تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ديوان الشاعر خميس لطفي

ديوان الشاعر خميس لطفي 2024.

  • بواسطة

خميس لطفي
ولد الشاعر خميس في النصيرات وسط قطاع غزة من أسرة مهاجرة من فلسطين المحتلة عام 1948 .
قضى سنيّ طفولته الأولى في دير البلح ثم نزح منها عام 1968 إلى الأردن .
أكمل تعليمه الجامعي في أوروبا وحصل على بكالوريوس الهندسة الإلكترونية .
يعمل مهندسا للاتصالات في المملكة العربية السعودية .
بدأ كتابة الشعر في مراحله الدراسية الأولى وله قصائد كثيرة لم تنشر بعد .

المهاجر

هكذا الحبُّ .. حين لا تفهمينهْ .
ينتهي ، يا حبيبتي ، لضغينةْ .
هكذا أحمل الحقيبةَ ملأى
بدموعي ، وذكرياتي الحزينةْ.
هارباً منكِ نحوَ أيّ مكانٍ
فيه أفشي ، أسرار قلبي الدفينةْ .
وأغني اللحنَ الذي ما استطعنا
حين كنا سويةً تلحينهْ .
ربما تفهم الطبيعةُ حبي
وتداوي جراح قلبي الثخينةْ .
ربما الطيرُ من سماع أنيني
حس بالحزن ، أو سمعتُ أنينهْ .
ربما تمسح الورودُ دموعي
وبحبي ، تفكِّر الياسمينةْ .
ربما تحمل الرياحُ نشيدي
ثم تلقيهِ فوق ظهر سفينةْ .
تعبر البحرَ نحو أي بلادٍ
غيرِ " هذي "
حيث الحياةُ ثمينةْ .
حينها .. حينها سأشعر أني
صرتُ حراً
وبين أيدٍ أمينةْ .!
****
هكذا هاجرَ المهاجِر لمَّا
لفظ الرحمُ ، ذاتَ يومٍ ، جَنينه .
ركب البحرَ والمحيطاتِ كرهاً
ودعا الله ، ربه ، أن يعينه .
ومضى يذرع البلادَ ويُلقِي
نظراتٍ ، شِمالَه ويمينَه .
ما الذي جاء بي ؟
يقولُ ، لأرضٍ
وبلادٍ ، قد تُفقِدُ المرءَ دينَه ؟
غيرهُ " المُرُّ والأمَرُّ "، كما في
بعض أمثال جدتي المسكينةْ .
أَينَها الآن ؟ آهِ كم " وحَشَتْني "
معها " الدردشاتُ " تحت التينةْ .
من يُريني أهلي ويأخذُ عمري ؟
آه كم صارت الحياة لعينة .!؟
****
هكذا أصبح المهاجر قلباً
وعذابُ الأيامِ كالسكِّينةْ .
قطَّعتهُ ، من المرور عليهِ
وأثارت أشواقه وحنينه .
ومضى العمرُ من يُعيد إليه ؟
ما مضى منهُ ،
من يعيد سِنينهْ ؟
كلما قيلَ : " ما بلادكَ ؟ " ولَّى
مُطرقاً رأسهُ ،
وحكَّ جبينه ..!
****
يا بلادي .. أنا الذي كم تمنَّى
عندما فرَّ منكِ لو تُمْسكينهْ .
عَرَكَ الموتَ والحياةَ وفيها
غمَّس الخبزَ بالدموع السخينةْ .
ذكِّريني ..!
كيف الحياةُ ؟ أظلتْ
مثل عهدي بها لديكِ ، مُهينةْ ؟
هل تُرى صرتِ حرةً يا بلادي
أم تزالينَ عبدةً وسجينةْ .؟
هل لديكِ الأسيادُ مثلَ زمانٍ ،
أنتِ من طينةٍ ، وهم من طينةْ ؟!
كلما جاء سيدٌ دقَّ بين الشعب والأرضِ ،
غائراً ، إسفينه .
فإذا الناس هائمونَ حيارى
وإذا الحال مثلما تعرفينه
****
آه يا زينةَ الحياةِ ، ومالي
وبنوني ، ليسوا بدونك زينةْ .
لم أذقْ منذ أن هجرتك طعماً
لهدوءٍ ، أو راحةٍ ، أو سكينةْ .
مذنباً كنتُ ؟
أم ترى من ضحايا
مذنبٍ ، ظنَّ أننا لن ندينه ؟
وله الشعبُ ، بعد ما ضاق ذرعاً
بالذي حولهُ ، أعدَّ كمينه .!

