أهميته :
لا شك أن ما يشهده الناس اليوم من تطور وثّاب في الحضارة المادية، قائم على هذا الصفر السحري الذي سُهِّل به الترقيم والحساب، والذي يسّر الله تعالى به طرق أبواب الفضاء، وسخره ليكون قلب التَّقانة الحديثة على اختلاف أشكالها.
وظيفته الأصلية :
للصفر وظيفتان عظيمتان هما : الدلالة على معنى : لا شيء، وملء المنزلة الخالية لحفظ ترتيب المنازل .
أصـله :
اختلف المؤرخون في أصل الصفر ومنبته : فرجح أكثرهم أنه هندي الأصل . كما أن العلماء السابقين الذين تكلموا عن الأرقام الهندية والحساب الهندي، ذكروا الصفر ضمن كلامهم في هذا المقام .
(وقد زعم البعض أن كلمة الصفر العربية تعريب لكلمة الصفر الهندية (Sunya شونيا)، وليس هذا بشيء . يقال أن "الصفر بمعنى الخلو كلمة عربية أصيلة، وُجدت من قبل الحساب الهندي، ومن قبل الإسلام.
ومال البعض إلى أن الصفر ربما كان من اختراع الإغريق أو الرومان، لأن جداول بطليموس الفلكية (المجسطي) {التي كانت في القرن الثاني الميلادي} فيها إشارة للصفر، كما أن بعض المخطوطات العربية في الحساب تتكلم عن الصفر الرومي. إلا أن منهم من اقتصر على نسبة صورة الصفر الدائرية للإغريق دون اختراع أصل الصفر، وذلك لأن الصفر من ابتكار الحضارة البابلية، وزعموا أن الهنود أخذوا الشكل عن الإغريق. وذهب البعض كما في الفقرة السابقة – إلى أن الصفر من صنع الحضارة البابلية: فالبابليون لم يستعملوا رمزا للصفر، لكنهم تركوا مكانه فراغاً إلى أن كان آخر عهد الكَلدانيين – وهو من أصحاب الحضارة البابلية أيضا – فجعلوا للصفر رمزا مميزا .
ورأى بعضهم انه من وضع عربي .
ومنهم من جنح إلى أنه صيني الأصل. لكن دُفع بأن الصينيين إنما اقتبسوا الصفر من الهنود أو العرب .
ويبدو أن القول الأول هو الأسبه لاعتماد المتقدمين له، لأن الأقوال الأخرى لا تستند إلى دليل مقنع.
الصفر والعلماء المسلمون
لم ينس الذين نسبوا الصفر لغير المسلمين، أن ينوِّهوا بدور المسلمين الرائد في تمكين وتوسيع استعماله، قال الدكتور أحمد سليم سعيدان : "إن العرب لم يبتكروا فكرة الصفر ولا شكله، وإنما أخذوهما مع الحساب الهندي، فإن لم يكن لهم فضل في هذا الصدد فلعل فضلهم في ترسيخ استعمال الصفر ليملأ المنزلة الخالية في كل حال بلا استثناء" .
الحضارة الإنسانية لم يكن في مقدورها أن تتطور وتصل إلى ما وصلت إليه من تقدم ازدهار بدون الأرقام العربية، فهي القاعدة الأصلية للعمليات الرياضية وللتقدم العلمي في المجالات الهندسية والاختراعات التقنية، كما أن استعمال الصفر والاستفادة منه وتطويعه من قبل علماء المسلمين يعتبر أعظم ابتكار وصلت إليه البشرية، ومن دونه لما تمكن الإنسان أن يفرق بين مواقع الأرقام، فالرقم العربي بعد ابتكار الصفر أصبح له قيمتان، قيمة مع نفسه أي أنه يمثل العدد المرسوم والمدون، وقيمة أخرى بالنسبة إلى المنزلة التي يقع فيها، أي موقعه بالنسبة للخانات الحسابية، أما الصفر فيملأ الفراغ من المنازل الخالية من الأرقام وهو الذي يعين المرتبة العددية للرقم، والخانة المتواجدة فيها الصفر تعني أنها فارغة من أي رقم حسابي .
شـكله :
ذكر اليعقوبي {وهو أقدم من كتب في هذا الأمر مما وصل إلينا}، والإقليدسي، والبيروني، وكوشيار، وجمشيد، في معرض حديثهم عن أرقام الهند وحسابه أن الصفر دائرة (دائرة أو حلقة) صغيرة. وكذلك ذكر ابن الياسمين الفاسي، وإبن البناء المراكشي عند حديثهم عن أرقام وحساب الغبار .
