تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » حكم تولى المرأه الولايه العامه والقضاء فى الاسلام

حكم تولى المرأه الولايه العامه والقضاء فى الاسلام 2024.

  • بواسطة

تولي المرأة رئاسة الدولة
محمد حسن | 3/10/1426 هـ
تقدم عدد من النساء للترشح لمنصب رئيس الجمهورية في مصر، ليتسع بذلك الخرق في حياتنا الإسلامية، وتتمادى تيارات التغريب في إهدار أحكام الإسلام، بسبب حمّى المطالبة بالمساواة الكاملة مع الرجل التي أصابت عقولهم.

وأقوال الأئمة والعلماء في هذه المسألة منذ عصر النبوة مجمعة على عدم جواز تولي المرأة الولايات العامة وفي مقدمتها منصب الحاكم أو رئيس الدولة، ولكن في هذا العصر الذي تأثر فيه عدد غير قليل من المسلمين بالثقافة والأفكار الغربية الضالة التي تخالف ديننا مخالفة صريحة؛ ظهر من يقول بأن ترشح المرأة للولايات العامة وتوليها لمنصب الرئيس جائز! ولذلك سوف أذكر هنا الأدلة الشرعية التي ذكرها العلماء على عدم جواز تولي المرأة للولايات العامة وخصوصاً منصب رئيس الدولة.

ولكن قبل ذلك لا بد من التفريق بين هذه المسألة وبين المسائل الأخرى في قضية الولاية، فالولايات نوعان خاصة وعامة، فالولايات الخاصة: مثل تولي نظارة الوقف، والوصاية على اليتامى، والولايات العامة: مثل تولي القضاء، وتولي رئاسة الدولة أو الملك. ففي الولايات الخاصة هناك ولايات يصح للمرأة أن تتولاها كنظارة الوقف ووصاية الأم على اليتامى، أما الولايات العامة فليس فيها ما يصح للمرأة أن تتولاه، ولا سيما منصب الإمامة الكبرى. وكل ولاية أحكامها الخاصة بها ولا يصح لا قياس بعضها على بعض، فمثلاً وصاية الأم على اليتامى هي ولاية خاصة ولا يصح أن يقاس عليها القضاء أو الإمامة العظمى؛ لأنهما من الولايات العامة، وقياس العام على الخاص فاسد ومردود.

كما لا بد من معرفة أن الذكورة، مع كونها شرطاً في الولايات العامة عموماً، لا خلاف بين العلماء في كونها شرطاً ووصفاً لازماً سواء في منصب الخلافة العامة التي تحكم دول الإسلام كافة مع ما لها من شروط أخرى، أو في المنصب الذي يقوم مقام منصب الخلافة العامة في حال انقسام وتمزق دولة الإسلام إلى دول متعددة، وهو ما يطلق عليه الآن في كثير من الدول رئاسة الدولة، وفي بعضها الملك، وفي بعضها السلطنة، وفي بعضها الإمارة، قال إمام الحرمين الجويني: (الباب الرابع: في صفات الإمام القوام على أهل الإسلام… ومن الصفات اللازمة المعتبرة: الذكورة…)(1) ، وقال الخطيب الشربيني: (رابعها – أي شروط الإمام الأعظم-: كونه " ذكراً " ليتفرغ ويتمكن من مخالطة الرجال، فلا تصح ولاية امرأة لما في الصحيح "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة")(2).

أولاً: الأدلة على عدم جواز تولي المرأة لرئاسة الدولة:

1- من القرآن الكريم: قال _تعالى_: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ…"[النساء: 34]، ففي هذه الآية جعل الله _تعالى_ الرجل قوّاماً على المرأة، فلا يصح أن تكون المرأة قوامة على الرجل، هذا في الأسرة، ومن باب أولى لا يصح أن تكون قوامة عليه فيما هو أكبر من الأسرة وهي الولايات العامة في الدولة أو الأمة كالقضاء والمجالس النيابية والوزارة والرئاسة.

قال البغوي: "القوّام والقيّم بمعنى واحد، والقوّام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب"(3). وقال ابن كثير: ("الرجال قوامون على النساء"، أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت. "بما فضَّل اللّه بعضهم على بعض" أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم؛ لقوله _صلى اللّه عليه وسلم_: "لن يفلح قوم ولَّو أمرهم امرأة" رواه البخاري، وكذا منصب القضاء وغير ذلك "وبما أنفقوا من أموالهم" أي: من المهور والنفقات… فناسب أن يكون قيماً عليها كما قال اللّه _تعالى_: "وللرجال عليهن درجة" الآية، وقال ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء عليهن، أي تطيعه فيما أمرها اللّه به من طاعته…)(4).

وقال الرازي: "واعلم أن فضل الرجل على النساء حاصل من وجوه كثيرة، بعضها صفات حقيقة، وبعضها أحكام شرعية، أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم، وإلى القدرة، ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة… وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق…والولاية في النكاح…وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب… والسبب الثاني لحصول هذه الفضيلة: قوله _تعالى_: "وبما أنفقوا من أموالهم""(5).

وقوامة الرجل على المرأة وتقديمه عليها أمر واضح ظاهر في الإسلام في كثير من جوانب الحياة العامة، وتولية المرأة للولايات العامة وخصوصاً رئاسة الدولة؛ فيه مخالفة لأحكام الشريعة، وإهدار لمقاصدها، ومضادة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وهدم لنظام الحياة الإسلامية، قال العز بن عبد السلام: "ولا يَلِيقُ بالرجال الكاملة أَديَانهُم وعقولهم أَن تحكم عليهم النساء لنُقْصان عقولهن وَأَديَانِهن، وَفِي ذَلِكَ كسر لِنَخْوَةِ الرجال، مع غَلَبَةِ المفاسد فيما يحكم به النِّساء على الرِّجَال، وقد قال عليه السلام: "لَنْ يَفْلَحَ قَومٌ وَلَّوْا أَمرهم امرأَة""(6).

2- ومن السنة: روى البخاري عن أبي بكرة قال: "لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة""(7) وفي رواية الإمام أحمد: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"، قال الدكتور مصطفى ديب البغا: ((أيام الجمل) أي كان انتفاعي بتلك الكلمة، أيام وقعة الجمل… وكان انتفاع أبي بكرة -رضي الله عنه- بتلك الكلمة أن كفته عن الخروج والمشاركة في الفتنة. (لن يفلح) لا يظفرون بالخير ولا يبلغون ما فيه النفع لأمتهم. (ولّوا أمرهم امرأة) جعلوا لها ولاية عامة، من رئاسة أو وزارة أو إدارة أو قضاء)(8).

قال المناوي: ("لن يفلح قوم ولوا" وفي رواية ملكوا "أمرهم امرأة" بالنصب على المفعولية وفي رواية (ولي أمرهم امرأة) بالرفع على الفاعلية؛ وذلك لنقصها وعجز رأيها، ولأن الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية والمرأة عورة لا تصلح لذلك، فلا يصح أن تولى الإمامة ولا القضاء)(9).

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: (هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه… فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالّة [أي مسنة كبيرة] بَرْزَة لم يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم وتكون مناظرة لهم، ولن يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده)(10). قال القرطبي: (وإذا صحت السنّة فالقول بها يجب، ولا تحتاج السنة إلى ما يتابعها؛ لأن من خالفها محجوج بها)(11).

3- الإجماع: لا خلاف بين العلماء على عدم جواز تولية المرأة الإمامة العظمى، بل حكى ابن حزم الظاهري إجماع أهل القبلة على ذلك، حيث قال: (وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة))(12).

ثانياً: من فتاوى العلماء المعاصرين في حكم تولي المرأة للولايات العامة والرئاسة:

1- فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله تعالى –:
سئل – رحمه الله تعالى – عن ترشيح (بنازير بوتو) في الانتخابات الباكستانية عام 1409هـ، فأجاب رحمه الله: (الحمد لله وحده… تولية المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، فمن الكتاب قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}، والحكم في الآية عام شامل لولاية الرجل وقوامته في أسرته، وكذا في الرئاسة العامة من باب أولى. ويؤكد هذا الحكم ورود التعليل في الآية وهو أفضلية العقل والرأي وغيرهما من مؤهلات الحكم والرئاسة.

ومن السنة قوله _صلى الله عليه وسلم_ لما ولى الفرس ابنة كسرى: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (رواه البخاري)، ولا شك أن هذا الحديث يدل على تحريم تولية المرأة لإمرة عامة، وكذا توليتها إمرة إقليم أو بلد، لأن ذلك كله له صفة العموم، وقد نفى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الفلاح عمن ولاها، والفلاح هو الظفر والفوز بالخير.

وقد أجمعت الأمة في عهد الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المتفوقات في علوم الدين، اللاتي يُرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة، وما يتصل بها من المناصب، والزعامات العامة.

ثم إن الأحكام الشرعية العامة تتعارض مع تولية النساء الإمارة؛ فإن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها؛ فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة، وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة، وجماعتها، ورجالاً ونساء في السلم والحرب ونحو ذلك، مما لا يتناسب مع أحوال المرأة وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.

وأيضاً فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب في من يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم، والله الموفق.. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه)(13).

2- فتوى فضيلة الشيخ الدكتور نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق):
أفتى د. نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق) بأنه لا يجوز للمرأة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وقد نشرت الفتوى في جريدة الأهرام يوم 28/2/2005م.

3- فتوى لجنة الأزهر وفضيلة الشيخ عطية صقر في تصويت المرأة وترشحها للمجالس النيابية:
قررت لجنة الفتوى بالأزهر في فتواها عدم جواز ترشيح المرأة للمجالس التشريعية لأن فيه معنى الولاية العامة، وهي ممنوعة بحديث البخاري وغيره: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وهذا ما فهمه أصحاب الرسول وجميع أئمة السلف… وجاء في الفتوى: "أما ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير إلى نهايته؛ فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك، مما نشفق على المرأة أن تزج بنفسها فيها(14)، وهذه الفتوى تشمل الرئاسة من باب أولى،؛ لأنها أعظم ما يتحقق فيه معنى الولاية العامة، كما أن القول بجواز ترشح المرأة للمجالس النيابية، مع مخالفته للنصوص الشرعية المانعة، سيجر إلى المطالبة بترشحها لمنصب الرئاسة، مما يعني التمادي في مخالفة النصوص الشرعية بصورة أكبر، يقول الشيخ عطية صقر: (فلو أن الأمر اقتصر على إعطاء صوتها إذا وجدت فيها المواصفات التي ذكرها الماوردي ما كان هناك اعتراض، لكن الذين ينادون بإعطائها هذا الحق يربطون بينه وبين حق الترشيح لتمثيل الشعب في المجالس التشريعية، وبالتالي إذا اشتركت في انتخاب الإمام أو الحاكم جاز لها الترشيح لهذا المنصب، فالتصويت سلم للترشيح، والقوانين الوضعية لا تلتزم حدود الدين في الوقوف عند منح امتياز معين. من هنا لا يجـوز القول بجواز تصويتها لأنه وسـيلة إلى ممنوع، هذا ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1952م)(15).

______________________

1. اختصار غياث الأمم في التياث الظلم لأبي المعالي الجويني، اختصره أبو عمار الحسيني، ص32- 34.
2. مغني المحتاج، للخطيب الشربيني، (4/131).
3. تفسير البغوي، سورة النساء، آية 34.
4. تفسير ابن كثير، سورة النساء، آية 34.
5. تفسير الفخر الرازي، سورة النساء، آية 34.
6. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام.
7. صحيح البخاري، رقم 4163.
8. صحيح البخاري، ضبط وشرح الدكتور مصطفى ديب البغا – أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة – جامعة دمشق.
9. فيض القدير، للمناوي، الحديث رقم 7393.
10. أحكام القرآن للقرطبي، تفسير سورة النمل، آية رقم 23.
11. أحكام القرآن للقرطبي ، سورة البقرة، آية الدين.
12. انظر الفصل (4/ 110)، وأحكام القرآن للقرطبي (1/271)، نقلاً عن الإمامة العظمى، لعبد الله الدميجي، ص 246.
13. والسؤال موجه من مدير تحرير مجلة المجتمع، انظر مجلة المجتمع، العدد 890.
14. نشرت الفتوى في مجلة الأزهر عدد 6/1952م، انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، ج2، ص 448.
15. انظر موسوعة فتاوى الأزهر الإلكترونية، المرأة والانتخاب، الموضوع 95.

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم تولي المرأة ولاية المسلمين العامة

الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، الفعَّال لما يريد، خلق فسوّى، وقدّر فهدى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والأنبياء، محمد – صلى الله عليه، وعلى آله وسلم – وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:-

إن الناظر في التكاليف الشرعية، يرى الحكمة الإلهية البالغة في هذا التشريع المُحكم المتقن الذي جاء من الله بالحق المبين، قال تعالى :﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت : 42] ، ففيه يجد العبد تكاليفاً جاءت لجميع الأفراد تكلِّفهم كأفراد. وهذه التكاليف منها: ما هو شامل لجنس الرجال والنساء، ومنها: ما هو خاص بجنس الرجال، ومنها: ما هو خاص بجنس النساء، ومنها: ما هو تشريع خاص بجنس الأطفال. ومنها: ما هو تكليف لا لجميع الأفراد، ولكنه تكليف لبعضٍ دون بعض، كلٌ من موقعه، ومكانه الذي هو فيه، وزمانه الذي يعيش فيه. ومنه ما هو تكليف للفرد في حالٍ دون حال، أو في زمان دون زمان، أو تكليفٌ له في مكان دون مكان، والنظر في هذه الأحوال إلى وجود الفعل وتحققه، ولكن ممن كُلِّف به وطُلب منه، وهذه ما تعرف عند علماء المسلمين بفروض الأعيان.

