الخليلية مجبرة على اختيار الأشكال التى تفرضها القاعدة أو التقليد الموروث . فإن القصيدة الجديدة نثرا أو وزنا حرة فى اختيار الأشكال
وبنائها .
· الايقاع الخليلي خاصة فيزيائية في الشعر العربي ،· هذه الخاصة للطرب في الدرجة الأولى ،· وهي تكتفي بأن تقدم لذة للأذن والقافية علامة الإيقاع وهي صوت متميز يدل على مكان التوقف لكي نتابع .
· الشكل الشعري الجديد يتكون الآن بدءاً من الكلمة العربية وإيقاعها لا بدءاً من القريض .
إن قوانين العروض الخليلي إلزامات كيفية تقتل دفعة الخلق أو تعرقلها فهي تجبر الشاعر أحياناً أن يضحي بأعمق حدوسة الشعري في سبيل مواضعات وزنية كعدد التفعيلات أو القافية .
الشعر إذن يفقد كثيراً بالقافية ، يفقد إختيتار الكلمة وبالتالي إختيار المعنى والصورة والتناغم .
ثم إن فن النظم شئ والشعر شئ آخر .
لا شك أن الشعر في نشأته ذو صلة بالموسيقى ، فقد كان تكرار الصوت في فواصل منتظمة ، وتساوي اللحظة الموسيقية في الأبيات يسهل الترانيم الشعرية القديمة ليكن إيقاع الجملة وعلائق الأصوات والمعاني والصور وطاقة الكلام الإيحائية والذيول التي تجرها الإيحاءات وراءها من الأصوات المتلونة المتعددة – هذه كلها موسيقى ، وهي موسيقى مستقلة عن موسيقى الشكل المنظوم ، قد توجه فيه ، وقد توجه دونه .
.. في قصيدة النثر إذن موسيقى ولكنها ليست موسيقى الخضوع للإيقاعات القديمة بل هي موسيقى الاستجابة لإيقاعات تجاربنا وحياتنا الجديدة وهو إيقاع متجدد .
تتضمن القصيدة الجديدة نثراً أو وزناً مبدأ مزدوجاً :
الهدم – لأنها وليدة التمرد
والبناء – لكي يعوض عن تلك القوانين بقوانين أخرى
ومقبول ومعمم ، هو شاعر المفاجأة والرفض ، الشاعر الذي يهدم كل حدب بحيث لا يبقي أمامه غير حركة الإبداع وتفجرها في جميع الاتجاهات
الخطورة في القصيدة الجديدةو أن العبث والحلم واللاوعي والتخيل أنتجت شعراء زائفين ، فليس شعراً أ ن نسرد تاريخاً غير متلاحم ، وأن نصف صرخات الألم والثورة وأن نرسم على الورق شريطاً من الجمل لا شخصية لها ، إن القصيدة الجديدة نثراً أو وزناً خطرةً لأنها حرة
الإبداع الشعري يرفض الط رق الشعررية التي تبحث عن حلولها في الفكر وتخضع القصيدة لبنية العقل – لحدوده وقواعده والتزاماته المنطقية
طرق الإبداع حدسية ، إشراقية ، رؤياوية ، تبحث عن الحلول في فيض الحياة وغناها في تفجر ممكاناتها وتنوعها ، وهي تتبنى الإنسان بجحيمه وجنته ، تتبنى الإنسان لا النظرية ، الحياة لا مقولات الحياة
اللا محدود ، واللا نهائي – هذا مجال الإبداع
الأشكال الشعرية بلا نموذج ، كل شكل كاف بذاته
** ينفذ الشاعر برؤياه إلى ما وراء قشرة العالم وبقدر ما يغوص في أعماق العالم ليخلق أبعاداً إنسانية وفنية جديدة ، ترسخ في نفسه محل الصورة الواقعية المحدودة ، باحثاً عن الممكن اللا نهائي . هذا السفر إلى ما وراء الواقع لا يعني هروباً من الواقع ، أنه يستعين بالحلم والخيال والرؤية لكي يعانق واقعهالآخر ، ولا يعانقه إلا بهاجس تغيير الواقع وتغيير الحياة
** وكل واقع نتجاوزه يوصلنا إلى واقع آخر أغنى وأسمى ، هذا البحث عن الواقع الآخر ، عن الممكنات هو ما يعطي للكشوف الشعرية فرادتها .
والشاعر يطمح إلى أن يكون وأن يبقى ثورة دائمة ضد التقليد والثبات
والممكنات كائنة في المستقبل ومن هنا يعيش الشاعر ويكتب مأخوذاً بالمستقبل .غير أن المستقبل يل مستقبلاً والشاعر كباحث عنه يشعر بالحسرة الخانقة : حسرة خلاف يسير إلى مستقبل يعرف أنه لن يدركه وفي انتظار مجيئه يشعر كأنه خارج الزمن في حالة ليست زمنية ولا أبدية ومن هنا يحدث أن يبدو الشاعر غامضاً ، ومتناقضاً .
الشعر نقيض الوضوح الذي يجعل القصيدة سطحاً بلا عمق .. الشعر نقيض الإبهام الذي يجعل من القصيد كهفاً مغلقا . . الشعر نوع من السحر لأنه يهدف إلى أن يدركه العقل ،، الشعر ليس بلغة تعبير بقدر ما هو خلق لغة .
ليست هناك كلمات شعرية وكلمات غير شعرية ، هناك كلمات تتضمن في استخدامها أو لا تتضمن طاقة شعرية .