قال الدكتور أحمد سليم سعيدان : "ومع مجموعتي المشرق والمغرب على السواء إشارة للصفر، هي دائرة صغيرة قد تتخذ الشكل (O)، وقد يصغرها الحاسب حتى تبدو كأنها نقطة( o ) . . . ثم إن المخطوطات الكثيرة في الحساب الهندي، كلها تجمع على كتابة الصفر بشكل دائري، إلا المتأخرة منها فتكتب الخمسة على شكل دائرة وتجعل الصفر نقطة، يستثنى من هذا التعميم بعض كتب حساب اليد . . . وفي هذه الكتب نجد الصفر دائرة أصغر من المألوف وأقرب إلى شكل النقطة . . والجدير بالذكر أن التقليد الهندي لكتابة الأرقام كان يقتضي أن يوضع خط فوق الرقم، وعلى هذا تكون الصورة الكاملة للصفر هي ذاتها الصورة الإغريقية (0) . { لذا نرجح أن شكل هذا الصفر دخيل على الترقيم الإغريقي، وأن أصله هو الصفر الهندي نفسه . . . أما في الحساب الهندي فأخذوا يتخلون عن فكرة وضع خط فوق الرقم أو العدد، فبقي الصفر دارة صغيرة، وفي المشرق أخذت هذه الدارة تصغر حتى صارت نقطة} .
(لكن جاء في تاريخ العلوم عند العرب للدكتور فروخ أن الصفر رُسم نقطة في كتب عربية ألفت منذ سنة 274 هجرية (787م.). وفي الموجز في التراث العلمي العربي الإسلامي، والمدخل إلى تاريخ الرياضيات عند العرب والمسلمين : "أن المسلمين لما اكتشفوا – أو طوَّروا – الصفر عبّروا عنه بدائرة منقوطة الوسط، ثم اختار المشارقة مركز الدائرة وهو النقطة، واختار المغاربة الدائرة دون مركزها. وذكر الدكتور بخاري في كتابه الأرقام العربية أنه وُجد في الصين في أوائل القرن الثامن الميلادي، وفي كمبوديا في أوائل القرن السابع الميلادي التعبير عن الصفر بالنقطة، وكذلك وجد في الأدب الهندي القديم. كما نحب أن نشير هنا إلى أن نسخة مكتبة غازي خسرو بيك بسراييفو من رسالة أبي الحسن علي بن محمد الاندلسي المعروف بالقَلْصادي – نزيل باجة إفريقية – في الحساب، التي سماها: (كشف الأستار عن علم حروف الغبار)، رسمت فيها الأرقام على الطريقة المشرقية – مع أن البعض زعم أن القَلْصادي استعمل الأرقام الغبارية.
ينظر : مشكلة الأرقام لعبد الستار فراج – . والذي نريده هنا أن القَلْصادي لما ذكر الصفر في الصفحة الأولى من الرسالة المذكورة قال : "وهي نقطة صغيرة"، فهذا قد يستدل به على أن القَلْصادي رسم الأرقام على الطريقة المشرقية ولم يكن ذلك من تصرف النساخ . والله أعلم . هذا ، ولينظر الفهرست لابن النديم") .
هل يُعد الصفر رقماً :
اعتبر المؤرخون والحسّابون العرب {حتى عصر متاخر} الأرقام تسعة أحرف فقط . ويوردون الصفر على أنه إشارة لملء المنزلة الخالية، ولا يعدونه رقماً. وقد صرح ابن الياسمين الفاسي بذلك في قوله: "لأن الصفر ليس بعدد، وإنما يدلك على ما بعده إذا كانت المنزلة فارغة" . والله أعلم .
منازل الأرقام :
لقد رتب العرب منازل الأرقام، فالخانة الأولى للأعداد هي خانة الآحاد يليها بعد ذلك خانة العشرات ثم خانة المئات . . . وهلم جرا . . . فإذا أردنا أن نكتب 105 فإننا نضع الخمسة في خانة الآحاد والواحد في خانة المئات وتحديد موقع العدد(1) بالنسبة للخمسة (5) لا يتم إلا عن طريق وضع الصفر فيما بين الرقمين، أي أن خانة العشرات خالية من أي رقم فوضع الصفر فيها هو ملء الفراغ الذي يعني "لا شيء"، وكذلك إذا أردنا كتابة 1005 فإن موقع الواحد ينتقل إلى خانة الألف ويملأ الفراغ الناتج بصفر في خانة المئات وصفر آخر في خانة العشرات وتبقى الخمسة (5) في خانة الآحاد .
