س : ما تفسير قوله تعالى : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ؟
ج: هذه الآية الكريمة فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه ، وهو قوله : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ، قال : يا أبا ذر أتدري ما مستقرها؟ فقال أبو ذر : الله ورسوله أعلم ، قال صلى الله عليه وسلم : مستقرها أنها تسجد تحت عرش ربها عز وجل ذاهبة وآيبة بأمره سبحانه وتعالى
سجودا الله أعلم بكيفيته سبحانه وتعالى .
وهذه المخلوقات كلها تسجد لله وتسبح له جل وعلا تسبيحا وسجودا يعلمه سبحانه ، وإن كنا لا نعلمه ولا نفقهه ، كما قال عز وجل :" تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا وقال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. الآية ، هذا السجود يليق به لا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه ، ومن هذا قوله تعالى في سورة الرعد : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ فالشمس تجري كما أمرها الله تطلع من المشرق وتغيب من المغرب إلى آخر الزمان ، فإذا قرب قيام الساعة طلعت من مغربها ، وذلك من أشراط الساعة العظمى ، كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا انتهى هذا العالم وقامت القيامة كورت ، كما قال تعالى : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فتكور ويذهب نورها وتطرح هي والقمر في جهنم؛ لأنهما قد ذهبت الحاجة إليهما بزوال هذه الدنيا .
والمقصود : أنها تجري لمستقر لها ذاهبة وآيبة ، ومستقرها سجودها تحت العرش في سيرها طالعة وغاربة ، كما تقدم ذكر ذلك
في الحديث الصحيح ، ذلك بتقدير العزيز العليم ، وهو الذي قدر سبحانه وتعالى لها ذلك . العزيز ، ومعناه : المنيع الجناب الغالب لكل شيء ، العليم بأحوال خلقه سبحانه وتعالى . والله ولي التوفيق
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله
. سئل فضيلة الشيخ : عن دوران الأرض ؟ ودوران الشمس حول الأرض ؟ وما توجيهكم لمن أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا وفيها أن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول الشمس؟
فأجاب فضيلته بقوله : خلاصة رأينا حول دوران الأرض أنه من الأمور التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات لا في الكتاب ولا في السنة، وذلك لأن قوله تعالى : (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ( . ليس بصريح في دورانها، وإن كان بعض الناس قد استدل بها عليه محتجاً بأن قوله : ( أن تميد بكم ). يدل على أن للأرض حركة، لولا هذه الرواسي لاضطربت بمن عليها.
وقوله: ( الله الذي جعل لكم الأرض قراراً ) . ليس بصريح في انتفاء دورانها، لأنها إذا كانت محفوظة من الميدان في دورانها بما ألقى الله فيها من الرواسي صارت قراراً وإن كانت تدور.
أما رأينا حول دوران الشمس على الأرض الذي يحصل به تعاقب الليل والنهار، فإننا مستمسكون بظاهر الكتاب والسنة من أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، حتى يقوم دليل قطعي يكون لنا حجة بصرف ظاهر الكتاب والسنة إليه – وأنى ذلك – فالواجب على المؤمن أن يستمسك بظاهر القرآن الكريم والسنة في هذه الأمور وغيرها.
ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، قوله تعالى: ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ). فهذه أربعة أفعال أسندت إلى الشمس ( طلعت )، ( تزاور)، (غربت) ,(تقرضهم ). ولو كان تعاقب الليل والنهار بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا تبين سطح الأرض إليها تزاور كهفهم عنها أو نحو ذلك، وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:لأبي ذر حين غربت الشمس: " أتدري أين تذهب؟" فقال: الله ورسوله أعلم . قال: "فإنها تذهب وتسجد تحت العرش وتستأذن فيؤذن لها، وإنها تستأذن فلا يؤذن لها ويقال ::ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها "ففي هذا إسناد الذهاب والرجوع والطلوع إليها وهو ظاهر في أن الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض.
وأما ما ذكره علماء الفلك العصريون، فإنه لم يصل عندنا إلى حدّ اليقين فلا ندع من أجله ظاهر كتاب ربّنا وسنة نبينا.
ونقول لمن أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا : يبين للطلبة أن القرآن الكريم والسنة كلاهما يدل بظاهره على أن تعاقب الليل والنهار، إنما يكون بدوران الشمس على الأرض لا بالعكس.
فإذا قال الطالب: أيهما نأخذ به أظاهر الكتاب والسنة أم ما يدعيه هؤلاء الذين يزعمون أن هذه من الأمور اليقينيات؟
فجوابه : أنا نأخذ بظاهر الكتاب والسنة، لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى الذي هو خالق الكون كله، والعالم بكل ما فيه من أعيان وأحوال، وحركة وسكون، وكلامه تعالى أصدق الكلام وأبينه، وهو سبحانه أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء، وأخبر سبحانه أنه يبين لعباده لئلا يضلوا، وأما السنة فهي كلام رسول رب العالمين، وهو أعلم الخلق بأحكام ربه وأفعاله، ولا ينطق بمثل هذه الأمور إلا بوحي من الله عز وجل لأنه لا مجال لتلقيها من غير الوحي وفي ظني والله أعلم أنه سيجيىء الوقت الذي تتحطم فيه فكرة علماء الفلك العصريين كما تحطمت فكرة داروين حول نشأة الإنسان.