ومن التشريع ما هو تكليف لمجموع الأمة، لا يُنظر في تحققها إلى فاعلٍ بعينه، بل النظر متسلطٌ هنا على وقوع الفعل، إذ المطلوب أن يوجد هذا الفعل، سواء كان فاعل ذلك زيد من الناس أو عمرو، وهذا ما يعرف عند علماء المسلمين بفروض الكفايات.

ولكنَّ هنا نظراً، وهو: أن الطلب في فعل هذه التكاليف العينية أو الكفائية ليس متروكاً إلى هوى العبد واجتهاده، بل الطلب مسلّط عليه وفق شروط وضوابط وقيود معينة يجب على العبد أن يمتثلها، وأن يعتبرها في طلبه لتحصيل هذه الفروض. وبيان ذلك – على سبيل المثال – أن الصلاة والزكاة،… من الفروض العينية على كل من كُلِّف بها، ولكنّ أداءها والقيام بها ليس متروكاً للعبد ليؤديها بالطريقة التي يريد هو، بل هو مطالب أن يؤديها بالطريقة والكيفية التي أرادها الله سبحانه وتعالى، وذلك عند تحقُق شروطها، ووجود أسبابها، وانتفاء موانع أدائها، ومثل ذلك فروض الكفايات، كصلاة الجنازة، وتوليه القضاء، والولاية العامة أو الخلافة. إذ المطلوب من مجموع الأمة فِعْل هذه الأعمال، ولكن وفق الطريقة والكيفية التي أرادها الله سبحانه وتعالى :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف : 40].

ومسألتي هذه التي سأتحدث عنها من فروض الكفايات، والتي أراد الله سبحانه أن تتحقق لسير حياة الناس، ولكن وفق الضوابط والشروط الشرعية التي جعلها الله سبحانه لتولي هذا المنصب، ولقد وُجِد في زماننا هذا من المسلمين من يطالب بمساواة النساء بالرجال في أن تتولى إحداهن الرئاسة والإمارة. ويحسبون أن منعهن من ذلك غمصٌ لهن، ومنعٌ لهن من حقٍ مشروع؛ ولذا كان لا بد من بيان حكم الشرع في هذه المسألة، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب : 36]؛ فأقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي ونِعم الوكيل:

تعريف الولاية:

هي اسم أو مصدر من وَلِيَ. قال الفيروز آبادي: (ووَلِيَ الشيءَ، وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً، أَو هي (أي الوَلاية) المَصْدَرُ، وبالكسر الخُطَّةُ، والإِمارَةُ، والسُّلطانُ. وأوْلَيْتُه الأمْرَ: وَلَّيْتُه إياهُ)(1). وقال ابن سيده: وَليَ الشيءَ ووَلِيَ عليه، وِلايةً ووَلايةً، وقيل: الوِلاية الخُطة كالإِمارة، والوَلايةُ المصدر. وقال ابن السكِّيت : الوِلاية – بالكسر –: السلطان، والوَلايةُ: النُّصرة . يقال: هم عليَّ وَلايةٌ أَي: مجتمعون في النُّصرة. وقال سيبويه: والوِلاية – بالكسر – الاسم، مثل الإِمارة والنِّقابة؛ لأَنه اسم لما توَلَّيته وقُمْت به. وقال الزجاج: والوِلايةُ التي بمنزلة الإِمارة مكسورة؛ ليفصل بين المعنيين(2)، ويقصد بالمعنيين: الإمارة والنصرة.

تعريف العامة:

قال زين الدين الرازي: (والعامة ضِدُّ الخَاصَّة. وعَمَّ الشَّيْءُ يَعُمُّ (بالضم) عُمُوماً أي: شَمِلَ الجماعةَ. يقال: عَمَّهم بالعَطِيَّة)(3). وقال المرتضى الزبيدي: (والعَمَم: اسم جمع للعامة، وهى خلاف الخاصة، وقال ثعلب: إنما سميت؛ لأنها تعم البشر، وقال الراغب: لكثرتهم وعموميتهم في البلاد)(4).

تعريف الولاية العامة:

عرَّفها ابن نجيم الحنفي بأنها: (استحقاق تصرفٍ عام في الدين، والدنيا على المسلمين)(5). وقيل: (هي رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافةً عن النبي صلى الله عليه وسلم)(6).

والولاية متعلقة بتصرف الراعي في تدبير شئون الرعية؛ لا أنه أصبح مستحقاً ولأنه يتصرف فيهم، والمستحَق عليهم طاعة الإمام، لا تصرفه فيهم(7).

حكم تولي الخلافة:

تنصيب خليفة للمسلمين من فروض الكفايات – كما تقدم – التي يتسلط الأمر فيها إلى مجموع الأمة الإسلامية، فإن قام بها من يكفي أجزأ ذلك عن الجميع، وارتفع الإثم عن الباقين. قال أبو النجا المقدسي في الإقناع: (هي فرض كفاية، كالقضاء)(8).

الحكمة من تولي الخلافة:

المقصود الأعظم من تولي الخلافة كما ذكر فقهاء المسلمين هو: خلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا بالدين(9). وذلك متمثل في: إقامة شعائر الدين، والدفاع عنها، ونشر السنة النبوية المطهرة، والذبِّ عنها، وحمل الناس عليهما، ونشرهما بكل الوسائل، ومحاربة البدعة وأهلها، وحماية بيضة المسلمين وجماعتهم، والدفاع عنهم، وجمع كلمتهم، وإقامة الحدود، وأداء الحقوق، ونصرة المظلوم، والأخذ على يد الظالم وإرجاعه إلى الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسعي في مصالح الرعية، وتوفير احتياجاتهم، والتخفيف عنهم، والتجاوز عن مُسيئهم، والرأفة بضعيفهم، والعطف على فقيرهم ومراعاته…

. قال الشربيني: (إذ لا بد للأمة من إمام يُقيم الدين، ويَنصر السنة، ويُنصِف المظلوم من الظالم، ويستوفي الحقوق، ويضعها مواضعها)(10)، وقال البهوتي في كشاف القناع من كتب الحنابلة: (لأن بالناس حاجة إلى ذلك لحماية البيضة، والذب عن الحوزة، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)(11). وقد أشار أبو النجا المقدسي في الإقناع من كتب الحنابلة إلى أن من الحِكَم لتولي الخلافة: اتحاد كلمة المسلمين(12). وقال في رد المحتار من كتب الحنفية: (والمسلمون لا بد لهم من إمام، يقوم بتنفيذ أحكامهم، وإقامة حدودهم، وسدِّ ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمع والأعياد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق، وتزويج الصغار والصغائر، الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم)(13).