والواقع أن الأرقام العربية مع سهولتها وتطورها ومزاياها العديدة إلا أنها لم تستعمل بانتشار واسع في أوروبا إلا في القرن السادس عشر الميلادي لعدة أسباب أهمها التعصب للأرقام الرومانية التي كانت تمثل السلطة الدينية المرتبطة بالكنيسة، كما أن القسم الأكبر من الناس لم يتمكن من أن يستوعبها الاستيعاب الصحيح وخاصة بالنسبة (للصفر)، فهو بالنسبة لهم سرّ غامض أتى إليهم من المشرق لا معنى له بمفرده لأنه لا شيء ، ولكنه في نفس الوقت لديه القوة السحرية لأن ينقل رقم بالنسبة لموقعه من الواحد إلى العشرة أو المائة أو الألف وفي نفس الوقت في إمكانه أن يتعامل مع عمليات الحساب جميعها كالجمع والطرح والضرب والقسمة . . . إلخ .
حديث الساعة :
لقد بقى الصفر حديث الساعة وموضوعها للجدل لدى الأوروبين في القرن السادس عشر ولم يتمكنوا من فهمه إلا بعد جهد كبير، وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها "شمس العرب تستطع على الغرب" : "وكان تفهم الناس لمعنى الخانات وقيمة الأرقام في العشرات والمئات أكبر مشكلة واجهت الراغبين في تعلم الأرقام العربية ، وركزت عشرات من كتب الحساب مجهودها في إفهام الناس معنى الخانات وطرق استخدام تلك الأرقام" .
ويتحدث هذا الكتاب عن منظومة ألمانية من شعر العصور الوسطى تبين أهمية موقع الصفر بالنسبة للأرقام العربية وتبين كذلك الصعوبة التي واجهها الناس في تلك الفترة، حتى تحفّظ إليهم في منظومة شعرية تذكرهم بطريقة الترقيم العربية الجديدة التي جاءت إليهم من بلاد المشرق، وقد سُجلت المنظومة الشعرية الألمانية على النحو التالي :
الأرقام تســــعة فاحترس تنطق كلـــــــها دون لبس
ولكن انتبــــــــــه أيضا لي أنا الصـفر لا ينطق بي
دائرة مستديرة متكاملــــة في قيمة في المـعـــامـــلة
إن أضفتني إلى يمنى عــدد أصبح عشرة أمثــــــــاله
وبي تستطيع الترقـــــيم فتتضح الأعداد وتستقــــــيم
(لاحظ المقطع "دائرة مستديرة متكاملة" يوضح كتابة الأرقام بشكل الصفر على دائرة، وهذا يعني الأرقام العربية الغبارية) .
ويتحدث نفس الكتاب عن الصفر في تعليق منقول عن ترجمة لكتاب الخوارزمي باللغة اللاتينية وُجِد في دير سالم ويرجع تاريخه إلى عام 1200 ميلادية فيقول : (إن الله يتمثل في ذلك الصفر الذي لا نهاية له ولا بداية . وكما لا يمكن للصفر أن يتضاعف أو يقسم، كذلك الله لا يزيد ولا ينقص. وكما أن الصفر يجعل من الواحد الصحيح عشرة، إن وُضع على يمينه، كذلك فإن الله يضاعف كل شيء آلاف المرات، والواقع أنه يخلق كل شيء من العدم ويبقيه ويسيره) .
استقامة الأرقام :
إن الحقيقة التاريخية المؤكدة هي أن علم الأرقام والأعداد والحساب والرياضيات لم ينهض بمستوى علمي معقول متميز فعال إلا على أكتاف علماء المسلمين، في حوالي القرن الثاني الهجري، حيث تمكنوا من إخراج الأرقام والأعداد من نطاق محدود ضيق، إلى أفق واسع متطور، ارتبط بعلم الحساب والجبر والهندسة، وأن المسلمين إبان نهضتهم قد وضعوا مفهوم الصفر الذي هو في الواقع أعظم ابتكار عرفته الإنسانية، وأسست عليه علومها، وتقدمها، وحضارتها الحديثة.