زمان الكفاح

(1)
يُبَشِّرني أصدقائي وأهلي
وأسمعُ تكبيرةَ الناس حولي .
فأهتف من فرحتي ، لا أصدِّق
أن على الأرض فرحانَ مثلي :
سَلِمتَ لنا ، يا مُعلِّمَهم
أنَّ للفعل عندك ردةَ فعلِ .
سلمتَ لنا ، يا مُفجِّرهم
ومثخنَ أجسادهم بالجراحْ .
صياحٌ ، وعمَّ المكان صياحْ .!
***
جعلتَ نهاري سعيداً ونوَّرتَ ،
يا قمراً ، في السماوات ، ليلي .
ويا نجمة الصبح للباحثينَ
عن الوطن الحر والمستقلِّ .
ويا مَن أتينا عليه نُصلِّي ..
مَنِ الحيُّ فينا ؟
مَن الميْتُ ؟ قُلْ لي !
ومَنْ مِن عذاب الحياة استراحْ ؟!
(2)
أجيءُ وفي الصدر بعضُ انشراحْ .
أودِّعُ مَن كُنْتُهُ ، ذاتَ يومٍ ،
أنايَ القديمةَ ،
حبي القديمَ ،
وعمري الذي قد تولَّى وراحْ .
أجيءُ بنفسي ، أُصبِّرُ نفسي .
أقولُ : " سَلِمْتُ ،
ويسلمُ رأسي ".
أحبُّ الذي صِرتُهُ ،
منذ أمسِ ، وأدعو له بالهدى والصَّلاحْ .
دقائقُ معدودةٌ غيَّرتني ،
فما عُدتُ أعرف نفسي كأني
سُحِرْتُ ،
وحين تخلَّصتُ مني ، انتفضتُ ،
وقررتُ حمل السلاحْ .
دقائقُ ردت إلىَّ صوابي
فأدركتُ من بعدها كلَّ ما بي
وكيف أضعتُ سنين شبابي
وبعتُ حياتيَ بيعَ السماحْ .
جديدٌ أنا اليومَ ، كُلِّي جديدُ .
وأعرف ، بالضبط ، ماذا أُريدُ .
أَفجَّرني ؟! بالحزام الشهيدُ الذي
فجَّر الباصَ هذا الصباحْ .؟!
أكان هو السرَّ فيما جرى لي ؟
ونبَّهني فانتبهتُ لحالي ؟
وجاوبني موتُه عن سؤالي ،
المحيِّرِ : أين طريق الفلاحْ ؟!
وعن ألف " كيفَ " و " هل " ،
ولماذا ؟!
أمن أجل ذاك ومن أجل هذا :
أحاول أن أستغلَّ المتاحْ .؟!
لأبقى على قيد هذي الحياةِ ،
ولو لدقائقَ أخرى ،؟! فهاتِي
يديكِ ، نسير معاً في ثباتٍ ،
ونكمل مشوارنا في الكفاحْ .
(3)
أفكِّرُ كيف يكون الكلامُ ،
عن الحبِّ ، حين يطير الحمامُ ،
ويُقتلُ ، من دون ذنبٍ ،
غلامٌ ، هنالكَ في الوطن المستباحْ .
أفكِّرُ ،
كيف ينام المحبُّ على جنبهِ ،
لحظةً ، بارتياحْ ؟!
وأشعرُ أن الكواكبَ أقربُ ،
منكِ إليَّ ، كثيراً ، وأعجبُ ،
كم من سماءٍ ، تُراني سأركبُ ،
حتى أراكِ ، وكم من جناحْ .؟!
وكيف أسيرُ ،
بعكس اتجاه الرياحْ .؟!
(4)
لقد كان هذا المساءُ طويلاً
بدونك ، جداً ، وكان ثقيلاً
فقلتُ : أُدرِّبُ نفسي قليلاً ،
قليلاً ، على قول ما لا يُباحْ .!
فأرجوكِ لا تغضبي واعذريني
فطول غيابكِ ، أَذكَى حنيني
وأكَّد حدسي ، وزاد يقيني
بقُربِ انتهاءِ الليالي المِلاحْ .
***
غداً ، سأصيرُ مجرد ذكرى .
وقد لا أعود لأكتبَ شعرا .
وداعاً .. وداعاً إليكِ وشكرا .
فنجم الشهادة في الأفق لاحْ .!
***
وهذا الزمانُ ،
زمانُ الكفاحْ ..

