بقلم …. يوري أفنري (صحفي يهودي)
مننذ الأيام التي كان فيها الامبراطور الروماني يلقي بالمسيحيين للاسود والعلاقة بين الامبراطور ورئيس الكنيسة اصابها الكثير من المتغيرات.
الكنيسة انقسمت الى الكنيسة الشرقية (اورثوذوكس) والكنيسة الغربية (الكاثوليك)، في الغرب حبر الكنيسة الرومانية (الكاثوليكية) الذي لقب بالبابا الذي كان يصر على ان يتقبل الامبراطور علو مكانته عليه.
المعركة بين الامبراطور والبابا شكلت الكثير في التاريخ الاوروبي كما ساهمت في تقسيم الناس. بعض الاباطرة لفظوا البابا واهملوه، كما ان بعض البابوات لفظوا الاباطرة، وحرموهم كنسيا، ويذكر في التاريخ كيف ان هنري الرابع وقف امام قلعة البابا حافي القدمين في الثلج مدة ثلاثة ايام حتى قرر البابا ان يبطل قرار الحرمان الكنسي..
لكن هناك اوقات يتعايش البابا والامبراطور مع بعضهما بسلام ونعيش نحن هذه الحقبة الآن البابا بندكت السادس عشر والامبراطور الحالي بوش الثاني بينهما الكثير من الانسجام، حيث كانت تصريحات البابا الاخيرة متماشية بصورة رائعة مع الحملة الصليبية بقيادة بوش الثاني ضد الفاشية الاسلامية في اطار صراع الحضارات.
في محاضرة البابا رقم 265 في الجامعة الالمانية كان يشرح ما اسماه الفرق الكبير بين المسيحية والاسلام. حيث قال ان المسيحية مبنية على العقلانية والسببية بينما الاسلام يتجاهل ذلك كما ان المسيحية ترى الحكمة في اعمال الله فان المسلم ينكر اي منطق في افعال الرب.
بالنسبة الي و انا يهودي ملحد لايوجد لدي النية في ان ابحث هذه الجدلية. وان كان كلام البابا يتخطى قدرتي على فهم منطقه، الا انني لا أستطيع ان اتجاوز رسالته فهي تعنيني كاسرائيلي يعيش على الجانب الخاطئ في ما يسمى بحرب الحضارات.
في تأكيد منطقه في غياب العقلانية في الاسلام ادعى ان محمدا امر اتباعه الى نشر الاسلام بالسيف، كيف يولد الايمان من الجسد؟ الايمان لاينبع الا من الروح، كيف ينشر السيف الايمان كيف يؤثر السيف في الروح؟
ولكي يؤكد على كلامه اقتبس كلام الامبراطور مانويل الثاني الذي قال ان كل ما جاء به محمد هو شر وشيطاني ولا انساني وانه دعا الى نشر الايمان بالسيف.
هذه الكلمات تؤدي الى ثلاثة اسئلة لماذا قال هذا الامبراطور هذا الكلام؟ وهل هذه كلمات حقيقية؟ ولماذا البابا الحالي اقتبس هذه الكلمات؟.
عندما صاغ هذا الامبراطور هذه العبارة كان على راس امبراطورية تحتضر تحت الخطر التركي الذي استطاع الوصول الى الدانوب واخذ بلغاريا وشمال اليونان وفي عام 1453 اي بعد وفاة مانويل بسنوات قليلة سقطت القسطنطينية (استانبول حاليا) عاصمة امبراطورية دامت ألف عام.
كان الامبراطور يحاول بكلماته حث ملوك اوروبا واستثارة حميتهم الدينية بان يقوموا بشن حرب صليبية جديدة ضد الاتراك واعدا اياهم بتوحيد الكنيسة، الهدف كان سياسيا (الدين في خدمة السياسة).
من هذا المنطلق هذه الكلمات تستخدم حاليا لتوحيد العالم المسيحي ضد المسلمين (محور الشر)، الاتراك مازالوا يدقون ابواب اوروبا هذه المرة سلميا (تسعى تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوربي) من المعلوم ان البابا يعارض انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
هل كلمات مانويل حقيقية؟
حتى البابا نفسه في اقتباسه لهذه الكلمات قالها بحذر فهو لا يستطيع ان ينكر ماهو مقرر ومشهور ومكتوب في القرآن نفسه من رفض الاكراه في العقيدة وقد اقتبس البابا بنفسه الاية التي في السورة الثانية من القرآن التي تقول "لا اكراه في الدين"، كيف يستطيع المرء ان يتعامل مع هاتين العبارتين المتعارضتين البابا اوجد حلا عجيبا اذ قال ان هذا كان عندما كان محمد ضعيفا بلا قوة اما عندما اصبح قويا استعمل السيف لنشر الايمان.
في الحقيقة ان محمدا استعمل السيف في حروبه مع اعدائه من يهود ومشركين ومسيحيين وغيرهم عند تكوين دولته الا ان هذا كان عملا سياسيا وليس دينيا.