لقد غير إدخال الصفر على الأرقام العربية المفاهيم البالية، وجعل الأرقام تستقيم في مواقعها الصحيحة بسهولة ويسر دون لبس أو تعقيد، والواقع أن الصفر بالنسبة لنا الآن أصبح أمرا سهلا، لا يحتاج إلى تفكير أو عناء، لأننا نتعلمه ونحن أطفال، لكن الوضع كان مختلفا عند ابتكاره وفي بداية استعماله، إذ إنه كان في ذلك الوقت صعب الفهم والاستعمال، ويمكن للمرء الآن أن يتصور كيف ستسير الأمور دون استعمال الصفر، كما أن إدخال الصفر في المعادلات الجبرية العربية قد فتح مجالا وآفاقا جديدة أمام علماء ذلك العصر، لم تكن معروفة قبل ذلك الحين.
لقد استعمل العرب كلمة الصفر للدائرة التي تملأ الفراغ بين الأرقام العربية، وفي نفس الوقت تعني "لا شيء"، وقد أخذ كثير من الشعوب تسمية الصفر من العربية، فالأسبان يسمون الصفر "ثيرو"، والإنجليز والفرنسيين يسمونه "زيرو" أو "صايفر"، وفي اللغة الإيطالية اسمه "زفرو"، ولكن الألمان سموا الصفر "زفر" .
العدد صفر :
يعد الصّفر أوّل الأعداد وأكثرها تبسيطا وأشدها شهرة ودهشة واستعمالا وأهميّة وروعة . وفي الحقيقة، يمتاز هذا العدد بمزايا خاصّة استثنائيّة لا يتمتّع بها أيّ عدد آخر، إذ بعد انتهاء العدد تسعة، تستعين الأعداد بالصّفر من أجل دورة جديدة، وحين يصل العدّ إلى التّسعة عشر، يتدخّل واحد ثان مع الصّفر، من أجل ابتداء دورة جديدة ثانية. من هنا، الصّفر بعد أزليّ، وهو أساس الخلق، والسّر الذي ترتكز عليه كل الأعداد، وإليه تعود في النهاية لتتنامى وتعظم. لذلك يرمز الصّفر إلى الاستمرارية، منه يبتديء كل شيء، وفيه ينتهي كل شيء، ويستحيل على الأعداد الاستمرار من دونه .
الصّفر في أوروبا
في إيطاليا، أدخل الخبير ليوناردو دو بيز (Leonarde De Pese) <1170- 1250>م. الصّفر تحت اسم (Zephirum)، واستعملته إيطاليا حتى القرن الخامس عشر، ثمّ تبدّل الاسم إلى (Zephiro)، وتحوّلت اللفظة إلى (Zero) ابتداء من العام 1491م. . وفي فرنسا، تحوّلت اللفظة من (Cifre) إلى (Zero) ثمّ إلى (Chiffre) . وفي ألمانيا، تبدّلت من (Ziffer) أو (Ziffra)، واليوم تستعمل (Die null) . وفي إنكلترا استعملت لفظة (Cipher)، وحلّت محلّها لاحقا لفظة (Zero) . وفي البرتغال، تعني لفظة (Cifra) الصّفر بمعنى (Zero) . وفي أسبانيا، تحمل (Cifra) معنى (Chiffre)، كما تعني لفظة (Cero) الصّفر أي (Zero) .
الصّفر عند العرب
نعت العرب الصّفر بالخيّر والمظفّر . كان الصّفر يعتبر في الجاهلية شهرا من أشهر النّحس. واختلف في أصل التّسمية، فقال البيروني: (لامتيازهم في فرقة تسمّى صفريّة، وسمّي الصّفر صفرا والسّبب وباء كان يعتريهم فيمرضون، وتصفرّ ألوانهم) . وقال النويريّ : (كانوا يغيرون على الصّفريّة وهي بلاد) . وقال المسعوديّ : (وصفر لأسواق كانت في اليمن تسمّى الصّفريّة وكانوا يحتارون فيها، ومن تخلّف عنها هلك جوعا) .
ويعتقد عدد من الباحثين أنّ الصّفر يشتقّ من فكرة الخلوّ والفراغ، فجاء في اللسان – تحت كلمة صفر – (أنّ العرب سمّوا الشهر صفرا لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من أغاروا عليه صفرا من المتاع) . ويقال في العربية : (عاد صفر اليدين) .
