ولما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الجماعة قال: (إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم).
يقول محمد عبد الهادي المصري: هم الذين يعتنون بحديث محمد رواية ودراية، باذلين جهدهم على مدارسة أحاديث النبي وروايتها وإتباع ما فيها علماً وعملاً، ملتزمين بالسنة مجانبين للبدعة، متميزين عن أهل الأهواء الذين يقدمون مقالات أهل الضلالة على أحاديث النبي محمد
يوجد رأيان مختلفان من داخل أهل السنة بخصوص أهل الحديث، ففي حين يعتبر الأشاعرة والماتردية أن أهل الحديث هم أحد مكونات أهل السنة والذين تميزوا بالاهتمام بالحديث النبوي دون أن يكون لهم موقف مستقل في العقيدة، نجد أن السلفيين يعدون أهل الحديث أصحاب منهج مستقل في العقيدة فيرى السلفيون أن منهج أهل الحديث في الاعتقاد هو التلقي من نصوص القرآنوالحديث وتقديمها على العقل وسائر النقل من أقوال أوآراء تخالف النصوص المثبتة الواضحة وهو الأمر الذي يتفقون فيه مع الأشاعرة والماتردية، بينما يفتح مجال الاجتهاد فيما لم يثبت أويصح فيه نص. فيرون أن "أهل الحديث والأثر" فرقة اعتقادية مستقلة خالفت أهل الكلام والرأي والنظر من أشاعرة وماتريدية وغيرهم، ورفضت الأخذ بعلومهم الكلامية والمنطقية. ويرى السلفيون أن رأيهم يوافق ما ذكره واعتمده العلماء المتقدمون عند الحديث عن "أهل الحديث والأثر"، وصنفوا الكتب في شرح معتقد هذه الطائفة وتفصيل أفكارها وآرائها (مثل أبي الحسن الأشعري في كتابيه "مقالات الإسلاميين" و"الإبانة عن أصول الديانة"، والحافظ الصابوني في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث"، والحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه "اعتقاد أئمة الحديث"، وغيرهم).
وأغلب الآراء التي ذهبت إلى عدم وجود منهج مستقل في العقيدة لأهل الحديث صدرت من علماء أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتردية كأبي عبد الله البكي ومرتضى الزبيدي بالإضافة إلى جانب من علماء الحنابلة منهم: القاضي أبو يعلى الفرا وابن صوفان القدومي الحنبلي والسفاريني الحنبلي، ويؤكدون على هذا الأمر حينما اعتبرت بعض مصادرهم أن الأشاعرة والماتريدية هم قسم من "أهل الحديث والأثر" اعتنى بالعلوم الكلامية مثل: علاّمة الكويت عبد الله بن خلف الدحيان ومحمد زاهد الكوثري ووهبي غاوجي ، وفوزي العنجري وحمد السنان، وقد أشار إلى هذا الأمر ابن حزم حينما عدّ أبو الحسن الأشعري من متكلمي أهل الحديث ، وبينما يعتبر السلفيين أن الأشعري هو من رموزهم فإن ابن تيمية بدوره يعده من متكلمي أهل الحديث ومن أبرز أئمة أهل الحديث المتكلمين ابن الجوزي والبخاري ، ويعد الأشاعرةُ أئمةَ أهل الحديث كأحمد بن حنبل على ذات العقيدة الجامعة لأهل السنة والجماعة دون أن يكون لهم منهج مستقل في ذلك ومن الأئمة القائلين بهذا الرأي: ابن عساكر والبيهقي وتاج الدين السبكي وعبد القاهر البغدادي
التسمية بأهل الحديث أوأهل السنة والجماعة نشأت على يد الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، وذلك حينما ظهرت فتنة خلق القرآن، فثبت فيها الإمام أحمد وأتباعه أصحاب الحديث.، فارتبط المصطلحان أهل السنة والجماعة وأهل الحديث. وأحمد بن حنبل هو إمام معتمد ومرجع أساس عند كل أهل السنة والجماعة باختلاف مشاربهم سواءّ كانوا حنابلة أثرية أو مالكيةوشافعيةأشاعرة أو حنفيةماتردية. لكن هناك اختلاف بين المنتسبين لأهل السنة حول تفسير توجهات ابن حنبل، واختلافات أخرى حول صحة بعض الأقوال المنسوبة إليه، فبينما يرى الكثير من جماعة السلفية أن الإمام أحمد بن حنبل هو المؤسس الحقيقي لمنهجهم، وأن الإمام أحمد على خلاف حاد مع متكلمي أهل الحديث، وأن السلفية هم الاستمرار التاريخي لمنهج إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل. في المقابل يرى بقية أهل السنة والجماعة وأغلبهم من الأشاعرة والماتردية وجانب من الحنابلة بعدم صحة الكثير من النقولات التي رُويت عن الإمام أحمد بن حنبل، والتي اعتمد عليها السلفيون في تحديد معالم منهجهم، كما يرى هؤلاء أن نشأة أهل الحديث مرتبطة بنشأة أهل السنة، وأن المصطلحان استخدما في أحيان كثيرة للدلالة على العقيدة الجامعة للأثرية والأشاعرة والماتردية، ويرون أن الخلاف التي حدث بين ابن حنبل وبعض المتكلمين من أهل السنة، هو خلاف لا ينقص من صحة معتقد أحدهما.