الذكورة شرط في تولي الخلافة:

اشترط الفقهاء في خليفة المسلمين ما اشترطوه فيمن يتولى قضاء المسلمين وزيادة، كما نص على ذلك أبو النجا المقدسي من الحنابلة(14)، و الرملي من الشافعية(15).

وبيان ذلك بالتفصيل كما يأتي:

أما فقهاء الحنفية فقد اشترطوا الذكورة في خليفة المسلمين أو واليهم. قال في الدر المختار: (ويشترط كونه مسلماً، حراً، ذكراً، عاقلاً، بالغاً، قادراً، قرشياً، لا هاشمياً، علوياً…)(16). وقال في رد المحتار: (شروط الإمامة: أن يكون عدلاً، بالغاً، أميناً، ورعاً، ذكراً، موثوقاً به في الدماء والفروج والأموال، زاهداً، متواضعاً، مُسايساً في موضع السياسة)(17).

ومعنى قادراً أي: (على تنفيذ الأحكام، وإنصاف المظلوم من الظالم، وسدِّ الثغور، وحماية البيضة، وحفظ حدود الإسلام، وجرِّ العساكر)(18).

وأما فقهاء المالكية فهم في هذه المسألة كالحنفية يشترطون فيمن يتولى الولاية العامة أن يكون ذكراً. قال في منح الجليل شرح مختصر خليل: (فيشترط فيه [أي الإمام الأعظم] العدالة، والذكورة، والفطنة، والعلم…)(19).

وأما الشافعية فقد اشترطوا فيمن يتولى الخلافة العامة شروطاً، وهي: أن يكون مسلماً، مكلفاً، حراً، ذكراً، قرشياً، عدلاً، مجتهداً، شجاعاً، ذا رأي وسمع وبصر ونطق. وقد نص زكريا الأنصاري في أسنى المطالب على اشتراط الذكورة فيمن يتولى منصب الإمام الأعظم(20)، وقال النووي في المنهاج: (شرط الإمام: كونه مسلماً، مكلفاً، حراً، ذكراً، قرشياً، عدلاً، مجتهداً، شجاعاً، ذا رأي وسمع وبصر ونطق)(21).

وأما الحنابلة فقد اشترطوا أيضاً شروطاً فيمن يتولى الخلافة العامة، وهي: أن يكون أهلاً للقضاء، قرشياً، شجاعاً، سليماً من نقص يمنع من استيفاء الحركة وسرعة النهوض، وأن يكون بالغاً، عاقلاً، سميعاً، بصيراً، ناطقاً، حراً، ذكراً، عدلاً، عالماً، ذا بصيرة، كافياً ابتداءً ودواماً. قال أبو النجا المقدسي: (فشرط الإمام كونه أهلاً للقضاء، قرشياً، شجاعاً، وتعتبر سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض)(22)، ومن هذا النص يُعلم أنهم يشترطون الذكورة فيمن يتولى الولاية العامة. وقد عُلم أنهم يشترطون الذكورة في تولي القضاء؛ فدل ذلك على أنهم يشترطونها في الولاية العامة. وقال البهوتي: (ويعتبر في الإمام كونه قرشياً، بالغاً، عاقلاً، سميعاً، بصيراً، ناطقاً، حراً، ذكراً، عدلاً، عالماً، ذا بصيرة، كافياً ابتداءً ودواماً)(23)، وقال ابن قدامة المقدسي: (ولا تصلح [أي المرأة] للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان)(24)، وقال المرداوي: (ويعتبر كونه قرشياً، حراً، ذكراً، عدلاً، عالماً، كافياً، ابتداءً ودواماً)(25).

وأما الزيدية فقد أشار الإمام المهدي أحمد بن يحي المرتضى في البحر الزخار أن مذهب الزيدية كمذهب غيرهم في اشتراط الذكورة في أي ولاية(26). وهو ما نص عليه الشوكاني في نيل الأوطار حيث ذكر أن المرأة ليست من أهل الولايات، وأنه لا يحل لقوم توليتها(27).

وعدم تولي المرأة الولاية العامة (الخلافة) هو ما ذكره ابن حزم أيضاً في المحلّى حيث قال: (ولا يجوز الأمر لغير بالغ ولا مجنون ولا امرأة)(28).

وقد ذكر حافظ محمد أنور، أقوالاً وفتاوى كثيرة لكثير من المعاصرين من علماء الأزهر، والسعودية، والباكستان، وبنغلادش، وشبه القارة الهندية، وغيرهم من العلماء الذين لم يذكرهم من علماء اليمن، والخليج، كلهم حرَّموا على المرأة أن تتولى الولاية العامة، بل وساقوا إجماع علماء الأمة المتقدمين على ذلك(29).

ومن خلال ذلك كله يتبين لك أن فقهاء المسلمين قاطبة قد أجمعوا على اشتراط الذكورة؛ لصحة تولي منصب الولاية العامة.

أدلة العلماء على تحريم تولي الإمارة العامة على النساء:

استدل فقهاء المذاهب الإسلامية على حرمة تولي المرأة الولاية العامة بأدلة منها:

