الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
الإخوة والأخوات الكرام
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
بعد عودة القافلة من رحلة الصيف إلى الشام ، عكف أصحاب الأموال على مراجعة حساباتهم ، وإحصاء أرباحهم أو خسارتهم ، وانصرف العائدون إلى أهليهم يستجمعون من آثار سفر شاق ، وانقطع مابين التجار والأُجَرَاء إلى حين .. اللهم إلاّ ماكان بين خديجة ومحمد الصادق الأمين ،
فخديجة بنت بلت الدنيا وعرفت الرجال ، وتزوجت مرتين باثنين من سادات العرب ، وأشرافهم ، عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي ، وأبي هالة هند بن زرارة التميمي ، واستأجرت العديد من الكهول والشبان ، فما رأت فيمن عرفت ذلك النمط الفريد من الرجال ،
وتزوجت خديجة من محمد صلى الله عليه وسلم ، ولمّا انتهى العقد نُحرت الذبائح ، ودُقت الطبول ، وفُتحت دار خديجة للأهل والأصدقاء ، فإذا بينهم حليمة قد جاءت من بادية بني سعد ، لتشهد عُرس ةلدها الذي أرضعته ، ثم تعود ومعها أربعون رأساً من الغنم ، هبة من العروس الكريمة لتلك التي أرعت محمداً زوجها الحبيب ،
واستغرقا في هناءتهما خمسة عشرة عاماً ناعميْن بالألفة والإستقرار ، وأتمّ الله عليهما نعمته ، فرزقهما البنين والبنات ، القاسم وعبد الله ، وزينب ورقية ، وام كلثوم وفاطمة ، وقد ذاقا لوعة الثكل في الولدين ، فما كان ولداهما إلاّ وديعة ،ولابد يوماً أن تُسترد الودائع ،
ثم كان الحادث الخطير ، لا في مياه هذه الأسرة الوادعة ، بل في حياة الإنسانية جمعاء ، فقد تلقى محمد صلى الله عليه وسلم رسالة الوحي في ليلة القدر ، واصطفاه الله تعالى خاتماُ للنبيين عليهم الصلاة والسلام ، وبعثه للناس بشيراً ونذيرا فما إن نزل عليه الوحي في ليلة القدر وهو في غار حراء ، حتى انطلق يلتمس بيته خائفاً ، وإذ بلغ حجرة زوجه أحسّ أنه بلغ مأمنه ، وأحسّ الراحة والطمأنينة ، وهي تقوده إلى فراشه ، ثم تسللت وذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، الذي انتفض بعد سماعه خديجة يقول إنه لنبي هذه الأمة ،
فطارت إلى زوجها تعجل له بالبشرى ، وكانت أول من آمن به ، ووقفت إلى جانبه تنصره وتشد أذره ، وتعينه على احتمال أقسى ضروب الأذى والإضطاد سنين عددا ،
ولمّا قضى على بني هاشم وعبد المطلب أن يخرجوا من مكة بعد أن أعلنت عليمه قريش حرباً مدنية لا ترحم ، لم تتردد خديجة في الخروج مع زوجها ، وأقامت معه في شعب أب طال ثلاث سنين صابرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى تهاوى الحصار ، وآن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعود إلى بيته في جيرة الحرم المكي ، مع زوجه المؤمنة الصابرة ، التي بزلت له في المحنة ما أبقى لها الزمن من طاقها .
في عامها الخامس والستين ، وبعد مرور ستة أشهر من إنهيار الحصار مات العم أبو طالب ، ولم تشهد رضي الله عنها مأتمه ، فكانت في فراشها تُوَدّع الدنيا ، وزوجها صلى الله عليه وسلم إاى جانبها يرعاها ، ويتزوّد منها لفراق لا لقاء بعده في هذه الدنيا .
ثم أسلمت الروح بعد ثلاثة أيام بين يدي زوجها الذي تفانت في حبه منذ لقيته ، ودفنه صلى الله عليه وسلم بالحجون ، وبلغت متاعب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أقسى مداها في عام موت خديجة رضي الله عنها الذي سُمِيَ بعام الحزن .
وإلى لقاء قريب إن شاء الله أترككم في معية الله وأمنه
والله المُـــوَفّق
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله ، ختامٌ لا يزال يبدأ ، وبدءٌ لا نهاية له بإذن الله
اللهم ارزقنا محبتك ، وأنعم علينا بالنظر إلى وجهك الكريم ، في جنات النعيم ، وصحبة النبي الهادي الأمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ونفع الله بكـ وزادكـ من علمه وفضله
أسعدكـ الله في الدارين
دمت فـي حفـظـ الله
وجعلة في ميزان حسناتك
وبارك الله فيك
اختك
دموع فتاة