يعتقد أهل الحديث أنهم أتباع للمدرسة التي أسسها أئمة وعلماء السلف الصالح وأرسوا أصولها. فهم لذلك يعدون السلف الصالح كمؤسسين لمدرستهم الاعتقادية الفقهية لكل أهل السنة والجماعة. ومن أبرز هؤلاء:
من طبقة الصحابة: الخلفاء الراشدونوالزبيروطلحةوسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوفوأبي عبيدة بن الجراحوابن مسعودوأبي بن كعبوسعد بن معاذوبلال بن رباحوزيد بن ثابتوعائشةوأبي هريرةوعبد الله بن عمرو بن العاصوابن عمروابن عباسوأبي موسى الأشعري.
من طبقة التابعين: مسروق بن الأجدع وابن المسيب وأبي العالية وقيس بن أبي حازم وإبراهيم النخعي وأبي الشعثاء والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير وطاوس والأعرج وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعروة بن الزبيروعطاء بن أبي رباحوعطاء بن يسار والقاسم بن محمد والزهري ومنصور بن المعتمر ويزيد بن أبي حبيب وأيوب السختياني ويحيى بن سعيد وسليمان التيمي وجعفر بن محمد وعبد الله بن عون وسعيد بن أبي عروبة وابن جريج وهشام الدستوائي
من طبقة تابعي التابعين: الأوزاعيوالثوري وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وأبي داود الطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق بن همام وإسحاق بن راهوية وأبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن المديني ومسدد بن مسرهد وهشام بن عمار ويحيى بن معين ويحيى بن يحيى النيسابوري. ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي.
وممن تلوهم: البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجة والنسائي والدارمي والطبري والطبراني وابن مردويه وابن حبان.
وهؤلاء الأئمة مجمع على إمامتهم وتقديمهم بين جميع مدارس أهل السنة والجماعة بلا خلاف. وجميعهم ينتسبون إلي هؤلاء الأئمة كل بحسب فهمه ومشربه سواءّ كانوا أشاعرةً أو ماترديةً أو حنابلة أثرية.
الانتشار
تبلور مصطلح "أهل الحديث" أو"أهل السنة" على يد الإمام أحمد بن حنبل. ففي عهد الخليفة العباسي المأمون بدأ بروز فرقة المعتزلة وتقلدهم المناصب المرموقة في الدولة، وأحدثوا ما أسماه أهل السنة بفتنة خلق القرآن، وتسببوا في إيقاع الأذى بكل من خالفهم رأيهم. وكان أشد المعارضين لهم هم "أهل الحديث" وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، الذي خالفهم وأظهر معارضتهم ونال بسبب ذلك أذىً عظيماً. وانتهى هذا النزاع حين تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل من حبسه ودفع الأذى عن أصحابه، ورفع شأنهم ومنزلتهم في دولته، وانتصر لمنهجهم ومعتقدهم. وكانت نقطة التحول الكبيرة في الصراع بين أهل الحديث والمعتزلة هي مواجهة أبو الحسن الأشعري للمعتزلة، والتفاف أهل الحديث حوله باعتباره أقوى معبر عن عقائد أهل السنة في مواجهة المعتزلة وغيرها من الفرق التي اعتبرها كل أهل السنة مخالفة للعقيدة الصحيحة للإسلام، وفي عهد دولة السلاجقة وبالتحديد في عهد وزارة نظام الملك الذي ازدهر في عهده تعليم عقيدة أهل السنة وفق المنهج الأشعري، حيث بنى له المدرسة النظامية في بغداد، ومدرسة نيسابور النظامية.، وأصبحت العقيدة الرسمية لدولة الخلافة العباسية حيث نشر الخليفة القادر مرسوماً بالاعتقاد الرسمي للدولة عرف باسم "العقيدة القادرية"، وبقي العمل بها حتى سقوط دولة الخلافة العباسية على يد المغول.
