الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد:
أيها الإخوة: إن الله جل وعلا برحمته ومنّته جعل العمر مزرعة تحصد ثمارها في الآخرة، ومن عظيم فضله أن جعل من المواسم ما هو محل للاستزادة من الخيرات والاستكثار من الطاعات والمسابقة فيما هو سبب لحصول جنة عرضها السماوات والأرض.
ومن تلك المواسم العظيمة؛ بل من أبرز تلك النفحات؛ بل هو درة المواسم: ما نحن مقبلون عليه بعد أيام، إنه شهر رمضان المبارك الذي خصّه سبحانه وتعالى بخصائص قدرية كونية، وخصه بأحكام شرعية كثيرة.
ولعل من أعظم الخصائص الربانية لهذا الشهر أن اصطفاه فجعله محلاًّ لنزول أعظم آية أوتيها نبي، ألا وهي القرآن، قال الله جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ1.
هذا الشهر الذي أنزل الله فيه خير كتبه على خاتم رسله يدلك على أن له من المزية والخاصية ما جعله محلاًّ لهذا الاصطفاء والاختيار: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ2.
إن من الخصائص المباركة التي خصّ الله بها هذا الشهر أنه شهر تفتّح فيه أبواب الجنة فلا يبقى منها باب مغلق، وتغلّق فيه أبواب النيران فلا يبقى منها باب مفتوح؛ بل أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم: أن الشياطين تصفد في رمضان ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فتّحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)3.
وعن عرفجة قال: كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدث عن رمضان، قال فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما رآه عتبة هابه فسكت قال: فحدث عن رمضان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان: (تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنة وتصفد فيه الشياطين) قال: (وينادى فيه ملك يا باغي الخير أبشر يا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان) وفي رواية الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: (وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) ثم استمع: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)4. هذه فضائل عظيمة تدلّك على عظيم منزلة هذا الموسم، وأنه درة المواسم، وهو محل لكثير من الخصائص الشرعية، والأعمال العبادية التي يستكثر بها العبد من زاد التقوى من الصالحات التي يسر بها يوم العرض على الله جل وعلا.
ولكن الغريب والعجيب أن ترى نفحات الله وقربه من عباده وترى عكس ذلك من عباد الله العاصين، فكثير من الناس في شهر رمضان يفرون من رمضان! كيف يكون ذلك؟!
في شهرِ تنزل على العباد رحمات الله يهرب العباد منها، نعم! يهربون منها! يذهب كثير من الناس إلى بلدان بعيدة ليقضوا رمضان في السفر والسياحة، وشرب الخمور والمسكرات، والعهر والليالي الحمراء!!.
و"هذا اللجوء إلى السفر إلى الخارج في رمضان بدون حاجة وضرورة بل من أجل التحيل على الفطر وبحجة أنه مسافر لا يجور ولا يحل الفطر فيه، والله لا تخفى عليه حيل المحتالين وغالب من يفعل ذلك -كما سبق- متعاطي المسكرات والمخدرات عافانا الله والمسلمين منها"5.
فالحذر الحذر من تضييع أوقات رمضان، والحذر من محاربة الملك العلام لاسيما في أيام الصيام، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، واستمع إلى داعي الله تعالى وهو يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ6.
اللهم تب علينا يا تواب، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، والحمد لله رب العالمين.
1سورة البقرة (185).
2(68) سورة القصص.
3رواه البخاري رقم: (1899).ومسلم (1079).
4رواه الترمذي: رقم (686)ابن ماجه (1642) وقال الشيخ الألباني: صحيح.
6(53) سورة الزمر.منقول للفائده