إن الأحلام ليست ظاهره مرضيه وهى معروفه منذ القدم ، ويحدث لنا أن نرى أحلام وهى في الغالب تكون عبارة عن لقطات .
إن الحلم استجابة لمثيرات مختلفة منها البيئية والفسيولوجية، وبالتالي فهذه المثيرات تسبب قلق للفرد ولكنه مازال في حاجه إلى النوم ، لذلك فهو يستخدم هذا المثير في عمل الحلم .
إذن فالحلم له وظيفة نافعة ، وهى حماية النوم مما يزعجه ويقلقه . فالشر والفجور ليسا مرتبطين بطبيعة الحلم ذاتها ، وهناك أحلام تدور على إرضاء رغبات مشروعة أو حاجات عضوية حتمية ، وهى أحلام تظهر غفلا عن أي تحريف ، بل إنها ليست في حاجه إليه ، فهي تستطيع أن تؤدى وظيفتها دون أن تسئ للنزاعات الأخلاقية والجمالية للأنا .
ولكن معظم الأحلام تأتى من مثيرات نفسية لا شعورية وأحداث يومية .وفى هذه الحالة يمكن القول بأن الحلم يمكن أن يكون نتيجة إلى :-
1- حافز غريزي مقموع عادة ( رغبة لا شعورية ) له من القوة ما يكفى للتأثير في الانا أثناء النوم .
2- ميل مستبعد من حياة اليقظة ، أي لسلسلة من الأفكار القبلشعورية – بكل ما يتصل بها من حوافز متصارعة – فتزداد في النوم قوة بانضمام عنصر لاشعورى إليها .
وعند تفسير الأحلام فإننا لا نستطيع التفسير المباشر إلا لهذا النوع الذي نسميه الأحلام الطفلية ، والذي يكون وسيلة لإزالة تأثير المنبهات التي تقلق النوم وذلك عن طريق الإرضاء الوهمي ، أما غير ذلك من أحلام فلا يمكن تفسيره تفسيرا مباشرا ، نظرا لما يكتنفه من تشويه وتحريف . وان ما نتذكره منه عند اليقظة ليس عملية الحلم الحقيقية بل هو واجهة يستتر وراءها هذه العملية .
ويمكن تفسير ذلك على أساس أن مواد اللاشعور في الهو سواء كانت أصلية أم مكبوتة تفرض نفسها على الأنا ، فتصبح قبلشعورية ، وان تعانى بسبب مقاومة الانا تلك التغيرات التي نسميها تشويه الحلم ، والتي تجعل المضمون الظاهر للحلم يختلف تماما عن أفكار الحلم الكامنة .
فالحلم في هذه الحالة هو تحقيق لرغبة من الرغبات الآثمة ( غريزة العدوان – غريزة الجنس ) وهى رغبات لا يرضى عنها الانا ولا يرضاها الإنسان في حياته الشعورية ولا حتى في الأحلام ، فحين تطغى هذه الرغبات على الإنسان الحالم فإنها تصاب بنوع من التشويه والتحريف حفظا لكرامة الانا وماء وجهه .
وحين يتم تفسير الحلم بناءا على هذا التشويه ، فان الفرد يرفضه رفضا باتا ، وقد يثبت الفرد عكس التفسير في الحياة الشعورية ، ونقول إن الدوافع التي تجعل هذا الإنسان يرفض هذا التفسير ، هي نفسها الدوافع التي تملى على الرقابة عملها وتسبب التحريف .
ومع هذا فالحلم ذاته لا يعاب من أجل هذا المضمون الرجيم ، واكبر الظن أننا لا ننسى وظيفة الحلم النافعة من حماية النوم ، وإرضاء رغبات مشروعة وهذه الأحلام تكون خالية من أي تحريف ، ولذلك فان درجة التحريف في الحلم تكون مرهونة بعاملين :- فيشتد التحريف كلما كانت الرغبة التي يجب أن ترصد مريبة ، وكلما كانت مطالب الرقابة في ظرف معين ملحه بشدة .
فالنزعات التي تقرض عليها الرقابة يجب أن توصف من ناحية المعيار النفسي للنقد عند المرء . وبذلك نقول أنها نزعات مستنكرة ، تتنافر مع وجهة نظرنا الأخلاقية والجمالية والاجتماعية ، وأشياء لا نجرؤ على التفكير فيها أبدا ، إلا أن يكون تفكيرا يقترن بالمقت والاستفظاع . ولقد قال الله تعالى " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " صدق الله العظيم ،أي أن النفس تحمل الشر والخير ولكن إلى أي اتجاه تتجه .
وهكذا يمكن القول إن تحريف الأحلام يرجع إلى رقابة تفرضها نزعات معينة ( يرضى عنها الانا ) على رغبات معيبة تتحرك في نفوسنا ليلا ونحن نيام .
وسوف نتناول في الجزء الثالث إن شاء الله
" ميكانيزمات صياغة الحلم "
تسلم اسير الروح