ويعتبر الخوارزمي (780 – 850)م، من أبرز علماء العرب والعالم في الرياضيات، وقيل إنه هو الذي ابتكر الصّفر وجعله عددا مهما في العمليات الحسابية. واستعمل العرب النقطة لتدلّ إلى الصّفر، وبيّنوا دوره في العمليات الحسابية، وأهميّته في تحديد مراتب العشرات والمئات والألوف. ويقول الخوارزمي : (في عمليات الطّرح، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا لئلّا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات . ثمّ إنّ الصّفر يجب أن يكون من يمين العدد، لأنّ الصّفر من يسار الاثنين، مثلا – 02 – لا يغيّر من قيمتها، ولا يجعلها عشرين). وساعد الصّفر في تسهيل المعادلات الجبريّة والحسابية . وعن العرب انتقل إلى أوروبا. وكان العرب نقلوا الأعداد، بما فيها الصّفر، من الهند . وقيل إنّ العرب استعملوا الصّفر مكان الفراغ الذي كان الهنود يتركونه للدّلالة إليه .
الصّفر في بابل
يعتقد العلماء أنّ البابليين هم أوّل من اخترعوا الصّفر، لكنّه لم يكن يمثّل قيمة عدديّة بحدّ ذاته، وهو الصّفر الأقدم في التاريخ. وقد حصل هذا الاختراع في القرن الثالث ق.م. .
الصّفر في مصر
في مصر، لا يتطابق أيّ حرف هيروغليفيّ مع الصّقر، ولم تشر إليه الحضارة المصرية إطلاقا، علما بأنّ عددا من المحاسبين فكّر باختراع مساحة فارغة بعد العدد تسعة. وكانت الفكرة الرّمزيّة صحيحة تماما، فالصّفر هو مسافة التّجدّد. إنّه، تماما، مثل البيضة الكونيّة، يمثّل كل الطاقات .
الصّفر في الهند
في مطلع القرن الخامس ق.م. ظهر الصّفر في الكتابات الهنديّة، وسمّوه الفراغ – سونيا – (Sunya) أو سونيابيندا (Sunyabinda) أي الفراغ – وأطلقوا عليه أحيانا تسمية – خا – (Kha) أي الثّقب، لكنهم لم يرسموه. ويقال إنهم استعملوا الدائرة (o) والنّقطة (.) للدّلالة إليه .
الصّفر في الصّين
في القرن الخامس قبل الميلاد اكتشف الصّينيون صفرا مشابها للصّفر البابليّ . وبعد مرور ثلاثة قرون، اخترع الصّينيون صفرا يحمل قيمة عدديّة .
الصّفر في المكسيك
تعد حضارة قبائل المايا المكسيكية من أكثر الحضارات الأمريكية تطوّرا في تلك الفترة . وقد اكتشفت هذه القبائل مفهوم الصّفر وطريقة استعماله، على الأقل بألفي سنة قبل أن تعرفه أوروبا، فرسمته على شكل صدفة أو حلزون. ومن المعلوم أنّ الحلزون يرمز إلى التّوالد الموسميّ. وفي الكتاب الدّيني بوبول فوه (PopolVuh) يتطابق الصّفر مع تذكار عيد الإله – البطل للذّرة، إثر معموديّته بالنّهر، قبل قيامته وصعوده إلى السماء حيث تحوّل شمسا . وفي مفهوم نموّ الذّرة يمثّل هذا العيد موت البذور في الأرض، وعودتها إلى الحياة من جديد، من خلال بروز نبتة الذّرة. من هنا، يرمز الصّفر المكسيكي إلى الميثولوجيا الكبيرة لعملية التجدّد الدّوريّ. أما علاقة الصّفر بالصّدفة، فهي تربط أيضا بالحياة الجنينيّة. وفي الفن، يرسم الصّفر لدى قبائل المايا، على شكل حلزوني، فيرمز إلى اللامتناهي المفتوح على المتناهي المغلق .
الصّفر في السّحر
في كتب السحر، ترمز الدائرة إلى الكمال، فيدلّ شكلها إلى تناسق لا مثيل له في الأشكال الباقية، إذ تجتمع الشّعاعات في وسطها، في وحدة كاملة، ويعطي شكلها الدائري فكرة دولاب يوحي ديناميّة الحركة والامتلاء، ما يرمز إلى المطلق، وإلى الخلق الإلهي أيضا. وترمز الدائرة، كذلك إلى الحماية، فنجدها في الطلاسم التي نحملها كالخواتم والعقود والصيغة في أشكالها الدائرية. وهي أيضا تمثّل فكرة الزمن ودورة الأيام اللامتناهية. أخيرا، تعدّ الدائرة صورة للسماء الواسعة الخالدة، وكذلك تمثّل الدائرة الصّفر، في شكله العربيّ الأساس، فالصّفر في السحر، رمز للكون، للكلّ، وللفراغ .