1. الكتاب: وذلك في قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء : 34]. قال ابن كثير: (أي: الرجل قَيِّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجَّت ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذَا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلْك الأعظم..)(30)، وقال القرطبي: ( قَوَّام: فعَّال للمبالغة، من القيام على الشيء، والاستبداد بالنظر فيه، وحفظه بالاجتهاد. فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها، وتأديبها، وإمساكها في بيتها، ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته، وقبول أمره ما لم تكن معصية، وتعليل ذلك: بالفضيلة، والنفقة، والعقل، والقوة في أمر الجهاد، والميراث، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)(31). وقال الشوكاني: (إنما استحقوا هذه المزية؛ لتفضيل الله للرجال على النساء؛ بما فضلهم به من كون فيهم الخلفاء، والسلاطين، والحكام، والأمراء والغزاة، وغير ذلك من الأمور…)(32). وقد دل على حرمة تولي المرأة الولاية العامة قوله تعالى:﴿ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ﴾ [البقرة : 282]، إذ في الآية دليل على عدم قبول شهادتها على انفرادها؛ وما ذاك إلا لضعف عقلها، وهو ما نص عليه الرملي في تحفة المحتاج من كتب الشافعية حيث قال في سبب عدم تولي المرأة الخلافة: (لضعف عقل الأنثى، وعدم مخالطتها للرجال)(33)، وهذه العلل مما استدل به العلماء على حرمة توليها الولاية العامة، حيث ذكروا أن الخلافة أو الولاية العامة تحتاج إلى تفرغ ومخالطة للرجال، وقد علل الشربيني اشتراط الذكورة في تولي الخلافة بقوله: (ليتفرغ، ويتمكن من مخالطة الرجال. فلا تصح ولاية امرأة)(34)، والمرأة غير متفرغة؛ لأنها مشغولة بحق زوجها وأولادها، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -:" والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم "(35)، كما أن مخالطتها للرجال ممنوعة لحديث أبي أسيد الأنصاري – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم للنساء:" استأخرن. فإنه ليس لكنَّ أن تحققن الطريق. عليكن بحافات الطريق "، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به "(36). وهذه العلل التي علَّل بها الفقهاء علَِل مستنبطة، قد دلت على عدم جواز أن تتولى المرأة الولاية العامة.

2. السنة: وذلك في حديث الإمام البخاري عن أبي بكرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -:" لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة "(37)، وهذا الحديث هو عمدة ما استدل به الفقهاء على حرمة توليها(38). وقد حمل ابن حزم هذا الحديث على الولاية العامة(39)، وأما الشوكاني فقال عن هذا الحديث: (فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها؛ لأن تجنب الأمر الموجِب لعدم الفلاح واجب)(40). وقد ربط حديث أبي بكرة هذا عدم الفلاح بتولي المرأة، وما ذاك إلا لكونها قد اتصفت بهذا الوصف (وهو أنها امرأة)، فدل ذلك على أن علة منعها من الولاية العامة هي الأنوثة، وهذه العلة علة منصوص عليها في الحديث كما ترى، وليست علة مستنبطة، والحكم يدور مع علته المنصوص عليها حيث درات وجوداً وعدماً.

ومما يدل أيضاً على عدم جواز توليها الولاية العامة، حديث الإمام مسلم عن أبي ذر- رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال:" يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب إليك ما أحب لنفسي. لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم "(41)، وفي رواية " قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال:" يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها "(42)، ووجه دلالة الحديث على ذلك هو: أن الضعفاء لا يصلُحون للإمارة ، وقد عُلِم أن المرأة ضعيفة.

وبذلك ترى أن منع المرأة من تولي الولاية العامة معلل بأكثر من علة، سواء كانت عللاً منصوصاً عليها (وهو كونها امرأة) أو مستنبطة (وهو كونها ضعيفة العقل، وكونها ممنوعة من مخالطة الرجال) فهذه العِلل كلها تدل على عدم جواز أن تتولى المرأة الولاية العامة، وتدل على عدم صلاحيتها لهذا المنصب. واستدلوا من الآثار على حرمة توليها بأثر ابن مسعود – رضي الله عنه – حيث قال عن النساء:" أخروهنّ حيث أخرهن الله "(43). والله قد أخَّرهن في مقام الولاية العامة، وقدَّم الرجال عليهن.

3. الإجماع: قال القرطبي: (وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماماً)(44). وقد نقل القرطبي عن القاضي أبي بكر بن العربي قوله في حديث أبي بكرة المتقدم: (هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه)(45). وقال الشنقيطي في أضواء البيان: (من شروط الإمام الأعظم كونه ذكراً، ولا خلاف في ذلك بين العلماء)(46).

4. كما استدلوا بقياس الأولى، فإذا كانت المرأة قد مُنِعت من الولاية الخاصة على بعض المسلمين، فبالأولى والأحرى أن تُمنع من الولاية العامة على سائر المسلمين. قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: (لأن المرأة لا تلي الإمامة الخاصة بالرجال، فكيف تلي الإمامة العامة التي تقتضي البروز، وعدم التحرُز؟!)(47). وقد دل على ذلك كثير من الشواهد التي تدل على أن المرأة لا تتقدم على الرجال، من ذلك الصلاة: فلا يجوز لها أن تتقدم على الرجال؛ ولذا فإنه لا يجوز لها أن تكون إماماً بالرجال في الصلاة، كما أن صفوف النساء متأخرة عن صفوف الرجال، بل إن خير صفوف النساء آخرها، وهو ما ابتعد عن صفوف الرجال. ومنها الأذان: فلا يصح لها أن تؤذن للصلاة، وإنما ذلك للرجال. ومنها الجمعة: فلا يصح لها أن تخطب بالناس الجمعة. وقد عُلِم أن الخليفة هو إمام الناس في الصلاة، وهو خطيبهم في الجمعة، والعيدين، وسائر المناسبات، فكيف يصح أن تكون المرأة إماماً في الصلاة، وخطيباً في الجمعة…؟! ومنها القضاء: فلا يجوز لها أن تتولى قضاء المسلمين، ولا أن تفصل بين المتخاصمين. ومنها الخِطبة: فالذي يتقدم إلى الخِطبة هو الرجل، إذ الرجل هو الذي يتقدم لخِطبة المرأة، وليست المرأة من يتقدم لخِطبة الرجل. ومنها عقد النكاح: فلا يحق للمرأة أن تتولى عقد النكاح بنفسها إنما يتولى ذلك وليُّها. ومنها الطاعة: إذ حق الرجل على زوجته أن تطيعه في كل ما يأمرها به، في غير معصية الله تعالى. ومنها الطلاق: فالذي يملك حق الطلاق هو الرجل، فهو الذي يطلِّق وليست هي. ومنها القِوامة: فليس لها القِوامة على زوجها، بل القِوامة في ذلك للرجل. ومنها الميراث: إذ ميراث المرأة نصف ميراث الرجل. ومنها الدية: فدية المرأة على النصف من دية الرجل. ومنها الشهادة: إذ شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل. ومنها الطريق: فحق المرأة أن تمشي في حافة الطريق، وألا تزاحم الرجال فيه، بل تستأخر عنهم.

وقد أكَّد هذا الأمر أن الشرع قد اختص المرأة ببعض التكاليف التي تفارِق الرجل فيها؛ وذلك مراعاة لفطرتها وطبيعتها التي فُطِرت عليها، من ذلك: أنها أُمرت أن تقرَّ في بيتها، وألا تخرج إلا لضرورة، كما أنها أُمرت ألا تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم، وأُمرت أيضاً ألا تخلع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها أو أهلها، وأُمرت أيضاً ألا تخرج من بيتها متعطرة مطلقاً، وقد جعل الإسلام جسدها كله عورة، كما أن الإسلام قد جعل صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وقد أجاز الإسلام للرجل أن يتزوج بأربع نسوة في وقت واحد، إن عدل بينهن…، بخلاف الرجل في ذلك كله.