القيم الشعرية القديمة التي تحولت او تغيرت والتي تجاوزها الشعر العربي الجديد :-
الحكمة : الشاعر العربي الجديد يستبدل الحكمة بالتساؤل لأنه يستبدل المعطى بالبحث .
أخلاقية الحكمة ( القناعة – الصبر – الخضوع للقضاء والقدر والعرف ….. إلخ ) هكذا كله نراه شائعاً في الشعر العربي القديم لكن الشاعر العربي الجديد يستبدل أخلاقية الحكمة بأخلاقية التساؤل والبحث ( القلق – الخوف – اليأس – الرجاء – الأمل – التمرد ….إلخ )
الزهد : الشعر العربي الجديد يتمسك بالدنيا.. شعر الإنسان وقضاياه في الأرض
النموذج : الشعر القديم شعر نموذجي ( عمود الشعر ) والشاعر الجديد يرفض هذا النموذج
الشكل الثابت : للشعر العربي القديم شكل بنائي ثابت ، الشاعر العربي الجديد يتجه نحو الشكل المتحرك ، قد يصبح لكل قصيدة جدية شكلها الخاص دون أن يتحدد بوزن أو نثر
الزمن : الشاعر العربي القديم وجد الكمال الكلي في الماضي كان التقدم بالنسبه له هو التشبه بالماضي ، الشاعر العربي الجديد يرفض الزمن المغلق ويتبنى زمكن التغير
الغنائية : كانت الغنائية قديمة على مستوى الشعور الفردي ، الغنائية في الشعر العربي الجديد على مستوى التجربة الكلية والإنسانية والكون
معنى الشعر : الشعر العربي القديم كان ضمن إطار جزئي من الحياة والعالم وإطار ثابت من التعبير وكان معناه يقوم أساسياً على الشكل .. الشعر الجديد يحاول ان يكون تجربة شاملة ، أن يكون موقفاً من الإسان والحياة والعالم ، معناه يقترن بالخلق والتغيير لا بالصناعة والوصف ، لم يعد الشعر شكلاً وإنما أصبح وضعاً أو حالة :
لكن توجد قيم حضارية عربية مستمر في الحركة الشعرية الجديدة وهي تلك التي تبعث من نصوص التصوف وهذه القيم هي :
تجاوز الواقع ( اللا عقلانية : واللا عقلانية في التصوف تعني الثورة على قوانين المعرفة العقلية وعلى المنطق والشريعة ( من حيث هي أحكام تقليدية تعنى بالظاهر ) وعلى الفلسفة ( بالمعنى التقليدي ) هذه الثورة تؤكد – المقابل – على الباطن أي على الحقيقة ( مقابل الشريعة ) ، وإباحة كل شئ للحرية
الحدس الصوفي ( الشعري ) : طريقة حياة وطريقة معرفة : لهذا الحدس نتصل بالحقائق الجوهرية ونشعر أننا أحرار قادرون بلا نهاية
الحرية : في الجاهلية كانت فروسية ومغامرة وفي التصوف تصاعد مستمر نحو لا نهاية المطلق . والحرية أهم من التراث وبالتالي فالإنسان أهم من المذهب
التخيل : وهو يعني شئ أشمل وأعمق من الخيال ، فالتخيل هو رؤية الغير
اللا نهاية : ليست هناك في الحدس الصوفي محدودية أو حواجز فالكون حركة لا نهائية . الغيب نفسه ليس نقطة نصل إليه ، وةإنما هو عالم يتحرك بلا نهاية وكلما ظننا أننا عرفناه نزداد جهلاً به وشوقاً إليه
معنى الحياة والموت : لم يعد الموت نهاية وإنما أصبح باب حياة حقيقة ولم تعد الحياة أن يعمر الإنسان طويلاً وإنما صارت أن يعرف . الحياة إكتشاف ومعرفة ، والمعرفة لا تتم إلا بالموت ( الإتحاد مع المطلق والعودة للأصل ) هكذا يتراءى معنى جديداً للبطولة والفروسية . الإنسان كائن للموت بل أن جوهره هو الموت لذلك يغامر ويحيا بطلاً
** تجاوز الماضي لم يعد يهم الشاعر العربي الجديد قدسية مطلقة نهائية وإنما أصبح يهمه بقدر ما يدعوه للحوار معه ، فالشاعر الجديد يأخذ من أصوات الماضي تلك التي تعانق المستقبل ويتفاعل معها ويستفيد منها .
** إن القصيدة الأكثر حداسة لا تكون بالضرورة أكثر قيمة ، فالإغراء في التقدم شأن الإغراء في القدم لا يتضمن بالضرورة قيمة فنية . إن قصيدة جريئة في ابتكاراتها واستباقاتها الشكلية لا تعني بالضرورة أنها أكثر قيمة أو أجمل من قصيدة تنستفي أصولها المباشرة من الينابيع القديمة . غير أن هذا لا يعني بأية حال أن أسلوب التعبير في الماضي صالح للتعبير في عصرنا الحاضر ، فالأساليب القديمة لم تعد تنتج إبداعاً له أثر عظيما والدليل ينهض كل يوم ، فالذين يحافظون على المنهجية القديمة ليس لهم حضور في عالم الإبداع الشعري المعاصر . إنهم ظلال شاحبة وتكرار عقيم . أما الذين يعطون اليوم للشعر العربي أعمق خصائصه فهم الشعراء المجددون
نورت القسم بتواجدك فيه
كل الاحترام لك
دمــــوعه
لا إله إلا الله محمد رسول الله
بكل ما تطرحه
أسأل الله أن تكون بخير اخى
كل سنه وانت طيب