تحتفي ألمانيا هذه الأيام بذكرى مرور تسعين عاماً على ولادة أديبها الراحل هاينريش بُل. ويغتنم المفكرون والمهتمون بالأدب والثقافة في ألمانيا هذه المناسبة لدعوة المهتمين إلى إلقاء إطلالة على حياة الأديب واستكشاف مسيرته الأدبية الحافلة بالعطاء في مجال الكتابة الأدبية مجدداً. تلك المسيرة، التي تركت بصمات واضحة على أدب ما بعد الحرب في ألمانيا. لقد كان بُل، الذي ولد عام 1917 في مدينة كولونيا، أديبا سياسيا ملتزما بقضايا الإنسانية وحضي باعتراف عالمي واسع تم تتويجه بمنحه جائزة نوبل للأدب عام 1972.
ويعد هاينريش بُل بلا شك أحد رواد الأدب الألماني الحديث ضمن ما يعرف بـ "أدب ما بعد الحرب" و "أدب الأنقاض". وطغى على كتاباته، إلى جانب الطابع الإنساني، الطابع النقدي الصريح الداعي إلى مراجعة الذات ومعالجة الماضي. ولم ينظر بُل قط بعين الرضا إلى التطورات الاجتماعية والسياسية التي كانت تشهدها جمهورية ألمانيا الاتحادية. كما عُرف بدفاعه الشديد عن الديمقراطية في ألمانيا، إدراكا منه أن الحقبة النازية، التي عاشتها ألمانيا تركت آثارا إيديولوجية عميقة يجب اجتثاثها. كما كان التزامه السياسي ينبع من خشيته من عودة الديكتاتورية لألمانيا مجددا بعد انهيار النازية.
لقد كان بُل، الذي نشأ في بيئة كاثوليكية طبعت شخصيته الأدبية والسياسية، ينقل عبر كتاباته رسالة إنسانية وأخلاقية، فضلا عن دافعه الشديد عن الفقراء والعدالة. كان التزامه هذا ينبثق من قناعته أن الأدباء هم "ضمير الأمة". لكن الملفت في أدب بُل هو أنه لم يكن يشكل باحة فنية يعرض فيها الأديب أفكاره وما يخالج وجدانه فحسب، بل كذلك كان الأدب في نظره وسيلة وأداة للتغيير، إذ اعتاد أن يقول: " حين أكتب فإني أغير العالم".
جولات بول في سجلات التاريخ
" أحد أهم كتب بُل التي ترجمت للعربيةبلا شك، أثرت تجربة الحرب العالمية الثانية ومشاهد الدمار المروعة التي خلفتها على شخصية الأديب بُل بشكل كبير وطبعت كتاباته. فدعوته إلى مراجعة الماضي منحته رغبة أكيدة في تغيير عالمه. فكان يؤمن بقدرة الأدب على أن يكون مرآة للمجتمع ترصد تطوراته وأخطائه. لذلك تنقل كتاباته القارئ إلى جولة تاريخية تقودهم عبر خنادق الحروب وأنقاض الحرب العالمية الثانية.
ومن أشهر مؤلفاته الأدبية رواية "شرف كاترينا بلوم الضائع" التي جاءت بأسلوب أدبي جديد يتميز بالواقعية وبناء سردي ولغوي واضح يخلو من كل أشكال التعقيد. تعالج الرواية قضايا إنسانية من جملتها موضوع سلطة الإعلام وممارسة العنف. وفي سياق هذا يقول بُل: "إن ما يفهمه المرء من العنف هو في أغلب الأحيان العنف الجسدي والركلات والضرب والطعنات والشجار. لكن المرء يتجاهل العنف، الذي ينجم عن احتكار الرأي عبر الصحافة وانعدام هامش حرية التعبير في الجرائد والإذاعة والتلفزيون…". وفي كتابه هذا يصف بول كيف تساهم رغبة الإثارة الصحفية لإحدى الجرائد في تحويل امرأة عادية إلى قاتلة.
أديب عالمي
: هاينريش بُل حاز عام 1972 على جائزة نوبل للأدب لقد دخل هاينريش بُل بفضل مواقفه سياسية المعلنة والصريحة ضد الحرب والاستبداد وملاحقة الكتاب والمبدعين في ألمانيا التاريخ من أوسع أبوابه، وحضي باحترام وتقدير كبير على مستوى العالم لمعالجته تلك المواضيع الشائكة بطريقة نقدية. ورغم تراجع الاهتمام في ألمانيا بمؤلفات بول بعد مرور 22 عاما على وفاته، فمازال الأديب يمثل أحد أعمدة الأدب المعاصر في ألمانيا.
ويرى فيكتور بُل، الذي يتولى إدارة أرشيف بُل في مدينة كولونيا أن كتابات عمه مازال لها صدى عالمي واسع وتلقى اهتمام العديد من الدارسين والمهتمين بالأدب الألماني. ويقول في هذا الصدد: "يعد هاينريش بُل أحد ممثلي أدب ما بعد الحرب في ألمانيا، وكل من يهتم بدراسة هذا الأدب سواء في داخل ألمانيا أو خارجها يهتم مباشرة بكتابات الأديب بُل.
بنتظار جديدك الشيق
ودي
بارك الله فيك
تقبلي مروري
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم