تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فضيلة الموت . عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق

فضيلة الموت . عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق 2024.

  • بواسطة
فضيلة الموت

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق

مدخلٌ :
قَد قُلْتُ إذْ مَدحوا الحياةَ فأكثروا
للموتِ ألفُ فضيلةٍ لا تُعرَفُ
ابن الرومي

الموت انقطاع الروح عن الوجود في الحياة الدنيا , وليس فناؤها , وهو نهايةٌ مبدئية لرحلة الحياة , ونهاية نهائية لمرحلة من الحياة , وهو أليم مُوْجع , لإبعاده المتقاربين والمتعاشرين عن بعضهم , فيكره الناس الموت لذلك, ويسبونه , ويلعنونه .
على العكس ؛ هناك مَنْ يحب الموت , ومَنْ يرغبه , اختلفت الوسائل إليه واتفقت المقاصد عليه , فمدحوه وأثنوا عليه , وفرحوا لمن مات , وطربوا لحظوته بالرحيل .
ألم الموت ووجعه وفجعته أنْسَتْهم إياها رغبتهم به , وملاحظتهم جمالياته , إما لأذى الحياة , وقذر الحيين , وسلوك البشر, فلا يكره الحياة عاقلٌ إلا إذا انطمست معالم الحياة فيها , وصارت بالموت أشبه , فعندها تكون الرغبةُ بالأصل أولى من الفرع , لأن الفرع ناقص , والنقص وَقص .
سبك المحبون للموت فضائل الموت بأجمل معنى , وأحسن مبنى , فَحَكَت مشاعرهم على ألسنتهم , ونطقت أفواههم بما في قلوبهم , وأبلغ الكلام صدقاً ما نطق به اللا وعي , ونُطْقُ القلب غير مُدْرَك إلا بتعبير اللسان وتدبير العقل , ويخالجهما عجزٌ وعِيٌ ولا يخالج القلب شيءٌ.
فضائل الموت في السلامة مِنْ حيف الحياة , وجور البشر , إذ هناك في اللا حياة انعدام ذلك, والسلامة مغنم العاقل , تحيف الحياة بالناس, وتوجعهم , وتهلكهم , ولا ترحمهم أبداً , فهي ظرف الأقدار , والأقدار صفاءٌ وأكدار , والأذواق تحكم كيفما نشأت عليه , فقد يفقد الإطاقة فتنعدم الطاقة فلا صبر يواتي , ولا فأل يجمُلُ , فتذهب بهجة الدنيا , وتزول محاسن الحياة , فليس إلا الموت أمنية .
مِنْ حيف الحياة جَوْرُ بني الإنسان , إذ هم مطبوعون على الظلم , ومَنْ لم يظلم فلعلةٍ لا يظلم , والشريف لا يقبل الضيم , فلا يقبله على نفسه من غيره , ولا يقبله من نفسه على غيره , والاحتمال له حد ينتهي إليه, وما كل ببالغه , فـيهرع إلى ملاذٍ آمنٍ من الجور , فيكون الموت خياراً .
أحوال الحياة السوداء التي تضرب في النفوس تجعل الناس يكادون لا يطيقون صبراً , هم يحبون حياتهم , ويتفانون في العيش فيها , ولكن حين يكون الحكم للأقوى , والأقوى جائر , والقدر غادر , والحيلة ضعيفة, فليس هناك إلا أن يتمنوا الموت , ولن يتمنى الموت المكروه المبغوض إلا أحمق , فكان مدحه وخلق فضائله , حيث الفضائل دفاعةٌ للإقدام , وما أقدَمَتْ نفس على شيء إلا وله فضيلة عندها , ومعايير الفضائل متباينة .
تلك أمانيهم , وما كل الأماني صادقة , فحال الحشرجة حرجة , ولكنها منبعثة عن حالٍ صادقة , فأثر الحياة في نكس الموازين أعظم من أثر المعارف في كنس العقول, فينقلب عاشق الحياة إلى عاشق الموت , وتكون عنده صناعة الموت أربح من صناعة الحياة . ملجأ الموت , والرغبة في الهروب إليه , ردة فعلٍ من ألمٍ عاد بالضرر على النفس , فهو قد لا يعدو أن يكون برَّ أمانٍ , وليس كل ملجأ مُلجيء , فربما "مِنْ مأمنه يؤتى الحذر" , حال اللبيب العاقل في قلب المثالب إلى مناقب , والمقابح إلى محاسن , وإمرار المرار , ومغالبة الأنكاد , فقبيحٌ بعاقلٍ أن يغلبه ظرفٌ مارٌّ , أو حالٌ عارٌّ , والأحوال لا تبقى , والأعمال تبقى , وما غلب عملٌ حالٌ إلا بعزمةِ عقل .

مخرجٌ :
ألا موتٌ يُباعُ فأشترِيْهِ
فهذا العيشُ ما لا خيرَ فيه


مشكور يالغلا

تحياتي

اللهم لا تخرجنا من الدنيا الا وانت راضى عنا

جزاك الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.