الصفر مع الرياضيات
القسمة على صفر ليست لها معنى .. لماذا ؟ .. هكذا قالوا لنا !! منطق بائس ينطوي على خطورة عقلية التلقين على الرياضيات كصانعة للعقل المفكر والناقد، والحال أن العقلية التي نشأت على التلقين والحفظ والتكرار مع تجنب المناقشة والبحث في التفسيرات – لا يمكن لها أن تتخلص من ذلك فتنفي ذاتها .. وهل ينفي الإنسان ذاته ؟! سأحاول في هذه المقالة توضيح بعض المفاهيم الأساسية والتي يعتبرها البعض من البديهيات والمسلمات. ذلك قد يؤدي إلى فتح المجال إلى المطالبة الدائمة بالتفسير .. لماذا ؟ وكيف ؟!
أولاً : القسمة على صفر
نعلم أن 12 ÷ 3 = 4 تعني أنه عند قسمة العدد 12 إلى 3 أقسام متساوية فإن كل قسم = 4.
كذلك فإن 12 ÷ 2 ( إلى قسمين) فالنتيجة 6.
أخيراً 12 ÷ 1 ( إلى قسم واحد ) فالنتيجة تركها كما هي، أي 12.
والآن ماذا بشأن 12 ÷ صفر .. هذا يعني أن المطلوب قسمة العدد 12 إلى (صفر من الأقسام) .. بمعنى ( إقسم 12 .. ولا تقسمه !!) .. هذا بالتحديد ما جعلها غير منطقية، أو بلا معنى.
ثانياً: صفر ÷ صفر
إن قضايا الجدل التي يحدثها الصفر كثيرة وبعضها معقد، فالصفر ليس له معكوسٌ ضربي .. كما أن سن + صن = عن تصبح صحيحة عند ( 0، 0، 0)، والعدد ( 3 / 1 ) 3.00000 يصبح دورياً إذا ما احترمنا الصفر كعدد متكرر .. بمعنى آخر تصبح كل الأعداد في الدنيا دورية .. لهذا فقد تجنب الرياضيون اعتبار الحلول الصفرية وشددوا – في الأغلب الأعم – على ضرورة البحث عن حلول " غير صفرية ". ما يعزز ذلك أن الصفر ينسف ويدمر بالمطلق منطق المقابلة الجبرية في المعادلات ( مفهوم الخوارزمي) القاضي بحل المعادلات التالية بالمقابلة مثل 3س = 15 التي تعني تعني أن 3×س = 3×5 والمقابلة تجبر س على أخذا القيمة 5 !! أما مع الصفر فالمقابلة تعني أن 7 × صفر = 23 × صفر بالرغم من أن العدد 7 لا يساوي العدد 23. ذلك يصلح كمدخل في نظرنا لبدء التعامل مع الكمية صفر ÷ صفر.
لنأخذ المعادلة 5 س = 35 .. التي تكافيء س = 35 ÷ 7
كذلك 4 س = 12 تكافيء س = 12 ÷ 4
والآن صفر × س = صفر تكافيء س = صفر ÷ صفر = أي عدد !!
ذلك بالضبط ما جعل الكمية صفر ÷ صفر = س = كمية غير معينة، لأن الضرب في صفر يقود إلى نتيجة واحدة هي الصفر، فـ 5 × صفر = صفر، – 47 × صفر = صفر ، 235× صفر = صفر .. إلخ .. باختصار : " لما كان ضرب أي عدد × صفر = صفر فإن إعادة قراءة الجملة السابقة تعني أن أي عدد بإمكانه أن يساوي صفر ÷ صفر. لاحظ أن الكمية ( لها معنى) ولكنها غير معينة " أي مفتوحة الاحتمال " !!
من الخطأ الفادح إذاً اعتبار أن صفر ÷ صفر = 1 قياساً على ما يتحقق مع كل الأعداد الأخرى، ولو أعدنا قراءة المقابلة 2 × س = 2 × 3 فإن س = 3 لأن 2 ÷ 2 = 1 ( مع قسمة طرفي المعادلة على 2). ولو اعتبرنا أن صفر ÷ صفر = 1 مثلاً .. لأصبحت كل الأعداد في الدنيا متساوية .. لأنه كما سبق التوضيح صفر × 9 = صفر × 784 .. ما يمنع الاختصار هنا ليست القسمة على صفر .. بل هي الكمية صفر ÷ صفر التي لا تساوي بالضرورة 1 . يشار إلى إمكانية بناء عدد كبير من البراهين الخاطئة والخادعة التي تؤدي إلى نتائج متناقضة .. فيها كلها يتم اختصار الكمية صفر بالقسمة على صفر .. يعني باعتبار أن صفر ÷ صفر = 1 .
والسؤال الذي يعلو: ولكن كيف يمكن حساب الكمية صفر ÷ صفر ، طالما أن 4 × صفر = صفر، 15 × صفر = صفر .. وكلها تحتمل أن تساوي الكمية صفر ÷ صفر العدد 4 أو 15 أو احتمالات لا حصر لها ؟؟
ثالثاً: تعيين الكمية صفر ÷ صفر
إن الكمية صفر ÷ صفر لا تسقط منزوعة من سياق جبري، بل تأخذ وضعها من دالة كسرية تحوي متغيرات، وفيما يلي مزيدٌ من التوضيح:
مثال: أوجد قيمة المقدار ( س2 – 4) / ( س – 2 ) عند س = 2 !!
التعويض المباشر في المقدار يسفر عن الكمية صفر÷ صفر .. غير المعينة ..
فما العمل ؟!
لقد شكلت هذه القضية تحدياً هائلاً للرياضيين عبر العصور ..
وعودة إلى المثال السابق، فإن نهاية المقدار عندما تقترب س من العدد 2 (بلا حدود) ولكن دون أن تأخذ القيمة 2 .. تساوي نها س + 2 ( بعد اختصار المقدار س – 2 من البسط والمقام) وهو ما يجعل المقدار ينتهي عند القيمة 2 + 2 = 4 .. ومن هنا بالضبط تم تعيين الكمية صفر ÷ صفر بأخذها القيمة 4 ( قيمة النهاية) التي تختلف مع اختلاف الدوال والكسور الجبرية، ومن هنا أيضاً تكون مفهوم تعريف الدالة السابقة لتأخذ قيمة الكسر المتغير طالماً أن س لا تساوي 2 وإعطائها القيمة 4 عند س = 2 !!!
الصِّفر ومشتقاته في المعاجم العربية
صِفْرٌ – ج: أَصْفَارٌ. [ص ف ر]. : عَلاَمَتُهُ دَائِرَةٌ بَيْضَوِيَّةٌ صَغِيرَةٌ: (0) أَوْ نُقْطَةٌ: (.) لاَ قِيمَةَ عَدَدِيَّة لَهُ فِي ذَاتِهِ، يَدُلُّ عَلَى العَدَمِ. 1."نَالَ صِفْراً فِي الامْتِحَانِ": لاَ شَيْءَ. "فَازَ الفَرِيقُ بِإِصَابَتَيْنِ لِصِفْرٍ". 2.: إِذَا وُضِعَ الصِّفْرُ عَلَى يَمِينِ عَدَدٍ مِنَ الأَعْدَادِ يُضْرَبُ بِعَشَرَةٍ فِي نِظَامِ العَدِّ العَشْرِيّ: 10 – 20- 30. 3."اِنْطَلَقَ الصَّارُوخُ فِي سَاعَةِ الصِّفْرِ" : ساعَةُ الانْطِلاَقِ حَيْثُ يَكُونُ العَدُّ عَكْسِيّاً 9، 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1، 0. 4."سَاعَةُ الصِّفْرِ" : الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ لَيْلاً. 5."دَرَجَةُ الصِّفْرِ" : دَرَجَةٌ حَرَارِيَّةٌ تُقَابِلُ الثَّلْجَ الذَّائِبَ. 6."الصِّفْرُ الْمُطْلَقُ" : دَرَجَةٌ حَرَارِيَّةٌ (س 273،15) وَهِيَ أَدْنَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ تَسْجِيلُهَا وَإِدْرَاكُهَا. 7."عَادَ صِفْرَ اليَدَيْنِ" : خَاوِيَ الوِفَاضِ، لَيْسَ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ.