( 25 ) سئل فضيلة الشيخ : عن دوران الشمس حول الأرض ؟
فأجاب بقوله: ظاهر الأدلة الشرعية تثبت أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وبدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض وليس لنا أن نتجاوز ظاهر هذه الأدلة إلا بدليل أقوى من ذلك يسوغ لنا تأويلها عن ظاهرها. ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار ما يلي:
1. قال الله تعالى عن إبراهيم في محاجته لمن حاجه في ربه : ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب). فكون الشمس يؤتى بها من المشرق دليل ظاهر على أنها التي تدور على الأرض.
2. وقال أيضاً عن إبراهيم : ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال :يا قوم إني بريء مما تشركون). فجعل الأفول من الشمس لا عنها ولو كانت الأرض التي تدور لقال : " فلما أفل عنها".
3. قال تعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) . فجعل الازورار والقرض من الشمس وهو دليل على أن الحركة منها ولو كانت من الأرض لقال :يزاور كهفهم عنها، كما أن إضافة الطلوع والغروب إلى الشمس يدل على أنها هي التي تدور وإن كانت دلالتها أقل من دلالة قوله: (تزاور )، ( تقرضهم ).
4. وقال تعالى : ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون(قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدورون في فلكة كفلكة المغزل . اشتهر ذلك عنه.
5. وقال تعالى : (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ). فجعل الليل طالباً للنهار، والطالب مندفع لاحق، ومن المعلوم أن الليل والنهار تابعان للشمس.
6. وقال تعالى: خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار). فقوله: (يكور الليل على النهار)أي يديره عليه ككور العمامة دليل على أن الدوران من الليل والنهار على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لقال : " يكور الأرض على الليل والنهار" . وفي قوله : ( كل يجري لأجل مسمى ) المبين لما سبقه دليل على أن الشمس والقمر يجريان جرياً حسياً مكانياً لأن تسخير المتحرك بحركته أظهر من تسخير الثابت الذي لا يتحرك.
7. وقال تعالى : (والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها) . ومعنى ( تلاها ) أتى بعدها وهو دليل على سيرهما ودورانهما على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لم يكن القمر تالياُ للشمس بل كان تالياً لها أحياناً وتالية له أحياناً لأن الشمس أرفع منه والاستدلال بهذه الآية يحتاج إلى تأمل.
1. 8. وقال تعالى : ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم . لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) . فإضافة الجريان إلى الشمس وجعله تقديراً من ذي عزة وعلم يدل على أنه جريان حقيقي بتقدير بالغ، بحيث يترتب عليه اختلاف الليل والنهار والفصول ، وتقدير القمر منازل يدل على تنقله فيها ولو كانت الأرض التي تدور لكان تقدير المنازل لها من القمر لا للقمر . ونفي إدراك الشمس للقمر وسبق الليل للنهار يدل على حركة اندفاع من الشمس والقمر والليل والنهار.
9. وقال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: " أتدري أين تذهب؟" قال : الله ورسوله أعلم. قال : " فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال : : لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها . أو كما قال صلي الله عليه وسلم متفق عليه فقوله: " ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها" ظاهر جداً في أنها تدور على الأرض وبدورانها يحصل الطلوع والغروب.
10. الأحاديث الكثيرة في إضافة الطلوع والغروب والزوال إلى الشمس فإنها ظاهرة في وقوع ذلك منها لا من الأرض عليها.
ولعل هناك أدلة أخرى لم تحضرني الآن ولكن فيما ذكرت فتح باب وهو كاف فيما أقصد. والله الموفق.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
روى الأمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمة الله في صحيحه قال
كتاب التفسير
289 – باب: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }يس38 (4524/4525)- حدثنا أبو نعيم: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: (يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس). قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }يس38 (4525) – حدثنا الحميدي: حدثنا وكيع: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال:
سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: { {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }يس38. قال: (مستقرها تحت العرش).
قال الأمام الحافظ المحدث الفقيه أبو الفضل أحمد على بن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله في شرحه على البخاري
قوله في الرواية الثانية سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ( والشمس تجري لمستقر لها ) قال : (مستقرها تحت العرش ) كذا رواه وكيع عن الأعمش مختصرا , وهو بالمعنى , فإن في الرواية الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي استفهمه " أتدري أين تغرب الشمس ؟ فقال : الله ورسوله أعلم " . قوله : ( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ) في رواية أبي معاوية عن الأعمش كما سيأتي في التوحيد فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها , وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها . ثم قرأ " وذلك مستقر لها " . قال : وهي قراءة عبد الله . وروى عبد الرزاق من طريق وهب عن جابر عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال : مستقرها أن تطلع فيردها ذنوب بني آدم , فإذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها , فتقول : إن السير بعد , وإنى إن لا يؤذن لي لا أبلغ , فتحبس ما شاء الله . ثم يقال : اطلعي من حيث غربت , قال فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها . وأما قوله " تحت العرش " فقيل هو حين محاذاتها . ولا يخالف هذا قوله : ( وجدها تغرب في عين حمئة ) فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب , وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب . وفي الحديث رد على من زعم أن المراد بمستقرها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع , وذلك أطول يوم في السنة , وقيل إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا . وقال الخطابي : يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن , ويحتمل أن يكون المعنى أو علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها فيقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك ويبطل فعلها , وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها . قل ت : وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري .
والله أعلم.
__________________
قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي -رحمه الله-:
(أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب! كالميزاب؛ جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع!
الله يعافيك حبيبتي……أنين الصمت