ومع ظهور الضعف والتفكك على دولة الخلافة العباسية، ثم انهيارها بعد سقوط عاصمتها بغداد في أيدي المغول، أخذت عقائد أهل السنة من أهل الكلام (خصوصاً العقيدة الأشعرية) في الانتشار أكثر. وساعد على ذلك أن السلطان صلاح الدين الأيوبي حين تغلب على دولة الفاطميين في مصر قام بالقضاء على تواجد العقيدة الإسماعيليةالشيعية المفروضة من الفاطميين، وصار معتقد أهل السنة والجماعة على منهج الأشاعرة -والذي كان سائداً ومنتشراً في ذلك الوقت- هو معتقد الدولة الرسمي. ثم تبعه على ذلك سائر سلاطين الأيوبيين والمماليك.
وبينما يرى أهل السنة من غالبية الأشاعرة والماتردية وقسم من الحنابلة أن انتشار منهجهم يعني انتشار منهج أهل الحديث، فهم يرون أن المصصلحان مترادفان، وأنهم فقط تميزوا عن بعض أهل الحديث من الأثرية باستعمالهم علم الكلام، يرى السلفيون في ذلك ضعفًا في انتشار منهجهم أمام الأشاعرة والماتردية، لكنهم يرون أن ثمة معاقل للسلفية بقيت حتى يومنا هذا، حيث يقدّم السلفيون أنفسهم على أنهم امتداد لمدرسة الحديث في المشرق الإسلامي؛ ويرون أن معاقلهم تلك كانت خصوصاً في شبه الجزيرة العربية، وكذلك مدارس الحنابلة بالشام، والسلفية في العراق ومصر والسودان، وأهل الحديث في شبه القارة الهندية.
أما في المغرب الإسلامي، فهناك اختلاف في تفسير الوقائع التاريخية بين السلفيين من جهة وبين الأشاعرة والماتردية من جهة أخرى، فالسلفيون يرون أن المغرب الإسلامي كان على معتقد أهل الحديث (وفق الرؤية السلفية لنشأة منهج أهل الحديث) وأنه كان سائدًا حتى زمن دولة المرابطين الذين أظهروا هذا المعتقد وحاربوا الفرق والعقائد الكلامية ثم خرج عليهم محمد بن تومرت داعياً إلى المعتقد الأشعري، وكفر المرابطين بدعوى أنهم مجسمة ومشبهة، وسمى أتباعه الموحدين تعريضاً بهم، واستباح بذلك دماءهم وأموالهم وأعراضهم، حتى قضى أتباعه من بعده على دولة المرابطين وأسسوا دولة الموحدين على أنقاضها متبنين منهج الأشاعرة، وظل المعتقد الأشعري هوالسائد عندهم حتى يومنا هذا.
ولا ينكر السلفيون حقيقة وجود علماء من كبار الأشاعرة بالمغرب في زمن المرابطين مثل ابن رشد الجد وأبو بكر بن العربي والقاضي عياض. ولكنهم يعتبرون أن التواجد الأشعري في ذلك الزمن لم تتبناه الدولة المرابطية، حيث أنهم يعتبرون المرابطين يتبعون منهج السلفيين ويدعمونهم. كما ظهرت حركات دعوية في المغرب الإسلامي نهجت النهج السلفي؛ مثل حركة الإمام عبد الحميد بن باديس الإصلاحية.