النسر يأكل قلبي

في صبحها ومساها
تشكو إلى مولاها
والشوقُ قد نال منها
والشكُّ قد أشقاها
تقولُ : هل خانني أمْ
ضلَّ الطريقَ وتاها ؟!
يا ربِّ سلِّمْ حبيبي
بحق عبدك " طهَ "
فمَنْ يُعيرُ سواهُ
لدمعتي الانتباها ؟
ومَن لقدسي إذا ما
نادت يلبي نداها ؟
كم قال لي : يا حياتي
أنتِ التي أهواها
وأفتديها بروحي
وأفتدي أقصاها
وبانتمائي إليها
وباسمها ، أتباهى
أنتِ التي سَحَرَتْني
بأرضها وسماها
سبحان من قال : كوني
لها ، ومَن سوَّاها
***
مرت عليهِ عقودٌ
لكنَّهُ ما سلاها
مازال منذ صباهُ
يحيا على ذكراها
يقوُل للموت مهلاً
لا تأتِ حتى أراها
النسر يأكل قلبي
والشمس تفغر فاها
والنار تنبع مني
وما سرقتُ لظاها
أموتُ ، أحيا مراراً
والطير تضحكُ : ها ها
وصخرةٌ رُبطت بي
تمشي فأمشي وراها .
وقمةَ الجبل انظُرْ
هناكَ ، ما أعلاها
متى يكون وصولي
ترى ، إلى منتهاها ؟!
وإخوتي تركوني
وحدي وأحنوا الجباها
وأمتي في سباتٍ
لم أدر ماذا دهاها
لم تبق من أمةٍ إلاَّ استيقظت
ما عداها
فدعْ مياهيَ تجري
يا موتُ ، في مجراها
ماذا ستقبضُ ؟! روحي ؟!
أعطيتُها إياها !
سنونُ عمريَ كالبرق
مرَّ عني سناها
المُرُّ منها تولَّى
وظلَّ لي أحلاها
دعني ودعني ودعني
يا موتُ ، كي أحياها
لي زهرةٌ ، أين مني ؟
رحيقُها وشذاها
ولي غدٌ سوف يأتي
بكل ما لا يُضاهى
وموعدٌ مع من لم
ولن أحب سواها
دعني أعيش قليلاً
لعلني ألقاها
دعني أموت شهيداً
هناك فوق ثراها

الآخرون

الآخرونَ كلامُهم هَزْلٌ
وأنا كلامي ، كُلُّهُ جِدِّي
يتحدثون عن الهوى ، وأنا
عن قسوة السجَّان والقيدِ
كلٌ له وطنٌ ، ولي منفىً
والسيِّدُ المنفيُّ كالعبدِ
أحلامُهم محدودةٌ ، وأنا
قلِقٌ ، وأحلامي بلا حدِّ
الحزنُ لي ، ولهم همُ فَرَحٌ
والشوكُ لي ، ولهم شذا الوردِ
لهم القصورُ ، ولي أنا خِيَمٌ
والحَرُّ لي ، وقساوةُ البرْدِ
ولهم لذيذُ نعاسِهم ، وأنا
سَهَرُ الليالي لي ، ولي سُهدي
الجوعُ لي ، ويكاد يقتلني
ولهم همُ "المظبيُّ" و"المَندي"*
وليَ الدخانُ ، وريحُ قنبلةٍ
ولهم بخورُ الهند والسندِ
يتسامرون وليلهم طربٌ
والدمعُ منسابٌ على خدي
الآخرونَ ، ولستُ أحسدهم
يتفرَّجون علىَّ ، عن بُعد
ما عاد أمري ، قطُّ ، يعنيهم
أصبحتُ مثل الأحمر الهندي !
هم بالكلام معي ، وإن فعلوا
شيئاً ،
تكنْ أفعالهم ضدي
وأنا أدافع عن كرامتهم
وبكل ما أوتيتُ من جُهد
وأذود منفرداً عن الأقصى
وكأنَّهُ مُلْكي ، أنا وحدي
بيدِ أصفِّق ، بينما شَلَّت
حولي ، ملايينٌ من الأيدي
فإذا سقطتُ على ثرى وطني
مَن يحمل الراياتِ من بعدي ؟!
..
الآخرونَ ،
حياتُهم هدفٌ
وأنا الحياةُ وسيلةٌ عندي
ومجاهداً أحيا ، ليدخلني
إن شاء ربي ، جنَّة الخلدِ..
__________
(1) المظبيُّ والمنديّ : نوعان من اللحم المطبوخ على الجمر أو الغاز في فرن مغلق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.