تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » لا تكن ثعلب مهزوم

لا تكن ثعلب مهزوم 2024.

التاجر وولده .. أردتك أسدا لا ثعلبا ؟!!
قيل أنه كان لأحد التجار ولد وحيد ، فلما بلغ أشده أعد له أحمالاً من البضائع النفيسة ، و أرسله يتاجر بها ، فبينما هو سائر بأحماله ، و قد توسط البرية ، رأى ثعلباً قد شاخ و كبر حتى عجز عن المشي ولم يعد يستطيع أن يخرج من جحره إلا زاحفاً , فقال في نفسه : ما يصنع هذا الثعلب في حياته ؟ وكيف يقدر أن يعيش في هذه الصحراء المقفرة , وهو لا يقدر أن يصيد ؟ وبينما هو كذلك إذ بأسد قد أقبل وفي فمه كبش , فوضعه على مقربة من الثعلب وأكل حاجته, ثم تركه ؛ وانصرف , فأقبل الثعلب يجر نفسه إلى أن أكل ما تبقى عن الأسد , وكان ابن التاجر ينظر إليه. فقال : سبحان الله , يرسل الرزق للثعلب وهو في مكانه لا يستطيع المشي و أنا أتعب و أسافر لأرتزق وعاد وأخبر والده بالأمر, فقال الأب : إني أرسلتك تتجر وتتعب كي تكون أسداً تطعم الناس ,لا أن تكون ثعلباً تنتظر أن يطعمك سواك .

" رغم طرافة هذه الحكاية و ربما عدم وقوعها لكن أحببت أن أجعلها مدخلا لمفاهيم ومعان
بودي أن نقف عندها نتأملها جيدا لتكون واضحة في أذهاننا فنستفيد منها و نؤصلها
في أنفسنا و في الآخرين "

الأولى : لا تكن عالة على غيرك و اسع في الأرض :

لأن ابن التاجر اعتاد أن يعيش عالة على والده، يصرف عليه و يعطيه فكان أول ما تبادر إلى ذهنه أن يصنع كما يصنع الثعلب لا الأسد فرجع لوالده يحمل مفهوم التواكل لا التوكل و فرق بينها ففي الأول اعتماد على الله سبحانه وتعالى لكن بدون بذل سبب إنما مجرد تمني و الثانية اعتماد عليه سبحانه مع بذل الأسباب. و هذا المفهوم يجدر بنا أن نؤصله في أنفسنا واقعيا بعيدا عن النظريات و أن نسترشد فيه بهدي المصطفى صلى الله عليه و سلم " احرص على ما ينفعك ، و استعن بالله و لا تعجز " و أن نحذر من القعود سواء كان عن عمل الآخرة أو عن عمل الدنيا و لقد عاب الله على الذين تخلفوا عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه و سلم " إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين " التوبة : 83 ".

الثانية : علينا أن نهجر عالم الأماني و الأحلام وأن نخوض غمار الحياة :

لأن المطالب العالية لا تأتي بالأمنيات بل بالتضحيات و رحم الله شوقي إذ يقول :
و ما نيل المطالب بالتمني و لكن تؤخذ الدنيا غلابا
فمن كان يتوقع أن يحصل على ما يريد بمجرد أنه يعرف ما يريد أو أن يتمناه فقد أخطأ، لا بد من السعي و الطلب ، يذكر أنتوني روبنز في كتابه قدرات بلا حدود أنه درس الأسباب التي بذلها الكثير من القادة و المؤثرين في حياة شعوبهم أيان كانت مبادئهم سواء مبادئ اصلاحية أو تدميرية فوجد أنها وضوح الهدف و السعي الدؤوب لتحقيقه . لم يعرف أن مزرعة أثمرت بمجرد أمنيات المزارع ، و هذا المبدأ ليس بجديد علينا أمة الإسلام لننتظر أنتوني ليخبرنا به بل هو أصيل في شريعتنا الغراء كثيرا ما أمرنا الشرع به و من ذلك قوله سبحانه و تعالى " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ { 8 } " الزلزلة، كذلك قوله جل في علاه " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105}" التوبة ، و قول المصطفى – صلى الله عليه و سلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " . و هنا يجب التذكير بأنه لا بد مع العمل من الاستمرار لأن الأمور بعواقبها و خواتيمها.

الثالثة : الإنسان قيمته بقدر عطائه و بقدر ما يعمل :

إن قيمة بما يقدمه لنفسه و للآخرين و اليد العليا خير من اليد السفلى. اعرف أخوة كان أبوهم نجما بارزا من نجوم السياسة في وكانوا زمن حياته يجاورونه تحت الأضواء لكن بمجرد وفاته فقدوا الأضواء و لأنهم لم يسيروا على نهج والدهم فقد أضاعوا المجد الذي بناه لهم ولأنهم لم يقدموا لأنفسهم وللناس كما قدم أبيهم فإن الناس ابتعدوا عنهم و هذه عادة الدنيا فأخذوا يصرخون نحن أبناء فلان أين من كان يأتينا من قبل و لا مجيب .إن قيمة الإنسان يجب أن تنطلق منه و أن يكون هو من يرسم مجد نفسه لا أن ينتظر أن يرسمه له الآخرون و لو كان أقرب قريب. فكن يا أخي عصاميا لا عظاميا تبني مجدك بيديك ولا تجتر من الأموات أمجاد أبائك.
و لم أجد الإنسان إلا ابن سعيه فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
و بالهمة العلياء ترقى إلى العلى فمن كان أعلى همة كان أظهرا
ابحث عن العمل الذي يناسبك و لا تتهرب من المسئوليات فيكون حالك كحال النعامة التي قيل لها : احملي و انقلي ، فقالت : أنا طائر . فقيل لها : طيري و امرحي ، فقالت : أنا بعير.

الرابعة: العزيمة…الهمة العالية…الإرادة :

كلمات يجب أن يكون لها مساحة كبيرة في قاموس حياتنا، قال طاغور : سأل الممكن المستحيل : أين تقيم فقال في أحلام العاجز. مع العزيمة تتصاغر العظائم و تتحقق المعجزات و تضيق دائرة الغير ممكن، بالعزيمة شيدت الحضارات و قامت الدول و بالعزيمة انتشرت الديانات و الملل و بالعزيمة افترق الناس إلى رفيع و وضيع و بالعزيمة سيطر الإنسان المخلوق الضعيف على الدنيا و اقام بها حضارته، و لأبي قاسم الشابي
إذا ما طمحت إلى غاية لبست المنى و نسيت الحذر
و من لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
من فقد العزيمة فقد إكسير الحياة ،من فقد الإرادة فقد الوقود الذي يسير حياته ، من فقد الهمة العالية فقد حياته.
يجب على الواحد منا أن يشحذ همته و يجددها دائما، قال العقاد :" ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال و يشحذه الضرب و النزال" ،" فإذا عزمت فتوكل على الله " آل عمران :159 "

سلمت يداك
يعطيك الف عافيه
تحياتي
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.