الصُّفْرة من الأَلوان : معروفة تكون في الحيوان والنبات وغير ذلك ممَّا يقبَلُها، وحكاها ابن الأَعرابي في الماء أَيضاً. والصُّفْرة أَيضاً: السَّواد ، وقد اصْفَرَّ و اصفارّ وهو أَصْفَر و صَفَّرَه غيرُه . وقال الفراء في قوله تعالى : (كأَنه جِمَالاتٌ صُفْرٌ) قال : الصُّفر سُود الإِبل لا يُرَى أَسود من الإِبل إِلا وهو مُشْرَب صُفْرة، ولذلك سمَّت العرب سُود الإِبل صُفراً، كما سَمَّوا الظِّباءَ أُدْماً لِما يَعْلُوها من الظلمة في بَياضِها . أَبو عبيد : الأَصفر الأَسود.
وفرس أَصْفَر: وهو الذي يسمى بالفارسية زَرْدَهْ. قال الأَصمعي: لا يسمَّى أَصفر حتى يصفرَّ ذَنَبُه وعُرْفُهُ. ابن سيده: والأَصْفَرُ من الإِبل الذي تَصْفَرُّ أَرْضُهُ وتَنْفُذُه شَعْرة صَفْراء. والأَصْفَران الذهب والزَّعْفَران، وقيل الوَرْسُ والذهب. وأَهْلَكَ النِّساءَ الأَصْفَران: الذهب والزَّعْفَران، ويقال: الوَرْس والزعفران. والصَّفْراء الذهب لِلَوْنها، ومنه قول عليّ بن أَبي طالب، يا دنيا احْمَرِّي واصْفَرِّي وغُرِّي غيري. وفي حديث آخر عن عليّ، يا صَفْراءُ اصْفَرِّي ويا بَيْضاء ابْيَضِّي، يريد الذهب والفضة، وفي الحديث: أَن النبي، صالَحَ أَهلَ خَيْبَر على الصَّفْراء والبَيْضاء والحَلْقَة، الصَّفْراء: الذهب، والبيضاء: الفِضة، والحَلْقة: الدُّرُوع . يقال: ما لفلان صفراء ولا بَيْضاء. والصَّفْراءُ من المِرَرِ: سمَّيت بذلك للونها. وصَفَّرَ الثوبَ: صَبغَهُ بِصُفْرَة، ومنه قول عُتْبة ابن رَبِيعة لأَبي جهل: سيعلم المُصَفِّر اسْتَه مَن المَقْتُولُ غَداً. وفي حديث بَدْر: قال عتبة بن ربيعة لأَبي جهل: يا مُصَفِّر اسْتِهِ، رَماه بالأُبْنَةِ وأَنه يُزَعْفِر اسْتَهُ، ويقال: هي كلمة تقال للمُتَنَعِّمِ المُتْرَفِ الذي لم تُحَنِّكْهُ التَّجارِب والشدائد، وقيل: أَراد يا مُضَرِّط نفسه من الصَّفِير، وهو الصَّوْتُ بالفم والشفتين، كأَنه قال: يا ضَرَّاط، نَسَبه إِلى الجُبْن والخَوَر، ومنه الحديث: أَنه سَمِعَ صَفِيرَه. الجوهري: وقولهم في الشتم: فلان مُصَفَّر اسْتِه، هو من الصِفير لا من الصُّفرة، أَي ضَرَّاط . والصَّفْراء: القَوْس. والمُصَفِّرة الَّذِين عَلامَتُهم الصُّفْرَة، كقولك المُحَمَّرة والمُبَيِّضَةُ. والصُّفْريَّة تمرة يماميَّة تُجَفَّف بُسْراً وهي صَفْراء، فإِذا جَفَّت فَفُركَتْ انْفَرَكَتْ، ويُحَلَّى بها السَّوِيق فَتَفوق مَوْقِع السُّكَّر، قال ابن سيده: حكاه أَبو حنيفة، قال: وهكذا قال: تمرة يَمامِيَّة فأَوقع لفظ الإِفراد على الجنس، وهو يستعمل مثل هذا كثيراً. والصُّفَارَة من النَّبات: ما ذَوِيَ فتغيَّر إِلى الصُّفْرَة. و الصُّفارُ يَبِيسُ البُهْمَى، قال ابن سيده : أُراه لِصُفْرَته.
NiCe
^_^
yasooooo1
والله استمتعت بهذا الموضوع
الذي أن دلى على شي
فهو يدل على ذوقك الرائع
تقبل مروري
اخت مروى تشرفت بمرفتك
مع تمنياتي لك بالتوفيق
شكرا
………..
هاد من ذوقك
الرفيع
تسلم الانامل الي كتبت
هل مشاركة اللطيفة
شكرا على المرور
……………..