المسيح يقول: تعرفوا على الناس من ثمراتهم. نستطيع ان نعلم كيف تعامل الاسلام مع مختلف الاديان من خلال اختبار بسيط: كيف تعامل الحكام المسلمون مع اهل الاديان المختلفة لاكثر من الف عام عندما كان لديهم المقدرة والقوة على نشر الايمان بالسيف؟
في الحقيقة انهم لم يستعملوه. لقد حكم المسلمون اليونان فهل اصبح اليونانيون مسلمين هل حاول احدهم اسلمتهم على العكس لقد تبوأ المسيحيون اليونانيون مراكز عليا في تركيا العثمانية، الصرب والبلغار وغيرهم من الدول الاوربية التي كانت تحت الحكم العثماني ظلت مسيحية نعم الالبان والبوسنيون أصبحوا مسلمين ولكن هذا كان خيارهم وليس بالاكراه.
في عام 1099 الصليبيون اجتاحوا القدس وذبحوا المسلمين واليهود المقيمين فيها دون تمييز باسم المسيح الطيب الرقيق، في هذا الوقت اي بعد 400 عام من حكم القدس من قبل المسلمين كان المسيحيون في القدس اكثرية طوال هذه الفترة الطويلة لم يقهرهم احد على التحول للاسلام، فقط بعد انتهاء هذه الحروب الصليبية تحول المسيحيون الفلسطينيون الى الاسلام طوعا وتكلموا العربية وهم اجداد الفلسطينيين المسلمين الحاليين (هذا قول باطل، فأجداد الفلسطينيون عربا، وجذورهم معروفة في التاريخ البشري، ولكن اليهودي يبقي يهوديا).
كما انه لا يوجد اي دليل على اي محاولة مورست ضد يهودي لتحويله للاسلام، وكما هو معروف جدا لقد تمتع اليهود بالعيش تحت حكم المسلمين في الاندلس كما لم يتمتعوا في اي مكان حتى وقتنا الحالي، في اسبانيا المسلمة كان اليهود سفراء ووزراء وشعراء وعلماء، في اسبانيا المسلمة عمل العلماء اليهود والمسيحيون والمسلمون معا على ترجمة الفلسفة الاغريقية واليونانية والمخطوطات العلمية، لقد كان بحق عصرا ذهبيا، كيف كان هذا ليكون لو كان محمد امر بنشر الاسلام بالسيف.
ولنتعرف على ما حدث بعد ذلك عندما استولى الكاثوليك على اسبانيا لقد عملوا ارهابا دينيا كان اليهود والمسلمون امامهم خيار بشع اما ان يصبحوا مسيحيين او يذبحوا او يهجروا، مئات الالوف من اليهود الذين رفضوا التخلي عن عقيدتهم تلقتهم الدول الاسلامية باذرع مفتوحة من المغرب غربا الى العراق شرقا ومن بلغاريا شمالا (كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية) الى السودان جنوبا
لم يحدث لهم ما فعلته بهم الدول الاوربية المسيحية بدءا من التطهير العرقي والطرد الجماعي وانتهاء بالهولوكست (المحرقة).
لماذا لان الاسلام يحرم اضطهاد اهل الكتاب ويجعل لهم مكانة خاصة فقد كانوا يدفعون ضريبة مالية مقابل اعفائهم من الخدمة العسكرية وكان هذا امرا مرحبا به جدا من قبل اليهود.
ان اي يهودي امين لا يستطيع الا ان يشعر بالعرفان والتقدير للاسلام واهله الذين حموا خمسين جيلا من اليهود في الوقت الذي كان فيه العالم المسيحي يضطهد اليهود ويحاول تغيير عقيدتهم بالسيف .
هذه المقولة الشريرة عن انتشار الاسلام بالسيف لا تروج الا اثناء الحروب الكبرى ضد المسلمين في اوروبا وان البابا الحالي رغم انه عالم ديني يبدو انه لم يبذل اي جهد لدراسة تاريخ الاديان الاخرى.
لماذا في خطاب عام كانت كلمات البابا؟ ولماذا الآن؟.
لا يمكن ان تخرج هذه الكلمات عن سياق الحرب الصليبية الجديدة بقيادة بوش ومن يساندونه من المبشرين الانجليين، في اعلان الحرب على الفاشية الاسلامية (بزعمهم) والحرب الكونية على الارهاب عندما اصبح الارهاب مرادفا للاسلام، بالنسبة لبوش كان هذا كافيا ليخفي الحقيقة العارية بانه يريد السيطرة على منابع النفط، ليست اول مرة في التاريخ التي يستخدم فيها الغطاء الديني لاخفاء النهم الاقتصادي، ليست اول مرة حملة القراصنة تصبح حملة صليبية.
لماذا صرح بهذه التصريحات علنيا؟ ولماذا الآن بالذات؟
لا مناص من النظر إلى الأمور على خلفية الحملة الصليبية الجديدة التي يخوضها بوش ومؤيدوه الإنجيليون، وحديثه عن "الفاشية الإسلامية" و"الحرب العالمية ضد الإرهاب"، بينما يتم توجيه كلمة "الإرهاب" إلى المسلمين. إن هذا الأمر بالنسبة لمن يوجه بوش هو محاولة ساخرة لتبرير الاستيلاء على مصادر النفط. هذه ليس المرة الأولى التي تلبس فيها المصالح الاقتصادية الجرداء قناعا دينيا، وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيه حملة نهب إلى حملة صليبية.
أشكر لك مرورك الرائع والمميز دائما علي الموضوع
لك احترامي وتقديري
على الطرح والموضوع
الحلووو والجميل
الشكر لك ولحضورك ومرورك علي الموضوع
لك كل احترامي وتقديري