وتقديم الرجال على النساء في هذه الأمور ليس انتقاصاً للمرأة ولا استخفافاً بها، بل هو إنزالٌ لها في المكان الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون فيه، وليس إنزالها في هذا المكان باختيارها، ولا هو حتى باختيار الرجل، وكذا المكان الذي أراد الله سبحانه أن يكون فيه الرجال ليس من اختيارهم، ولا هو من اختيار النساء. فالله سبحانه هو الذي وضع هذا في هذا المكان، ووضع ذاك في ذاك المكان ، قال تعالى: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾[الأعراف : 54]، وقال :﴿ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : 216]، وقال: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص : 68].

فهذه الأدلة وغيرها مما استدل به العلماء على تحريم أن تتولى المرأة الولاية العامة.
شبهات وردود:

· فإن قيل: قد ورد ما يدل على خلاف ذلك، وهو أن المرأة قد حكمت الرجال كما في التاريخ كملِكة سبأ، وذلك في قولـه تعالى : ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].

· كما ساق لنا التاريخ أيضاّ أن بعض النساء – سواء كنّ مسلمات أو كافرات – قد تولَّين منصب الولاية العامة أو الإمارة، وكنَّ ممن عُرِفن بالذكاء والحزم، كشجرة الدر وغيرها من النساء اللواتي حكمن.

· وأن منعها من الولاية منقوض، بوجود بعض النساء ممن هنَّ أكثر ذكاءً، وحزماً، ودهاءً، من بعض الرجال.

· وأن الشرع قد جعل للمرأة ولاية في بعض الأحيان كما في الحضانة والرضاعة والوقف والوصاية على الصغار.

· وأن الأدلة المتقدمة إنما هي في الولاية العامة، التي لم تَعُد موجودة اليوم، وخاصة بعد تمزق بلاد المسلمين إلى دول صغيرة متفرقة، وأن تولي هذه الدولة أو تلك ولاية خاصة لا ينطبق عليها أحكام الولاية العامة.

فالجواب عن ذلك كالآتي:

· أما ما يتعلق بملكة سبأ: فإن هذا ليس دليلاً على جواز تولي المرأة الولاية العامة؛ لأنهم كانوا قوماً كافرين، ونحن غير مُتعبَدين بشريعة الكافرين. قال الألوسي: (وليس في الآية ما يدل على جواز أن تكون المرأة ملِكة، ولا حجة في عمل قوم كفرة على مثل هذا المطلب)(48)، وبمثله قال أبو حيان في تفسيره(49).

· وأما أن بعض النساء قد تولين هذا المنصب كما ساق لنا التاريخ. فجوابه: أن فعل هؤلاء ليس دليلاً على ذلك. إنما الدليل ما أُخِذ من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – أو الإجماع الصحيح الواقع بين علماء الأمة, أو القياس الصحيح السالم من المعارضة. وكيف يصح أن تُعارَض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة بأفعال البشر؟! إذ نحن متعبدون بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – لا بما فعله فلانٌ أو علاَّن.

كما أن وقوع هذه الولاية للمرأة ليس دليلاً على أن المسألة خلافية؛ لأن الخلاف المعتبر هو: الذي يقع بين علماء الأمة المجتهدين إن لم يكن هناك نص في المسألة، وليس خلاف كل أحد معتبرٌ، أرأيت إن جاء نجّار وجعل يعيب على الأطباء طِبَّهم، وأن علم الطب باطل وخاطئ، وجعل يستند في قوله هذا إلى خلاف الجزار الفلاني فهل قوله هذا معتبر؟! لا يشك عاقل أن خلاف هذا النجار فيما ليس له به علم خلاف غير معتبر. وهذا مثله، إذ هؤلاء اللواتي خالفن في تولي الإمارة ممن لم يُعرفن بالعلم ولا بالاجتهاد. فكيف يمكن القول: إن خلافهن هذا معتبر؟! وحتى لو كنّ ممن عرفن بالعلم فليس خلافهن أيضاً معتبر؛ لأن الخلاف المعتبر هو الذي لم يخالف نصاً من كتاب الله، ولا من سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.

كما أن الخلاف لا يُعدّ معتبراً إن كان قد سُبِق بإجماع علماء المسلمين. وقد تقدم أن سُقتُ لك النصوص الدالة على وقوع الإجماع على حرمة توليها، وهذا الجواب كله على وقوع تولي النساء المسلمات على بعض بلاد المسلمين في التاريخ.

· وأما تولي بعض الكافرات على بلدانهن: فهذا احتجاج أقبح من القول بجواز توليهن. إذ كيف يُعارَض الإسلام بفعل الكفار!! ولو صح ذلك لصحَّ أن نقول: إن الشرك بالله جائز، وأنه لا إثم فيه؛ لأن الكفار قد فعلوه!! ،كما قال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى : 21] ولصحَّ أن نقول: إن سجود المرء لحجر أو صنم أو كوكب… جائز كما يفعله بعض الكافرين!! كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف : 103]، ولأفضى ذلك إلى القول بأن الناس سواء لا فرق بين مسلمهم وكافرهم، وعليه فلا حاجة إلى وجود الجنة والنار، وأن الشيطان من أهل الجنة، وأنه لا حاجة إلى إرسال الرسل، ولا إلى إنزال الكتب….، قال تعالى: ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم : 35،36].

· وأما أن امرأة أو اثنتين قد حكمن وعُرِفن بالذكاء والدهاء. فجوابه: أن منع تولي المرأة ليس معللاً بكونها ناقصة عقل فقط، بل إن هناك عِللاً أخرى قد دلت على منعها من الإمارة – كما تقدم – وهي عِللٌ لا تنفكّ عن أيِّ امرأة، حتى ولو كانت من أذكى الناس؛ لأنها قد مُنعت من الإمارة لمجرد أنها امرأة، وكذا لكونها ممنوعة من مخالطة الرجال، والخلوة بهم، ولا شك ولا ريب أن بعض أمور الولاية تحتاج إلى تكتُّم وسِرِّية وخلوة، حتى عن الأقارب أحياناً، وهذا ما مُنِعت منه المرأة مطلقاً، وحتى لو فُرِض أنه حكم معلَّل بنقص عقلها فقط، فإن وجود أحاد من النساء ممن حكمن وممن عُرِفن بالذكاء والدهاء، ليس فيه دليلٌ على الجواز؛ لأن العبرة بالغالب الشائع لا بالقليل النادر، كما هو معلوم في كتب أصول الفقه. وقد عُلِم مما لا ريب فيه ولا شك أن غالب النساء ضعيفات العقول، والحكم يُربط بالغالب، وأما القليل أو النادر فلا حكم له، بمعنى أنه يدخل تحت حكم الغالب والشائع، ولا يُفرَد بحكم مستقل؛ وعليه فوجود مثل هذه الحالات النادرة أو القليلة من النساء الذكيات والحازمات لا يخرِم القاعدة الكلية في عدم جواز تولي المرأة الولاية العامة.

كما أن منعها من الولاية حكم عام، يدخل فيه جميع النساء، ولا تخرج منه أحد إلا بدليل يخصصها، وهذا ما لا وجود له.

· وأما أن للمرأة ولاية في بعض الحالات كما في الحضانة، والرضاعة، والوقف، والوصاية على الصغار (عند من قال بجواز ذلك)، فجوابه: أن الشرع لم يأت ليمنع المرأة من حقها ، بل إنه أعطاها حقها، وكلفها من الأعمال ما يتناسب مع فطرتها؛ ومن هنا قُدِّم حقها على الرجل في هذه الحالات. فأما الحضانة والرضاعة والوصاية على الصغار؛ فلأنها أرفق وأشفق وأهدى إلى تربية الأطفال من الرجل لما غرس الله في قلبها من الشفقة والرقّة والحنان ما ليس في قلب الرجل، والطفل أحوج إلى من يعتني به، ويتفهَّم احتياجاته، ويقوم على رعايته وهو في هذه السن، والمرأة أقدر على ذلك من الرجل. وأما الوقف فالمرأة ليست ممنوعة من جميع التصرفات المالية، بل يصح بيعها وشراؤها وهبتها…، وإنما المقصود من نظارة الوقف حفظ أصول الأموال وتنميتها، والمرأة يمكنها أن تفعل ذلك.

ثم إن هذه الحالات حالات خاصة جزئية ليست كالولاية العامة أو الرئاسة، إذ الولاية العامة أو الرئاسة شاملة لجميع مناحي الحياة، وقد عُلِم أنه لا تعارض بين عام وخاص، فيُعمل بالخاص فيما تناوله، وبالعام في الباقي.

· وأما أن هذه النصوص المتقدمة إنما جاءت في الولاية العامة التي لم تُعُد موجودة اليوم، وعليه فلا تنطبق هذه الأحكام على هذه الولايات الخاصة الموجودة اليوم، مثل: ولاية قطر من الأقطار أو بلد من البلدان. فجوابه: أن هذه الولايات الخاصة على فرض أنها تفارِق الولاية العامة في أحكامها إلا أنها مع ذلك ولاية خاصة، والخاص يدخل حكمه تحت حكم العام، إلا إن ورد الدليل على إفراده بحكم مخالِف لحكم العام، فيُفرد ذلك الجزء المستثنى من الحكم العام بحكم يخصُّه، وتبقى بقية الأجزاء تحت الحكم العام. مع أنه يمكن اعتبار هذه الولايات على دولة من الدول كالولاية على الأقاليم والأمصار التي كانت موجودة في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي عهد الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – وفي عهد التابعين ومن وراءهم حتى سقوط الخلافة الإسلامية في مطلع هذا القرن، ولم يرد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أو الصحابة – رضي الله عنهم – أو من وراءهم ولَّوا امرأة إقليماً من الأقاليم أو مصراً من الأمصار؛ وعلى ذلك يمكن اعتبار ولاية قطر من الأقطار ولاية عامة من هذه الجهة. ولكنّ عموم هذه الولاية ليس كعموم الخلافة، إذ هو عموم نسبي، فهي ولاية خاصة بالنسبة للخلافة، وهي ولاية عامة بالنظر إلى تسلطها على جماعة المسلمين الساكنين في هذا القطر لتشمل هذه الولاية جميع مناحي حياتهم؛ وعلى ذلك قد تشترك هذه الولاية العامة (النسبية) مع الولاية العامة (الخلافة) في بعض الأحكام، وهذه المسألة التي نحن بصددها – أعني تولي المرأة الرئاسة – مما تتفق فيه الولاية العامة مع الولاية الخاصة في حرمة تولي المرأة، ودليل ذلك ما يأتي:

1. إن حرمة تولي المرأة الرئاسة داخل تحت عموم النصوص الشرعية المتقدمة، وذلك في قوله تعالى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء : 34] وتقدم قول ابن كثير الذي يدل على ذلك.

ويدل على هذا العموم أيضاً حديث " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة " إذ لفظ القوم يدل على الجماعة من دون أن يُحدّ لها حدٌّ. قال ابن منظور الأفريقي: (والقَوْمُ: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون النساء. قال ابن الأَثير: القوم في الأصل: مصدر قام، ثم غلب على الرجال دون النساء، وسُمُّوا بذلك؛ لأَنهم قوّامون على النساء بالأُمور التي ليس للنساء أَن يقُمن بها، والقوم: الرجال دون النساء، لا واحد له من لفظه، وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع؛ لأَن قوم كل نبي رجال ونساء)(50). ثم إن في هذا الحديث أمراً آخر يدل على العموم، وهو عدم ذكر متعلق " ولّوا " الذي يدل على عموم الولاية، فيدخل فيه أي ولاية كانت، كما هو معلوم في موضعه من كتب أصول الفقه. وهناك أمر ثالث في هذا الحديث يدل على العموم أيضاً، وهو تنكير الأمر في قوله " أمرهم " وهي نكرة في سياق النفي تفيد العموم.

ومن النصوص الدالة على نهي المرأة عن الولاية على العموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم المتقدم لأبي ذر:" لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم " وذلك بسبب ضعفه فقد حَرُم عليه أن يتولى حتى على يتيم واحد، والمرأة كذلك ضعيفة لا تقدر على القيام بأعباء الولاية على العموم.

فهذه دلائل كلها تدل على حرمة أن تتولى المرأة الولاية العامة، والرئاسة منها.

2. ومما يدل على حرمة تولي المرأة الرئاسة فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعل الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – ومن وراءهم حتى سقوط الخلافة الإسلامية، ولم يرد أنهم ولَّوا امرأة إقليماً من الأقاليم أو مصراً من الأمصار، كما تقدم.

3. ومما يدل على حرمة تولي المرأة الرئاسة على قطر من الأقطار: الشواهد والأدلة التي تقدم ذكره، من حرمة توليها الأذان، والجمعة، والصلاة، والقضاء… فهذه كلها ولايات وقد مُنِعت المرأة منها، ومنصب الرئاسة ولاية ينبغي أن تُمنع منه أيضاً.