أما الأشاعرةالماتردية فيرون أن عقيدة أهل السنة التي كانت منتشرة في زمن المرابطين لم تكن وفق المنهج الذي تتبعه جماعة السلفية اليوم، وإنما كان المغرب الإسلامي على معتقد أهل السنة المفوّضة، وهو أحد الاتجاهيين الرئيسيين في منهج الأشاعرة، ويرون أن سبب تأسيس دولة المرابطين يعود إلى رغبة أبو عمران الفاسي "المؤسس الروحي لدولة المرابطين" في نشر المنهج الأشعري بحذافيره في الغرب بعد أن انتشر في الشرق، حيث أن الغرب الإسلامي لم يشهد صراعًا فلسفيًا يعتمد على الحجج والبراهين العقلية كما شهد الشرق، لكن المغاربة ومن بينهم أبو عمران الفاسي الذين تتلمذوا في الشرق على أعلام أهل السنة الأشاعرة كأبو بكر الباقلاني، بعد أن رأوا ضراوة الصراع الفكري في الشرق، آثروا نقل المنهج الأشعري بما يحمله من استخدام كبير لعلم الكلام، الأمر الذي عدّوه تحصينًا رادعًا في مواجهة الفرق المخالفة لمعتقد أهل السنة. ويروي الكثير من المؤرخين أن ثمة معطيات تاريخية حالت دون نشر المرابطين للمنهج الأشعري كاملاً كما اعتمده علماء أهل الحديث في الشرق، من بينها قصر عمر دولة المرابطين وعدم استقرارها السياسي، ورغبة طبقة من العلماء المالكية في الحفاظ على نفوذهم في مواجهة المنهج الوافد من الشرق. ويرى هؤلاء المؤرخون أن ابن تومرت استغل تعصب هؤلاء العلماء المتنفذين وضرب على الوتر الديني، متذرعًا بحجج دينية مثل تسمية أتباعه بالموحدين للحصول على مكاسب سياسية، ويرون أن موقف بعض علماء الأشاعرة كأبي الوليد الباجي وأبو بكر بن العربي عندما رفضوا التعامل مع ابن تومرت وأتباعه بعد سقوط الدولة المرابطية يؤكد على الطبيعة السياسية لا المذهبية للصراع. ومن ثم فإن الكثير من المصادر تشير إلى أن المنهج الذي انتشر بشكل واسع بعد سقوط الدولة المرابطية هو عين المنهج الذي سعى له المرابطون منذ البدء وعينوا بعض العلماء في مناصب عليا للمساعدة في نشره وللتقليل من شأن العلماء التقليديين، وأن الصراع بين المرابطين والموحدين كان صراعًا سياسيًا بامتياز وليس دينيًا.
ولم يتوقف المغرب الإسلامي عن نشر عقيدة أهل السنة الأشاعرة التي يرى علمائها أنها تستمد منهجها من أئمة أهل الحديث كأحمد بن حنبل والبخاري، حيث كانت جامعات مثل القرويينبفاس وجامع الزيتونةبتونس هي أهم المراكز العلمية التي ساهمت في ذلك
يعتمد أهل الحديث في تلقي دينهم على المصادر التالية:
القرآن: وهوالمصدر الرئيسي للتلقي عند أهل الحديث. ويستعينون على فهمه وتفسيره بالعلوم المساعدة على ذلك، كعلوم اللغة العربية، والعلم بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وبيان مكيه ومدنيه، ونحوذلك من العلوم.
السنة الصحيحه: والسنة عندهم هي كل ما ثبت عن النبي من الأقوال والأفعال والصفات الخَلْقية أوالخُلُقية والتقريرات. والسنة منها الثابت الصحيح، ومنها الضعيف؛ والصحة شرط لقبول الحديث والعمل به عندهم بحسب قواعد التصحيح والتضعيف. ولا يشترطون أن يكون الحديث متواتراً، بل هم يعملون بالمتواتر والآحاد على السواء.
الإجماع: إجماع السلف الصالح عندهم حجة ملزمة لمن بعدهم. فهم أعلم الناس بدين الله بعد محمد. فإجماعهم لا يكون إلا معصوماً.
وهذه الأصول الثلاثة هي المصادر الرئيسية في التلقي، وأهل الحديث لا يقرون قولاً ولا يقبلون اجتهاداً إلا بعد عرضه على تلك الأصول. ولا يخالفونها برأي ولا بعقل ولا بقياس. بل يجتهدون بأرائهم في ضوء تلك المصادر من دون أن يخالفوها.
القياس: وهوحجة عند جمهورهم سواء كان قياساً جلياً أوخفياً. وخالفت الظاهرية فأخذوا بالقياس الجلي دون الخفي