4. ومما يدل على حرمة تولي المرأة الرئاسة على إقليم من الأقاليم أيضاً: القياس، فإذا كانت المرأة ممنوعة من ولاية الأذان، والجمعة، والصلاة، والقضاء… وهي مسائل جزئية مما ينبغي للوالي أن يقوم به، فكيف يجوز لها أن تتولى ما هو أعم من ذلك؟!، وقد عُلِم أن تولي الرئاسة يعني: تولي كافة شئون الناس الدينية والدنيوية، سواء كانت شئوناً اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية أو تربوية…؛ وعليه فتحريم تولي المرأة للرئاسة أولى وأحرى من تحريم توليها لهذه المذكورات.

الخاتمة:

من خلال ما سبق يتبين لك أن تولي المرأة للولاية العامة (الخلافة) وكذا الرئاسة لا يصح بدلالة النصوص الواردة في الكتاب والسنة وبدلالة إجماع علماء الأمة.

والحمد لله رب العالمين

وهو الهادي إلى سواء السبيل

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي

علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس

الثلاثاء – 23 جمادى الآخر 1445هـ، 18/7/2006م

مراجعة : عبد الوهاب مهيوب الشرعبي

هل يجوز للمرأة أن تكون قاضية ؟.

الحمد لله

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء , ولو ولِّيت أثم المولي , وتكون ولايتها باطلة , وحكمها غير نافذ في جميع الأحكام , وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة , وبعض الحنفية .

انظر : "بداية المجتهد" (2/531) , "المجموع" (20/127) , "المغني" (11/350) .

واستدلوا على ذلك بجملة من الأدلة :

1- قول الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 . فالرجل قيم على المرأة , بمعنى أنه رئيسها وكبيرها والحاكم عليها , فالآية تفيد عدم ولاية المرأة , وإلا كانت القوامة للنساء على الرجال , وهو عكس ما تفيده الآية .

2- قوله تعالى : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228 .

فمنح الله تعالى الرجال درجة زائدة على النساء , فتولي المرأة لمنصب القضاء ينافي الدرجة التي أثبتها الله تعالى للرجال في هذه الآية لأن القاضي حتى يحكم بين المتخاصمين لا بد أن تكون له درجة عليهما .

3- وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ) رواه البخاري (4425) .

استدل الفقهاء بهذا الحديث على عدم جواز تولي المرأة القضاء , لأن عدم الفلاح ضرر يجب اجتناب أسبابه , والحديث عام في جميع الولايات العامة , فلا يجوز أن تتولاها امرأة , لأن لفظ ( أمرهم ) عام فيشمل كل أمر من أمور المسلمين العامة .

قال الشوكاني رحمه الله :

" فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد , ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل , فدخوله فيها دخولاً أولياً " انتهى .

"السيل الجرار" (4/273) .

وقالت لجنة الفتوى بالأزهر :

" إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم , لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام : بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح , وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسارة , وإنما يقصد نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناده شيء من الأمور العامة إلى المرأة , وقد ساق بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم , ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة , وهذا العموم تفيده صيغ الحديث وأسلوبه " انتهى .

4- وأيضاً : طبيعة المرأة وتكوينها تمنع من تولي المرأة الولايات العامة .

قالت لجنة الأزهر للفتوى بعد ذكر الاستدلال من الحديث :

" وهذا الحكم المستفاد من هذا الحديث , وهو منع المرأة من الولايات العامة ليس حكما تعبديا , يقصد مجرد امتثاله , دون أن تعلم حكمته , وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق بين نوعي الإنسان – الرجل والمرأة – ذلك أن هذا الحكم لم يُنَطْ ( أي : يعلق ) بشيء وراء الأنوثة التي جاءت كلمة ( امرأة ) في الحديث عنواناً لها , وإذن فالأنوثة وحدها هي العلة . . . إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها , وهي مهمة الأمومة , وحضانة النشء وتربيته , وهذه قد تجعلها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة , وهي مع هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية , وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به , والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله , وهذا شأن لا تنكره المرأة نفسها , ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها " انتهى .

5- وأيضاً : التجربة العملية لبعض الدول تدل على أن المرأة لا تصلح لتولي منصب القضاء , وأن الشرع لما نهى عن تولي المرأة الولايات العامة جاء بما يحقق المصالح ويدفع المفاسد ؛ بما لا يراه ولا يعلمه أصحاب النظر القاصر .

ففي إحدى الدول الإسلامية فتحت وزارة العدل أبواب القضاء أمام النساء النابغات , ولكن بعد تجربة خمس سنوات عزلت جميع هؤلاء النساء القاضيات !! وأغلقت أمام المرأة أبواب المعهد العالي للقضاء بسب فشلهن في التجربة , رغم ما أتيح لهن من فرص التعليم والتدريب ، ورغم ما حصلن عليه من درجات تفوق الرجال في المجال النظري .

وفي دولة إسلامية أخرى فتح مجال القضاء للنساء ثم اضطرت الدولة بعد فشلهن أن تنقلهن من المحكمة إلى المجال الفني وقسم البحوث .

وهذا يدل على أن المرأة ليست أهلاً للقضاء .

6- وأيضاً : لأن القاضي مطالب بالحضور في محافل الرجال والاختلاط بالخصوم والشهود وقد يحتاج إلى الخلوة بهم , وقد صان الشرع المرأة , وحفظ لها شرفها وعرضها , وحفظها من عبث العابثين , وأمرها بلزوم بيتها , وعن الخروج منه إلا لحاجة , ومنعها من مخالطة الرجال والخلوة بهم لما في ذلك من خطر على كيان المرأة وعرضها .

7- وأيضاً : القضاء يحتاج إلى زيادة الذكاء والفطنة وكمال الرأي والعقل , والمرأة أنقص من الرجل في ذلك , وهي قليلة الخبرة بأمور الحياة وحيل الخصوم .

إضافة على ذلك : ما يعرض لها من عوارض طبيعية على مر الأيام والشهور والسنين من الحيض والحمل والولادة والرضاع . . . إلخ مما يوهن جسمها , ويؤثر على كمال إدراكها للأمور , مما يتنافى مع منصب القاضي ومكانته .

انظر : "ولاية المرأة في الفقه الإٍسلامي" ( ص 217-250 ) رسالة ماجستير للباحث حافظ محمد أنور .

الإسلام سؤال وجواب

نقلته من كلام وكتابات اهل العلم والفضل لما رأيت ان الكثير يتكلم فى المسأله بهوى من نفسه وجهل ودون علم
وفقنا الله واياكم لكل خير
ابو اسامه المصرى
اخي نشكرك على موضوعك هذا
بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.